أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حسن محسن رمضان - في مشكلة الائتلاف والاختلاف ... الحالة الكويتية كنموذج















المزيد.....

في مشكلة الائتلاف والاختلاف ... الحالة الكويتية كنموذج


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3506 - 2011 / 10 / 4 - 13:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



يحدثنا التاريخ أنه عندما خرج الخوارج على علي بن أبي طالب اشتطوا في الطعن عليه إلى الحد أنهم وصفوه بأنه كافر خارج من الملة، واتهموه بالارتداد عن الدين. ولم يكفهم هذا، بل أشاعوا ذلك بين الناس، عامتهم وخاصتهم، يألبونهم عليه. كانوا يصبحون ويمسون وهم ينعتونه بالكفر والردة، وهو يسمع كل ذلك منهم ويسكت. فقيل له: “دعنا نقاتلهم”، فقال: “قومٌ رأوا رأياً، فدعوهم وما يرون“. ثم تركهم مع قناعاتهم ومنهجهم ورأيهم الطاعن الشاتم فيه وفي جيشه وهو يحاججهم ويحاورهم برأيه ومنهجه وقناعته حتى أتى يوم قتلوا فيه رجلاً من المسلمين. عندها قال علي: “الآن حلَّ قتالهم“.

إن الحوار والنقاش بطبيعته لا يكون إلا في محل خلاف. والأصل في الحوار والنقاش هو مقارعة الحجة والدليل والبرهان بمثلها ضمن إطر أخلاقية وقانونية عامة تشمل قبول الآخر المخالف واحترام آدميته وقناعاته وحقوقه ومواطنته. فحق الاختلاف هو حق إنساني أصيل لا يجب أن يُهمَّش أو يُفتئت عليه بأي حال من الأحوال. فمن المهم جداً أن يقتنع الجميع تمام الاقتناع بأننا لن نتفق أبداً على كل شيء، هذا مستحيل. لم نتفق في الماضي على كل شيء [من يقول غير ذلك هو يكذب عليكم] ولن نتفق اليوم ولن يحدث هذا في المستقبل. الطبيعة البشرية تأبى ذلك، ليس عندنا فقط ولكن عند كل بني البشر في أي البلاد كانوا. انظروا إلى كل شعوب أمم الأرض وبلا استثناء وسوف تجدونهم مختلفين في مواقفهم وآرائهم وقناعاتهم ومطالباتهم. لكن الذي يجمعهم ليكونوا أمة مدنية متحضرة هو احترام القانون والقناعة بتعاليه على الجميع دون استثناء واحترام إنسانية الإنسان على اعتبار أن إنسانيته فوق الأديان والعقائد والمذاهب، وحق هذا الإنسان في الحياة والكرامة والرأي والتعبير حتى وإن لم يعجب ذلك المعترضين عليه أو اختلفوا معه. فالأمم المتحضرة لا تتبنى مفاهيم استخدام العنف والايذاء الجسدي ضمن نسيجها الاجتماعي كما يحدث في دولنا العربية والخليجية، ولا تتفذلك وتتحايل على القانون باستخدام الأقلام أو الأفعال، ولا تُصور من يفعل ذلك (أي من يتفذلك على القانون ويتبنى أعراف بدائية متخلفة في مؤسسات الدولة أو مَنْ يحرض على الفوضى أو على العنف) على أنه “بطل” يستحق الثناء ثم وصفه بأنه “رجل” أو “وطني”(!)، تلك قيم شاذة لا تتواجد إلا في الأعراف البدائية غير المتحضرة ولا مكان لها في أي دولة مدنية تريد أن تحيا وتستمر.

الخطاب السياسي، في أغلب الأحيان، هو خطاب مخادع بطبعه. تلك هي طبيعة السياسة وتلك هي طبيعة المصلحة التي تدور عليها السياسة. لكن ما يجعل هذا الوضع مقبولاً في الدول والمجتمعات المدنية المتقدمة المعاصرة هو أن المستمعين يعون تماماً أن هذا الخطاب هو خطاب “مصلحة” من نوع ما وبالتالي تسقط عندهم مصطلحات التخوين والعمالة و “الانبطاح” وما يتفنن به مستخدموا القاموس “الوطني” العربي والإسلامي. هذا الوضع عند المجتمعات المتحضرة هو على العكس تماماً في المجتمعات الطارئة على الخطاب السياسي الحديث وقيم التحضر والتمدن المعاصرة، إذ أن مصطلح (الوطنية) يلعب دوراً بارزاً في عواطف هؤلاء البشر في السياسة الداخلية (لاحظ وركز جيداً: السياسة “الداخلية” وضمن الشعب الواحد!!!) للدولة وضمن صراع النسيج الاجتماعي الواحد داخل الوطن. فكل شيء يتحول في أذهان هؤلاء البشر إلى صراع بين (وطنيين) وآخرين يعارضونهم يُسبغ عليهم صفات القبح كله وصفات التشكيك كلها. الطامة الكبرى هنا أن ما يسمى بـ (الوطنيين) عندنا هم أحد الكوارث الشنيعة على حاضر هذا الوطن ومستقبله، بل أهم أحد أهم عوامل الهدم المنظم الراهنة لحاضر الوطن ومستقبله. فهم، إذا أخذنا المثال الكويتي ومعارضته المتواجدة على الساحة اليوم، مجموعة لا تمثل أكثر من تجمع لأشخاص خارجون على القانون بسبب طريقة وصولهم للبرلمان، عنصريون حتى النخاع، قبليون طائفيون إلى حدود معاكسة كل قيمة من قيم الدولة المدنية التي تقوم على مبدأ “المواطنة” دون غيرها، متمصلحون بدرجة أولى أو عن طريق أقاربهم من هذا الفساد الذي يهاجمونه ظاهرياً، يحملون مقداراً كبيراً من السذاجة السياسية متمثلة في مشاريعهم التي يتبنونها ويدعون إليها ويجيشون العواطف من خلالها. والطامة الأطم أن هذا “الشعب“ يصدقهم في ادعاءاتهم الوطنية لأسباب متعددة ليس بينها سبب بريئ واحد. انعدام "البراءة" هذه في المواقف السياسية بين أطياف المجتمع وتعمد اخفاء الأسباب الطائفية العرقية لها هي الميزة البائسة الحقيقية لكل هذه المواقف وهذا الحراك الذي يبدو ظاهرياً "بريئ".

ففي الحالة الكويتية، ضمن الصراع السياسي العقيم الدائر فيها والذي يتدخل فيه كل صاحب ثأر ومصلحة ومذهب ودين وطموح انتخابي، قد يشتط بعض الأطراف أو المجاميع المتعددة ضمن النسيج السياسي والاجتماعي في طرح وجهة نظره إلى حدود الإسفاف والتنابز والشتائم والاتهام بدون دليل والصراخ والتشنج وتبني معايير مزدوجة بناءً على القاعدة الشهير (معي أو ضدي) بدون أي رادع حقيقي تتبناه الدولة "المدنية". بل "الدولة" تبدو أحياناً وكأنها طرف يتبنى التآمر على القانون وعلى النسيج الاجتماعي ضمن محاور المذاهب والأعراق والإصول وتقسيمات الولاءات. ولا عجب، إذ هم الجميع الحقيقي هو الـ “أنا” وإن كانوا يتظاهرون أمام الناس بأن هدفهم المصلحة العامة. فهم ”وطنيون” ولكن من طراز مختلف عن وطنيي باقي أمم وشعوب العالم المتحضر. إذ هُم على الحقيقة إما فئويون أو طائفيون أو قبليون أو طبقيون أو متمصلحون يمثلون كل ما هو شاذ أو سيئ إما على مستوى القيم الإنسانية السوية أو على مستوى التأثير على حاضر ومستقبل هذا البلد. ولكنهم في النهاية (قومٌ رأوا رأياً) ويجب علينا، أي المخالفين لهم، أنْ نعطيهم حقهم في إبداء رأيهم ضمن حدود القانون، فإذا شعرنا بانتهاك القانون أو الكرامات لجأنا إلى نفس هذا القانون طالبين القصاص منهم وناشدين العدالة. إلا أن القتيل هذه المرة هو "الوطن"، فيجب أن يتم رفع الشعار ضدهم (الآن حلّ قتالهم)، إلا أن "قتالهم" هو على المعنى المدني المتحضر الذي يتبنى الوسائل السلمية والقانونية في الكشف والاقناع وعدم المجاملة ورفض القبول لاطروحاتهم مشبوهة الدوافع الحقيقية ذات المنبع الفئوي الضيق.


نختلف … نعم. نتحاور أو نتجادل بهدوء أو بصراخ وغضب … ليكن ذلك. حتى ضمن الخلاف الذي يوقع ضرراً نفسياً أو في الكرامات، فإن ساحة القصاص تكون في المحاكم وعند القضاة وليس في الساحات الترابية وفي الممرات الخلفية للمنازل وباستخدام العصي وأجهزة الصعق الكهربائي كما حدث في الكويت في ديوان أحد نواب الأمة وبحضور برلمانيين آخرين ضد شخص آخر يرفضون اطروحاته ومطالبته بكشف مزدوجي الجنسية. فإذا تعدى أي أحد كان من مواطنينا تلك الحدود التي تحرمها دولة القانون ليحاول أن يقفز بنا إلى مفاهيم الهمجية والغوغائية ودولة اللاقانون، فيجب أن نقول له كما قال علي بن أبي طالب عندما انتهك الخوارج إنسانية ذلك الرجل وسلبوه حياته، هذا الرجل الذي ربما كان إنساناً سيئاً غير محبوب عند البعض: (الآن حلَّ قتالهم). فانتهاك إنسانية الإنسان المخالف مذهبياً أو عرقياً أو فكرياً هو أخطر تهديد على الإطلاق من الممكن أن يواجهه أي مجتمع، لأن النتيجة سوف تكون انهيار داخلي كامل وشامل سريع ومفاجئ وسوف يجرفنا طوفانه جميعاً لا محالة، وخير دليل: لبنان والعراق. ولكن القتال الذي أقصده، وهو ما يجب أن ينخرط فيه كل “إنسان” يريد أن يحيا كريماً مُصاناً في وطنه، هو استخدام جميع الوسائل التي تتيحها الدولة المدنية ضمن دساتيرها وقوانينها وأعرافها لصالح ترسيخها في أذهان المخالفين لها وخضوعهم لتعاليها وسموها مُصرّين على أن يتعالى القانون عليهم ويهيمن على أفعالهم وأن يأخذ كل ذي حق حقه، في نفس الوقت الذي نأمل فيه أن يقبل إخواننا من الطرف الآخر تلك القناعات المدنية المتحضرة عن طيب خاطر ويحنوا رأسهم لها، فالكويت تتسع لنا جميعاً إذا جمعتنا قناعاتنا بالدولة المدنية التي تتعالى على الفئوية وضرورة الحفاظ عليها، أما على غير هذا الشرط ... فلا سِلمَ.

فهي واحدة من اثنتين، إما التحضر والحياة أو الهمجية ومن ثم الممات …. ولا خيار للحكماء إلا الخيار الأول.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الآراء الاستشراقية في نقد النصوص المقدسة الإسلامية
- مقالة في أن الحرية لا بدّ لها من قانون يقننها
- أن الحرية ذات المنشأ الديني هي حرية أنانية بالضرورة
- المنهج الليبرالي وضرورات الإيمان والإلحاد
- الرأي العام في السياسية المذهبية والدينية
- في أوهام الشعار الإسلامي (صالح لكل زمان ومكان)
- المشكلة العرقية في المجتمع الكويتي
- المشكلة السياسية في الكويت
- الخطاب التمجيدي الإسلامي
- ضرورة إعادة قراءة وصياغة الفقه الإسلامي
- والشعب أيضاً كان يريد إسقاط النظام أيام عثمان بن عفان
- الحرية التي نريد


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حسن محسن رمضان - في مشكلة الائتلاف والاختلاف ... الحالة الكويتية كنموذج