أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - حسن محسن رمضان - خطورة التسويق للنموذج السعودي للحداثة … الاستقواء بالسلطة ضد الخصوم















المزيد.....

خطورة التسويق للنموذج السعودي للحداثة … الاستقواء بالسلطة ضد الخصوم


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3660 - 2012 / 3 / 7 - 11:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    




تعتبر نصوص التاريخ، كرؤى شخصية من وجهة نظر كاتبها، بأحداثها المتتالية والمتنوعة أحد أهم المصادر التي تسجل هزائم الإنسانية عبر الزمان. فـ “الهزيمة” هو “الحَدَث” الذي يتكرر في كل سطر يكتبه المؤرخ في نصوصه، ولا معنى للتاريخ بدونه. حتى في قصص الانتصارات والنجاح، فإن ما يمثله لنا التاريخ على الحقيقة هو سرد لهزيمة أو فشل لطرف مقابل من نوع ما. فصراع الأطماع والأفكار والفلسفات والأديان هو ليس صراع في سبيل غاية متجردة ومحايدة ومتعالية، أخلاقياً أو حتى إنسانياً في أغلب الأحيان، ولكنه صراع يحمل في داخله رغبة قاهرة لـ “هزيمة” الطرف المعارض والهيمنة ليس فقط على محيطه الفاعل، ولكن حتى على “إنسانيته” بكل ما تفترضها من بديهيات ذات مضمون أخلاقي. التاريخ هو قصص الهزائم الإنسانية بكل تنوعاتها ومحاورها وتشعباتها. والتاريخ أيضاً يكرر نفسه بدرجة أو بأخرى، ليس بالضرورة بتطابق الأحداث، ولكن بتشابه المضمون والفكرة. والحكيم هو من يعتبر من مضامين روايات التاريخ وعِبَره، إذ الغاية الحقيقية من “التاريخ” هو ليس معرفة حوادث الأمم التي سبقتنا بقدر ما هي الفرصة التي تتيحها هذه الحوادث لتجنب هزائمهم.

حكى لنا التاريخ عن المعتزلة. تلك الفرقة التي رفضت رفضاً قاطعاً تقديم “النص”، كألفاظ جامدة ثابتة عبر تعاقب الزمان واختلاف المكان وتراكم المعرفة، على دلالة العقل وبديهياته، وأصرت المعتزلة على أن المعرفة يجب أن تبتدأ مع العقل بواسطة التأمل في ذات الإنسان وما هو حوله لترتقي إلى المعرفة القصوى (المعرفة بالله) وليس من خلال “النص” نزولاً للبشر، وأصروا على تبني “المجاز” في اللغة والنصوص المقدسة وليقدموا للمسلمين حلولاً منطقية لمشكلات العقيدة والنصوص. تلك الفرقة قدمت النموذج الإسلامي الحداثي العقلاني ضد التوجهات الثابتة الجامدة المتطلعة دائماً للوراء وللركود المطمئن على ما عمل به عقل “سلف”، سني أو شيعي، من نوع ما دون غيرهم. استطاع المعتزلة بخطابهم العقلاني أن يقنعوا الخليفة العباسي بآرائهم، وبدا أن فكرهم ومنهجهم هذا كان مُهيئاً لأن يهيمن على الذهنية الإسلامية ليدفع “العقل” إلى المرتبة الأولى في الوعي الإسلامي، ولكنهم وقعوا في الخطيئة الأزلية لكل إنسان يرى نفسه قريباً من السلطة. لقد استقووا بالسلطة ضد خصومهم، واستخدموا السلطان لصالح فرض قناعاتهم فرضاً وبالقوة، تلك القناعة ذاتها التي كانت أصلاً في طريقها لأن تسيطر من دون هذا الاستقواء بالسلطة مع مر العقود والقرون. فالسلطة دائماً ترى (المصلحة الذاتية لصاحب السُلطة) قيمة عليا متعالية في ذاتها، ولكن مضمونها وحلفاؤها وخصومها يتغيرون دائماً، بل يستبدلون مواقعهم، بتغير الأيام والسنين. وما فعلته السلطة بخصوم المعتزلة وبتشجيعهم، فعلت السلطة أضعاف أضعافه بالمعتزلة وبتشجيع خصومهم عندما تغيرت مصلحة السلطة وقناعاتها بعد أن توالت الأيام وتغيرت الظروف. وكانت النتيجة تراجع منهج المعتزلة وفكرهم إلى حدود الاندثار في أغلب العالم الإسلامي وهيمنة الرؤية الأشعرية صاحبة أنصاف الحلول، والرؤية السلفية الراكدة الجامدة التي تتطلع دائماً إلى الوراء وتقف على الدلالة المباشرة للفظ "النص" وإن بدا متناقضاً غير عقلاني وغير قابل للاستيعاب، والرؤية الشيعية الماورائية العجائبية والتي تُقدّم النقل على دلالة العقل بشكل فج سافر، وانتهى العالم الإسلامي إلى ما انتهى عليه اليوم.

برزت في الآونة الأخيرة في الكويت نزعة واضحة من بعض التوجهات الليبرالية لاقتباس المنهجية السلطوية السعودية في فرض رؤية فردية محددة سواء للتنمية أو الحداثة. بل وصل الأمر ببعضهم من خلال بعض الصحف إلى حث السلطة على التعامل مع التوجهات الدينية تماماً كما فعلت الحكومة السعودية مع من انتقدها من شيوخ الدين في مسألة الاختلاط في التعليم الجامعي وصولاً إلى درجة الإعفاء من المنصب خلال أقل من أربعة وعشرين ساعة. خطورة هذا التوجه يتجلى من عدة محاور. أهمها على الإطلاق هو حقيقة أن “الحداثة“، كمنهج، من المستحيل فرضه على الشعوب، لأن المسألة تتعلق بمنهج وبقناعة وفكر وتصرفات وليس مظهراً خارجياً للحداثة. فالكويت تملك المظهر الخارجي للحداثة قبل على الأقل عقدين من الزمان من أي دولة خليجية عربية على الإطلاق، ولكن الفكر والمنهج بقي كما هو من دون تغيير أو تطوير، بقي معتقلاً في القناعات العائلية القبلية الطائفية من أول إدارة الدولة ومروراً بالتوظيف حتى في أقل الوظائف شأناً ونهاية بتصرفات الشعب مع موارده ومنشآته وعلاقته بالآخر المختلف عنه داخلياً وخارجياً. فالمباني الحديثة لا تعني أي شيء على الإطلاق إذا لم يصاحبها تصرفاً حضارياً للمحافظة عليها. والتجهيزات الحديثة لا تعني أي شيء على الإطلاق إذا لم يصاحبها عقلية مستعدة للإستفادة منها لاكتشاف شيء جديد والمساهمة في الدفع الحضاري للمجتمع والعالم. والمناهج الحديثة لا تعني أي شيء على الإطلاق إذا لم يصاحبها ذهنية تعرف أن التميز والإبداع هم المعيارين الوحيدين للنجاح والترقي. فـ “الإنسان” هو المعيار دائماً وأبداً، ومن دونه سوف تسقط كل محاولات “الحداثة” وخصوصاً إذا تم فرضها فرضاً من سلطة قائمة. ثانياً، وهو خطورة الاستقواء بالسلطة على الخصوم فيما يخص المنهج بشكل عام. وإذا كان مثال المعتزلة يعتبر بعيداً في الزمان، فإن التشجيع الحكومي للتوجهات الدينية والقبلية في الكويت لصالح الافتئات على المكتسبات الدستورية ليس منا ببعيد، إذا نرى اليوم بوضوح الانقلاب الثنائي الحكومي من جهة والقبلي – الديني من جهة أخرى ضد بعضهما البعض وبشكل واضح لا لبس فيه. فإذا شاءت التوجهات الليبرالية أن تستقوي بالسلطة ضد خصومها، وتنسى الأساس البديهي للحداثة (أي قناعة المجتمع بالمنهج) والذي يتولى تلقائياً وذاتياً قمع الخصوم فكرياً من دون حاجة للسلطة، فإن النهاية لن تكون سعيدة بكل تأكيد.

النموذج السعودي للحداثة سوف يمر بالتأكيد بعدة اشكالات خطيرة على مستوى المجتمع، بل هو يمر الآن فعلاً بها مع تنازلات واضحة للقوى الدينية عندما تغيرت مصلحة السلطة خلال أقل من سنة ماضية. فالمعارضة الصامتة ( السياسية أو الطائفية) إذا لم يتم التطرق لها بشكل موسع وصريح وحر داخل المجتمع، وإذا لم يكن المنهج في أساسه هو محاولة كسب قناعات الشعب ضد القوى الدينية السلفية الرجعية، فإن النتيجة سوف تكون ذات تداعيات تصادمية وخصوصاً أن هذا المجتمع بالذات كان يتلقى الدعم الحكومي اللا محدود لصالح نفس التوجهات السلفية الذي أراد أن يواجهها منذ حوالي السنتين وبدا فشله عندما تغيرت المصلحة السياسية الداخلية والخارجية. فالحداثة هو منهج يجب أن يبتدأ مع النشئ في المدارس، ويترقى كممارسة ضمن المجتمع، ولا يمكن فرضه فرضاً من أعلى، وخير دليل على فشل هذه المنهجية هو محاولة محمد علي باشا في مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر.

يجب أن يبتعد التيار الليبرالي عن التسويق للمنهجية الحداثية السعودية كما طرحتها ممارسات السلطة السعودية منذ سنتين، لخطورتها أولاً، ولخطأ منطقها ومنهجها ثانياً، ولحتمية التصادم غير البناء من نسيج اجتماعي يغيب عنه الحرية والتفاعل الحر مع السلطة.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السذاجة الإسلامية كما تتجلى في قضية حمزة الكاشغري
- أفضل هدية في عيدها أن نتصارح مع الكويت
- في العلمانية ومفهوم الليبرالية والهدف منهما
- ديموقراطية الشذوذ القَبَلي
- أرى خلل الرماد وميض نار - الحالة الكويتية
- عندما يقول الغرب لكم: إن قبائلكم ومذاهبكم يثيران الاشمئزاز ا ...
- الكلمة التي ألقيتها في الحلقة النقاشية عن مواقع التواصل الاج ...
- إنها قشور دولة
- حقيقة التلبس الشيطاني - الفرق بين أوهام رجال الدين ومنطقية ا ...
- إشكالية المجاميع الليبرالية الكويتية
- السلطة المعنوية لقمة الهرم السياسي الكويتي كما هي عليها اليو ...
- مقالة في الفرق بين التمدن والتحضر
- المشكلة المذهبية في مجتمعات الخليج العربي
- الذهنية السياسية الشعبية الكويتية المتناقضة … الموقف من معتق ...
- في مشكلة الائتلاف والاختلاف ... الحالة الكويتية كنموذج
- الآراء الاستشراقية في نقد النصوص المقدسة الإسلامية
- مقالة في أن الحرية لا بدّ لها من قانون يقننها
- أن الحرية ذات المنشأ الديني هي حرية أنانية بالضرورة
- المنهج الليبرالي وضرورات الإيمان والإلحاد
- الرأي العام في السياسية المذهبية والدينية


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - حسن محسن رمضان - خطورة التسويق للنموذج السعودي للحداثة … الاستقواء بالسلطة ضد الخصوم