أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - يعقوب ابراهامي - في ذكرى اغتيال صديقي شهاب أحمد التميمي















المزيد.....

في ذكرى اغتيال صديقي شهاب أحمد التميمي


يعقوب ابراهامي

الحوار المتمدن-العدد: 3656 - 2012 / 3 / 3 - 18:33
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


تعليق قصير وقع عليه نظري عندما كنت أراجع مقالات سابقة لحسقيل قوجمان في "الحوار المتمدن" (تمهيداً ل"الهجوم الكاسح") أرجعني أكثر من نصف قرنٍ إلى الوراء.
وهكذا كتب د عباس التميمي في تعليقه:
" تحل الذكرى الرابعة لاغتيال الصحفي والمناضل شهاب احمد التميمي
ولم تعرف جهة الغدر كما ان اصحابه اخذوا في نسيانه
وقد وددت ان اسمع من كل معارفه التعليق على الاغتيال او كتابة ذكرياتهم عنه مع التقدير"
لا أذكر بالضبط متى وأين التقيت بشهاب أحمد التميمي للمرة الأولى. هل كان ذلك في سجن الكوت أم سجن بغداد؟ أو ربما بعقوبة أو نقرة السلمان؟ ليست لي موهبة سعاد خيري في سد ثغرات الذاكرة بقصصٍ وهمية لا أساس لها من الواقع (عن هذا سنتحدث في مناسبةٍ أخرى). أغلب الظن إن لقائي الأول مع شهاب كان في منتصف عام 1949 في سجن نقرة السلمان. أنا نقلت من سجن بغداد الى نقرة السلمان بعد الحكم علينا مباشرة، وهو نقل ألى سجن نقرة السلمان ضمن السجناء الشيوعيين الذين نقلوا من سجن الكوت بعد إعدام فهد ورفاقه.
كان شهاب أصغر السجناء الشيوعيين سنّاً وموضع حب وإعجاب الجميع. شاب في عنفوان شبابه (في الخامسة عشر من عمره) يتقد حماساً (يحلم بتغيير العالم ولا يشك بقدرته على تحقيق ذلك)، جريئاً لا يعرف معنى الخوف، اختطفته الشرطة من مقاعد الدراسة في مدينته الشطرة التي أحبها، من خضم مظاهرات الوثبة التي هزت العراق، وأرسلته مباشرة الى سجن الكوت حيث الرفيق فهد.
(جاء في قرار حكمه: "لقد رأفت المحكمة بالمجرم (شهاب التميمي) لكونه طالبا وصغير السن فحكمت عليه بالسجن اربع سنوات وسنتين تحت مراقبة الشرطه")
كان شهاب يقص لنا في كل مناسبة (أو ربما هذا لم يكن شهاب بل شخص أخر. ربما أنا أخلط بين الأسماء بعد مرور اكثر من خمسين عاماً. أنا أعرف إن ذاكرتي ليست من طراز ذاكرة سعاد خيري الفريدة من نوعها. لا! أنه بالتأكيد شهاب لأن هذا هو شهاب) - على كل حال كان شهاب يقص لنا كيف دخلوا الى قاعة السجن للمرة الأولى، كيف وقفوا صفاً واحداً وامامهم السجناء القدامى، وعلى رأسهم الرفيق فهد، وأخذوا ينشدون نشيد "حرروا العراق":
حرّروا العراق واسحقوا الطغاة
وحدوا الصفوف تبلغوا النجاة
نحن الكادحون عزماً ومضاء
دوماً سائرين ما لنا انتهاء
نمضي شاهرين سلاحنا المتين
هبوا يا رفاق حرروا العراق
(يحكى أن الرفيق فهد قال مرة أنه موجود في الحركة الثورية منذ عشرات السنين ولا يزال يرتعش من أعماق نفسه كلما سمع هذا النشيد).
كم كنا سذجاء آنذاك! ومع ذلك تلك كانت أجمل أيام حياتنا.
ارتبط اسم شهاب أيضاً بقصة كان يتراودها الشيوعيون في السجن وخارج السجن وهي تشهد على شهاب وعلى الرفيق فهد.
شهاب الذي جاء مباشرةً من مظاهرات الطلبة، الذين كانوا في الواقع القوة الحاسمة في الوثبة، لم يفهم لماذا يقولون ان الطبقة العاملة هي طليعة النضال من أجل التحرر الوطني، وسأل الرفيق فهد: : إذا كان العمال هم الطليعة وهم يقودون النضال , فما هو دور ومكانة الطلبة إذن؟
إبتسم الرفيق فهد وأجابه: "إن الطلبه هم ورود في صدر الطبقة العاملة".
(يمكننا أن نناقش صحة هذه المقولة عن دور الطلبة، والمثقفين بصورة عامة، في مرحلة التحرر الوطني في بلدانٍ كالعراق، في اربعينيات القرن الماضي، حيت كان الطلبة والمثقفون في الواقع، لا العمال، هم طليعة الحركة الوطنية، إلاّ أن جواب الرفيق فهد هذا يقول الكثير، دون شك، عن الرفيق فهد وعن قيادته السياسية والفكرية)
كان لقائي مع شهاب بداية صداقة حقيقية حميمة استمرت سنين، تخطت حدود السجن (استمر يراسلني بعد أن اطلق سراحه وأنا لا زلت سجيناً) والحدود الجغرافية (بعد أن اطلق سراحي وابعدت عن العراق).
كانت هذه قرابة وثيقة بين شخصين يعرف كل منهما ماذا يفكر الآخر، ماذا يفضل وكيف يجيب على الأحداث. وعندما انضم إلينا فيما بعد محمد عبد المطلب ("الفيزياوي اللامع" - كان يطلق عليه شهاب) اكتملت "الثلاثية".
ما لم نناقشه داخل "الثلاثية"؟ أي أراءٍ "متمردة" لم يجر طرحها في "الثلاثية"؟
وألى جانب ذلك كان لكل فردٍ من أفراد "الثلاثية" دوره الخاص: محمد عبد المطلب كان يلقننا دروساً في الفيزياء ويصر على أنني خلقت للرياضيات لا للأدب أو السايسة. أنا كنت ألقي من الذاكرة قصائد للجواهري وأنال إعجاب الجميع بذاكرتي الخارقة. وشهاب كان يقص لنا روايات (أغلبها من نسج خياله) عن بطولات أهالي الناصرية والشطرة بصورة خاصة.
بعد خروجي من السجن، عام 1957، وترحيلي إلى إسرائيل (تقول سعاد خيري في ذكرياتها إنها كانت تفضل الموت في السجن على الرحيل إلى إسرائيل. أنا أنذاك، والحمد لله (أين أغصان؟)، لم أكن قد بلغت بعد هذه الدرجة المتقدمة من اختلال التوازن العقلي) أنقطعت صلاتي بشهاب حتى ثورة 14 تموز عام 1958.
"لا أكاد أصدق نفسي أنني أكتب إليك" - كتب لي شهاب في 6/2/ 1961 في أول رسالة بعد أن تجددت الإتصالت بينناعن طريق محمد عبد المطلب الذي قدم في هذه الأثناء الى دريسدن في المانيا الشرقية لإتمام دراساته والتخصص في الفيزياء النووية.
"هذا الأخ (محمد عبد المطلب) قد سجل مفخرةً جديدة حين وفر لنا أسباب الإتصال . . . وسأظل أذكر له هذه المفخرة مدى الدهر" - كتب شهاب في رسالته ثم أخذ يقص عليّ أخباره:
"تتساءل في رسالتك للأخ محمد عن أخباري . . . وعما أعمله في الوقت الحاضر . . . فباختصار وتركيز . . . إنني عشت في النصف الثاني من عام 1958 في مدينتي الجميلة! (كم كان شهاب يحب مدينته!) وكانت حياة صاخبة يمكنك أن تكون لك عنها صورة مقاربة (أعتقد أنه يشير هنا الى النقاشات الصاخبة داخل "الثلاثية") . . .ثم انتقلت ألى مركز اللواء ومكثت فيه عدة شهور . . . جئت بعدها إلى بغداد . . . فعملت فترة من الزمن في مجالٍ كنت أهفو أليه منذ سنين . . . ذلك هو مجال "الصحافة" . . . غير أن سوء حظي العاثر حال دون استمراري بها أكثر من فترة لا تغني ولا تسمن من جوعٍ ولا تطفئ من لهفة". هذا هو شهاب.
وفي 15/1/1962 كتب لي معتذراً عن محتوى رسالته:
"بالطبع كنت تنتظر مني أحاديث شيقة من نوعٍ آخر . . . على الأقل أحدثك متغنياً عن مسقط الرأس بغداد . . . عن مدينتي الجميلة (شهاب لا ينسى أبداً مدينته الجميلة: قد تكون بغداد مسقط رأسك جميلة، لكن مدينتي، الشطرة، أجمل بكثير - ي. أ.) . . . عن الأصدقاء . . . عن الذكريات الموؤودة . . . عن كل شيء له صلة بالوطن.
"في الأول من العام الجديد بعثت لك ب(22) كارت تمثل مناظر من بغداد كهدية مناسبة للعام الجديد."
وفي رسالة لم استطع العثور على تاريخها شرح لي سياسته في أرسال الكتب والمطبوعات إليّ:
"كان المنتظر أن أقوم بانتقاء الأنواع الصالحة التي صدرت في غيابك . . . غير أنني وجدت من الصحيح أن تقف على كل ما صدر عندنا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بغثه وسمينه، وحتى أحياناً باتجاهاته المختلفة - وهذا ما سأنفذه مستقبلاً - لكي تخرج بالصورة الحقيقية التي تعكس التطور الفكري الأدبي عندنا خلال سني العهد الجمهوري".
ثم جاء انقلاب البعث الفاشستي.
"لا أعرف مصير شهاب والنخبة العزيزة من الأصدقاء" - كتب لي محمد عبد المطلب من دريسدن في 22/3/1963- "لا أعلم مصير والدي وأخواني . . . لا أعرف من مصير أيٍّ ممن أعرف غير ما تنشره الصحف أو الإذاعات من أخبار القتل والإعتقال . . .
"لقد سعى عبد الكريم قاسم الى حتفه بظلفه، وجرّ معه إلى المجزرة الشعب العراقي."
فقدت الإتصال بشهاب وانقطعت عني أخباره.
بعد أن حرر الإحتلال الأمريكي العراق من الطاغية صدام حسين حاولت الإتصال بشهاب ثانية ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل. لم أكن أعلم أنذاك إن صديقنا المشترك محمد عبد المطلب قد توفى في برلين. أنبأني بذلك الزميل علي عجيل منهل منذ زمنٍ غير بعيد.
تابعت أخبار شهاب أحمد التميمي عبر الإنترنيت. عرفت أنه يحتل مكاناً مرموقاً في الصحافة العراقية (حلم حياته) وأنه انتخب نقيباً للصحفيين العراقيين. عرفت أنه يتمتع بتقدير رفاقه واحترامهم ولكنني لم أنجح في إعادة الإتصال معه.
الى أن وصلتني الأخبار أن الأوغاد قتلوا صديقي العزيز شهاب أحمد التميمي.
في 24/2/2008 أطلق الأنذال عليه النار وهو في سيارته مع أبنه وفي 27/2/2008 لفظ أنفاسه الأخيرة.
هذا المقال مكرس لذكراه.
ومن "الثلاثية" لم يبق إلاّ "الصهيوني".



#يعقوب_ابراهامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعادلة
- من يريد أن يشطف دماغه؟
- العقدة الصهيونية
- -La Femme Fatale- أو: هي ليست جان دارك
- أخبار من العدو الصهيوني
- محامي الشيطان أو عمّن يدافع محمد نفاع؟
- الحكيم الذي لا تكفيه الإشارة
- قتلناهم وقتلونا
- إنتصار الأمهات
- لماذا ابتسمت أحلام التميمي؟
- שנה טובה! (سنة طيب ...
- ديالكتيكهم وديالكتيكنا - ستالينيتهم وماركسيتنا-2
- غوغاء لا حثالات ولا ثوار يقتحمون الباستيل
- إخفضوا رؤوسكم أنتم مصريون!
- ديالكتيكهم وديالكتيكنا - ستالينيتهم وماركسيتنا-1
- خطوة الى الوراء
- أي بيت فلسطيني تحتل يا يعقوب؟
- الخدعة الكبرى : نظرية التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي
- أنا إرهابي فخور
- كلنا رائد صلاح؟!


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - يعقوب ابراهامي - في ذكرى اغتيال صديقي شهاب أحمد التميمي