أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (3)















المزيد.....



الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (3)


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3655 - 2012 / 3 / 2 - 08:57
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الفصل الاول
المرتكزات النظرية، والادوات الفكرية
_____________________________________________________________
وينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث على النحو التالى:
المبحث الاول: الاقتصاد السياسى، كعِلم إجتماعى.
المبحث الثانى: فن ترتيب الافكار وقضايا المنهج.
المبحث الثالث: 500 عام من الانحطاط !!
المبحث الاول : الاقتصاد السياسى كعِلم إجتماعى
ونقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: ما الاقتصاد السياسى؟
المطلب الثانى: القيمة والثمن.
المطلب الثالث: " مداخلة" الشركات دولية النشاط.
المطلب الاول: ما الاقتصاد السياسى؟
العِلم الفريد والملفت للنظر
فى عباراتٍ شديدة الوضوح والتعبير، عن أزمة الماهية التى يُعانيها الاقتصاد السياسى"عند البعض" كعِلم إجتماعى، كَتبت روزا لوكسمبورج:"الاقتصاد السياسى عِلم فريد مُلفت للنظر، تبدأ الخلافات والصعوبات معه منذ الخطوة الاولى، أى منذ أن يُطرح هذا السؤال البديهى: ما هو، بالضبط، غرض هذا العِلم؟ إن العامل البسيط، الذى ليست لديه سوى فكرة مبهمة عن العِلم الذي يلقنه الاقتصاد السياسى، يعزى عدم يقينه إلى النقص الحاصل فى ثقافته الخاصة. غير أنه يُشاطر، بمعنى مِن المعانى، سوء حظه كثيراً مِن العلماء والمثقفين الذين يكتبون مجلدات ضخمة، ويلقون فى الجامعات عشرات المحاضرات أمام الشبان، حول الاقتصاد السياسى. إذ مِن واقع الأمر أن معظم أخصائيى الاقتصاد السياسى، ومهما بدا هذا أمراً غير قابل للتصديق، ليست لديهم سوى فكرة مشوشة للغاية عن الغرض الحقيقى للاقتصاد السياسى"(1)
إننى أظن أن روزا تدعونا هنا إلى إجراء التعرف على مفهوم العِلم؛ حتى يُمكن أن نُكون، مِن ثم، الوعى بعِلم الاقتصاد السياسى. وهو العِلم الذى نستعين بأدواته الفكرية ونحن فى طريقنا الباحث عن إشكالياتنا النظرية التى ننشغل بها عبر صفحات البحث.
فما هو العِلم؟
عِلم الاقتصاد السياسى. هكذا يتردد؛ إذاً نحن ظاهرياً، على أقل تقدير، أمام جسم نظرى يُدعى عِلم، فهل هو عِلم حقاً؟ ولعل السؤال من باب أولى يكون عن ما هو العِلم؟ إنطلاقاً مِن رفض التعريفات، والاعتماد على التحديدات يُمكننا القول بأن العِلم هو طريقة تفكير لتفسير ظاهرة مُعينة تُميز نفسها بمنهج وموضوع خاص، ومِن ثم الكشف عن القوانين الموضوعية الحاكمة للظاهرة. ولا يُمكن على الاطلاق الحديث عن وجود عِلم دون وجود الظاهرة؛ فالظاهرة هى السبب الرئيسى وربما الوحيد الذى يُؤدى إلى ظهور الطريقة التى مِن خلالها يسعى الذهن مِن أجل تفسيرها، أى الظاهرة، والكشف عن قوانينها الموضوعية؛ فيُمكن القول بأن عِلم الفلك، على سبيل المثال، مِن أسبق العلوم ظهورأً؛ إذ نشأ كى يُفسر ويُقيّم القوانين والشروط الموضوعية للعديد مِن الظواهر(المتكررة) التى أرقت الذِهن البشرى منذ بداياته الأولى، مِن رعد وكسوف وخسوف وأمطار إلى آخر تلك المظاهر الطبيعية (المتكررة) التى إستلزمت تبلور طريقة تفكير معينة شكلاً وموضوعاً تنهض بتفسير الظاهرة وتُحدد لها الشروط والقوانين الموضوعية. أُحدد هنا العِلم ولا أعرفه، أحدده بتحديد إنعكاسه المباشر وهو التفكير العِلمى. وذلك تجاوزاً لكون العِلم(ونقصد هنا العلم الاجتماعى) هو: مجموعة القوانين والشروط الموضوعية المستنبطة والتى تفسر ظاهرة(إجتماعية) معينة. فطالما كان تحديد العِلم مِن خلال ما يَكشف عنه أكثر إيجابية فمِن الاوفق الركون إلى تحديده فى حالته الديناميكية، ومِن ثم القول بأن العِلم هو طريقة التفكير، تعبيراً عن العِلم والتفكير العِلمى معا، لعدم إمكانية فصل الموضوع عن المنهج إلا كحيلة منهجية لإعتبارات التبسيط ودَرس كل منهما على إستقلال. ولكن، ومنعاً للارتباك فسنَعمد إلى تفصيل التحديد بشكله التقليدى، على النحو التالى، تاركين، مؤقتاً، ما نفضله مِن تحديدات.
أولاً: العِلم، وبالطبع نقصد هنا العِلم الاجتماعى: فهو مجموعة القوانين الحاكمة لظاهرة إجتماعية ما، والوصول إليها بالبحث فى، وعن، شروطها الموضوعية.
ثانياً: أما التفكير العِلمى: فهو الطريقة التى يتبعها الذهن مِن أجل البحث والكشف عن أو/و فى تلك القوانين الحاكمة للظاهرة، بحثاً فى، وعن، الشروط الموضوعية التى تَحكُم الظاهرة.
ثالثاً: لا يوجد، ولن يوجد عِلم، بدون "ظاهرة واضحة وجوهرية ومتكررة"، فالذى يُنشىء العِلم هو الظاهرة المتكررة وليس العكس، فالذى يُنشىء عِلم الاقتصَاد السياسى للنقود هو هيمنة النقود فى التعامل اليومى بين البشر، والذى يُنشىء الاقتصاد السياسى للمصارف والمؤسسات المالية، هو ظهور المصارف والمؤسسات المالية، وليس العكس، كما وأن أنشأ الخسوف والكسوف والرعد والبرق(كظواهر طبيعية متكررة تحتاج إلى تفسير) عِلم الفلك، وعلوماً أخرى، وليس عِلم الفلك أو عِلم الجغرافيا مثلاً، هما مَن قاما بإنشاء الرعد أو البرق، أو السهول والاودية وممرات السيول. وهكذا، فحينما يتحول الانتاج مِن الانتاج بغية الاشباع المباشر، ويُصبح بقصد التداول. بقصد البيع. بقصد الربح، كظاهرة منتظمة ومتكررة الحدوث، فيتعين حينئذ ظهور مجموعة مِن القوانين الموضوعية التى تَحكُم ظاهرة الانتاج السلعى تلك، ومن ثم إقتصاد المبادلة النقدية المعممة.
فهل الاقتصاد السياسى عِلم؟
فى كتابِهِ القيّم والاصيل"مبادىء الاقتصاد السياسى"(2) قام أستاذنا الدكتور/محمد دويدار، بالتصدى لهذا السؤال، وطرَح السؤال التالى: هل الاقتصاد السياسى عِلم؟ وإنطلق بخطواته المنهجية الواثقة المعهودة نحو الاجابة، وبعد أن حدد معنى العِلم(أبستمولجياً، أى معرفياً) وصولاً إلى تحديد موضوع الاقتصاد السياسى المنشَغِل، من وجهة نظره، بدراسة العملية الانتاجية بين الانسان والطبيعة مِن جهة، وبين الانسان والانسان مِن جهةٍ أخرى؛ فقد ذهب إلى أن الاقتصاد السياسى يَكُون عِلماً إذ ماتجمعت له العناصر المكونة للعِلم مِن جهة: (الموضوع) و(المنهج) و(الحد الأدنى مِن المعرفة اليقينية) تلك العناصر يتعين أن تكون حين توافرها موضع إختبار للتيقن مِن صحتها على أرض الواقع؛ فما هو، نصيب الاقتصاد السياسى مِن تلك العناصر؟
فبشأن الموضوع؛ وبعد أن قرر صراحة بأنه عِلم طرق الانتاج(3)على الرغم من تقريره أن الاقتصاد السياسى لم ينشأ إلا فى مرحلة ميلاد الرأسمالية. فأستاذنا الدكتور/محمد دويدار، يرى أن للاقتصاد السياسى موضوع مُحدد يتعلق بالعلاقات الاجتماعية التى تأخذ مكاناً بوساطة الاشياء المادية والخدمات، وهو ما يُميزها، من وجهة نظره كذلك، عن غيرها مِن العلاقات الاجتماعية كالعلاقات فى داخل الأسرة والعلاقات السياسية، وغيرها. كما أن الظواهر الاقتصادية التى يتعلق بها موضوع الاقتصاد السياسى، تحكمها قوانين موضوعية تُمثل خصيصة حقيقية لهذه الظواهر، يزيد على ذلك أن هذه القوانين مُستقلة عن إرادة الإنسان بمعنى آخر، هذه القوانين تَحكم الظواهر الاقتصادية دون إعتداد بإرادة الافراد ولا بوعيهم أو عدم وعيهم بهذه القوانين؛ وذلك لسببين:
أولهما: إن الظروف الاجتماعية التى تُباشِر فيها جماعة معينة نشاطها الاقتصادى، ظروف محددة تاريخياً؛ فكُل جيل يتلقى مِن الاجيال السابقة تراثاً، بالمعنى العام، ومِن العلاقات الاقتصادية، ومِن قوى الانتاج، ومِن المعرفة العِلمية والفنية المتراكمة عبر الأجيال، كُل ذلك يُمثل بالنسبة لهذا الجيل نقطة البدء فى عملية الانتاج، يُضاف إلى ذلك أن عملية الانتاج هى فى ذات الوقت عملية للانتاج ولتجدد الانتاج، بمعنى أن الانتاج فى خلال فترة معينة، ولتكن السنة الحالية، يُحقق فى نفس الوقت شروط الانتاج فى الفترة التالية، ولتكن السنة التالية، وهو ما يَعنى أن الانتاج فى خلال فترة ما يَعتمد على تحقق شروطه فى الفترة السابقة.
وثانيهما: إن النتيجة الاجتماعية للنشاط الاقتصادى هى مُحصلة لتفاعل الجديد مِن النشاطات الفردية المتشابكة، الأمر الذى يُعطى لهذه النتيجة الاجتماعية تفرداً عن كُل عمل من الاعمال الفردية التى ساهمت فى تحقيقها فيما لو أُخذ هذا العمل على حده، فعلى الرغم مِن أن كل مَن قام بجزء مِن النشاط قد ساهم فى تحقيق النتيجة الكُلية، إلا أن هذه الاخيرة تَبرز كنتاج لتفاعل النشاطات المختلفة للافراد والمجموعات الاجتماعية، وهو ما يُعطى هذه النتيجة إستقلالاً معيناً عن إرادة الافراد الذين يُمارسون النشاط الاقتصادى فى المجتمع.
وإلى هنا فاننى لا أختلف إطلاقاً مع أستاذى، وحتى حين إختلافى فإنه الإحتماء فى معطفه الملكى، ويتبدى وجه الاختلاف فى فهمى "لموضوع"علم الاقتصاد السياسى نفسه، وتلك هى الاشكالية الرئيسية، فى نقطة جوهرية مؤداها: أنى لا أتمكن من فهم الاقتصاد السياسى إلا كعِلم لنمط الانتاج الرأسمالى فقط، وأحدد عِلم الاقتصاد السياسى كما ذكرت، بإعتباره:"العِلم المنشغل بدراسة النظرية الكمية والنظرية الموضوعية فى القيمة، والتناقُضات الكامنة فيها، والتى تَتَطور على أساسِها، أى التناقُضات، الظاهرةُ الاجتماعية مَحل البحث"، موضوع الاقتصاد السياسى، لدي، هو عِلم نمط الانتاج الرأسمالى، وإنما إبتداءً من ظاهرة القيمة، فى تطورها الجدلى، والقانون الحاكم لها على الصعيد الموضوعى وعلى الصعيد الكمى، وإننى أعتنق هذا التحديد لموضوع الاقتصاد السياسى، كعِلم إجتماعى مُنشغل، فى المقام الاول، بالقيمة وتطورها الديالكتيكى، ومن ثم أعيد النظر فى"الموضوع" بالتأسيس على الحجج الأتية:
(1)إن الظواهر الاجتماعية التى تبلورت، وتكررت، حتى صارت من القواعد العامة، والتى نشأ الاقتصاد السياسى كى يُفسرها ويَكشف عن القوانين الموضوعية التى تحكمها، هى ظواهر تعتمد بالاساس على "القيمة"،كمياً وموضوعياً، فلولا "الانتاج الرأسمالى وتجدده بوجهٍ عام" أى الانتاج مِن خلال نمط الانتاج الرأسمالى، وتجدد هذا الانتاج، ما كان للاقتصاد السياسى الوجود المستقل عن باقى العلوم الاجتماعية.
(2)وكما أسلفنا، بأن الظواهر التى طرحت نفسها لم تكن لتتعرف عليها المجتمعات السابقة على الرأسمالية، فلم يكن هناك "رأس مال، كعلاقة إجتماعية"، ولم يكن هناك" تضخم"، ولم يكن هناك ما يسمى بـ "التراكم" ولم يكن الانتاج يتم بغرض البيع فى السوق، ولم يكن العمل سلعة ، ولم يكن "الربح" ليتكون فى حقل الانتاج، بل ولم يكن هناك ما يسمى بـ "الربح " إلا فى حدود ضيقة، وتخص العمل التجارى، الذى يقوم بالاساس على الشراء مِن أجل البيع، والعكس، ولكن الشراء أو البيع إنما يكونا لسلع نهائية الصنع. شراء السلع ثم بيعها، وليس تصنيعها ثم بيعها، كان الذى يُمثل القاعدة.
(3)ولأن كُل تلك الظواهر لم تكن إلا مع ظهور الرأسمالية كنمط إنتاج سائد، فقد كان لابد مِن ظهور عِلم يُفسر ويَرُد تلك الظواهر إلى الكُل الذى تنتمى إليه، ومِن ثم ظهر الاقتصاد السياسى، كعِلم، كى يُفسر، فى المقام الاول:" الظواهر الرأسمالية، بمعنى آخر:كى يُفسِر الظواهر الاجتماعية التى تتعلق بقوى الانتاج وعلاقات الانتاج وتطورهما الجدلى فى سياق الرأسمالية كنمط للانتاج". وعلى وجه التحديد كى يقوم بإعطاء تفسيراً لذلك التعديل الطفيف، والعميق جداً فى نفس الوقت، الذى طرأ على نص الصيغة (ن - س – Δ ن) إلى حيث نص الصيغة(ن- و أ+ق ع- س- Δ ن)وكى يُفسِر كذلك جميع الظواهر التى تتماس مع نص الصيغة الاخيرة، مِن أرباح، وأثمان، وفوائد، وأجور، وريع. وهكذا أفهم الاقتصاد السياسى، كعِلم مُنشغل بالانتاج وتجدد الانتاج والوحدة الانتاجية(مِن الفرد حتى الدولة، مروراً بالمؤسسات دولية النشاط) ولا يقتصر مفهوم العامل على حقل الصناعة، كما فهمت أوروبا وأفهمت العالم، وإنما ينسحب المفهوم، أياً ما كان المسمى، على العاملين فى قطاع الزراعة والعاملين فى قطاع الخدمات. طالما نشطت الصيغة (ن- و أ+ ق ع- س- Δ ن) إذ، كما ذكرنا، مع الرأسمالية تحول الطبيب والمعلم والشاعر وإمام الجامع، والكاهن، إلى شغيلة فى عداد المأجورين.
(4) فالصيغة (ن- و أ+ق ع- س- Δ ن) والتى بمقتضاها، كما سنرى، تتحول النقود (ن) إلى أمرين: وسائل إنتاج(و أ) تتمثل فى مواد العمل(م ع)، وأدوات العمل(أ ع)، أما الامر الثانى فهو: قوة العمل(ق ع)، تتحول النقود إلى قوة عمل بدفع الاجرة. وحينما يجتمع للرأسمالى، ومِن ثم لعماله الاجراء، الوسائل اللازمة للانتاج، ينقطع التداول؛ ويبدأ الانتاج. الانتاج مِن أجل السوق، وبإنتهاء العملية الانتاجية تُطرح السلعة فى السوق، وحينئذ تعود (ن) إلى الرأسمالى، ولكنها مُحمَلَة بـ(Δ) الذى يسمونه الربح (سندرس مصدره فيما بعد) فيُصبح لدى الرأسمالى ليس (ن) فقط، وإنما (ن) + (Δ) . ووفقاً للصيغة العامة تلك وقانون الحركة الحاكم لأداء الرأسمالية، فسوف يقوم، تاريخياً، أحد الاشخاص(الرأسمالى) بجمع شتات الحرفيين ويضعهم فى مكان واحد(المصنع) ويوفر لهم مواد العمل وأدواته ويدفع لهم الاجرة، وليس عليهم سوى الانتاج، وإنما لأجل السوق، ولقد قلنا سلفاً أن تلك الصيغة إنما تعمل كقانون حركة عام فى جميع مؤسسات "روتشيلد" كما تعمل فى أحقر" ورشة لصنع أربطة الاحذية" فى أحط أحياء القاهرة أو كاراكاس دون فارق يُذكر.
(5) والصيغة تلك والتى تُعد القانون العام للرأسمالية، لا يُمكن فهمها إلا إبتداءً مِن فهم القيمة والكشف عن القوانين الموضوعية التى تحكم عملها، كما تحكم تطورها عبر الزمن. فقانون القيمة بمفرده هو القادر على الاجابة على سؤال كيف تعمل الرأسمالية؟ وكيف تجدد إنتاج نفسها؟
(6) ماذا نُنتِج؟ ولماذا نُنتِج سلعة ما، ولا نُنتِج أخرى؟ وكيف نُنتِج؟ وكيف نُوزع الناتج؟ تلك مِن أهم الأسئلة التى ظهر عِلم الاقتصاد السياسى كى يُجيب عليها، وجميعها لا يُمكن الاجابة عليها إلا إبتداءً مِن الوعى بقانون القيمة الذى على أساسه تقوم العملية الانتاجية بأسرها، وإنما إبتداءً مِن الصيغة العامة التى تُمثل قانون الحركة الحاكم لأداء الرأسمالية (ن- و أ+ ق ع- س- Δ ن).
(7) الاقتصاد السياسى إذاً هو عِلم نمط الانتاج الرأسمالى، فهو ينشغل أساساً بملف الانتاج( الذى فى حقله تولد القيمة الزائدة) والذى يخضع للقانون العام الحاكم لأداء النظام الرأسمالى، وما القيمة، والقيمة الزائدة،كمياً وموضوعياً، سوى مُرتكز النظام، على صعيد كُل مِن الانتاج وتجديد الانتاج.
(8)إن الصيغة (ن- و أ+ ق ع- س- Δ ن) التى تُمثل عصب نمط الانتاج الرأسمالى، وتٌمثل فى نفس الوقت ركيزة رئيسية فى موضوع عِلم الاقتصاد السياسى، فقط التى تتمكن مِن تقديم أدوات فكرية نتمكن من خلال التسلح بها حين توجهنا صوب الظاهرة المراد تفسيرها. فالصيغة العامة الحاكمة لحركة الرأسمالية كنمط إنتاج، تمدنا بـعدة أدوات فكرية تقع مباشرة فى حقل الظواهر التى نشأ عِلم الاقتصاد السياسى كى يفسرها، فهى تمدنا على سبيل المثال بـ"القيمة، والقيمة الزائدة، والثمن، والرأسمال، الثابت منه والمتغير، والاساسى منه والدائر، وثمن الانتاج، وثمن التكلفة، والربح، والاجر كثمن لقوة العمل،....." وهكذا أفهم موضوع وأدوات عِلم الاقتصاد السياسى. وهذا عن "الموضوع" ، وفلننتقل إلى منهجه.
فأما عن المنهج: فإن الباحث فى عِلم الاقتصاد السياسى يَستخدم المنهج العام للبحث العِلمى، مِن جهة وصف وتقسيم الظاهرة، وفرض الفروض، وإستعمال الاستقصاء، وأخيراً التيقن مِن عدم إرتباك النظرية وتناقضها الداخلى فيما بين عناصرها؛ وذلك بمواجهتها بالواقع، إذ أن الخط المنهجى المقترَح لا يُمكن أن يُمَثل سوى فرضية منهجية تَعين إختبارها والتأكد مِن صحتها على أرض الواقع، وإذ يَجد الناظر فى عِلم الاقتصاد السياسى نفسه عاجزاً عن إستخدام التجربة، كما فى العلوم الطبيعية، فإنه يَستعيض بالتجريد(4) والذى يعنى العلو بالظاهرة عن كُل ما هو ثانوى.
أما بشأن الحد الادنى من المعرفة اليقينية: فالاقتصاد السياسى، يُعطينا بحالته الراهنة، كما يقول أستاذنا، حداً أدنى مِن المعرفة اليقينية التى تِصلح أساساً لتفسير الظواهر الاقتصادية، والتنبؤ المعقول بحركاتها المستقبلة، والامر هنا يَتعلق بمجموع القوانين الاقتصادية النظرية التى توجد تحت تصرفنا والخاصة بالاشكال التاريخية المختلفة للعملية الاقتصادية، والتى قد ثبت التحقق مِن صحتها على الصعيد العِلمى، وهو الامر الذى يستتبع إستبعاد النظريات التى ثبت عدم صحتها بمواجهتها بالواقع الاقتصادى فى حركته التاريخية، والتى يُرد عدم صحتها إلى سوء تَصور أصحابها لموضوع ومنهج العِلم فى إرتباطهما العضوى.
وعليه، فنحن أمام عِلم يصل عمره إلى خمسة قرون، وليس منذ الازل، إذ هو العِلم الذى ينشغل بالقوانين والشروط الموضوعية لظواهر الرأسمالية غير الشفافة (الاثمان، الاسواق، القيم، الارباح، الفوائد، الريوع. . . . . إلخ) وحتى يُمكن إستدعاء هذا العِلم كى يتولى تفسير الظاهرة يتعين مِن البداية معرفة الاساس الذى يُبنى عليه، هذا الأساس هو، كما ذكرنا وسنتابع البرهنة فيما يأتى، الانشغال بدراسة النظرية الكمية والنظرية الموضوعية فى القيمة، والتناقضات الكامنة فيها، والتى تتطور على أساس منها، أى التناقضات، الظاهرة محل البحث، إذ بدون الانطلاق مِن القيمة لا يمكن الوصول إلى شىء سوى أن كُل شىء متوقف على كُل شىء!! فبدون الوعى بالقيمة، كمياً وموضوعياً، لا يُمكن الوصول إلى مفهوم السوق، كما لا يُمكن التعامل مع الاثمان، ولا يُمكن كذلك فهم علاقات التبادل، وإقتصاديات المبادلة النقدية المعممة، بل ولا يُمكن إستيعاب باقى المظاهر التى ستطرح نفسها فى لحظة تاريخية معينة وفى ظروف معينة، كالتضخم، والكساد، والركود، والفائض، والعجز، إلى آخر المظاهر الاقتصادية التى تبلورت مع نمط الانتاج الرأسمالى وأدت بشكل رئيسى إلى تبلور الاقتصاد السياسى، كعِلم إجتماعى.
إذاً، ما الاقتصاد السياسى؟
الاقتصاد السياسى إذاً عِلم، وهو (عِلم) ظواهر(نمط الانتاج) (الرأسمالى) تحديداً هو: (عِلم) ظواهر نمط الانتاج الرأسمالى وإنما إبتداءً من كونه، تحديداً،"العِلم المنشغل بدراسة النظرية الكمية والنظرية الموضوعية فى القيمة، والتناقُضات الكامنة فيها، والتى تَتَطور على أساسِها، أى التناقُضات، الظاهرةُ الاجتماعية مَحل البحث". ولكن ما هو موضوع القيمة(5) هذه؟ هذا ما سوف نناقشه فى المطلب التالى، وإنما إبتداءً من رجاءنا أن يقوم القارىء بإجراء تصوراً ذهنياً تطبيقياً مستمراً يتعامل من خلاله مع القيمة والثمن ورأس المال الاساسى منه والدائر، والثابت منه والمتغير، كما سنرى، وإنما إبتداءً من كون تلك الالفاظ والمصطلحات متمتعة بالحياة على أرض الواقع فى كل من فنزويلا والسودان، فحينما نتكلم عن رأس المال مثلاً، أو عناصر الانتاج فيتعين أن نستحضر ذهنية تطبيقية ترى العملية الانتاجية على أرض الواقع، فهى ترى عمال النفـط (البتروليتاريا) والمصاطـب والكلابات والانابيب، ورؤوس الحفر، . . . . . إلخ. كعناصرلإنتاج النفط فى فنزويلا والسودان، وهكذا نُحاول أن نفهم ما هو نظرى على أساس من الواقع، لإختبار صحته. والان فلننتقل إلى مطلبنا التالى والذى ينشغل بالقيمة والثمن.
المطلب الثانى: القيمة والثمن
مساهمات
فى ضوء تقدم التبادل وإحتلاله مرتبة متميزة، فقد لزم البحث عن الاساس الذى بمقتضاه قام جدُنا الاول بالتخلى عما أنتج فى سبيل الحصول على إنتاج شخص أخر. فى مجرى ذلك البحث قدم تاريخ الفكر الاقتصادى حتى النصف الثانى مِن القرن السابع عشر مساهمات جديرة بالاهتمام والتحليل، كمساهمة أرسطو، والإكوينى(6)ووليم بتى(7)وكانتيون(8)وكانت صحيحة، ولكنها كانت غير كافية (باستثناء مساهمة إبن خلدون التى بلغت ضفاف فائض القيمة) الامر الذى تعين معه الانتظار حتى مجئ العمل الخلاق لآدم سميث، وديفيد ريكاردو، تمهيداً لماركس العجوز الذى إستوعب سيسموندى(9)وبردون، وفرانسوا كينيه(10)كى يُعلن، وبكل قوة، تقدم العمل كى يَحتل المرتبة الأولى؛ فعلى أساسه يتحدد المعادِل.
وفيما يلى نستعرض مساهمات كل من أرسطو، كأول وعى تاريخى بالقيمة. وأدم سميث، وديفيد ريكاردو، وكارل ماركس، كأهم التصورات التى قُدِمَت عبر تاريخ الفكر الاقتصادى، وأصبحت، بتصورى، مُرتكزات رئيسية فى الاقتصاد السياسى كعِلم إجتماعى، نستخدم أدواته الفكرية فى بحثنا الراهن، يَصل إلى قمة نضجه بمراجعة كارل ماركس لما أنجزه عظماء الكلاسيكية أدم سميث وديفيد ريكاردو. ولكى يُصبح عِلماً مهجوراً، كما سنبين، حينما ينتقل الاهتمام من حقل الانتاج إلى حيث التبادل والاستهلاك والسوق، وقد ساعد على هجره كذلك النظرية الرسمية التى وضعت مباحثه فى أحد جوانب التاريخ الضبابية ربما، وربما المنسية. ولكى تُُقدِم عليه الفن الذى ينشغل بالنظر فى التبادل والسوق، بما لا يتبقى منه سوى الحديث عنه من باب التاريخ الذى يتناول وقائع السالفين وأفكار الاقدمين، على الرغم من أن الواقع(النظام الرأسمالى) لا يمكن تفسيره إلا من خلاله، كعِلم ينشغل بتحليل نمط الانتاج الرأسمالى!!
ومن الواجب، قبل الانتقال لإستعراض المساهمات المختلفة التى قدمت عبر تاريخ الفكر الاقتصادى، أن نؤكد على ثلاثة أمور:
أولاً: الهدف الرئيسى من إستعراض التصورات المختلفة، بشكلها المبسط تماماً أدناه، إبتداءً من أرسطو ومروراً بآدم سميث، وديفيد ريكاردو، وإنتهاءً بكارل ماركس؛ هو تركيز الضوء المباشر والساطع على مدى الاهمية التى أولاها المؤسسون "للقيمة"، ومدى محوريتها فى فكر هؤلاء المفكرين، وبصفة خاصة سميث، وريكاردو، وماركس، والذين إنشغلوا بتحليل ظواهر الانتاج والتداول والتوزيع التى تبلورت مع نمط الانتاج الرأسمالى، ومن ثم تبيين مدى الدور الرئيسى الذى لعبه هؤلاء المؤسسين(على تسلسل مساهماتهم خلال مائة عام، من سميث إلى ماركس) فى إنضاج الاقتصاد السياسى كعِلم نمط الانتاج الرأسمالى وإنما إبتداءً من إنشغالهم الأساسى القيمة.
ثانياً: لسنا منشغلين هنا بطرح مجمل تصورات المفكر الذى نستعرض تصوراته، فقط نُركّز على تصور المفكر لنمط الانتاج الرأسمالى إبتداءً من تصوره للقيمة، ومن ثم لن ننشغل بتقييم الافكار وتلك التصورات والترجيح فيما بينها، إذ نهدف فقط، كما ذكرنا، إلى إثارة مدى الاهتمام بالقيمة من قِبل المفكرين الرواد الذين إنشغلوا بالقيمة، بغية الرجوع للاصول النظرية لعِلم الاقتصاد السياسى.
ثالثاً: ما نؤكد عليه كذلك هو دعوتنا للقارىء كى يستدعى صور الحفارات ومواقع الحفر والتنقيب وعمال النفط، وشراء وتركيب وفك الالات وتحميل النفط وتوزيعه، . . . . الامر الذى يعنى دعوتنا للقارىء كى يسعى كى يجسد المعانى واللغة المصطلحية على أرض الواقع، فليس القيمة ولا رأس المال ولا القيمة الزائدة، . . . . وهما أو خيالاً؛ إنما هم حقائق تضرب بجذورها فى أرض الواقع، ولذا كانت دعوتنا لإستيعاب العملية الانتاجية إبتداءً من أدوات العمل(رؤس الحفر، والكلابات، والدوارات، والروافع، والانابيب، . . . . .) ومروراً بمواد العمل (النفط، والبنزين، والكيروسين، والمازوت، . . . . . . ) وإنتهاءً بقوة العمل (عمال النفط فى فنزويلا الفنيون واليدويون، وعمال النفط فى السودان، وعمال النفط فى الخليج العربى، . . . . . .) ولذلك وحين نعالج تركيب رأس المال لدى مؤسسى العِلم سيتضح مدى أهمية إستدعاء الواقع وأحداثه وعناصره ومقارنته فى الذهن من أجل فهم مجريات العملية الانتاجية فى قطاع مثل قطاع النفط على سبيل المثال. والان فلنبدأ بأرسطو، ونقدمه هنا كما ذكرنا إبتداءً من كونه أول وعى تاريخى بالقيمة.
أرسطو )384 ق.م- 322 ق.م (
ولقد ولد أرسطو فى إستاجرا، وهى مستعمَرة يونانية وميناء على الساحل. و كان أبوه طبيب بلاط الملك "أمينتس الثالث المقدونى"، ومن هنا جاء إرتباط أرسطو الشديد ببلاط مقدونيا الذى أثر إلى حد كبير فى حياته ومصيره، الامر الذى ربما يُبرر أرستقراطية أرسطو، وكتابته إبتداءً من تلك الطبقية، كما أخذ عن إبيه حب الطبيعة وعُرف بميله الشديد إليها، وإعتماده على الواقع الطبيعى، فى شتى نواحيه، إعتماداً صحيحاً بالمراقبة والاختبار، كى يَبنى صرح فلسفته الأولى، كما يدعوها، أى فلسفة ما بعد الطبيعة، وعن والده كذلك أخذ تلك الواقعية الصرفة التى أتاحت له، كما يقول الأب "أوغسطينس البولسى" فى مقدمته لكتاب أرسطو "فى السياسة" أن يُشيد نظرياته الفلسفية البحتة على صخر متين يصونها من تقلبات الدهور وغارات المناوئين. ولكن أرسطو لم يعش كثيراً فى كنف إبيه؛ إذ قد فقده وهو بعد حديث السن، وربما فى الرابعة عشر أو الخامسة عشر، فعُهد، كما يقول الاب أوغسطين، إلى أحد الاوصياء كى يتولى تربيته وتعليمه(11).
دخل أرسطو أكاديمية أستاذه أفلاطون للدراسة فيها وبقى فيها نحو عشرين عاماً. ولم يتركها إلا بعد موت أفلاطون. وفى غضون السنين العشرين التى قضاها أرسطو فى مدرسة أفلاطون لم ينقطع إلى الدرس فحسب، وإنما يغلب الظن أنه إنصرف من ذلك الحين إلى وضع تصاميم وخطوط تآليفه الأولى، على الاقل ما يتعلق منها بعِلم المنطق وعِلم الجدل وفنى الخطابة والشعر، وعِلمى الحيوان والنبات؛ إذ أن مدارس الفلسفة آنذاك كانت أشبه بأندية عِلمية ينصرف فيها رواد المعرفة، تحت إشراف أستاذهم الاكبر إلى مباحث متنوعة يتعاون التلاميذ فيما بينهم على البحث فيها ومناقشتها والخروج بنتائج عِلمية موسوعية.
مؤسس عِلم المنطق
وبوصف أرسطو واضع عِلم المنطق فقد وضع ثلاثة قوانين فى هذا الشأن: أولاً: قانون الهوية أو (الذاتية) وينص هذا القانون على أن"الشىء هو نفسه"وهو يعبر عن أبسط الأحكام لأن أبسط الاحكام هو الحكم بأن الشئ هو نفسه مثل أن نقول(الانسان هو الانسان) و (المرأة هى المرأة) ورمز هذا القانون (أ هو أ) ويرى أرسطو أن هذا القانون هو أساس التفكير المنطقى لأنه يُشير إلى ضرورة التقيد بذاتية مدلول اللفظ الذى نستخدمه فلا نخلط بين الشئ وما عداه، ولا نضيف للشئ ما ليس فيه، وعلى ذلك فهو يؤكد وجود علاقة مساواة بين طرفين متطابقين، الامر الذى من شأنه ضبط التفكير، ومخالفة هذا القانون يوقعنا فى التناقض، ويؤدى إلى فساد الاستدلال. كما يرى أرسطو أن هذا القانون يجب أن يعمل ليس فى عملية الاستدلال أو البرهان فقط، لكن فى حياتنا اليومية فلكى نفهم بعضنا بعضاً يجب أن نتحدث بلغةٍ واحدة لا يَحتمل أى لفظ من ألفاظها أكثر من معنى. ثانياً: قانون عدم التناقض: نقيض الشئ هو نفيه، فنقيض الحُكم بأن هذا الشئ "كتاب" هو الشئ نفسه"ليس كتاباً"، والكلام المتناقض هو الذى ينفى بعضه بعضاً, وفى ذلك مخالفة لقانون الهوية لأن إذا كان الشئ هو نفسه بمقتضى قانون الهوية، فلا يجوز، حينئذ، أن نصف الشئ نفسه بصفة أو بنقيض هذه الصفة فى الان نفسه، وإلا نكون قد وقعنا فى تناقض واضح، ورمز هذا القانون هو (الشئ لا يمكن أن يكون "أ" ولا "أ" فى آن واحد. ثالثاً: قانون الوسط المرفوع أو الثالث الممتنع إذا كان"الشىء هو نفسه"طبقاً لقانون الهوية، وإذا كان لايجوز منطقياً وطبقاً لقانون عدم التناقض أن نصف شيئاً واحداً بأنه هو نفسه وليس نفسه, لإستحالة ذلك منطقياً حيث لا وسط بين النقيضين، ويترتب على ذلك قانون ثالث هو قانون الوسط المرفوع أو الثالث الممتنع أو المستبعد، ورمز هذا القانون هو (إما أن يكون الشئ "أ" أو لا "أ")
السلطة والقانون والمساواة
وبعد أن درس مع طلابه عدداً من الدساتير اليونانية، قسم هذا الدساتير إلى ثلاثة أنواع مختلفة: ملكية، وأرستقراطية، وتمقراطية، أى حُكم أصحاب السلطان، وأصحاب المولد الشريف، والنبهاء. وكل نوع من هذه الانواع قد يكون صالحاً حسب زمانه ومكانه وظروفه. وكُل حُكم حسن إذا كانت السلطة الحاكمة تعمل لمصلحة الناس جميعاً لا لمصلحتها الخاصة، فإذا لم تفعل هذا فكُل حكم سىء. ومن ثم كان لكل نوع من أنواع الحكم الصالح شبيه فاسد حين يكون حكماً لمصلحة الحاكمين لا لمصلحة المحكومين.
ولقد حاول أرسطو أن يقيم الانسجام بين الطبيعة وبين القانون، وعنده أن الطبيعة تخضع لنظام عقلى، ومن ثم يوجد قانون طبيعى مشترك بين الجميع، لأنه مؤسَس على العقل الموجود لدى كُل واحد من البشر، وتوجد كذلك عدالة طبيعية وهى سيدة الفضائل، وهى التى ينبغى أن تحقق عن طريق القانون بعض المساواة.
وتعد فكرة المساواة تلك من الافكار الرئيسية التى يحتوى عليها الفقه القانونى لأرسطو، إلا أن فكرة المساواة لديه ليست فكرة مطلقة؛ فلا يُمكن أن تسود المساواة فى داخل المدينة، فهذا مخالف للطبيعة التى تتطلب تقسيم سكان المدينة إلى طبقات عديدة، ويوجد فى قمة السلم الهرمى الاغنياء وهم الذين لديهم الوقت للاشتغال بالمسائل العامة، والقانون الطبيعى على هذا النحو يُسلِم بوجود الملكية الخاصة، وينبغى على العكس، إستبعاد العمال اليدويين من الاشتغال بالمسائل العامة، إذ ليس لديهم الوقت الكافى لذلك، ويَعتبر أرسطو الرق مطابقاً للطبيعة(12)، فما دامت الالة لا تعمل بمفردها وطالما أن المكوك لا يتحرك وحده لنسج القماش، فإنه ينبغى وجود الارقاء للقيام بهذا الدور.(13)
تصور أرسطو
وفى سبيله الباحث فى أبواب الرزق الطبيعى وغير الطبيعى، يتخذ أرسطو من العائلة كوحدة إنتاجية، حقلاً للتحليل، ويفرق أرسطو، فى هذا السياق، ما بين فن الاقتناء، لأنه طبيعى، وبين فن الكسب لأنه مغاير للطبيعة، ثم يذهب إلى أهمية العمل الانسانى المنتِج فى دائرة طرق المعاش، والتى حصرها فى: الرعى، والزراعة، والتلصص(لم يكن من الامور الشائنة فى بلاد اليونان) وصيد الاسماك، وقنص الوحوش والطيور. ويَعتبر أرسطو الغنى الحقيقى صادراً عن أبواب الرزق التى حصرها على نحو ما ذكرنا.
وحين حديثه عن القيمة، فنرى أرسطو لديه الوعى بكل من قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة، دون أن يصل إلى مقياس التبادل: ".... فيبدلون النوافع بما هو من نوعها، لا أكثر ولا أقل، فيقدمون الخمر مثلاً ويأخذون عوضه الحنطة. وهكذا فى كل من الاشياء الاخرى المتجانسة"(14). وهو يصل إلى ما هو أبعد من ذلك بكشفه عن المنفعة كشرط للقيمة، وهى الرؤية التى ستُقلب رأساً على عقب بعد ذلك بمئات السنين، إذ يرى أرسطو أن الاشياء القابلة للمقايضة، أى التداول، هى فقط التى يُمكن أن تكون محلاً للاستعمال. ويضرب مثالاً على ذلك بالحذاء الذى يستخدمه صاحبه فى الاستعمال، أو بمادلته بسلعة أخرى. ولكنه لم يتقدم أبعد من ذلك لتحليل قيمة المبادلة، فهو يقول:" لكل قنية إستعمالان، وكلاهما ذاتيان، ولكن دون مماثلة فى ذاتيتهما، إذ الواحد مختص بالشىء والاخر غير مختص به. فالحذاء مثلاً يُحتذى به ويتجر به، وهذا الوجه من الانتفاع وذاك الوجه هما إستعمالان له. والذى يُقايض غذاءً أو نقداً مَن كان محتاجاً إليه إستعمله كحذاء ولكن لا إستعمالاً خاصاً إذ لم يُجعل للمقايضة"(15)
ثم ينتقل أرسطو إلى الصعوبات التى أدت إلى ظهور وحدات النقد، تلافياًً لعيوب المقايضة، وإعتبار تلك الوحدات المتخذة من الحديد والفضة وسيطاً فى المبادلة، وحينما هيمنت وحدات النقد فى التبادل منحية المقايضة جانباً، والتى كان يَعتبرها أرسطو الاصل العام فى عملية التبادل، ظهر على المسرح الاجتماعى نشاط التجارة، والذى يدينه أرسطو ويَعتبره خارج الكسب الطبيعى، لأنه يقوم على البيع والشراء بمعنى أدق بيع منتجات فائضة بالنقد، ثم شراء منتجات يُفتَقر إليها، بالنقد كذلك، وهو التبادل الذى يراه أرسطو ذميماً.
أما عن نظرية أرسطو فى النقود فهى تتلخص فى أن حياة أى مجتمع (غير بيتى، أى غير شيوعى بدائى) تتطلب تبادل السلع والخدمات، وهذا التبادل يأخذ صورة مقايضة فى مبدأ الامر، يتم ذلك بصورة طبيعية، ولكن الصعوبات، كما ذكرنا، تواجه عملية المقايضة والرغبة فى تفاديها تجعل الناس تلجأ بطريق الاتفاق الضمنى، أى العرف، أو عن طريق التشريع إلى إتخاذ سلعة واحدة كوسيط للتبادل. وهو الامر الذى قاد إلى ظهور معدن من نوع ما كى يلعب هذا الدور فى التبادل، أى أن أرسطو توصل إلى الوظيفة الاولى من وظائف النقود " . . . النقد عنصر التبادل"، وحين يدين أرسطو إحتفاظ الانسان بأية ثروة تزيد عن حاجته، فهو فى الواقع يصل إلى وظيفة أخرى من وظائف النقود، وهى المتعلقة بمخزن القيمة، وأخيراً فإن أرسطو حينما يتحدث عن التبادل والبيع والشراء فإنما يفتح باب المناقشة حول مقياس القيمة، وتلك وظيفة ثالثة تقوم وحدات النقود بأدائها.
وبشأن الفائدة التى تكون على الاقراض، يقول أرسطو:"يوجد نوعان من فن تكوين الثروة: أحدهما يتعلق بالتجارة، والاخر بالاقتصاد؛ وهذا الاخير ضرورى وجدير بالمديح، أما الاول فيقوم على التبادل ولذلك يندد به عن حق وصواب، وهكذا يكره الجميع الربا بحق، لأن النقد بالذات يُعتَبر هنا مصدر الكسب ويستخدم ليس من أجل الغاية التى تم إختراعه من أجلها. فهو قد نشأ من أجل التبادل البضاعى، بينما تصنع الفائدة المئوية من النقد نقداً جديداً. ومن هنا تسميتها بالمولود، لأن المولود شبيه بالوالد. إلا أن الفائدة المئوية هى نقد من نقد، ولذا فإن فرع الكسب هذا أشد مناقضة للطبيعة من بين سائر فروع الكسب" (16)
ولعل أهم ما قال به أرسطو، بتصورى، فى الباب الذى خصصه لبحث أبواب الرزق الطبيعى وغير الطبيعى، هو رؤيته للقيمة الزائفة للنقود، ووعيه بكون وحداتها غير معبرة عن القيمة الطبيعية للاشياء أى أن أرسطو ينظر إلى النقود، كظاهرة طارئة على المجتمع، نظرة متقدمة جداً بالنسبة لعصره، ويرى أن النقد(المصنوع من الحديد ومن الفضة) لا يُعبر، فى المقام الاول، عن قيمة ما يحتويه هو نفسه من حديد أو فضة كسلع، وأن البشر هم الذين جعلوا من المعادن نقوداً يبعون من خلالها ويشترون، ويقول:"وما النقد، على ما يبدو لنا، إلا هذيان وعادة مرعية، وما هو على شىء من القيمة الطبيعية. إذ لو عدل مستعملوه عما إصطلحوا عليه لأضحى شيئاً زرياً لا يعتد به ولا يقضى حاجة، ولأمسى مَن قامت ثروته على النقود فى أمس العوز إلى القوت. . . . . . ."(17)
إن تتبع مساهمة أرسطو، لا شك تقودنا إلى الاعتراف بأنه قد تمكن من الوصول إلى قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة، ولكن من منظور يتعين أن ننتظر مئات القرون حتى يُعاد النظر فيه نظرة أكثر نضجاً كما أن تتبع ارسطو ربما يقودنا كذلك إلى الاعتراف بإحتمالية وصوله إلى ضفاف نظرية عامة فى القيمة، ولكنها غير واضحة وربما غامضة، إلا أن أرسطو يظل أول من أشار لطبيعة السلع ودور النقود فى الحياة اليومية بشكل تجريدى يُمكن أن يُبنى عليه بناءً نظرياً صحيحاً عن السلع والتبادل والنقود.
أدم سميث (1723- 1790)
أبو عِلم الاقتصاد، وفقاً للرأى الغالب، ولد أدم سميث، فى الخامس من شهر يونيه عام 1723 بمدينة كيركالدى باسكتلندا، مات أبوه قبيل ولادته ببضعة أشهر، فربته أمه، وكان ميالاً إلى العزلة، مفكراً متأملاً. وغريب الاطوار، فكان سميث معروفاً بكونه شخصية تلفت النظر، إذ إشتهر بشرود الذهن، ومن ذلك أنه سقط مرة فى إحدى الحفر التى تستخدم فى عملية الدباغة أثناء سيره وهو منهمك فى بحث أصولى جاد مع صديق له، كما قيل أنه صنع لنفسه شراباً من الخبز والزبد ثم أعلن أن ذلك أسواء فنجان من الشاى تذوقه فى حياته(18)، بيد أن تلك الهفوات لم تكن لتنبىء إلا عن شخصية غريبة إلى حد ما، ومع تلك الغرابة كان الدكتور سميث معروفاً وإن لم يكن مشهوراً، فلقد سمع به فولتير، وكان ديفيد هيوم صديقه الحميم، كما أن الطلاب كان يقطعون الاميال قدوماً من روسيا لسماع محاضراته. ولقد عاش سميث وحيداً بجانب أمه التى بلغت التسعين عاماً، ولم يتزوج طيلة حياته، ودفن فى كنيسة كانونجيت، وقد كتب على شاهد قبره:"هنا يرقد آدم سميث مؤلف كتاب ثروة الامم".
إلتحق أدم سميث بجامعة جلاسكو فى عام 1737، وتميز فى الرياضيات والفلسفة، وفى عام 1740 أوفد إلى اكسفورد لمدة سبع سنوات، عاد بعدها إلى كيركالدى، وقد قرر أن لا ينخرط فى سلك القساوسة، وفى سن الخامسة والعشرين ينتقل آدم سميث إلى أدنبره ملقياً محاضرات فى الاداب والبلاغة، ولكى يُعين أستاذاً للمنطق بجامعة جلاسكو فى عام 1751، ثم أستاذاً للفلسفة الاخلاقية عام 1752، وكان عِلم الاقتصاد يدخل آنذاك ضمن دراسة الفلسفة، وفى عام 1759 قام آدم سميث بنشر كتابه "نظرية المشاعر الاخلاقية"، ولذيوع صيته فى أوروبا؛ فقد دُعى كى يقوم بالتدريس لدوق "بوكلييه"، وأقام فى فرنسا من أجل ذلك ما يقارب من ثمانية أشهر، مكنته إلى حد ما من التعرف على فكر الفيزوقراط بوجه عام، وفكر فرنسوا كينيه بوجه خاص، حتى عاد إلى كيركالدى؛ كى يعكف على كتابة مؤلفه الشهير" ثروة الامم"(19)
وفى ذلك المؤلف الذى تتضمن فكر أدم سميث، ومَثَل إنطلاقة الفكر الكلاسيكى، خمسة كتب: تتناول مسائل الانتاج والتوزيع(الكتاب الأول والثانى) وبحث تاريخى لتطور الثروات فى مختلف الامم(الكتاب الثالث) ودراسة لنظرية التجاريين والنظام الزراعى الذى قال به الطبيعيون(الكتاب الرابع) ويُعالج فى (الكتاب الخامس) إشكاليات المالية العامة.
وما يميز مذهب سميث فى تلك اللحظة التاريخية من تاريخ الفكر الاقتصادى انه قائم على كون إنتاجية العمل تتوقف فى الاساس على تقسيم العمل بين الافراد، كما وأن للفرد ميلاً وإتجاهاً إلى العمل وإن ذلك يُعد صفة لصيقة بالطبيعة الانسانية، ومِن هنا فإن التخصص وتقسيم العمل يُعدا أساساً للتراكم الرأسمالى؛ وتمكن سميث من نقل تصوره هذا حول التخصص والتراكم على صعيد التجارة الدولية، عقب أن وجه سهام النقد الجارحة لفكر التجاريين وسياسة المعدن النفيس، إلا أن سميث لاقى العديد من الصعوبات النظرية، والتى سوف يتولى ديفيد ريكاردو محاولة إزالتها، مُدخلاً تعديلاً على نظريات أستاذه وبصفة خاصة نظريته فى التجارة الخارجية والتى كانت مؤسسَة على النفقات المطلقة، وجعلها مؤسسَة على النفقات النسبية.
تصور آدم سميث
مجموعة من الاسئلة حاول سميث الانطلاق إبتداءً من الاجابة عليها فى سبيله لإقامة مذهبه؛ فهو منشغل بالاجابة على السؤال الخاص بالكشف عن ذلك الجهاز الذى يحفظ تماسك المجتمع، وكيف يمكن لمجتمع يسعى كل أفراده إلى مصلحتهم الذاتية أن يستمر ولا يتفكك؟ وما الذى يجعل تصرفات أفراد المجتمع، على الرغم من أنانيتها، تأتى متفقة مع المصلحة الجماعية؟ بل وكيف ينجح المجتمع فى أداء المهام اللازمة لبقائه على الرغم من عدم وجود سلطة مركزية، وهذا ما يفترضه أدم سميث؟ وإذ يُقدم سميث إجابات على ما يُثيره من أسئلة، فإنما يتوصل إلى أول صياغة لقوانين السوق، والتى تركز على "اليد الخفية" التى بمقتضاه تسير مصالح الناس الخاصة وأهواءهم فى الاتجاه الاكثر إتفاقاً مع مصلحة المجتمع بأسره. ولكن قوانين السوق ليست مجرد جزءً من البحث الذى يقوم به سميث؛ فسميث إنما يعنيه حركة المجتمع خلال الزمن، ولذا تكون قوانين السوق ذات بعد ديناميكى وهى تقوم بعملها على الصعيد الاجتماعى.
وفى سبيله لتحليل طبيعة السوق وقواعده، وصياغة قوانينه، فقد لاحظ آدم سميث، ما يلى:
أولاً: أن المصلحة الذاتية تقوم بدور القوة المحركة التى توجه الناس إلى أى عمل يُريد المجتمع أن يدفع ثمنه، ومن هنا ينشأ العرض.
ثم لاحظ سميث ثانياً: أن المصلحة الذاتية لا تُمثل غايته فى التحليل والطريق لم يزل طويلاً، ومن هنا إستأنف تحليله للمصلحة الذاتية على أساس أنها التى تدفع أفراد المجتمع إلى العمل، ولكن شيئاً ما يُعد عاملاً آخر يتعين أن يسيطر على إنفلات الاثمان، هذا العامل المنظم هو المنافسة أى الذى يمنع تحكم أحد العارضين فى الثمن، وهو يقصد هنا ثمن السوق، اللهم إلا إذ ما حدث إتفاق بين العارضين لسلعة ما، وهنا كذلك يستعين السوق بنفس المبدأ. مبدأ المنافسة، إذ سيأتى رأسمالىُ أخر من خارج سوق تلك السلعة ويدخل سوقها بأثمان أقل؛ بما يؤدى إلى توازن الثمن مرة أخرى.
ثالثاً: أن قوانين السوق لا تفرض على المنتجات سعراً(سوقياً) تنافسياً فحسب؛ بل وتحرص على أن يراعى المنتجون طلب المجتمع بشأن مقادير السلع التى يحتاجها، فالسلعة التى يقرر المجتمع زيادة إستهلاكه منها لا شك ستقود المنتجين إلى الاكثار من إنتاج تلك السلعة، على حساب سلعة أخرى كف، ولو مؤقتاً، المجتمع عن إستهلاكها، بما يؤدى إلى زيادة الانتاج من السلعة التى قرر المجتمع زيادة إستهلاكه منها ومن ثم يزيد الفائض منها، فى مقابل إختفاء الفائض من السلعة التى توقف الانتاج بشأنها لعدم رغبة المجتمع فيها، بما يؤدى إلى إنخفاض المعروض منها عن حاجة المجتمع، تتدخل هنا قوانين السوق، كى تصحح الوضع ولترجعه إلى ما كان عليه من توازن، فتبدأ أثمان السلعة التى إنخفض قدر المعروض منها عن حاجة المجتمع فى الارتفاع، نظراً لإختفاء الفائض وإحتياج المجتمع إليها، فعن طريق قوانين السوق إذاً يكون المجتمع قد قام بتغيير تخصيص عناصر الانتاج حتى تناسب رغباته الجديدة. وكل ذلك، بتصور سميث، يتم دون تدخل لأى سلطة مركزية، وإنما بفضل التناقض بين المصلحة الذاتية والمنافسة.
رابعاً: وثمة مساهمة أخرى مهمة لآدم سميث، مؤداها: فكما تنظم قوانين السوق الاثمان ومقادير السلع، فهى تنظم كذلك دخول الذين يتعاونون فى إنتاج تلك السلع؛ فإذا كانت الارباح فى قطاع ما من الأعمال من الكبر بحيث تتجاوز القدر الواجب فسوف يتدفق الرأسماليون على هذا القطاع، فيزيد الإنتاج، ومن ثم سيزيد الفائض، ويظل الأمر هكذا إلى أن تقوم المنافسة بتخفيض الفائض، الدخول هنا إنما ترتبط، وفقاً لقوانين السوق لدى أدم سميث، بمدى تدفق العمال على قطاع السلعة التى زاد الطلب عليها، يظل هذا التدفق مستمراً حتى يكثر العمال فى هذا القطاع وتزداد المزاحمة، كما سيشرح ريكاردو ومن بعده ماركس، فيما بينهم فيبدأ الدخل فى الانخفاض. وهكذا يتم التوازن فى السوق. سميث يتعامل حتى الأن مع السلعة فى مرحلة التداول، وليس الانتاج، وقوانين السوق هى الكفيلة، وفقاً له، بتنظيم المجتمع وضبط إيقاعه، ولكن تلك القوانين التى كشف عنها سميث لم تكن الانجاز الحقيقى لأدم سميث، إذ أن مساهمته الفعلية، وما أكثرها فى الاقتصاد السياسى، إنما تتركز فى نظره إلى السلعة فى المرحلة السابقة على طرحها فى السوق للتداول، أدم سميث، والكلاسيك بوجه عام، إنما ينظرون إلى العملية الاقتصادية فى المجتمع ككل، إبتداءً من الانتاج ومروراً بالتداول والاستهلاك، وإنتهاءً بالتوزيع كما سيكون ذلك الانشغال الرئيسى لدى ريكاردو، كما سنرى أدناه.
وعلى هذا يرى آدم سميث إن ثمن السلعة، أو قيمة مبادلتها، إنما يتكون مِن: الاجر، والربح، والريع. إذ يقول ان:"القيمة التى يقوم العمال بإضافتها إلى المواد تنقسم إلى شطرين: الاول، وهو الذى يُدفع كأجر، أما الثانى، فهو الارباح". أى أن الاجر والربح مصدرهما العمل. ويرد أدم سميث، بتلك المثابة، جميع الاجزاء المكونة لثمن السلعة (ويقصد هنا ثمن السوق) إلى العمل. والذى لا يقيس فقط قيمة ذلك القسم من الثمن الذى يحل نفسه فى العمل، ولكنه يقيس كذلك الذى يحل نفسه فى الريع، ومما يحل نفسه فى الربح، فهو يقول:
"The real value of all the different component parts of price, it must be observed, is measured by the quantity of labour which they can, each of them, purchase or command. Labour measures the value not only of that part of price which resolves itself into labour, but of that which resolves itself into rent, and of that which resolves itself into profit."p22

ثم يضيف بشأن رأس المال، إن رأس المال يلعب دورين: أولهما: دور الايراد بالنسبة للعمال، وثانيهما: دور الرأسمال بالنسبة للرأسمالى، وبعبارة أخرى: إن ذلك الجزء مِن الرأس مال الذى دُفع للعمال، ويُمثل لهم كإيراد، صار بهذه المثابة بعد أن لعب فى البداية دور الرأسمال.
”The portion of the stock which is laid out in maintaining productive hands……… after having served in the function of a capital to him the employer constitutes revenue to the labourers…..…”p52
وحينما يبدأ أدم سميث تحليله إبتداءً من دائرة الانتاج، فإنه يوضح أن شرط البدء فى العملية الانتاجية المنظمة والتى تمثل القاعدة العامة فى عصره، وعصرنا كذلك، هو التراكم، ويرى أدم سميث مصدره فى قيام بعض الناس بإدخار المال، وهم الذين سيتحولون إلى تجار فى فترة تاريخية معينة، ثم، ومع التطور التاريخى، إلى رأسماليين يستخدمون عمالاً بالاجرة، وسميث لديه الوعى بكون العمل الضرورى اللازم للانتاج هو مقياس التبادل، ويضرب على ذلك مثلاً الصيد، فإذ ما كان صيد حيوان ما يتكلف إصطياده ساعتين من العمل، وآخر يتكلف ساعة واحدة من العمل؛ فإنه يتعين مبادلة زوج من الحيوان الذى تكلف صيده ساعة عمل ضرورى واحدة بحيوان واحد من الذى تكلف صيده ساعتين من العمل.
"In that early and rude state of society which precedes both the accumulation of stock and the appropriation of land, the proportion between the quantities of labour necessary for acquiring different objects seems to be the only circumstance which can afford any rule for exchanging them for one another. If among a nation of hunters, for example, it usually costs twice the labour to kill a beaver which it does to kill a deer, one beaver should naturally exchange for or be worth two deer. It is natural that what is usually the produce of two days or two hours labour, should be worth double of what is usually the produce of one day s or one hour s labour". P58
يعى آدم سميث جيداً الرابط ما بين الربح وبين القيمة الزائدة، فيذهب إلى القول بأن :" العمال فى مجال الصناعة يأخذون أجورهم مِن سيدهم، الرأسمالى، وهم فى ذلك لا يجعلونه فى الحقيقة يُنفِق شيئاً؛ حيث أن هذه الاجور، عادة، ما تُدفع من الارباح".
“The manufacturer has his wages advanced to him by his master, he in reality, costs him no expense, the value of those wages being generally restored, together with a profit ……”p27
التركيب العضوى لرأس المال
وحيث يبدأ آدم سميث، ومؤسسو الاقتصاد السياسى بوجه عام، إبتداءً من دائرة الانتاج، فهو يرى أن الانتاج إنما يتطلب توافر حد أدنى من رأس المال الذى يلج حقل الانتاج فى أشكال مختلفة، منها ما هو فى صورة مواد أولية أو مواد مساعدة، ومنه ما هو فى صورة آلات ومبانى، ومنه ما هو فى صورة قوة عمل تنفق فى سبيل تفعيل المواد من خلال الادوات وتحويلها إلى سلع، هنا يقرر آدم سميث أن رأس المال هذا إنما ينقسم إلى قسمين: أحدهما وهو الذى يستخدم فى سبيل الحصول على الاراض والالات، أى أدوات الانتاج، ويسمى آدم سميث هذا القسم (رأس المال الاساسى) أما القسم الثانى والذى يسميه سميث (رأس المال الدائر) فهو الذى يستخدم فى سبيل شراء مواد العمل وقوة العمل.
ووجه الفارق ما بين رأس المال الاساسى وبين رأس المال الدائر، كما يرى سميث، يتجلى فى شرط بقاء الملكية، وهو الشرط الذى سيعدله ريكاردو فيما بعد، فآدم سميث يجعل معيار التفرقة بين قسمى رأس المال هو مدى إحتمالية تغير مالك ذلك الجزء من رأس المال الذى تجسد فى السلعة عقب إنتاجها وطرحها فى حقل التداول، بمعنى أن كل سلعة من السلع المنتجة طبقاً لنمط الانتاج الرأسمالى والمعدة للطرح فى السوق، إنما تحتوى على (أدوات عمل، ومواد عمل، وقوة عمل) والذى يمضى فى التداول هو (مواد العمل وقوة العمل) وتظل الادوات، والمبانى، على ملك صاحبها، وإنما تتجسد فى الناتج بمقدار الاهلاك فقط، وبنسبة محددة، على حين أن المواد إنما تُستهلك كلية أثناء الانتاج، وكذلك قوة العمل التى هى عرضة مثلها مثل المواد للتبدل والتغير فى أى لحظة يراها الرأسمالى، وتبقى الالات والمبانى كى تمثل رأس المال الاساسى، على حين تعد مواد العمل وقوته رأس مالاً دائراً، وفى ذلك يقول أدم سميث فى نص، بتصورى، فى منتهى الاهمية:
"There are two different ways in which a capital may be employed so as to yield a revenue or profit to its employer. First, it may be employed in raising, manufacturing, or purchasing goods, and selling them again with a profit. The capital employed in this manner yields no revenue or profit to its employer, while it either remains in his possession, or continues in the same shape. The goods of the merchant yield him no revenue or profit till he sells them for money, and the money yields him as little till it is again exchanged for goods. His capital is continually going from him in one shape, and returning to him in another, and it is only by means of such circulation, or successive exchanges, that it can yield him any profit. Such capitals, therefore, may very properly be called circulating capitals. Secondly, it may be employed in the improvement of land, in the purchase of useful machines and instruments of trade, or in suchlike things as yield revenue or profit without changing masters, or circulating any further. Such capitals, therefore, may very properly be called fixed capitals.Different occupations require very different proportions between the fixed and circulating capitals employed in them. The capital of a merchant, for example, is altogether a circulating capital.He has occasion for no machines or instruments of trade, unless his shop, or warehouse, be considered as such some part of the capital of every master artificer or manufacturer must be fixed in the instruments of his trade. This part, however, is very small in some, and very great in others. A master tailor requires no other instruments of trade but a parcel of needles. Those of the master shoemaker are a little, though but a very little, more expensive. Those of the weaver rise a good deal above those of the shoemaker. The far greater part of the capital of all such master artificers, however, is circulated, either in the wages of their workmen, or in the price of their materials, and repaid with a profit by the price of the work." p138

ديفيد ريكاردو (1772- 1823)
ديفيد ريكاردو، واحد من أعظم أساتذة التحليل الاقتصادى فى عالمنا المعاصر، وأعظم مَن يمثل الكلاسيكية بعد آدم سميث. ولد ديفيد ريكاردو فى عام 1772 فى أسرة يهودية من هولندا، جاءت إلى إنجلترا واستقرت بها، وبعد مرحلة من عمره تحول عن اليهودية. أصبح ديفيد ريكاردو سمساراً للاوراق المالية، وإستطاع أن يجمع ثروة كبيرة فى وقت قصير أهلته من أن يصير مالكاً للاراضى، كما ساعدته ثروته على عضوية مجلس اللوردات، وأن يتفرغ للانتاج الفكرى والمعرفى فى وقت مبكر. وفى عام 1817 قام ديفيد ريكاردو بنشر أهم مؤلفاته "مبادىءالاقتصاد السياسى والضرائب(20)" وفى هذا المؤلف الهام، المكون من 32 فصلاً، يعتبر ديفيد ريكاردو أن الاشكالية الاساسية فى الاقتصاد إنما تتعلق بمسألة تحديد القوانين التى تنظم عملية التوزيع، وإنما إبتداءً من القيمة. ومن ثم يتبدى وجه الاختلاف بين رؤية سميث وبين رؤية ريكاردو للموضوع الذى ينشغل به الاقتصاد السياسى، فعلى حين يرى آدم سميث أن دائرة الانتاج هى محل الانشغال، ينقل ريكاردو التحليل من دائرة الانتاج إلى دائرة التوزيع؛ وعلى الرغم من وجه الاختلاف هذا، إلا أن كلا منهما يصدر فى تحليله لدائرة إنشغاله من القيمة.
والواقع أن الاختلاف بين ريكاردو وسميث فى تلك الجزئية إنما هو إنعكاس مباشر لحركة الواقع، فآدم سميث حين فكر فى إنتاجه ثروة الامم، وإنتاجه فعلياً، إنما كان يعيش عصر الثورة الصناعية وكانت المشكلة الاساسية هى مشكلة تنظيم الانتاج ونموه، بينما جاء ريكاردو كى يعايش مرحلة تالية أخذت مشكلة توزيع الدخل حيزاً كبيراً على صعيد الاقتصاد القومى، فيما بين: العمال، والرأسماليين، والملاك العقاريين، وفى نفس الوقت كانت هذه المرحلة التى عاشها ريكاردو هى مرحلة تتسم بزيادة ملحوظة فى الايجارات الزراعية(الريع) ومن ثم كان توزيع الدخل بين الزراعة وبين الصناعة من الموضوعات الرئيسية التى شغلت التفكير الاقتصادى؛ فالتعارض كان واضحاً وشرساً بين مصالح طبقة كبار الملاك العقاريين وبين طبقة الرأسماليين.
تصور ديفيد ريكاردو
يبدأ ريكاردو من حيث الانشغال بتفسير لغز القيمة بالرجوع إلى مسألة الندرة، فهو يقرر أن الاختلاف بين القيمة الاستعمالية وبين القيمة التبادلية إنما يعود إلى ندرة السلع المختلفة؛ فبعض السلع قد يكون لها قيمة إستعمال مرتفعة ومع ذلك تنخفض قيمتها التبادلية لوجودها بوفرة؛ الهواء الجوى مثلاً قيمته الاستعمالية مرتفعة ولكن حيث يوجد بوفرة تشبع حاجات الانسان فإن قيمة تبادله تنخفض إلى الصفر، وبعض السلع الأخرى التى تصور آدم سميث أن قيمتها الاستعمالية منخفضة جداً نجد أن قيمتها التبادلية مرتفعة جداً؛ كالذهب مثلاً، تنخفض قيمة إستعماله وترتفع قيمة مبادلته.
"It has been observed by Adam Smith, that "the word Value has two different meanings, and sometimes expresses the utility of some particular object, and sometimes the power of purchasing other goods which the possession of that object conveys. The one may be called value in use; the other value in exchange. The things," he continues, "which have the greatest value in use, have frequently little or no value in exchange; and, on the contrary, those which have the greatest value in exchange, have little or no value in use." Water and air are abundantly useful; they are indeed indispensable to existence, yet, under ordinary circumstances, nothing can be obtained in exchange for them. Gold, on the contrary, though of little use compared with air or water, will exchange for a great quantity of other goods".p39
وهو يصل إبتداءً من فكرة الندرة إلى إعتبار أن السلع تعتمد فى قيمتها التبادلية على أمرين: الندرة، وكمية العمل المطلوبة لإنتاجها. وإنما إبتداءً من وعيه بأن قيمة السلعة لا تتوقف فقط على العمل المنفَق مباشرة فى إنتاجها، بل وأيضاً العمل المنفَق على الادوات والعدد والمبانى الضرورية لتحقيق العمل. أى أن ريكاردو يعالج هنا مسألة العمل المختَزن.
"Possessing utility, commodities derive their exchangeable value from two sources: from their scarcity, and from the quantity of labour required to obtain them". p67
وهكذا حاول ريكاردو أن يفهم التناقض ما بين قيمة إستعمال السلعة وبين قيمتها التبادلية، وذلك بالرجوع إلى ندرة السلعة، ويمكننا البدء فى إيجاز تصور ريكاردو من حيث بحثه إبتداءً من القيمة، وهو يرى أن قيمة سلعة أو كمية معينة من سلعة أخرى تكون معدة للتبادل، إنما تتوقف على كمية العمل (النسبية) الضرورية لانتاجها، وحينئذ نكون أمام الثمن الطبيعى. والذى لم يتمكن أدم سميث من الوصول إليه بوضوح ريكاردو.
"The value of a commodity, or the quantity of any other commodity for which it will exchange, depends on the relative quantity of labour which is necessary for its production, and not on the greater or less compensation which is paid for that labour"p32
أما إذا كان التعويض أكبر أو أقل فنكون أمام ثمن السوق؛ فريكاردو يفرق بين الثمن الطبيعى وبين ثمن السوق، وهو يعمم تلك التفرقة على جميع ما يُباع ويُشترى فى السوق من سلع، وطالما العمل سلعة تُباع فى سوق العمل لمن يشتريها فى مقابل الاجرة، فإن ريكاردو يرى أن الثمن الطبيعى للعمل هو الذى يكون ضرورياً لتمكين العمال من العيش وإدامة عرقهم، دون زيادة أو نقصان، إنما يعنى حد الكفاف، وحينما تطرح سلعة العمل فى السوق نكون أمام ثمن السوق للعمل، وهو يراه هنا، كما أدم سميث، خاضعاً لقوى العرض والطلب، فريكاردو يقول فى الفصل السادس:
"Labour, like all other things which are purchased and sold, and which may be increased or diminished in quantity, has its natural and its market price. The natural price of labour is that price which is necessary to enable the labourers, one with another, to subsist and to perpetuate their race, without either increase or diminution. The market price of labour is the price which is really paid for it, from the natural operation of the proportion of the supply to the demand; labour is dear when it is scarce and cheap when it is plentiful. However much the market price of labour may deviate from its natural price, it has, like commodities, a tendency to conform to it,p78
ويقرر ريكاردو أن العمل المباشر يحصل على أجر مقابل مساهمته فى الانتاج والعمل المختَزن يحصل على ربح وهذا هو مقابل تكوين رأس المال أو إختزان العمل، ولكن ريكاردو يرى إمكانية زيادة الارباح عن ذلك المستوى الذى يعوض أصحاب رأس المال على مجهوداتهم التى بذلوها فى سبيل إنتاج السلعة. وهذه الزيادة فى الارباح تشبه الريع الذى يحصل عليه ملاك الاراضى من حيث كانت فى رأى ديفيد ريكاردو نتيجة لندرة رأس المال وليست نتيجة للمجهود الذى بذل فى تكوينها.
التركيب العضوى لرأس المال
يستكمل ديفيد ريكاردو، إبتداءً من قانون القيمة، الخط المنهجى الذى وضعه أدم سميث بشأن التفرقة ما بين رأس المال الاساسى وبين رأس المال الدائر، بيد أن إستكماله لهذا الخط المنهجى إنما هو فى الواقع إعادة نظر ليس فى التقسيم أو فى محتواه، وإنما فى معياره، فعلى حين رأى سميث أن معيار التفرقة ما بين رأس المال الاساسى ورأس المال الدائر، إنما هى تفرقة تعتمد على شرط مدى بقاء ملكية ذلك الجزء من رأس المال الذى يتجسد فى السلعة على نحو ما رأينا أعلاه، فإن ريكاردو يعتمد معياراً جديداً، يرتكز على معدل الاستهلاك، أو الديمومة؛ فإذ ما كان ذلك الجزء من رأس المال مما يستهلك فى وقت قصير أو كلية فى فترة وجيزة، مثل ذلك الجزء من رأس المال المدفوع كأجرة، فإن ذلك، وفقاً لريكاردو، بمثابة (رأس مال دائر) أما إذ ما كان مما يطول بقائه ويدوم إستخدامه فى الوظيفة التى تم إعداده لأجلها(كالالات والمبانى) فنحن أمام رأس مال أساسى. كما يقول ريكاردو. مع ملاحظة أن ريكاردو لا يُحدثنا عن المواد الاولية أو المواد المساعدة.
"In the former section we have supposed the implements and weapons necessary to kill the deer and salmon, to be equally durable, and to be the result of the same quantity of labour, and we have seen that the variations in the relative value of deer and salmon depended solely on the varying quantities of labour necessary to obtain them,—but in every state of society, the tools, implements, buildings, and machinery employed in different trades may be of various degrees of durability, and may require different portions of labour to produce them. The proportions, too, in which the capital that is to support labour, and the capital that is invested in tools, machinery and buildings, may be variously combined. This difference in the degree of durability of fixed capital, and this variety in the proportions in which the two sorts of capital may be combined, introduce another cause, besides the greater or less quantity of labour necessary to produce commodities, for the variations in their relative value—this cause is the rise or fall in the value of labour"p42
كارل ماركس (1818 - 1883)
نعاه إنجلز بقوله:". . . لقد كانت رسالته فى الحياة أن يُسهم بطريقة أو بأخرى فى قلب المجتمع الرأسمالى....وأن يُسهم فى تحرير بروليتاريا العصر الحديث الذى كان أول مَن جعلها تعى مركزها وحاجاتها وتدرك الظروف التى يُمكن فى ظلها أن تحصل على حريتها. كان القتال ميدانه . . . وقد قاتل بعنف وإصرار ونجاح لا يُباريه فيها كلها إلا قليل. . . ومن ثم فقد كان أكثر رجل تعرض للعداء فى عصره، ثم مات محبوباً محترماً مبكياً عليه من ملايين العمال الثوريين من زملائه من مناجم سيبريا إلى سواحل كاليفورنيا، وفى كل مكان فى أوروبا وأمريكا. . . إن إسمه وعمله سيخلدان على مر العصور" (21)
وقال عنه شومبيتر فى عبارات معبرة:"حقاً يختفى معظم ما يخلقه العقل أو الخيال بعد أزمنة مختلفة من عمليات الخلق تلك، قد تقصر أو تطول، لكن بعض هذه الاثار لا يختفى أبداً... فقد تعانى الاحتجاب، ولكنها تعود للظهور تارة أخرى، وهى روائع عظيمة، وما من ريب أن ذلك ينطبق على رسالة ماركس... " (22)
تصور كارل ماركس
يبدأ ماركس تحليله إبتداءً من أن ثروة المجتمعات التى يسودها نمط الانتاج الرأسمالى، تبرز بوصفها تكديساً هائلاً من السلع، بينما تبرز كل سلعة على حدة كشكل أولى لهذه الثروة. الامر الذى يستلزم أن يبدأ ماركس من حيث تحليل السلعة، ويتعامل معها إبتداءً من كونها مادة خارجية، شىء، يلبى، بفضل خصائصه، حاجة من الحاجات البشرية، مع وعيه بأن طبيعة تلك الحاجات البشرية، سواء كان مصدرها المعدة أم الخيال، لا تغير من الامر شيئاً، ومع وعيه كذلك بالدور الذى تلعبه السلع على صعيد كل من الإستعمال والتبادل.
ومن هنا يرى ماركس إمكانية النظر إلى كُل شىء نافع، مثل الحديد والورق...إلخ، مِن وجهتى نظر: مِن الجانب الكيفى ومِن الجانب الكمى. فكُل مِن هذه الأشياء هو مجموع للكثير مِن الخصائص ولذلك يُمكنه أن يكون نافعاً بمختلف جوانبه. وإن الكشف عن هذه الجوانب المختلفة، وبالتالى عن الاساليب المتنوعة لإستخدام الأشياء هو عمل مِن عوامل التطور التاريخى. ويصح قول الشىء ذاته فيما يتعلق بإيجاد المقاييس الاجتماعية، فالاختلاف فى مقاييس السلع إما أنها تعود إلى إختلاف طبيعة المواد موضع القياس، وإما أنها إصطلاحية.
إن منفعة الشىء تجعل منه حائزاً لقيمة إستعمالية، ولكن هذه المنفعة، ليست مُعلقة فى الهواء، كما يقول، فهى لكونها مَشروطة بخصائص جسد السلعة، لا توجد بدون السلعة؛ ولذلك فإن جسد السلعة، كالحديد والورق والذهب...إلخ هو بحد ذاته قيمة إستعمالية، ولدى النظر فى القيم الاستعمالية يقتضى الامر دائماً تحديدها كمياً، مثلاً: برميل من النفط، طن مِن حديد، متر مِن القماش، جرام مِن الذهب إلخ، وتُشكل القيم الاستعمالية للسلع، لدى ماركس، موضوع عِلم خاص هو عِلم السلع، ولا تتحقق القيمة الاستعمالية إلا مِن خلال الاستعمال أو الاستهلاك. وأن القيم الاستعمالية تُشكل المضمون المادى للثروة مهما كان الشكل الاجتماعى لهذه الثروة، وفى ظل شكل المجتمع الرأسمالى الذى نحياه حالياً، تُعتبر القيم الاستعمالية فى الوقت نفسه حاملات مادية للقيمة التبادلية.
وتبدو القيمة التبادلية قبل كُل شىء كعلاقة كَمية، كنسبة يجرى بموجبها تبادل قيم إستعمالية مِن نوع ما بقيم إستعمالية مِن نوع آخر. فإن سلعة مُعينة، كيلو مِن القمح مثلاً تجرى مبادلته بمقدار (س) مِن الأرز، و (ص) مِن الحرير، و (ع) مِن الفضة، وما إلى ذلك، وبإختصار: بسلع أخرى بأكثر النسب تبايناً، وبالتالى فليس للقمح قيمة تبادلية واحدة، بل لها، كسلعة، الكثير جداً مِن القيم التبادلية، ولكن بما أن (س) مِن الارز، و (ص) مِن الحرير، و (ع) مِن الفضة، إنما تُشكل القيمة التبادلية للكيلو مِن القمح، فإن (س) من الأرز، و (ص) من الحرير، و (ع) مِن الفضة، وما إليها، يجب أن تَكون قيماً تبادلية قادرة على أن تحل محل بعضها البعض، أى أن تكون متساوية فيما بينها. ومِن هنا ينجم، أن القيم التبادلية المختلفة للسلعة تعبر عن شىء واحد.
ولنأخذ سلعتين للتمثيل المبسط، وليكن الحرير والفضة، فمهما تكن علاقتهما التبادلية يُمكن على الدوام التعبير عن هذه العلاقة بمعادلة تَتَعادل فيها كَمية معينة مِن الحرير مع كَمية معينة مِن الفضة، مثلاً: مبادلة (10) أمتار مِن الحرير بـ(5) جرام مِن الفضة. فعلام تَدُل هذه المعادلة؟ إن تلك المعادلة إنما تدل على وجود أمر مشترك مقداره واحد. إن كلاً مِن هذين الشيئين، الحرير والفضة، مساو لشىء ما ثالث، لا هو الاول ولا هو الثانى، وبالتالى لابد وأن يكون كُلٌ منهما بإعتباره قيمة تبادلية، قابلاً للارجاع إلى هذا الشىء الثالث. وهذا الشىء المشترك لا يُمكن أن يكون متمثلاً فى خصائص هندسية أو فيزيائية أو أية خصائص طبيعية أخرى للسلع، فخصائص السلع الجسدية لا تُؤخذ فى الإعتبار على وجه العموم إلا بقدر ما تتوقف عليها منفعة السلع، أى بقدر ما تجعل مِن السلع قيماً إستعمالية، وفى هذا الشأن يَنقل كارل ماركس، عن "باربون" قوله:"إن نوعاً من البضائع هو صالح تماماً كأى نوع آخر إذا كانت قيمتهما التبادليتان متساوييتين، ولا فرق أو إختلاف بين الأشياء التى لها قيم تبادلية متساوية؛ فكَمية مِن الحديد أو الرصاص بمائة جنيه لها نفس القيمة التبادلية كما لكمية مِن الفضة أو الذهب بمائة جنيه"(23)
إن الامر الثالث المشترك بين(قيمة السلعتين التبادلية) هو العمل، فكلاهما نتاج قوة العمل. ولا محل هنا للقول بأن الرأسمال والارض والمنظم والمواد والالات أيضاً يسهمون فى عملية الانتاج تلك؛ وذلك لأن ماركس هنا يناقش (القيمة التبادلية) للسلع، وليس الاثمان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن كل ما ذكر من الرأسمال والارض والمنظم، والنقل، والمواد، الاساسية منها والمساعدة، والالات لا يضيفون إلى الناتج سوى قيمتهم، دون أن يزيدوا الناتج ومن ثم زيادة قيمته التبادلية.
إنشغل ماركس، بشكل رئيسى، بقيمة قوة العمل. متسالاً: ما هى قيمة قوة العمل؟ ويُجيب: إن قيمة كل سلعة تقاس بالعمل اللازم لإنتاجها. وقوة العمل توجد فى شكل العامل الحى الذى يحتاج إلى كمية محددة من وسائل المعيشة لنفسه ولعائلته، مما يضمن إستمرار قوة العمل حتى بعد موته. ومن هنا فإن وقت العمل اللازم لإنتاج وسائل المعيشة هذه يُمثل قيمة قوة العمل. وعلى ذلك يدفع الرأسمالى للعامل أجره أسبوعياً مثلاً، شارياً بذلك إستخدام عمله لهذا الاسبوع. بعد ذلك فان الرأسمالى يجعل عامله يبدأ فى العمل، وفى وقت محدد سيقدم العامل كمية من العمل توازى أجره الاسبوعى، والمثل المعروف مؤداه أننا لو إفترضنا أن أجر العامل الاسبوعى يمثل ثلاثة أيام عمل، فان العامل إذا بدأ العمل يوم الاثنين؛ فانه يكون فى مساء يوم الاربعاء قد "عوض" الرأسمالى عن"القيمة الكاملة للاجر المدفوع". ولكن هل يتوقف العامل عندئذ عن العمل؟ إطلاقاً. لقد اشترى الرأسمالى عمل العامل لمدة أسبوع، وعلى العامل أن يستمر فى العمل خلال الايام الثلاثة الاخيرة من الاسبوع كذلك، وهذا العمل الفائض(24) الذى يقدمه العامل فوق الوقت اللازم لتعويض أجره وزيادة عليه هو"مصدر فائض القيمة"، ومصدر الربح، والتراكم المتزايد بإستمرار لرأس المال.
إعادة فتح ملف القيمة الزائدة، وتصحيح فهمها (إستكمال خطوات ريكاردو وماركس)

القانون الذى يعتنقه ماركس، وهو القانون الذى قام بوضعه ديفيد ريكاردو، بشأن نظرية القيمة الزائدة نصه كالأتى:"ان القيمة الزائدة وقيمة قوة العمل تتغيران فى إتجاهين متعاكسين. فتغير قوة العمل المنتَجة، أى إرتفاعها أو إنخفاضها، يولد تغيراً معاكساً له فى قيمة قوة العمل، وتغيراً طردياً فى القيمة الزائدة.إن القيمة المنتَجة من جديد فى يوم عمل مؤلف من 12 ساعة، هى مقدار ثابت، وليكن 6 جنيهات مثلاً.إن هذا المقدار الثابت يساوى مقدار القيمة الزائدة زائداً قيمة قوة العمل، والقيمة الاخيرة يعوض عنها العامل بما يعادلها. وبديهى انه إذا كان هناك مقدار ثابت يتألف من حدين، فلن يزيد أحدهما دون أن ينقص الآخر. إذاً، فقيمة قوة العمل لا يمكن أن ترتفع من 3 شلنات إلى 4 شلنات، ما لم تنخفض القيمة الزائدة من 3 شلنات إلى 4 شلنات دون أن تنخفض قيمة قوة العمل من 3 جنيهات إلى جنيهين. وبالتالى ففى ظل هذه الشروط لا يمكن أن يطرأ تبدل متزامن على مقداريهما النسبيين . . . . إن إرتفاع إنتاجية العمل يولد هبوطاً فى قيمة قوة العمل وإرتفاعاً فى القيمة الزائدة، فى حين أن إنخفاض هذه الانتاجية يوّلد، بالعكس، إرتفاعاً فى قيمة قوة العمل، وهبوطاً فى القيمة الزائدة". رأس المال/ج2/ص23
وفقاً للنص المذكور أعلاه فإن القيمة الزائدة(التى يتحصل عليها الرأسمال) تتناقض مع قيمة قوة العمل(التى يتحصل عليها العمل المأجور) فحينما ترتفع قيمة قوة العمل لابد أن يُصاحب ذلك إنخفاضاً فى القيمة الزائدة، وبالعكس.
ووفقاً للنص كذلك، وفى ظل نفس الظروف، فإن إحلال الالة، على سبيل المثال، من شأنه الارتفاع فى القيمة الزائدة، والانخفاض فى قيمة قوة العمل، وحيث يستخدم ماركس مصطلح "إنتاجية العمل" كمرادف لمصطلح" قوة العمل" فإن هذه الانتاجية لا يمكن زيادتها إلا من خلال فن إنتاجى جديد يُمكّن من إنتاج نفس الكمية من السلع فى عدد ساعات أقل. فحين يحل، أو لا يحل، هذا الفن الانتاجى الجديد، فإنه يستصحب معه، فى جميع الاحوال، عدة فرضيات تتناقض فيما بينها على النحو التالى:
(أولاً) إرتفاع إنتاجية العمل إنخفاض فى قيمة قوة العمل إرتفاع فى القيمة الزائدة.
(ثانياً) إنخفاض إنتاجية العمل إرتفاع فى قيمة قوة العمل إنخفاض فى القيمة الزائدة.
ولنناقش ذلك ببعض التفصيل: مع الوعى بأنه من البديهى، كما قال ماركس:" انه إذا كان مقدار ثابت يتألف من حدين، فلن يزيد أحدهما دون أن ينقص الآخر"
أولاً: إرتفاع إنتاجية العمل:
والإرتفاع هنا نتيجة إستخدام الالة، وبحيث تخرج إلى السوق نفس الكمية المنتَجة من السلع فى عدد ساعات أقل، وهو الامر الذى يؤدى إلى إرتفاع فى القيمة الزائدة (التى يتحصل عليها الرأسمال) إذ تم إنتاج نفس الكمية فى عدد ساعات أقل، ومن الناحية الاخرى ونتيجة لإرتفاع القيمة الزائدة، يؤدى هذا الارتفاع فى إنتاجية العمل إلى تقليص فى قيمة قوة العمل، فلا يتحصل العامل على ما كان يحصل عليه قبل إستحداث الفن الانتاجى الجديد. وإنما أقل؛ فإن إفترضنا أن القيمة المنتَجة تساوى (6) جنيهات قيمة سلع منتَجة فى يوم عمل مكون من (12) ساعة عمل، فإن الجنيهات الست تلك هى محل الارتفاع، والانخفاض كذلك، لأنها تعوض عن القيمة الزائدة وقيمة قوة العمل. أى أن القيمة المنتَجة تساوى(القيمة الزائدة + قيمة قوة العمل)ولأن القيمة المنتَجة ثابتة ومحددة بالجنيهات الست المذكورة، فحين ترتفع القيمة الزائدة كى تُصبح مثلاً (4)جنيهات، فيتعين ومباشرة تقلص قيمة قوة العمل إلى جنيهين.
ثانياً: إنخفاض إنتاجية العمل:
وحينما تنخفض الانتاجية فلا شك يستتبع ذلك إنخفاض مماثل فى القيمة الزائدة، ونتيجة لهذا الانخفاض فى القيمة الزائدة، ترتفع معدلات قيمة قوة العمل. فلم يعد الرأسمال يتحصل على ما كان يحصل عليه قبل إنخفاض الانتاجية، وإنما يحصل على أقل مما كان يحصل عليه، فإن إفترضنا، طبقاً لنفس المثال أعلاه، ان قيمة قوة العمل قد إرتفعت من (3) جنيهات إلى (4) جنيهات نتيجة إنخفاض الانتاجية، فإن ذلك الارتفاع يستصحب الانخفاض المباشر فى القيمة الزائدة من (3) جنيهات إلى جنيهين.
هذا هو القانون الذى صاغه ريكاردو، وعدله ماركس، وهو قانون ينتمى إلى الجدلية بإمتياز، بيد أن ثمة ملاحظات نبرزها على القانون بعد إعادة صياغته على يد ماركس، وتتبدى فى الأتى:
- وفقاً للقانون ان الارتفاع فى إنتاجية العمل يؤدى إلى تغير فى أمرين : أولهما: قيمة قوة العمل، أى قيمة وسائل المعيشة التى يستهلكها العامل من أجل تجديد إنتاج نفسه. وهى بمثابة حد الكفاف ثانيهما: القيمة الزائدة، أى قوة العمل غير مدفوعة الاجر. ولكن هذا التغير لا يحدث فى إتجاه واحد، وإنما حين ترتفع قيمة قوة العمل، تنخفض القيمة الزائدة، والعكس: فحين تنخفض قيمة قوة العمل، يطرأ على القيمة الزائدة الارتفاع. والمحور فى هذا التغير بالارتفاع وبالانخفاض هو إنتاجية العمل التى تزيد القيمة الزائدة حين ترتفع، وتقلصها حين تنخفض. والقانون من تلك الوجهة لا يعدو أن يكون سوى أحد نماذج التغير الممكن حصوله فى النظام الانتاجى الرأسمالى، دون أن يصل إلى مرتبة التطوير الجدلى للنظام نفسه.
- ووفقاً للقانون كذلك لا وجود لأى حديث عن باقى ساعات يوم العمل، فكل ما يُفترض هو أن سلعة ما كانت تُنتَج فى عدد ساعات معينة، فظهر فن إنتاجى جديد جعلها تُنتَج فى عدد ساعات أقل، ولكن لم نعرف مصير باقى ساعات يوم العمل. فالإفتراض هو: ان يوم عمل مكون من 12 ساعة تُنتِج من السلع ما مقداره 6 جنيهات، فلما ظهر الفن الانتاجى الذى زاد من إنتاجية العمل، جعل الـ 6 جنيهات تلك تُنَتج فى 6 ساعات. فما هو مصير باقى ساعات يوم العمل المؤلف من 12 ساعة، أى ما مصير الـ 6 ساعات المتبقية من اليوم؟ نمط الانتاج الرأسمالى لديه الاجابة، إذ يقول أن الـ 6 ساعات المتبقية هى ساعات عمل غير مدفوعة الاجر، ومن ثم تُُضاف إلى جانب القيمة الزائدة، فنكون أمام النسب الاتية:
12 ساعة = 6 جنيهات = 3 قيمة قوة عمل + 3 قيمة زائدة.
6 ساعة = 6 جنيهات = 3 قيمة قوة عمل + 3 قيمة زائدة + 6 قيمة زائدة إضافية نتيجة إستخدام الفن الإنتاجى الجديد
وعلى حين تنخفض الانتاجية، أى أن نفس الكمية من السلع تنتج بكمية عمل أكثر، فسنكون أما النسب التالية:
12 ساعة = 6 جنيهات = 3 قيمة قوة عمل + 3 قيمة زائدة.
12ساعة = 4 جنيهات = 3 قيمة قوة عمل + 1 قيمة زائدة .
- وسأفترض، على غير إعتقادى، إن التغير النسبى ما بين قيمة قوة العمل وبين القيمة الزائدة، المؤسَس على التغير النسبى فى قيمة قوة العمل أمام القيمة الزائدة، ثم التغير ككل (من 3:3) إلى (3:1) أمام الانتاجية، هو ما يمثل الجدلية التى إنطلق منها ماركس بعد تعديله للقانون الذى صاغه ريكاردو. ولكن ما هو مدى إتساق هذا القانون مع مجمل البناء النظرى لماركس؟ وعلى وجه التحديد مدى إتساق القانون المذكور مع قانون "ميل الربح للانخفاض" الذى قال به ماركس وصار من ركائز البناء النظرى الماركسى؟ إذ يقف هذا القانون بالذات فى تضاد وتناقض مع القانون الريكاردى المعدل على يد ماركس، إذ يقول هذا القانون، كما سنرى، ان الارباح تميل إلى الانخفاض كلما تم إستحداث الفن الانتاجى الجديد بإحلال الالة محل عنصر العمل.
علمنا حتى الان ان إستحداث الفن الانتاجى الجديد يؤدى إلى إرتفاع القيمة الزائدة، فى الوقت الذى تنخفض فيه قيمة قوة العمل. وقد إفترضنا ان هذا الفن الانتاجى الجديد يتمثل فى إحلال الألة، الأمر الذى كان من شأنه تسريع وتيرة الانتاج؛ فتُنتَج نفس الكمية فى عدد ساعات أقل، ويمسى صحيحاً أيضاً القول بإنتاج كمية أكبر فى نفس عدد الساعات السابقة. ولكن ليس هذا كل ما فى الامر، إذ لم يزل أمامنا نصف الطريق، وهو الذى لم يكمله ريكاردو، ومن ثم ماركس؛ فعلى الجانب الآخر، فإنه طبقاً لقانون ميل الربح للانخفاض فإن إدخال الألة يؤدى إلى إنخفاض معدل الربح (أى النسبة بين القيمة الزائدة ورأس المال الكلى) إذ يعنى دخول الالة تحويل المزيد من المواد الاولية والمواد المساعدة إلى منتجات، وذلك بالعدد نفسه من العمال خلال المدة الزمنية نفسها، أى ببذل عمل أقل.
وكما سنرى حين عرضنا للتركيب العضوى لرأس المال، أن رأس المال ينقسم عند ماركس إلى نوعين، أولهما: رأس المال الثابت : وهو ذلك الجزء مِن وسائل الانتاج(تحديداً وسائل العمل، والمواد الخام، والمواد المساعدة) الذى ينقل جزءً من قيمته(التبادلية) إلى الناتج، دون إستهلاكه كلياً فى"عملية إنتاجية واحدةً". وثانيهما: هو رأس المال المتغير: وهو لا ينقل فقط قيمته إلى الناتج، وإنما ينقل إليه كذلك قيمة زائدة. وهو ما يتمثل فى قوة العمل. فالرأسمال من تلك الوجهة لا يمكنه إستخلاص قيمة زائدة من رأس المال الثابت، على حين يمكنه ذلك من رأس المال المتغير، ومعنى دخول الالة حدوث إنخفاض فى مصدر القيمة الزائدة، الأمر الذى يستتبع إنخفاض فى الربح الذى هو حاصل النسبة ما بين القيمة الزائدة وبين رأس المال الكلى.
وعلى ذلك نكون أمام قانونين متناقضين، أولهما يقول بأن الالة تزيد من القيمة الزائدة بالنسبة لقيمة قوة العمل، والثانى يقول أن الالة تخفض من القيمة الزائدة لتخفيضها رأس المال المتغير بالنسبة لرأس المال الثابت!! فماذا يعنى ذلك؟
إن ذلك، بتصورى، يعنى التناقض الحقيقى. وهو المستتر، يعنى الجدلية فى أوضح صورها، وهو المعنى الذى لم يحققه ريكاردو، وماركس بالتبعية، فحين تم إستحداث الفن الانتاجى تصور ريكاردو، وماركس من بعده أن التناقض يقع بين القيمة الزائدة وبين قيمة قوة العمل، وفى الحقيقة يمكن تسمية ذلك تناقضاً، ولكنه ليس التناقض الذى نعنيه والذى إلتزم به ماركس بوجه عام فى رأس المال.
فحين دخل الفن الانتاجى الجديد حدث تغير فى القيمة الزائدة بالنسبة لتغير مماثل فى قيمة قوة العمل، بيد أن ذلك ليس نهاية الطريق، وإنما نصفه فقط، إذ لا يؤدى الفن الانتاجى الجديد فقط إلى إرتفاع فى القيمة الزائدة بالنسبة لقيمة قوة العمل، وإنما يؤدى، وفى نفس اللحظة، إلى إنخفاض فى القيمة الزائدة بالنسبة لرأس المال الكلى. فتتحدد القيمة الزائدة الكلية على هذا الاساس بالتناقض بين التغير فى القيمة الزائدة(ق ز) بالنسبة لقيمة قوة العمل (ق ع) وبين التغير فى القيمة الزائدة بالنسبة لرأس المال الكلى (ر) القيمة الزائدة الكلية إذاً هى: حاصل التناقض ما بين الارتفاع فى القيمة الزائدة بالنسبة لقيمة قوة العمل وبين الانخفاض فى القيمة الزائدة بالنسبة لرأس المال الكلى.

و تلك هى القيمة الزائدة التى أعتد بها بشأن إعادة طرحى لمفهوم التخلف وإعادة إنتاجه، وعلى ذلك، يمكن القول بأننا أمام إعادة طرح لمفهوم ومحددات القيمة الزائدة، بالتضافر مع إعادة طرح مفهوم التخلف الاجتماعى والاقتصادى، وتجديد إنتاجه، إستكمالاً لخطوات لم يكملها ريكاردو ومن ثم ماركس، وأفترض أننى قد مشيت بعض الخطوات المتقدمة فى هذا الشأن.
التركيب العضوى لرأس المال
لا يهدم ماركس، كما يُقال للطلاب، التقسيم الذى وضعه سميث، وسايره فيه ريكاردو، مع بعض التعديلات، وإنما يُعيد النظر فيه من جهة محتوى التقسيم ومعياره، كى يصل إلى إعادة طرح رأس المال الاساسى ورأس المال الدائر وفقاً لتقسيم الكلاسيك، من جهة المفهوم والمحتوى والمعيار، وإنما إبتداءً من القيمة وإنتقالها، كمياً وكيفياً من رأس المال إلى المنتَج النهائى، الأمر الذى قاد ماركس نحو عمل تقسيم مختلف تبدى فى إعادة النظر فى رأس المال الأساسى على وجه التحديد، فرأس المال لديه يتكون، من جهة التركيب القيمى، إلى قسمين: ثابت، ومتغير:
ثابت: وهو ذلك الجزء مِن وسائل الانتاج(تحديداً وسائل العمل، والمواد الخام، والمواد المساعدة) الذى ينقل جزءً من قيمته(التبادلية) إلى الناتج، دون إستهلاكه كلياً فى"عملية إنتاجية واحدةً"، وتستمد صفة الثبات وجودها مِن أن ذلك القسم مِن الرأسمال ينقل جزءً مِن قيمته التبادلية(وهو من تلك الوجه يُعد رأسمالا متداولاً) بينما يظل الجزء الآخر ثابتاً فى وسائل العمل، وبالتالى يبقى فى حقل الانتاج. مُمثلاً لرأس مال أساسى.
والقسم الثانى هو رأس المال المتغير: وهو لا ينقل فقط قيمته إلى الناتج، وإنما ينقل إليه كذلك قيمة زائدة. وهو ما يتمثل فى قوة العمل. كما ينقسم رأس المال كذلك، من الوجهة التكنيكية، إلى: وسائل إنتاج، وقوة عمل حية، وبهذا المعنى يتحدد تركيب رأس المال بالعلاقة بين كتلة وسائل الانتاج المستخدمة، من جهة، وكمية العمل اللازمة لإستخدام هذه الوسائل، من جهة أخرى. وفى ذلك يقول ماركس:" إن ذلك القسم من رأس المال الذى يتحول إلى وسائل إنتاج أى مادة خام ومواد مساعدة ووسائل عمل، لا يغير مقدار قيمته فى عملية الانتاج. لذلك فأنا أسميه بالقسم الثابت للرأسمال، أو بإختصار: الرأسمال الثابت، وعلى العكس، فذلك القسم من الرأسمال الذى تحول إلى قوة عمل، يُغير قيمته فى عملية الإنتاج، فهو يُجدد إنتاج معادله الذاتى وعلاوة على ذلك فائضاً، قيمة زائدة يمكنها أن تتغير بدورها وأن تكون أكبر أو أقل، وهذا القسم للرأسمال يتحول بصورة متواصلة من مقدار ثابت إلى متغير، ولذلك فأنا أسميه بالقسم المتغير للرأسمال، أو بإختصار: الرأسمال المتغير"(25).
القطيعة المعرفية
خلال قرنين من الزمان تبلور الاقتصاد السياسى ونضج كعِلم إجتماعى شغله الاساسى نمط الانتاج الرأسمالى (وإنما إبتداءً من قانون القيمة) فى الانتاج عند آدم سميث، وفى التوزيع لدى ديفيد ريكاردو، وفى هيكل النظام لدى كارل ماركس.
وإننى هنا أستخدم نفس الادوات الفكرية التى إستخدمها مؤسسو عِلم الاقتصاد السياسى، والذى أصابته القطيعة المعرفية مع الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ومن هنا أعتبر عِلم الاقتصاد السياسى قد توقف عن التطور مع آخر صفحة من كتاب رأس المال، عدا بعض الدراسات والابحاث الجادة(إيمانويل، فرانك، أمين، سنتش، براون، بتلهايم، أوتار، على سبيل المثال) إلا إنها لا تصل لمستوى الحديث عن إستكمال عِلم لم يكتمل، ومن هنا كذلك لا أعتبر إطلاقاً التيار الفكرى الذى سوف يتربع على عرش الفكر المؤسسى إمتداداً لعِلم الاقتصاد السياسى، كما يقولون للطلبة، بل أعتبر ذلك التيار، والذى سنراه أدناه، ممثلاً لفن جديد يستلهم بعض الافكار العامة جداً من عِلم الكلاسيك.
ونتفق هنا تماماً مع الاستاذ الدكتور سمير أمين، حين عبر وببراعة، فى كتابه الفذ عن "التراكم على الصعيد العالمى"، عن ذلك الفن الجديد والذى طغى على المؤسسة التعليمية الرسمية؛ إذ رأى أن عِلماً "للتسيير"وليس"للاقتصاد" هو الذى يَركن إليه منظروا الرأسمالية والامبريالية العالمية، لكنهم يغلفونه بغلاف العِلم للمزيد مِن التدليس والتضليل، فقد كتب الاستاذ الدكتور سمير أمين:"مات "العِلم" الاقتصادى الجامعى إذاً كعِلم إجتماعى ميتة العجز لصرفه النظر عن النظرية الموضوعية للقيمة. لكنه خلف وراءه فناً فى التسيير. فالملاحظة التجريبية"للارتباطات" القائمة بين الظاهرات تتيح صياغة جُعبة من تقنيات العمل تتفاوت فى مدى فعاليتها. فبمقدار ما تكون مفاهيم العِلم الحدى، التى تدعى" الازلية" لنفسها، مستقاة مِن ملاحظة نمط الانتاج الرأسمالى. بمقدار ما يكون بوسعها إتاحة المجال لصياغة فن فى التسيير الاقتصادى، وهو فن لا شك فى عيبه ونقصانه لأنه يقوم على الملاحظة الوضعية بلا نظرية، سواء على الصعيد الميكرو- إقتصادى(فن تسيير المؤسسة) أو على الصعيد الماكرو- إقتصادى(فن السياسة الإقتصادية الوطنية) فالتحولات البنيوية داخل نمط الانتاج الرأسمالى نفسه، تجعل فن التسيير هذا أمراً لازماً. طبيعة الاشكالية فى هذا الفن تصعيد بعض المقادير الاقتصادية إلى حدها الأقصى(الربح،أو الإنتاج)تحت وطأة بعض الصعوبات المعينة (لا سيما صعوبات ندرة الموارد)فى زمن معين، وفى نظام معين(هنا نمط الانتاج الرأسمالى، الذى غالباً ما يُصار إلى إهمال ذكره) تحول دون أن نرى فى هذه المجموعة مِن (التقنيات) بديلاً للعِلم الاجتماعى: فالفن ينبثق عن عِلم، ظاهراً كان العِلم أم ضمنياً، والعِلم المضمر هنا هو العِلم الحدى. إن أدلجة ما هو إقتصادى وحدها، وهذه هى الاقتصادوية، هى التى تُتيح إنشاء عِلم مِن ما لا يمكن أن يكون عِلما على الاطلاق"(26)
نقل الاهتمام من المصنع إلى السوق
فمع الربع الاخير من القرن التاسع عشر، تبلورت أفكار المدرسة النيوكلاسيكية، والتى تُسوق خطأ على أساس من كونها إمتداداً لافكار الكلاسيك، وكى تقوم بتفريغ العِلم من محتواه الاجتماعى، بل ولا ضرر كذلك لديها من عزله عن العلوم الاجتماعية الأخرى، فعِلم الاقتصاد بالنسبة للتيار النيوكلاسيكى هو عِلم معملى إلى أبعد حد، والعلاقات الاقتصادية، المتمثلة فى الانتاج والتداول والتوزيع، بين أفراد المجتمع إنما هى علاقات بين الاشياء المادية، أى ليست بالعلاقات الاجتماعية.
ويُؤسس على ذلك هذا التيار الفكرى، والذى سيكون تياراً جارفاً، فكرة المنفعة كمركز تدور فى فلكه جل العلاقات الاقتصادية بمفهموها الذى لا يرى سوى علاقات بين الاشياء المادية الخاضعة للمعادلات الرياضية والدوال الخطية والرسوم البيانية، وبتلك المثابة يمكننا القول بأن التيار الفكرى النيوكلاسيكى قد قام بتقديم موضوعاً غير مسبوق للعِلم، أى علم الاقتصاد السياسى، يعتمد على تفسير شاذ للقيمة؛ إذ المبدأ الاساسى عند النيوكلاسيك هو أن المنفعة هى عماد القيمة، وهو المبدأ الذى يُناهض كما رأينا ما قال به الكلاسيك وبصفة خاصة الاباء المؤسسون أدم سميث وديفيد ريكاردو، الذى إشترط المنفعة فى السلعة كى تكون محلاً للقيمة التبادلية، وليس المنفعة كمقياس للقيمة، ولقد برز هذا المبدأ إبتداءً من الاهمية النسبية للاموال إنما تعتمد على التقدير الذاتى لمجموعة المستهلكين. هنا سيكولوجية المستهلك العادى هى نقطة البدء التى على أساسها لا تتحدد قيمة السلعة فحسب، وإنما التوزيع ذاته؛ بعد أن تم تعميم مبدأ المنفعة على عناصر الانتاج.
لقد كان الاهتمام الاول للكلاسيك هو موضوع النمو والتطور والانتاج وتوزيع الدخل، وكان ذلك أمراً مفهوماً ومبرراً، فقد ظهرت الالة على المسرح الاجتماعى بمنتهى الوضوح والفاعلية وجعلت من جميع العلاقات الاقتصادية بين أفراد المجتمع علاقة تبدأ وتنتهى حيث الالة، والانتاج، الأمر الذى يستدعى ظهور تفسير علمى لتلك الظواهر التى أخذت فى التبلور فى تلك الحقبة وبصفة خاصة الانتاج(من خلال الالة بالطبع) والمنتجين(مستخدموا الالة) ومن ثم توزيع الانتاج والاجور.
أما النيوكلاسيك، فإن دائرة التبادل، وإنما إبتداءً من الاستهلاك، هى مجال الانشغال الأساسى، وفى حقل التبادل لدى النيوكلاسيك يظهر أشخاص هم من قبل الرجل الاقتصادى، الرشيد الحكيم، الذى يسعى إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من الاشباع لحاجاته، ولكنه حال سعيه هذا تحكمه"الحاجات المادية غير المحدودة" ويراد إشباعها بأشياء مادية"محدودة"ومن هنا لم يجد النيوكلاسيك بداً من دراسة العلاقة بين الانسان والاشياء المادية دراسة كمية، تُهمل المظهر الكيفى للظواهر.
أما عن القيمة، فيذهب التيار النيوكلاسيكى، لتحديد ثمن السلعة فى السوق، وإبتداءً من إنطلاق تحليلهم من دائرة التبادل، وليس الانتاج كما ذكرنا، إلى أن الاثمان تتحدد فى الاسواق وفقاً لقانون العرض والطلب، الطلب يتحدد على أساس المنفعة وسلوك المستهلك(الرشيد الحكيم) فى السوق، أما العرض: فيتحدد على أساس سلوك"المنظم" فى السوق. ونحن هنا لا نتحفظ على ذلك التقرير الذى قال به النيوكلاسيك، لأنه من جهة لم يأت بجديد، على صعيد التنظير، على الاطلاق إذ سبق وأن ناقشه الكلاسيك بتوسع حين تفرقتهم ما بين الثمن الطبيعى وثمن السوق، ومن جهة أخرى فإنه لم يكشف عن واقع جديد، إذ المشاهد أن العرض والطلب لهما الدور الرئيسى فى تحديد ثمن السوق. ولكن ما نتحفظ عليه هو لى عنق التاريخ ومحاولة تجسير العلاقة المعرفية ما بين الاقتصاد السياسى وبين الاقتصاد.
ولقد إرتبط التغير الفكرى الذى صاحب النيوكلاسيك بالتغييرات الاقتصادية والاجتماعية التى حدثت فى دول غرب أوروبا، إذ مرت هذه الدول بمرحلة من الركود وتخلصت منه، وصار الاعتقاد بأن الاهتمام بالنمو والتطور ليس ضرورياً كما فعل الكلاسيك، إذ أن النمو، فى تقدير النيوكلاسيك، يتم من تلقاء نفسه دون حاجة جدية لدراسته وتفسير ظواهره على الصعيد الاجتماعى.
كما إرتبط كذلك التغير الفكرى الذى صاحب ذلك التيار، بما لحق، آنذاك، البيئة الثقافية والعِلمية من تطور، فقد كان الانغماس فى المعامل والسعى الدؤب من أجل فهم الكون، كما كانت العلوم الطبيعية والرياضيات، بسبب سعى أوروبا لفهم العالم، فى تقدم مستمر وواضح فى هذا العصر، الأمر الذى إنعكس على كتابات النيوكلاسيك، فرغبوا فى الابتعاد عن اللغة المصطلحية والتعبيرات اللفظية، ومالوا بقوة نحو القياس الكمى عن طريق التعبيرات الرياضية، وإستعاروا أيضاً بعض الالفاظ من العلوم الطبيعية، كما أنهم ظهروا أكثر ميلاً لتجريد الظواهر الاقتصادية، ولكنه تجريد جاء مُبالغاً فيه وقادهم إلى النظر إلى عِلم الاقتصاد كعِلم منفصل عن العلوم الاجتماعية والسياسية، والسياسية بصفة خاصة، الأمر الذى عنى سلخ عِلم الاقتصاد من دائرة التاريخ والعلوم الاجتماعية، وصار يُنظر له على أنه عِلم معملى بحت يحوى نظريات ثابتة قابلة للتطبيق دائماًً، حالها حال ما يتعلق بالعلم المعملى.
جاءت المدرسة النيوكلاسيكية، وقد وجهت سهام النقد العنيفة جداً لكتابات ماركس، ولكى تقدم موضوعاً جديداً كما ذكرنا لعِلم الاقتصاد، ولكى تنشغل بدراسة العمل وليس العامل، والمنتج الفرد وليس الرأسمالى، والمستهلك وليس الفرد، رغبة فى الإبتعاد عن التحليل الطبقى الذى أعطاه ماركس.
وإبتداءً من النصف الثانى من خمسينات القرن الماضى، طرأت على المدرسة النيوكلاسيكية تغيرات واضحة، فلقد تحول إهتمام التحليل من الجزئى إلى الكلى، من تحليل توازن المستهلك والمنتج، إلى تحليل توازن الاقتصاد القومى.
جاء هذا التبدل كبلورة لما أسهم به "ليون فالراس" فى العودة إلى إستخدام تحليل التوازن الشامل بكيفية لم تكن معهودة من قبل؛ وبطريقة خاصة فى التحليل بإستخدام نظاماً من المعادلات الرياضية فى محاولته للبحث عن التوازن الاقتصادى العام. وقد ظلت هذه التحولات فى حقل التيار النيوكلاسيكى فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى محصورة فى مجال النظرية الاكاديمية، والمراجع والمؤلفات العلمية. أما على الصعيد السياسى الاقتصادى فلم يكن لها أدنى تأثير، فخلال تلك الفترة كان المذهب الكينزى يشهد قمة إنتصاراته وطغيانه الفكرى، واضعاً ما عداه من مذاهب وأفكار فى الزوايا المهملة، فحتى نشوب الحرب العالمية الاولى، كان مذهب الحرية الاقتصادية سائداً إلى حد بعيد فى الأوجه المختلفة للنشاط الاقتصادى.
ولكن ما أن إندلعت نيران الحرب، حتى تبدلت الاحوال وتغيرت التصورات، فخلال الفترة الممتدة ما بين الحربين العالميتين(1919-1939) وهى الفترة التى زاد فيها تركز رأس المال، وتمركزه، وتبلورت فيها الاحتكارات الصناعية الضخمة، إعلاناً عن بداية سيادة المشروع الرأسمالى فى شكله الدولى، وكذلك تعرض النظام الرأسمالى للعديد من التوترات، بدءً بثورة العمال فى المانيا1918، ثم أزمة الديون والتعويضات التى قدرتها معاهدة فرساى على المانيا 1919، فأزمة الكساد الكبير1929، وبروز الحرب النقدية والتكتلات الاقتصادية، ثم إنهيار قاعدة الصرف بالذهب. . . فكان طبيعياً ظهور الكينزية، فى زمان الازمة فى شكلها الدورى، ونظريتها التى تعتمد على وجوب التدخل الحكومى بوصفه عاملاً مساعداً فى تحريك الاقتصاد الذى كف عن السير، بعدما لاحت فى الافاق الازمات متتالية.
فى ظل هذه الهيمنة الكينزية، كان هناك تيار فكرى يتكون فى أحضان التيار النيوكلاسيكى، هو تيار النقديين بقيادة "ملتون فريدمان"، والذى سيتزعم حملة ضارية على الكينزية، كى ينتهى الامر بإختلاف جذرى، وتوارى للسياسة الكينزيةـ وظهور التيار النيوكلاسيكى المطور. تيار النقديين. والذى سوف يلقى تطبيقاً رسمياً فى الفترة من 1979 حتى 1984، وبصفة خاصة فى المملكة المتحدة بزعامة مارجريت تاتشر، والولايات المتحدة برئاسة رونالد ريجان، ولم تكن النتائج سعيدة على الاطلاق؛ فقد تعمق الكساد، وإستفحلت البطالة، وإنخفض الميل الاستثمارى، وإزدادت الضغوط التضخمية، نتيجة للزيادة الواضحة فى عرض النقود، بالاضافة إلى إضعاف المركز التنافسى للاقتصاد داخل السوق الرأسمالية العالمية، وليس ذلك هنا مجال مناقشة. فالذى يهمنا الان وبعد أن بلغنا مبتغانا من توضيح إختلاف موضوع (الاقتصاد السياسى) عن (الاقتصاد) وأن الاخير ليس إمتداداً عِلمياً للاول ولا حتى من جنسه أو نوعه، وإنما هى القطيعة التاريخية والمعرفية بين الاثنين إبتداءً من الربع الاخير من القرن التاسع عشر، وكذلك أوضحنا مدى إهتمام الاقتصاد السياسى بالقيمة وإنطلاق الاباء المؤسسين فى درسهم المباحث المختلفة إبتداءً منها، وإذ فرغنا من التنظير، فلننتقل إلى الواقع بشأن ثمن النفط الفنزويلى مثلاً أو السودانى:
ثمن النفط الفنزويلى أو/و السودانى
الان، وبعد أن وقفنا على موضوع علمنا، عِلم الاقتصاد السياسى، وتعرفنا على المساهمات فى حقل التراكم المعرفى التى أدت إلى تبلوره ونضجه على نحو يسمح بأن يقدم نفسه كعِلم لظواهر نمط الانتاج الرأسمالى، إبتداءً من الانتاج، ومروراً بالتبادل والاستهلاك، وإنتهاءً بالتوزيع؛ الان وبعد ذلك جاز لنا أن أن نسأل: فما الذى يُحدد ثمن سلعة معينة، ونعتبرها هنا النفط؟ فما الذى يحدد ثمن النفط الفنزويلى أو/و السودانى؟
مجموعة مِن الافكار الرئيسية المتعيَن الاعتماد عليها لتقديم إجابة، والتى تتلخص فى:
- إن قوة العمل لم تكن دائماً سلعة. والعمل لم يكن دائماً عملاً مأجوراً. ففى الحقبة التاريخية المعتمِدة على عَمل العبيد، فالعبد لم يكن يبيع قوة عمله لمالكه ، كما أن الثور لا يبيع عمله إلى الفلاح، كما قال ماركس(كإمتداد لريكاردو) فالعبد يُباع، بما فيه قوة عمله، مِن مالكه، بيعاً تاماً. وهو سلعة يُمكن أن تنتقل مِن يد مالك إلى يد مالك آخر. فهو نفسه سلعة.
- إن الرأسمال ليس مبلغاً مِن النقود، إنما هو علاقة إجتماعية، ومجموعة مِن المقادير الاحتماعية. فكُل المنتجات التى يتألف منها هى سلع، نتاج إستخراج وضم وفَصل مواد أولية موجودة سلفاً فى الطبيعة.
- إن نفقة إنتاج قوة العمل هى النفقات الضرورية، لجعل العامل عاملاً، ولإبقائه عاملاً. وإن إستهلاك العمال يؤخذ فى الحسبان المحاسبى، شأنه شأن إستهلاك الالة.
- إن الرأسمال يَفترض العمل المأجور، والعمل المأجور يَفترض الرأسمال. فكُل منهما شرط الآخر. وبقدر ما ينمو الرأسمال المنتِج، وبقدر ما يتسع تقسيم العمل وإستخدام الالات، بقدر ما تَنتشر المزاحمة بين العمال، وبقدر ما ترتفع مؤشرات البطالة، وبقدر ما تنخفض مقادير القيمة الزائدة. وبقدر ما تأخذ الرأسمالية فى طرقها الهابط لجفاف منابع سر نشأتها وحياتها وتطورها. القيمة. والقيمة الزائدة.
- مع إدخال الماكينات يبدأ العامل فى الصراع ضد وسيلة العمل ذاتها، والتى هى الشكل المادى لوجود الرأسمال؛ فما أن ظهرت وسيلة العمل بشكل الماكينة حتى أصبحت مزاحِمة للعامل نفسه. يقول ريكاردو:" إن العمل والماكينات فى مزاحمة دائماً" ويقول ماركس:" ومع الماكينات يظهر للمرة الأولى التمرد العفوى ضد وسيلة العمل". مفاد ذلك أن عمال النفط فى فنزويلا، إنما يبيعون قوة عملهم للرأسمالية (الوطنية و/أو العالمية المستثمِرة) مُستعملين رأسمالاً مكدساً؛ ومنتجين له فى نفس الوقت، ولقاء ذلك فهم يتحصلون مِن الرأسمال على أجرة. وعمال النفط الفنزويلى حينما ينتجون قيمة زائدة، فالقيمة الزائدة تلك لا تستفيد بها سوى الشركة المنتِجة (الاجنبية، غالباً) والمساهمين فى رأسمالها، دون البلد المنتِج، كما أن النفط ذاته لا يُستخدم فى سبيل تغذية صناعات وطنية معينة، وإنما يوجَه صوب تغذية قطاعات صناعية متطورة ومعقدة فى الاجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر. يتبدى هنا تسرب القيمة الزائدة فى أروع صوره!!
جميع السلع نتاج العمل البشرى، وهذه الخاصية يُمكن قياسها؛ فالعمل يُقاس بكمية الزمن المنفَق على إنتاج السلعة، فكمية العمل المبذول فى إنتاج السلعة، إذاً، هى التى تُحدد النسب التى تَتَبادل بها بعض السلع بالبعض الاخر. بيد أن الامر ليس سطحياً هكذا، إذ المُعتد به فى هذا الشأن هو وقت العمل اللازم إجتماعياً وفقاً للفن الانتاجى السائد فى فترة زمنية معينة طبقاً لمتوسط مهارة المنتِج.
قيمة قوة العمل
الثمن، الضرورى أو الطبيعى أو العادل، إذاً يُحدَد على أساس عَدد ساعات العمل الضرورى المنفَقة فى سبيل إنتاج تلك السلعة، ولن يكون ذلك سوى مِن طبائع الاشياء، فالانتاج، إبتداءً مِن مواده، وإنتهاءً بأدواته، مِن صنع العمل البشرى، الذى هو المقياس المشترك بين مواد العمل وأدواته. ولا يمكن أن تضاف قيمة إضافية على المنتج إلا من خلال العمل. فإذ ما كان إنتاج (برميل نفط) مثلاً، يتطلب (5) ساعات مِن العمل الضرورى، وعلى أساس مِن أن ساعة العمل تساوى مثلاً فى حقل تلك الصناعة (5) وحدات مِن النقد، فإن (5 × 5 = 25) أى أن الثمن العادل للبرميل يبلغ (25) وحدة مِن النقد. ولكن أين قيمة باقى العناصر؟ أين ثمن مواد العمل، بإفتراض أنها تساوى 500 وحدة؟ وأين ثمن أدوات العمل، بإفتراض أنها تساوى 1000 وحدة؟ تلك الاثمان سوف تظهر (بنفس قيمتها) التى دخلت بها العملية الانتاجية، فلن يُباع البرميل بثمن قدره(25) وحدة، إذ سوف يطرحه الرأسمالى فى السوق على نحو مختلف، كما يلى:
25(أجر) + 10 (متوسط إستهلاك مواد العمل) + 10 (متوسط إستهلاك الألة) = 45 (وحدة)
ولكن الرأسمالى طبقاً لتلك الحسابات لم يكسب شيئاً، إذ دخل العملية الانتاجية بمبلغ نقدى معين، وخرج بنفس المبلغ، وهو لا يستطيع أن يولِد الربح من الالة، أو من مواد العمل. فماذا يفعل الرأسمالى؟ ليس عليه الان سوى النظر إلى تلك السلعة العجيبة المطروحة فى السوق. قوة العمل. فيطيل (أيام) و(ساعات) العمل إلى الحدود التى تسمح له، كما سنرى، بتحقيق الربح، والتراكم الرأسمالى، حينئذ يباع البرميل طبقاً للحسابات التالية، بإفتراض أن القيمة الزائدة تساوى 100%.
25 (أجر)+ 25 (قيمة زائدة)+ 10 ( متوسط إستهلاك مواد العمل) + 10 (متوسط إهلاك الالة) = 70 (وحدة)
وعلى هذا النحو، إنما يَتحدد ثمن البرميل الواحد من النفط(ومفهوم أننى أقصد الثمن العادل) على أساس عدد ساعات العمل الضرورية المنفَقة فى سبيل إنتاجه، أما الارتفاع والانخفاض فيُمكن بشأنهما حينئذ إستدعاء نظريات السطح والظاهر، والتى تقدمها لنا مجموعة الافكار والتصورات الذهنية العامة، دون الوصول إلى صفة العِلم، والتى تندرج تحت مسمى "الاقتصاد". فيُمكن الكلام عن الاحتكارات والسياسات أو تغير الاذواق، أو تأثير الاعلام وإلى غير ذلك مِن الاراء والتصورات التى لا تنتمى إلى حقل العِلم. وتحتفظ بوجودها فى حقل الاراء الحرة المناسِبة لحفلات التعارف!!
نعود ونقول: فهل يَتلقى"عمال نفط فنزويلا(البتروليتاريا الفنزويلية) تعويضاً عادلاً؟ فبعد أن أخبرنا عِلم الاقتصاد السياسى ما الذى يُحدد ثمن السلعة، إذ أَجابنا بأن ثمن البرميل الواحد مِن النفط فى سوق النفط، شئنا أم أبينا، إنما يَتحدد بعدد ساعات العمل الضرورى التى أنفقها عمال النفط(فى مجموعهم) مِن أجل إنتاج تلك السلعة. فهل يتلقى عمال النفط فى (مجموعهم) تعويضاً عادلاً (2370 بوليفار(27)شهريا)؟ يلاحظ أن الحد الادنى للاجور يبلغ 1223,89 بوليفار شهرياً. إن إنشغالنا بالاجابة على هذا التساؤل إنما ينبع مباشرة من تصورنا عن التسرب، أى تسرب القيمة الزائدة المنتَجة داخلياً إلى خارج حدود الاقتصاد القومى فى الاجزاء المتخلفة من أجل تدعيم وتطوير صناعات متطورة فى الاجزاء المتقدمة على الصعيد العالمى. ومن ثم تكون الاولوية فى التحليل منعقدة لفهم تسرب القيمة الزائدة من خلال تسرب الاجر، إذ الاجر أحد وسائل التسرب، كما سنرى حين ذهابنا لتحليل الدور الذى تلعبه الشركات دولية النشاط فى هذا الشأن.
العمل البشرى
العمل البشرى إذاً هو مصدر كُل الثروات ومقياس كُل القيم، بحيث أن شيئين تَطلب إنتاجهما نفس العمل يمتلكان نفس القيمة، ويُمكن بالتالى مبادلتهما ببعضهما ما دامت القيم متساوية بشكل عام، قابلة للتبادل.
النفط الفنزويلى، والسودانى، إذاً يتحدد الثمن (الطبيعى) للبرميل الواحد منه على أساس كَمية العمل المبذولة فى سبيل إنتاجه. هكذا يُنفِق عمال النفط قوة عملهم فى سبيل الانتاج، وإنما إبتداءً مِن أجر معلوم. الاجرة. فإذ ما كانت السلعة الرئيسية والدائر حولها الصراع إنما يتحدد ثمنها الوسطى (فى السوق الدولية) شئنا أم أبينا على أساس مِن عدد ساعات العمل المبذولة على نحو ما ذكرنا، لقاء أجر مُحدد، فما الذى يُحدد أجر عمال النفط الفنزويليين؟ طبعاً (البتروليتاريا) ذات وضع خاص نسبياً، ولكن لا تخرج كذلك عن القانون العام للقيمة.
إن الذى يُحدد هذا الاجر هو (حد الكفاف) وقت العمل الضرورى اللازم لإنتاج وسائل العيش، يجب الوعى وكما ذكرنا أن تحديد الاجرة إنما يتوقف على ما هو ذاتى فى السلعة، وما هو موضوعى يخص المنتِج، فإن الاجرة تأخذ فى حسابها (المنتَج والمنتِج) وليس المنتِج فقط. وحينما ينظر إلى المنتَج والمنتِج فإننا نكون بصدد البحث عن تأرجحات أثمان قوة العمل فى السوق، فى حين أننا حين ننظر إلى المنتِج وتكلفة تكوينه نكون أمام الثمن الوسطى لقوة العمل.
والشركة الرأسمالية، أجنبية كانت أم وطنية، تعمل طبقاً لقانون حركة معين أساسه القيمة الزائدة، وهو المتعلق بالصيغة العامة (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) والسؤال الذى يجب أن يثور هنا، لفهم التسرب، وهو على العموم يُعد من قبيل التسرب الجزئى على المستوى القومى، هو عن الكيفية التى يُستخدم مِن خلالها هذا الفائض، وأماكن ضخ تلك القيمة الزائدة، التى تظهر عادة فى شكل تدفقات خارجية!! أعتقد إن حدود الاجابة تقتضى الوعى بالأمرين التاليين:
- الامر الاول: تُهيمن على سلعة النفط الفنزويلى إستخراجاً وإنتاجاً وتسويقاً وتوزيعاً الشركات دولية النشاط، تلك الشركات العملاقة ورؤوس أموالها الضخمة إنما تقع مراكزها فى الاجزاء المتقدمة مِن الاقتصاد الرأسمالى العالمى. وهى، كما سبق وأن ذكرنا، دوماً ما تسعى إلى تعميق الدور الذى تلعبه أجزاء القارة المختلفة كمورد رئيسى للمواد الاولية، دون أى مشاركة مِن هذه الاجزاء فى عملية التجارة فى أى مرحلة مِن مراحلها، مع الحفاظ دائماً على إثارة القلق فى أسواق تلك المنتجات، حفاظاً على التوترات المستمرة فى ثمنه العالمى وإمكانية التلاعب به.
- الامر الثانى: الشركة الوطنية إنما هى شركة تابعة للرأسمالية العالمية ومندمجة فيها، ومِن ثم خاضعة لقانون الحركة الحاكم لأدائها الاستعمارى الكونى بوجه عام.
ولقد رأيت أنه لمن الافضل أن نتناول إشكاليات الأمرين بمزيد مِن الدرس، بتخصيص المطلب التالى بشكل مُستقل، معتبرين إياه "مداخلة" أكثر منه تسلسلاً منهجياً للخط النظرى الرئيسى للأطروحة.
المطلب الثالث: الشركات دولية النشاط (كمداخلة)
بمراعاة الامرين الواجب الوعى بهما، و قد أوردناهما لتونا؛ وهما: هيمنة الشركات الرأسمالية العالمية، والتبعية المفروضة على جميع مراحل تجارة النفط مِن جهة الادارة والاستخراج والتحويل والتسويق. وذلك فى سبيل التعرف على أماكن إعادة الضخ، وتسريب القيمة الزائدة على الصعيد العالمى، يُحسن بنا التعامل مع هذا المطلب كمداخلة نظرية، وهى تفيد كثيراً فى تدبر أكثر دقة لما ستتناوله الاطروحة مِن عناصر فكرية تخص النفط الفنزويلى والشركات دولية النشاط المهيمنة على إنتاجه وتسويقه، تلك المداخلة تنشغل بالتعرف (وبإيجاز) على الخطوط العريضة التى تُشكل تلك الشركات وتحكم نشاطها.
الشركات الامبريالية (المشروعات دولية النشاط)
الشركات الامبريالية هى شركات ضخمة مُمتدة عالمياً، تملك تقنية عالية ومتطورة، وتسمى دون دقة بالشركات متعددة الجنسيات، وتسميها الامم المتحدة "الشركات عبر الوطنية"، وتمارس نشاطها على عدة أقاليم لدول مختلفة.
ولتلك الشركات، التى ساهمت فى تشكيل معالم الاقتصاد الرأسمالى المعاصر، مجموعة من الخصائص، أهمها: التوسع الجغرافى ومِن ثم رؤيتها للعالم كوحدة واحدة، كسوق واحد يلزم إمتصاص مدخراته، وإستثمارها فى الانشطة المختلفة والمتابينة التى تمارسها وجوباً لتقليل إحتمالات الخسارة، الامر الذى يتطلب نوعاً من الاحتكار، الفردى أو مِن خلال إقامة التحالفات أو الاندماجات. وتتبدى أهم خصائص تلك الشركات فى مجموعة من الخصائص، فمنها الاحتكار والانخراط الدائم فى تحالفات إستراتيجية، وغير ذلك مما يفرض هيمنة الشركات دولية النشاط على إقليم أكثر من دولة.
فمن السمات الرئيسية لتلك الشركات هى العمل مِن خلال هياكل وبرامج إحتكارية، إذ تتمتع هذه الشركات بمجموعة مِن المزايا الاحتكارية، وترجع هذه السمة إلى أن هيكل السوق الذى تعمل فيه هذه الشركات، يأخذ شكل سوق إحتكار القلة فى الاغلب الاعم، المرتبط بإحتكار التكنولوجيا الفائقة، وتتبدى السمة الاحتكارية لتلك الشركات على صعيد كُل من التمويل، ومروراً بالادارة، والتكنولوجيا، وإنتهاءً بالتسويق. فعلى سبيل المثال يعتمد التمويل المفتوح بالاساس على عنصر الثقة؛ فتتمكن تلك الشركات مِن الاقتراض بأفضل الشروط، مِن الاسواق المالية العالمية نظراً لوجود تلك الثقة، والتيقن من سلامة وقوة مركزها المالى. ولكى تنمو السمة الاحتكارية (المعتمدة على النشاط الاحتكارى) وتستمر فإنه يتعين وجود الهيكل التنظيمى القوى والذى يكون على أعلى مستوى من الكفاءة، ويسمح بتدفق سليم للمعلومات وسرعة فى الاتصالات بين المركز وبين الفروع على الصعيد العالمى. تلك المزايا ترتبط إرتباطاً وثيقاً بدوام التدريب وتجهيز الكوادر على مستويات العمل المختلفة. وأهم ما تسعى إليه تلك الشركات هو التقنية المتطورة بإستمرار، بهدف الحد مِن دخول منافسين جُدد وفرض وضعها الاحتكارى، ولذلك تجد هذه الشركات إستمرارها الاحتكارى فى التجديد والحفاظ على جودة المنتَجات وتطويرها المستمر. ومِن خلال الشبكات التوزيعية والتسويقية العالمية، تعمل تلك الشركات على توفير منتجاتها، وطرحها فى السوق فى أفضل الأشكال. إذ تهتم تلك الشركات بأبحاث السوق وقياس درجة إستجابة الاذواق، بعد توجيهها، والتركيز على أساليب الترويج والدعاية(28) والاعلان لمنتجاتها لضمان طلب متزايد ومستمر عليها.
وتُعتبر شركات النفط العالمية الكبرى مِن أقدم المشروعات دولية النشاط. وقد شهدت السوق العالمى للنفط مراحل مختلفة لسيطرة عدد محدود مِن شركات النفط العملاقة على جانب كبير من تلك الأسواق؛ ففى خلال الفترة من 1928 وحتى 1938، تم توقيع عدة إتفاقيات بين ثلاث شركات كبرى تهدف تقسيم العالم بين كارتل: ستاندارد أويل أوف نيوجيرسى(إكسون موبيل حالياً) وشل، وبريتش بتروليوم(الإنجلو/إيرانيان) ثم إنضم إلى هذا الكارتل: ستاندارد أوف نيويورك وستاندارد أوف كاليفورنيا وجولف وتكساكو، وأضيف إليهم منذ أواخر الخمسينات الشركة الفرنسية للنفط. ولقد كان هذا الكارتل حتى عام 1949، يسيطر على 97% من إنتاج النفط فى النصف الشرقى للكرة الارضية، وعلى نحو 80% من إنتاج أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى(29).
الولايات المتحدة والحرب والنفط
وبشأن الولايات المتحدة الامريكية وعلاقتها بالنفط وجبروت حروبه، فنحن أمام أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ متعطشة للنفط، تلك المادة التى تحرك صناعاتها، وأساطيلها وجيوشها، ومن أجل ذلك شنت حروباً مفتوحة لا نهاية لا، ومن أجل ذلك أيضا إستقدمت المؤسسة الرأسمالية الدائمة إلى إدارة الولايات المتحدة"رئيس حرب" هو رجل نفط وإبن رجل نفط، هو جورج بوش، كما إستقدمت له نائباً سبق وأن شغل منصباً مرموقاً لأكبر شركة لخدمات النفط فى العالم ومركزها تكساس، هو "ديك تشينى" ووزيرة خارجية والتى ستأتى فيما بعد كمستشارة للامن القومى كونداليزا رايس، والتى كانت عضو مجلس إدارة كبرى شركات النفط التى دشنت إحدى ناقلات النفط العملاقة حاملة إسمها. إنه الفريق الذى أتى كى يدير الحرب المفتوحة، فى العراق، من أجل النفط. وبعد سنة واحدة من غزو العراق، وحسب ما ورد فى صحيفة "الفاينانشال تايمز" زادت أرباح شركة "هاليبرتون" 80%، وزادت أرباح شركة بكتل 160%، وزادت أرباح شركة شيفرون تكساكو 90%، أما أسهم شركة "لوكهيد مارتن" لصناعة الأسلحة فزادت 300% منذ تولى جورج بوش الحكم وسنة بعد ضرب العراق(30)
تفسير السلوك الاقتصادى للشركات دولية النشاط
مِن الامور التى إنشغل بها العديد مِن الاقتصاديين، ولم يزل هذا الانشغال يُمثل مبحثاً هاماً فى حقل العلاقات الاقتصادية الدولية، تفسير(31)(32)سلوك المشروعات دولية النشاط، ومِن ثم تفسير طريقة الانتاج الرأسمالية على الصعيد العالمى، بما يوحى بإختلاف طريقة الانتاج الرأسمالية على الصعيد العالمى عنها داخلياً، ومِن أجل إعطاء ذلك التفسير، ظهرت العديد مِن التصورات النظرية، والاجتهادات الفكرية، إلا أن الاتجاه(33) الاقرب إلى الدقة هو الذى بدأ مِن رؤية واضحة لحقيقة أن خلف كُل رأس مال دولى توجد دولة تسانده بشتى الوسائل فى (توسعه، وصراعه) مع رؤوس الاموال الاخرى وفى صراعه مع قوى المنتجين المباشرين فى الداخل أو فى الخارج، والتجربة التاريخية تثبت أن وراء كُل شركة دولية تمارس نشاطها فى إقليم واحد أو أكثر من إقليم، توجد ورائها دولة بكيانها السياسى وقوتها العسكرية(34). فعندما قامت مصر بتأميم قناة السويس فى يوليو1956، وجدت مصر نفسها فى مواجهة مع دولتين(الدولة البريطانية، والدولة الفرنسية) وذلك فى مرحلة أولى، كى تجد نفسها، فى مرحلة ثانية، أمام ثلاثة جيوش(بريطانيا، وفرنسا، والغدة السرطانية: إسرائيل) وتجارب بلدان أمريكا اللاتينية (جواتيمالا 1954، وتشيلى1973) وغيرها تؤكد على ذلك. ومن الممكن أن نضيف ما ذهب إليه "نعوم تشومسكى"، فى الدولة المارقة، وفقاً للاصطلاح الامريكى، حين عبر عن الشركات دولية النشاط، وهو يستخدم عموماً مصطلح "متعددة الجنسية"، بقوله:" ومن جانب أكثر جوهرية يمكن لنا أن نصفها كمجموعة شركات عملاقة عادة ما تكون مرتبطة ببعضها بتحالفات إستراتيجية وتدير إقتصاداً عالمياً.... وتميل نحو حكم القلة فى معظم القطاعات وتعتمد بشدة على قوة الدولة لجعل المخاطرة والثمن ذات طبع إجتماعى ولإخضاع العناصر المتمردة أو غير المطاوعة" الامر الذى يعنى، وفقاً لهذا الاتجاه:
- إعتبار تلك الشركات أداة فعالة فى سبيل ترسيخ هيمنة الدولة على الصعيد السياسى العالمى، فقوة الاقتصاد الوطنى لبلد ما إنما تُقاس بأمرين: أولهما: بالقدرة التنافسية فى السوق الدولية إبتداءًً من الانتاجية النسبية للعمل، ومن ثم دوره فى الاقتصاد الدولى، مقيساً بمدى إتساع دائرة سيطرته فى السوق الدولية. ثانيهما: بالناتج الوطنى الاجمالى، ووزن ذلك الناتج فى الناتج العالمى، بصفة عامة، وبالناتج الصناعى، تحت تأثير التصور الاوروبى، بصفة خاصة. وبناتجها من المنتجات الصناعات عالية التكنولوجيا، بصفة أخص، وفى ظل الشكل السائد لتنظيم المشروع الدولى، الشركات دولية النشاط، يتعين أن نضيف، لقياس قوة الاقتصاد الوطنى، نصيب شركات الدولة وتوابعها فى الخارج فى الناتج الذى تنتجها الشركات دولية النشاط. (35)
- إعتبار تلك الشركات وسيلة مفصلية (غير عسكرية) فى تحقيق مجموعة مِن الاهداف القومية على الصعيد العالمى، وعلى عدة مستويات: الاقتصادى، والسياسى، والإجتماعى، والثقافى.
- الصراع من أجل تحقيق الهيمنة الاقتصادية، ومن ثم بسط النفوذ السياسى، على الصعيد العالمى لأحد رؤوس الاموال، يُعد أحد مُحددات تراكم رأس المال، بما يجعل مساندة الدولة القومية متساوقاً مع نشاط الشركة دولية النشاط.
- إتجاه الشركات دولية النشاط نحو المزيد من الاندماج فيما بينها، ومِن ثم المزيد مِن تمركز رأس المال على الصعيد العالمى، الأمر الذى يقوى توجهاتها العالمية، ويثير إمكانية الصدام مع الاتجاهات القومية لدولة ما أو مجموعة من الدول. الامر الذى يحوى إمكانية الصدام فيما بين الدول ذاتها.
- قيام تلك الشركات بلعب الدور المحورى فى عملية إمتصاص الفوائض(وعلى رأسها الفوائض النفطية) التى تُنتَج فى الأجزاء المتخلفة، وضخها فى مسام الإجزاء المتقدمة، فالشركات الامريكية دولية النشاط، على سبيل المثال، تقوم بإنفاق 70% من دخلها فى الولايات المتحدة الأمريكية.
- يتوسع السوق فى الاقتصاد الرأسمالى بإستمرار لأن البحث عن الربح، يولد التنافس، ولأن التنافس هذا يدفع كُل وحدة إقتصادية إلى أن تراكم وتتوسع وتذهب مِن أجل ذلك إلى أبعد الاماكن بحثاً عن المواد الاولية بخسة الاثمان، وبحثاً كذلك عن السوق المناسب لتصريف تلك المنتجات، إن نفس الالية التى وسعت السوق المحلية هى التى تدفع بالوحدة الاقتصادية إلى البيع فى الخارج، وربما تدفعها إلى بعض من التمركز المكانى.
دور الشركات دولية النشاط فى تشكيل التجارة العالمية
فى ثنايا خطواتنا الفكرية التى مشيناها حتى الان كنا نقول أن الشركات دولية النشاط، حينما تقوم بنشاطها الموسع على إقليم سياسى لدولة معينة، وعلى وجه التحديد حينما تستخرج النفط أو المعادن من أرض تلك الدولة، فهى لا تُنمى بما تستخرجه أو بمقابله النقدى صناعات وليدة بداخل الدول المستخرَج من أرضها النفط أو المعدن، وإنما تُرسِل به إلى مراكز صناعية كى تتم تغذية قطاعات أكثر تطوراً وتعقيداً فى الاجزاء المتقدمة، ولا يكون للبلدان تلك سوى الريع، الذى تركن إليه، فى الغالب، الطبقة الحاكمة مِن أجل الحفاظ على تثبيت الوضع الاجتماعى الراهن(وبخاصة فى دول مجلس التعاون) دون أن تَسمح، أو يُسمح لها، بتحويل الفوائض النفطية إلى رأس مال.
والتقرير الصادر عن مؤتمر منظمة الامم المتحدة للتجارة والتنمية، حول "الشركات عبر الوطنية والصناعات الاستخراجية والبيئة "(36)، للعام 2007، ربما يُساند وجهة نظرنا، حينما يرسم صورة واضحة للوضع الإقتصادى العالمى الراهن، وبوجه خاص من زاوية تدفقات الاستثمار الاجنبى المباشر، والتى يتم نحو (84%) من عملياته من خلال الشركات دولية النشاط، التى تُسهم على نحو فعال فى تشكيل وإعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية. يتعين هنا الوعى بالتصنيف الذى إعتنقه التقرير، إذ صنف التقرير البلدان على النحو التالى: البلدان المتقدمة: وتشمل: البلدان الاعضاء فى منظمة التعاون والتنمية، بخلاف المكسيك، وجمهورية كوريا، وتركيا، بالاضافة إلى البلدان الجُدد الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، والتى ليست أعضاء فى منظمة التعاون والتنمية (قبرص، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، مالطة، سلوفينيا) علاوة على إسرائيل، وأندورا، وسان مارينو، وموناكو. الاقتصادات الانتقالية: وتشمل: جنوب شرق أوروبا، ورابطة الدول المستقلة. البلدان النامية: وتشمل عموماً جميع الاقتصادات غير المذكورة تحديداً. وطبقاً للتقرير فقد شهدت تدفقات الاستثمار الاجنبى المباشر (الداخل) على الصعيد العالمى إرتفاعاً نسبياً، فبلغ حجمها نحو (1303) مليار دولار، وهذا الرقم يقارب الرقم القياسى البالغ (1411) مليار دولار، الذى سُُجل عام 2000. وأرجع التقرير تلك الزيادة إلى تزايد أرباح الشركات فى جميع أنحاء العالم وما أسفر عنه من إرتفاع أسعار الاسهم الذى أدى إلى زيادة فى قيمة عمليات الاندماج والشراء عبر الحدود. ولم تزل الحركة الاقتصادية الدولية فيما بين الاجزاء المتقدمة تشهد إرتفاعاً مستمراً، فقد مثلت التدفقات (مِن وإلى) الإقتصادات المتقدمة، على النحو المذكور، أرقاماً مرتفعة تفوق (مِن وإلى) الاجزاء الاخرى مِن الاقتصاد العالمى(الإنتقالية والنامية) إذ قُدرت التدفقات الداخلة إلى الاجزاء المتقدمة بنحو (857,5) مليار دولار، والخارجة بنحو(1022,7) مليار دولار، على حين قُدّرت التدفقات الداخلة إلى البلدان النامية بمبلغ(379,1) مليار دولار، والخارجة (174,8) مليار دولار. وكما ذكرنا أن الشركات دولية النشاط يتم من خلالها ما يقارب من (85%) من قيمة التدفقات على الصعيد العالمى.
حجم التدفقات الخارجة والداخلة من/إلى الدول المتقدمة والدول النامية
(جدول رقم 7)

الدول التدفقات الداخلة بالمليون دولار التدفقات الخارجة بالمليون دولار
المتقدمة 857,5 1022,7
النامية 379,1 174,8
UNCTAD, World Investment Report 2007
وتعتبر عمليات الاندماج والشراء عبر الحدود، التى تضاعفت فى أمريكا الشمالية، وتركزت فى المملكة المتحدة، من أهم الظواهر التى طرحت نفسها على الصعيد العالمى؛ حينما زادت تلك العمليات من الاندماج أو من الشراء زيادة بارزة فى العام 2006، من حيث القيمة (23%) ومن جهة الحجم(880) مليار دولار، ومن حيث العدد(14%) بواقع (6,974). أما بالنسبة لإنتاج السلع والخدمات مِن قبل الشركات دولية النشاط، خارج بلدان المنشأ، فقد زادت فى عام 2006 زيادة أسرع مما فى السنة السابقة. ويقدر أن المبيعات والقيمة المضافة، والصادرات لدى نحو(78000) شركة من الشركات دولية النشاط، ونحو(780000) فرع من فروعها الأجنبية، قد زادت بنسبة (18%) و(16%) و(12%) على الترتيب. وشكل ذلك ما يعادل (10%) من الناتج المحلى الاجمالى العالمى، وثلث الصادرات العالمية، وظلت الصين تستضيف العدد الاكبر من الفروع الاجنبية فى العالم. ومن جهة هيكل التدفقات، فقد مثلت الخدمات معظم الرصيد من الاستثمار الاجنبى المباشر الداخل فى عام 2005، بما قارب الثلثين، على حين إنخفضت حصة القطاع الصناعى إلى (30%) ولم يتدفق إلى القطاع الزراعى أكثر من (10%)
نسبة التدفق فى كل قطاع
(جدول رقم 8)

القطاع نسبة التدفق%
الزراعة أقل من 10
الصناعة 30
الخدمات أكثر من 60
UNCTAD, World Investment Report 2007
وعلى الرغم مِن هيمنة الشركات التابعة للاجزاء المتقدمة على المشهد العام، فقد زاد عدد الشركات التابعة لإقتصادات نامية المدرجة فى قائمة أكبر (100) شركة فى العالم من الشركات عبر الوطنية غير المالية من (5) شركات، إلى (7) شركات. أما الترتيب فى قائمة أكبر(100) شركة من الشركات عبر الوطنية فى العالم فقد ظل مستقراً نسبياً، إذ تملك شركة (جنرال إليكتريك: الولايات المتحدة) وشركة(فودافون) وشركة(جنرال موتورز) أكبر الاصول الاجنبية، ورغم عدم حدوث تغير فعلى منذ عام 2004 فى الاصول الأجنبية لأكبر (100) شركة مِن الشركات دولية النشاط، فقد زادت المبيعات والعمالة فى الخارج. والجدول أدناه يوضح أصول ومؤشر التدوليل للشركات الخمس الاولى فى قائمة الـ(100) شركة، من الدول المتقدمة(جدول رقم 9) والخمس الأولى من البلدان النامية(جدول رقم 10)
الجدول رقم (9)
الشركة الجنسية النشاط مؤشر التدويل الأصول بالمليون دولار المبيعات بالمليون دولار
General Electric الولايات المتحدة أجهزة كهربائية وإلكترونية 77,5 673342 149702
Vodafone المملكة المتحدة إتصالات 36.7 220499 52428
General motors الولايات المتحدة سيارات 57,6 476578 192604
Britich petr co المملكة المتحدة نفط 69,3 206914 253621
Chell Group المملكة المتحدة، وهولندا نفط 52,6 219516 306731
UNCTAD, World Investment Report 2007
يحسب مؤشر التدويل على أساس عدد الشركات التابعة الاجنبية مقسوماً على عدد الشركات التابعة
الجدول رقم (10)
الشركة الجنسية النشاط مؤشر التدويل الأصول بالمليون دولار المبيعات بالمليون دولار
Hutchison هونج كونج متنوع 90,4 77018 31101
Petronas ماليزيا نفط 71,4 73203 44353
Cemex المكسيك منتجات معدنية غير فلزية 96,6 26439 14961
Singtel سنغافورة إتصالات 95,6 20748 7906
Samsong جمهورية كوريا أجهزة الكترونية وكهربائية 88,6 74834 79117
UNCTAD, World Investment Report 2007 يحسب مؤشر التدويل على أساس عدد الشركات التابعة الاجنبية مقسوماً على عدد الشركات التابعة
ولقد بات من الواضح حجم الترحاب الذى تلقاه الشركات دولية النشاط من قبل الحكومات التى أخذت على عاتقها تمهيد الاجواء الاستثمارية المثلى لتلك الشركات إما عن طريق خفض الضرائب(كما فى مصر وغانا وسنغافوره) أو عن طريق تحرير بعض المجالات الخدمية والصناعية، كما فعلت إيطاليا بشأن الخدمات المصرفية، وبتسوانا، والرأس الأخضر بشأن الاتصالات، وجمهورية لاو الديموقراطية الشعبية، ومالى بشأن الاعمال المصرفية، والجدول أناه يوضح عدد البلدان الذى أدخلت تعديلات تشريعية وهيكلية، وعدد تلك التغيرات.
البلدان الذى أدخلت تعديلات تشريعية وهيكلية وعدد تلك التغيرات
(جدول رقم 11)
البند 1998 1999 2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006
عدد البلدان 60 65 70 71 72 82 103 93 93
عدد التغييرات 145 139 150 207 247 242 270 205 184
UNCTAD, World Investment Report 2007
وبشأن التدفقات الاجنبية المباشرة على الصعيد القارى، فالجدول التالى يوضح مقدار التدفق الداخل ومقدار التدفق الخارج على صعيد القطاعات القارية، ويمكن القول بأن ثمة زيادة لحقت بتدفقات الاستثمار الاجنبى المباشر الداخلة إلى 32 بلداً فى أفريقيا، وتدفق إلى بعض الدول ما تجاوز البليون دولار، ففى مصر التى تُعتَبر المتلقى الاكبر فى القارة تجاوز حجم التدفق 10 مليار دولار، إستُثمَر منها 80% فى التوسع وفى المشاريع التأسيسية فى أنشطة غير نفطية، ولكن لم يخبرنا تقرير الامم المتحدة أين ذهب باقى التدفق وقدره 2 مليار دولار!!
حجم التدفقات الداخلة والخارجة وفقاًً لتقسيم القطاعات القارية
(جدول رقم 12)

القطاع القارى التدفقات الداخلة بالمليار دولار التدفقات الخارجة بالمليار دولار
أفريقيا 36 8
جنوب شرق أسيا 200 103
غرب أسيا 60 14
أمريكا اللاتينية والكاريبى 84 43
UNCTAD, World Investment Report 2007
وبوجه عام فإن البلدان المتقدمة لا تزال تجتذب جُُل تدفقات الاستثمارات الاجنبية المباشرة فى قطاع الصناعات الاستخراجية، فى الوقت الذى تتسم فيه أسواق المعادن العالمية بتوزيع جغرافى غير متكافىء للاحتياطيات والانتاج والاستهلاك. فبعض الدول النامية، والاقتصادات التى تمر بمرحلة إنتقالية "وفقاً للتقرير" هى منتجة صافية ومصدرة رئيسية لمختلف المعادن، فى حين أن البلدان المتقدمة والاقتصادات الناشئة سريعة النمو هى المستهلكة والمستوردة الرئيسية لها، وهذا الخلل إنما يثير العديد من الاشكاليات الصعبة؛ فالبلدان المستوردة والمستهلكة إنما يشغلها دوماًً الإمداد المستمر للنفط والمعدن الذى تعتمد عليهما الصناعات المعقدة والمتطورة لديها، فى حين يمثل الوصول إلى الاسواق الشغل الرئيسى للدول المنتِجة، بمعنى أدق المنتَج لها.
ومن جهة أخرى فقد كان لمشاركة الشركات دولية النشاط فى قطاع الصناعات الاستخراجية تاريخ من التجارب المتفاوتة؛ ففى أوائل القرن العشرين، كانت هذه الصناعات تسيطر على النصيب الاكبر من الاستثمار الاجنبى المباشر، وكان ذلك نتيجة مباشرة للتوسع الدولى للشركات التابعة للقوى الاستعمارية، ومع حركات التحرر الوطنى أخذت تلك السيطرة تأخذ أشكالاً وصور مختلفة، أهم ما يميزها السيطرة على التكنولوجية المنتجة، وعلى الرغم من أن كثيراً من الدول تفرض نسبة 51% من الملكية إلا أن ذلك لا يمنع ولن يمنع الشركات دولية النشاط على صناعة النفط والمعادن إبتداءً من الاستكشاف وإنتهاءً بالبيع وجنى الارباح، ولن يكون التصحيح الهيكلى الداخلى إلا الشرط الأساسى والضرورى والوحيد للهروب من حالة التخلف. فالشركات الكبرى تستخرج النفط، وتقوم بتكريره وفصل عناصره، كما تقوم ببيعه. لمن؟ للاجزاء المتقدمة. لماذا؟ لكى تقوم تلك الاجزاء بإستخدام هذه العناصر فى سبيل صناعات معقدة ومتطورة إلى حدود لا تتمكن منها الاجزاء المتخلفة.
إن الشركات الخاصة على وجه التحديد، وفى جميع المراحل بدءً من الاستكشاف وإنتهاءً بالبيع وجنى الارباح كما قلنا، تظل تُمثل أكبر الشركات من حيث الاصول الاجنبية، فعلى سبيل المثال؛ أدرجت عشر شركات من هذه الشركات الخاصة على قائمة الاونكتاد التى تضم أكبر 100 شركة من الشركات دولية النشاط، إلا أنه من حيث الانتاج، لم تعد الشركات دولية النشاط التابعة للدول المتقدمة تندرج ضمن أكبر الشركات فى العالم، ففى عام 2005، كانت الشركات الثلاث التى تعد أكبر منتِجة للنفط والغاز فى العالم هى جميعها شركات مملوكة للدولة وتوجد مقارها فى بلدان نامية أو إقتصادات تمر بمرحلة إنتقالية، وفقاً للتقرير، وهذه الشركات هى: آرامكو (السعودية) والاتحاد الروسى(روسيا) النفط الايرانية الوطنية(إيران) وعلى الرغم من أن الشركات المملوكة للدولة والتى توجد مقارها فى بلدان نامية وإقتصادات تمر بمرحلة إنتقالية تسيطر على معظم الانتاج العالمى من النفط والغاز؛ فإن درجة التدويل متواضعة جداً بالمقارنة مع الشركات المملوكة ملكية خاصة، والواقع أنه لم يكن لدى أى شركة من الشركات الثلاث المملوكة للدولة، والتى هى أكبر الشركات المنتِِجة، أى إنتاج أجنبى ذو شأن فى عام 2005، فى حين أن الانتاج فى مواقع أجنبية قد شكل ما نسبته 70% من مجموع إنتاج الشركات الثلاث الكبرى المنتجة للنفط والمملوكة ملكية خاصة.
إن الدوافع والعوامل المحددة لإستثمارات الشركات عبر الوطنية فى قطاع الصناعات الاستخراجية تختلف بحسب الأنشطة والصناعات والشركات، كما يقول التقرير، فدوافع السعى إلى الحصول على الموارد الطبيعية تهيمن على الاستثمارات الاجنبية المباشرة، فقد تسعى الشركة دولية النشاط(عبر الوطنية) إلى الحصول على الموارد من أجل تلبية إحتياجاتها هى لأغراض ما تقوم به من عمليات متممة للانتاج كأنشطة التكرير أو الصناعات التحويلية، ولبيع المعادن مباشرة فى أسواق البلدان المضيفة أو بلدان المنشأ أو الاسواق الدولية، أو لتأمين المتطلبات الاستراتيجية لبلد منشئها(كما تحددها حكومة البلد) فيما يخص موارد الطاقة أو المعادن الاخرى. وقد كان هذا الإعتبار الاخير دافعاً رئيسياً للتوسع فى الخارج من جُل الشركات دولية النشاط المملوكة للدولة فى أسيا على سبيل المثال.
حصص كبرى الشركات العالمية من الناتج العالمى
(جدول رقم 13)

الشركة بلد المنشأ ملكية الدولة% الحصة من الناتج العالمى
BHP Billiton أستراليا - 4.8
Rio Tinto المملكة المتحدة - 4,6
CVRD البرازيل 12 4,4
UNCTAD, World Investment Report 2007
إن ملكية تلك الشركات دولية النشاط، للدولة أم للاشخاص، لا يغير مِن الامر شيئاً، وتظل الالية ذاتها التى تعمل مِن خلالها الشركات تعكس محورية رأس المال كعلاقة إجتماعية مِن الاوجه الأتية:
- تهيمن الاجزاء المتقدمة على العملية الانتاجية بأسرها، وتجتذب جُل التدفقات على الصعيد العالمى.
- لا يُعد القطاع النفطى قطاعاً كثيف العمالة، ومِن ثم:
- تتبدى صراعات علاقات الانتاج فى حقل الصراع على التكنولوجيا، للدرجة التى تخفى الصراعات الداخلية بين قوى الانتاج ذاتها.
- سيادة الاجزاء المتقدمة على مجمل العملية الانتاجية فى القطاع النفطى، تستصحب سيادة أثمان قوة العمل فى الاجزاء المتقدمة، الأمر الذى معه:
- تعكس الاجور فى هذا القطاع علاقات الانتاج الرأسمالية، وتدويل العملية الانتاجية بوجه عام، وبالاخص من جهة إرتفاع الاجر النسبى، الذى جعل (البتروليتاريا) فى وضع إجتماعى أفضل نسبياً، الحد الأدنى للاجور يبلغ 3000 دولار(للعامل المتوسط) لقاء 21 يوم عمل. ليس بالنظر إلى جانب الطلب على السلعة، الذى يقابله عمالة هائلة معروضة. وإنما لإرتفاع تكلفة إنتاج (البتروليتارى: الفنى والحرفى) مهنياً وتدريباً ودراسياً ومعيشياً....إلى أخر ما تتطلبه عملية (تكوين البتروليتارى) كى يتمكن من الانخراط فى نص الصيغة (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) ولعب دوره المحدد فى العملية الانتاجية من خلال قوانينها الموضوعية.
- إستخراج فإستهلاك محلى، أو تصدير محدود، دون توسع على الصعيد العالمى، تلك هى محددات أداء البلدان التى تملك قطاع الاستخراج بنسبة 100%
- إعتماد الشركات المملوكة للدولة فى الاجزاء المتخلفة، على مجريات الامور من جهة التكنولوجيا فى الأجزاء المتقدمة.
- تظهر الصين، والاجزاء الممثلة فى جنوب وشرق، وجنوب شرق أسيا، كإقتصاديات أخذة فى النمو، الأمر الذى يثير عدة مسائل:
- مدى الاندماج الذى قامت به الدول"الاشتراكية" فى السوق الرأسمالية العالمية، وهل يحمل ذلك فى طياته التخلى عن الاشتراكية(37) ذاتها؟
- مدى إستفادة الاجزاء المتخلفة(ومنها مصر) من ذلك النمو.
- مدى إمكانية القيام بفك الروابط، وتكوين روابط جديدة مع تلك الاقتصاديات الصاعدة.
ولاشك أن التعامل مع كل عنصر من العناصر المطروحة يحتاج إلى مزيد من الفحص والبحث، ولكنه الامر الذى يخرج عن حدود أطروحتنا. فقط نطرح تلك العناصر إستكمالاً للفكرة الموجزة التى قدمنها فى المطلب عن الشركات دولية النشاط. ولكى نعد للفكرة التى نناقشها بصدد قوة العمل ورأس المال.
لغز أم إنتصار أم ظاهرة عادية؟
التحالف بين قوة العمل وبين رأس المال!! فهل نحن، فعلاً، أمام أحد الالغاز؟ أم أمام ما يُمثل إنتصاراً لمنظرى الامبريالية؟ أم نحن أمام ظاهرة عادية، وإنما إبتداْءً من فهم واضح لمعنى التطور الجدلى للمجتمعات؟ العلامات كُلها تشير إلى أن شيئاً يستحق النظر فى قطاع النفط فى فنزويلا!!
فالرأسمال يستغل البتروليتاريا(عمال النفط) ولا يدفع لهم المقابل العادل لإستهلاكه لقوة عملهم، وإلا فعليه إغلاق المصنع؛ فلن يتمكن من إستخلاص أية قيمة من أدوات العمل أو مواده، فهو ليس أمامه سوى تلك السلعة العجيبة القادرة على توليد القيمة الزائدة، الطريق الملكى للتراكم الرأسمالى، أضف إلى ذلك الاستغلال، وبتصفح أى كتاب فى الامن الصناعى، سنجد: الامراض الكارثية التى تصيب العاملين فى هذا القطاع.
عمال النفط إذاً فى فنزويلا ليس بينهم وبين شركتهم أو بينهم وبين رأس المال المستثمِر علاقة مودة، بل المفترض أنها علاقة يسودها التوتر والارتباك، والمطالبات المستمرة بالمزيد من التأمينات الصناعية والصحية، فى ضوء كُل تلك المخاطر. والمزيد مِن المطالبات برفع الاجور، وتخفيض عدد ساعات العمل!! فما طبيعة هذا التحالف؟ وما الذى أدى إليه كيفياً على هذا النحو؟ فهل نحن، فعلاً، أمام أحد الألغاز؟ أم أمام ما يُمثل إنتصاراً لمنظرى الامبريالية؟ أم نحن أمام ظاهرة عادية، وإنما إبتداْءً من فهم واضح لمعنى التطور الجدلى للمجتمعات؟
ولا يفوتنا على الاطلاق أنه وحتى وبعد التأميم وإنتقال ملكية الشركة الام إلى الدولة، لم يزل اللغز قائماً، بل يزداد تعقيداً، فالدولة التى قامت بالتأميم تدعى إنتهاج المبادىء الاشتراكية الثورية، وقيامها بإعادة توزيع ثروات النفط التى كانت تسيطر عليها الشركات الامبريالية العالمية، وفى نفس الوقت تناصب العمال العداء!! يُصبح مِن الضرورى هنا أن نبدأ مِن حيث يبدأ رأس المال(المكدس بالطبع) إذ يتوجه صاحبه، الرأسمالى، إلى الاسواق: سوق مواد العمل، وسوق أدوات العمل، وسوق قوة العمل؛ مِن أجل الشراء. أى أنه يُحول نقوده (ن) إلى وسائل إنتاج (وأ) وقوة عمل(ق ع) وبالمثل فإن الشركة الدولية النشاط العاملة فى حقل النفط الفنزويلى، بل حتى الشركة الوطنية، إنما تتوقف إمكانية إنتاجها على مقدار ما تستحوذ عليه من (ن) والتى تستخدمها فى شراء كُل من وسائل الانتاج(و أ) وقوة العمل(ق ع) وإذ ما أتم الرأسمالى(المستثمِر) فعل الشراء، فإنه يخرج من السوق ومعه مشترياته؛ متوجهاً إلى حيث مصنعه، كى تبدأ عملية أخرى هى عملية الانتاج(ج)؛ فتقوم قوة العمل(ق ع) بتحويل وسائل الانتـاج (و أ) إلى سلعة (س) يتعين هنا أن تكون وسائل الانتاج، كمياً، متمتعة بدرجة عالية من الكفاية كى تسمح بامتصاص كمية ملائمة من العمل، وكى تتحول إلى ناتج، وعندئذ يصير لدى الرأسمالى كَمية مِن العمل تزيد عما هو ضرورى للتعويض عن قيمة قوة العمل، ولديه فى نفس الوقت وسائل الانتاج اللازمة لتفعيل كمية العمل.
وفى المرحلة الثالثة، حينما تنتهى العملية الانتاجية، يتوجه الرأسمالى مرة أخرى إلى السوق حاملاًً هذه المرة السلعة التى تم إنتاجها، والمكونة مِن (ق ع + وأ) كى يُحول تلك السلعة إلى وحدات نقد (ن) تُمثل المبلغ الاصلى الذى بدأ به فعل الشراء الاول. وبالاضافة إلى (Δ ن)تمكنه بفضل الفائض مِن شراء جديد لـ (ق ع ، و أ) قبل مغادرة السوق، ومِن ثم التمكن من عملية إنتاجية جديدة. فتصبح الصيغة العامة بعد تعديلها ، وكما أسلفنا: (ن – (ق ع)+(و أ)–س- Δ ن) أى أن تظهر الشركة الدولية النشاط فى السوق كمشترية للمصاطب البحرية والكلابات والحفارات.... إلى أخره من أدوات العمل(أ ع)، وكمشترية لقوة عمل عمال النفط فى فنزويلا لمدة زمنية معينة فى مقابل اجر محددة.
وما أن يشرع العمال فى العمل حتى يكون بين أيديهم مادة العمل(م ع) النفط. هنا تكتمل الدائرة. الشركة الدولية النشاط ذات رؤوس الاموال القومية(التابعة للاجزاء المتقدمة) تضخ (ن) فى سوق: قوة العمل(ق ع) وسوق وسائل الانتاج(و أ) بما تحتويه من أدوات عمل( أ ع ) ومواد عمل (م ع) وحينما تتوافر شروط العملية الانتاجية بتوافر شروطها الموضوعية الكامنة فى توافر الحد الادنى من رأس المال المكدس، والفائض المستخدَم فى البدء فى عملية إنتاجية جديدة تكونت شروطها سلفاً فى عملية إنتاج سابقة. حينما تتوافر تلك الشروط يتوقف التداول... حيث بدء الانتاج... تكف الشركة الدولية أو الشركة الوطنية عن الظهور بمظهر المشترى فى السوق، بل تتخذ موقف المنتظر لحين إنتهاء العملية الانتاجية، فتنهض مرة أخرى إلى السوق كبائعة للمنتَج؛ ولكى تحصل ليس فقط، كما ذكرنا على (ن) بل مُضافة إليها قيمة زائدة، فهى لا تتحصل فقط على: (ن) وإنما على: (ن + Δ ن).
وحيث أن قوة العمل(ق ع) إنما توجد فى شكل العمل الحى الذى يحتاج إلى كمية ما مِن وسائل المعيشة لذاته ولأسرته، مما يضمن شرط تجدد" قوة العمل" فإن وقت العمل اللازم لإنتاج وسائل الإعاشة تلك يُمثل قيمة قوة العمل. ومِن خلال علاقة تعاقدية يتم الاتفاق بين العامل وبين الرأسمالى على بيع قوة العمل مقابل مبلغا من المال(الاجرة) والتى سبق وأن قلنا أنها قسم مِن سلعة(س) موجودة سلفاً، يشترى به الرأسمالى كَمية معينة مِن قوة عمل منتجة. فهى إذاً ليست (حصة) العامل فى البضاعة التى أنتجها. وبإفتراض أن مدة التعاقد أسبوع؛ فإن الرأسمالى يدفع للعامل أجره كُل أسبوع، ويشترى منه إستخدام عمله لمدة أسبوع، عقب إبرام هذا الاتفاق يبدأ العامل فى الانتاج، وفى وقت معين سيقدم كمية مِن العمل موازية لأجره الاسبوعى. ونذكر هنا مثلنا مرة ربما ثالثة، فإذ ما افترضنا أن أجر العامل الاسبوعى يتمثل فى ثلاثة أيام عمل، فإن العامل، إذ ما بدأ العمل يوم السبت، فإنه سيكون مساء الاثنين قد "عوض" الرأسمالى عن "القيمة الكاملة" للاجر المدفوع. ولكن هل يحق للعامل حينئذ الكف عن العمل خلال الايام المتبقية من الاسبوع؟ سبق وقلنا: لا . لا يجوز للعامل الكف عن العمل خلال الايام المتبقية من الاسبوع؛ فلقد اشترى الرأسمالى عمل العامل لمدة أسبوع. وعلى العامل أن يستمر فى العمل خلال الايام الثلاثة المتبقية من الاسبوع.
العلاقة إذاً بين (البتروليتاريا) الفنزويلية وبين الرأسمال المستَثمَر، إنما يحكمها القانون العام الذى يُخضع عملية الانتاج وتجدد الانتاج إلى مجموعة من القواعد المحددة على الصعيد الاجتماعى كشروط موضوعية للانتاج وتجدده، هذا القانون يتمثل فى نص الصيغة: (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) كما أسلفنا فالشركة المستَثمِرة(أجنبية كانت أم وطنية) إنما تَحكم حركتها تلك الصيغة، شاءت أم أبت، ولا يمكنها أن تتعامل خارج نطاق هذا القانون مطلقاً؛ وإلا حكمت على نفسها بالالقاء خارج الكوكب. فالعامل الفنزويلى حينما يحصل على بوليفار، فليعلم أنه أنتج على الاقل مثله، ولكنه لا يعود إليه، وإنما يذهب إلى الشركة المستثمِرة، وليس كى تعيد ضخه فى الداخل لتنمية القطاعات الوطنية المختلفة؛ وإنما تضخه فى الاجزاء المتقدمة وبخاصة البلد الام.
لقد تعاملنا أعلاه؛ وفقاً للمعالجة التى جرت، مع صيغة القانون العام الحاكم للحركة على الصعيد الداخلى والصعيد العالمى فى آن واحد، بشكل مُجمل، الامر الذى سننطلق منه فى سبيل بحث أكثر تقدماً، ولنبدأ بوحدات النقد(ن) التى بدأت بها الشركة المستثمِرة عملية الانتاج، التى تبدأ فعلياً منذ ظهورها فى السوق كمشترٍ لوسائل الانتاج وقوة العمل، ولن ننشغل بتاريخية النقود ذاتها، وعمليات تزييف القيمة المستمرة التى برع فيه العواهل والملوك والحكام.
والان فلننتقل إلى التحول الكيفى لذلك الرأسمال (الوطنى أو الدولى) المستَثمِر فى قطاع النفط الفنزويلى، فسيبدأ الرأسمالى فى شراء قوة العمل ووسائل الانتاج، ولندرس فعل الشراء هذا مِن جهات ثلاث:
أولا: شراء قوة العمل (ق ع): الشراء هنا يتم فى سوق مختلفة عن السوق التى يتم فيها شراء وسائل الانتاج ويظهر العامل هنا كبائع للرأسمالى الشارى. ومحل العقد. محل البيع هو قوة العمل(ق ع) حينئذ يتم "تثمين" هذه القوة وترجمتها إلى أجر. على أساس منه يقوم العامل المأجور، بائع قوة عمله، بمعانقة ألته المحبوبة فى سبيل الناتج. السلعة. أرجو أن يتجسد الان أمام القارىء أحد حفارات النفط!!
حتى الان، نحن أمام نفس الصيغة التى نعالجها: فلنفترض أن الشركة المستَثمِرة (دولية كانت أم وطنية) قامت بشراء (الحفارات والكلابات والمصاطب والانابابيب، والمكثفات، ومواسير الحفر وأنابيب الاستخراج، إلى آخر ذلك من وسائل إنتاج) بنحو (6 وحدات) وقامت بشراء قوة عمل بنحو(4 وحدات) فلسوف يقوم عمال النفط حينئذ، بعد أن تم (تنقيد) قوة عملها فى مرحلة أولى، وتشيئها، فى مرحلة ثانية، ليس فحسب بإنتاج سلعة أى النفط بإستخدام الوسائل، وإنما إنتاج قيمة زائدة، ومع نمط الانتاج الرأسمالى، بل ومع نمط الانتاج الرأسمالى وحده، يقوم عمال النفط فى فنزويلا بإنتاج قيمتين:
- القيمة الزائدة المطلقة (ق ز م): وتلك هى النظرية المشهورة، والتى يُوجه لها الانتقاد من قبل أساتذة الجامعات دون قراءة حرف واحد منها. وهى تتبدى فى مد يوم العمل إلى ما بعد الحدود التى يُنتِج فيه العامل مُعادل قوة عمله، وهذا الشكل هو مُرتكز النظام الرأسمالى، وفى نفس الوقت، كما يقول ماركس، "نقطة إنطلاق".
- القيمة الزائدة النسبية(ق ز ن) وهى القيمة رقم (2) التى يقوم عمال النفط فى فنزويلا بإنتاجها بالاضافة إلى السلعة، ومؤداها: إحداث إنكماش فى يوم العمل الضرورى كى يُحقق العامل مُعادل الاجر بصورة سريعة، ويرتبط ذلك بحال أو بآخر بالثورة التكنيكية فى وسائل الإنتاج وتطورها المستمر.
ثانيا: شراء وسائل الإنتاج (و إ): وفى سوق مختلفة يَظهر الرأسمالى (الشركة المستَثمِرة) كشار: لوسائل العمل، ومواد العمل. أى وسائل الانتاج بوجه عام. ويتبدى هنا جلياً دور الاستيراد من الخارج للالات المنتجة بجميع أنواعها، والذى يعنى أن البلد قد فقد جزءً كبيراً من التراكم الذى يسعى إلى تكوينه من أجل شراء أدوات الانتاج المنتجة فى المراكز الصناعية المتقدمة. البلد إذاً لا تقدم سوى أرضها لرأس المال الامبريالى دون أى مساهمة لا فى الانتاج ولا فى حتى إنتاج ألات الانتاج، ولا تُشارك فى التسويق، والعائد لا يعرف له الشعب طريقاً!!
- وسائل العمل(و ع): وهى الادوات التى يستخدمها العامل فى سبيله لتفعيل مواد الانتاج وصياغتها كمنتَج نهائى قابلاً للبيع(المبادلة النقدية) لكن وسائل العمل تلك أو وسائل الانتاج ليست فى واقعها التاريخى سوى تركيم إنسانى للخبرات، وعلى مدار التطور البشرى تبلورت وسائل العمل حتى أخذت تندرج فى مجال التصنيع المتسع التى يصنعها العامل المأجور، ويخلق قيمتها. أى أن الحفارات والكلابات والدوارات والمصاطب والانابيب، والمكثفات، والمرشحات، وإلى آخر كُل ذلك من وسائل إنتاج إنما تحتوى على عمل بشرى مُكدس، لأنها نتاج عمل إنسانى.
- مواد العمل(م ع): وهى تلك المواد التى يستخدمها العامل كى يَخرج المنتَج النهائى، فالبتروليتاريا تستخدم النفط فى سبيل إنتاج المازوت أو البنزين مثلاً، كما يتعامل عمال الغزل والنسيج القطن فى سبيل إنتاج المنسوجات، النفط والقطن هنا حينما يدخلاً حقل الانتاج فإنما يدخلان محملين بقيمة، إذ أنهما نتاج عمل إنسانى، تبدى فى النفط فى الاستخراج، وفى القطن فى الزراعة.
ثالثا: إندماج قوة العمل مع وسائل الانتاج لتفعيلها سلعياً: يحدث هنا تلاقى إتحادى بين عنصرى السلعة السابق شرائهما، ويبدأ العنصران فى فقدانهما ذاتيتهما الاقتصادية، كى يصيرا رأسمالاً إنتاجياً. والذى معه ينقطع التداول، وإذ ما إفترضنا ان رأسمالاً مكوناً كما ذكرنا أعلاه، مِن (10) وحدات، يخصص منه (6) وحدات لشراء وسائل العمل، كالحفارات والانابيب والمواسير. . .إلخ، و(4) وحدات لشراء قوة العمل(أى شراء قوة عمل البتروليتاريا الفنزويلية فى حالتنا) فستقوم البتروليتاريا بإستهلاك وسائل العمل إستهلاكاً إنتاجياً، ليس ذلك فقط بل تنقل قيمتها إليها، وتَخلق رأسمالاً سلعياً محملاً بالقيمة الزائدة. وإذ ما قمنا بافتراض أن القيمة الزائدة = 100%، وتمثل (4) وحدات؛ فنحن إذا أمام تعبيرات مختلفة عن التبدل الشكلى لرأس المال على النحو التالى:
رأس المال النقدى، والذى بدأت به الشركة المستثمِرة = (5) وحدات.
رأس المال الانتاجى = (6 + 4) = (10) وحدات.
رأس المال السلعى = (5 + 1 + 1) = (6) وحدات.
ولا يحتاج الرأسمالى(الشركة المستثمِرة، وطنية كانت أم أجنبية) إلا لفعل التداول كى يحصل على مبلغ القيمة الزائدة المنتَجة فى حقل الانتاج، فعل التداول كاشف إذاً عن القيمة الزائدة. عن الربح. عن التراكم. وليس مُنشأً لأى منهم على الاطلاق.إن القيمة الزائدة تلك هى الاساس الذى تعمل عليه(الشركة المستثمِرة) أو (الدولة المالكة) ومن ثم فلن تقوم الشركة، بغض النظر عن ملكيتها، بالعمل خارج قانون الحركة الحاكم لأداء نمط الانتاج الرأسمالى، فلا يتحصل العامل، كقاعدة عامة، بخلاف دور الفساد الحكومى، على أجر عادل يتمكن من خلاله التعامل مع سلة السلع الغذائية بشكل يختلف عن سكان مدن الصفيح، فالحال تقريباً على مستوى العمالة متساو.
لن تكون مجريات الامور فى فنزويلا مفهومة، وبخاصة تلك التحالفات التى لم ترد فى كراسات التعميم كما ذكرنا، إلا بإستخدام منهج التناقض، الذى يلقى الضوء الساطع والمباشر على نظام الحكم البورجوازى الذى يحكم فى فنزويلا، كى نتمكن على هدى من هذا الضوء السير نحو فهم جدلية الصراع الجدلى بين الربح والريع، وسنعالج ذلك لاحقاً، فقط نكتفى هنا بإعتبار ذلك الصراع بين الربح وبين الريع صراعاً جعل من ظاهرة تحالف قوة العمل مع رأس المال ضد السلطة ظاهرة طبيعية، فهى لا تمثل أدنى إنتصار لمنظرى الامبريالية، وليست منتمية إلى حقل الالغاز التى تحتاج من يسكنون وادى عبقر.
علاقة الشركات دولية النشاط بتجديد إنتاج التخلف
لقد قلنا أن التخلف عبارة عن عملية مستمرة عبر الزمن متكاملة القوى والعناصر والاطراف، وقلنا أن الارتفاع فى معدل إنتاج القيمة الزائدة وضعف أليات إنتاجها هو بمثابة العملية التى تعنى إعادة إنتاج التخلف، وأن التسرب فى المنتَج منها هو نتيجة التناقض ما بين الارتفاع فى معدل الانتاج والضعف فى الالية، أى التناقض ما بين إرتفاع معدل إنتاج القيمة الزائدة، وبين ضعف ألية إنتاجها، والشركات دولية النشاط حينما تدخل فى المعادلة لا يتضيف عليها جديداً، بل ربما يزداد حال البلدان المتخلفة سوءً : " . . .إن أكبر خمسمائة شركة رأسمالية دولية النشاط تتحكم وحدها فى 52% من إجمالى إنتاج المواد الخام فى العالم، وتنتمى 58 % من هذه الشركات إلى الولايات المتحدة الامريكية، وهى لا تستخدم سوى 1,8% من إجمالى اليد العاملة فى العالم رغم أنها تتحكم فى ثروات تفوق ممتلكات دول العالم الاشد فقراً، والتى يبلغ عددها 133 دولة. . . وتعد الارباح التى تحققها الشركات عبر القارية فى البلد المضيف وكذلك أرباح البورصة التى يتم تحويلها إلى المراكز الرئيسية فى صورة نقد أجنبى من أهم أسباب الارتفاع المستمر للديون الخارجية لدول نصف الكرة الجنوبى" (38)
فالشركات دولية النشاط إنما يعنيها تعبئة رأس المال وإعادة ضخه فى الاقتصاديات المتقدمة من الاجزاء الرأسمالية، وهى تسهم بدور فعال جداً فى سبيل ترسيخ ثقافة الاستهلاك، لا الانتاج. التدمير، لا الخلق، إن تحويل المجتمعات، والمتخلفة طبعاً، هو الهدف الاسمى لتلك الشركات التى لا يعنيها على الاطلاق أن يخرج المجتمع من حالة التخلف بالانتصار على تلك العملية المستمرة من إعادة إنتاج التخلف، فلا يعنيها أن يقلص المجتمع معدل إنتاج القيمة الزائدة، ومن ثم لا يعنيها أن يقوم المجتمع بتصحيح الخلل الهيكلى والتقنى فى إنتاجها، وإن كان ذلك لا يعنيها بل وغير محبب، لأنه فى الغالب سيكون رخيص الثمن لكونه منتَج بعمالة رخيصة، ومواد أولية متوفرة، فإن ما يعنيها هو التسرب المستمر فى القيمة الزائدة المنتَجة بداخل الاقتصاديات القومية لتلك المجتمعات المتخلفة. تسربها إلى حيث مراكز الرأسمالية المتقدمة. ومن هنا لا تتمكن المجتمعات المتخلفة، عكس ما يتم تلقينه، من الخروج من التخلف من خلال تلك الشركات، بل معها وفى ركابها تعيد هذه البلدان إنتاج تخلفها بيدها!!
هكذا نكون قد إنتهينا من مبحثنا الاول والذى إنشغلنا من خلاله بتحديد الاقتصاد السياسى كعِلم إجتماعى ورأينا كيف يتمحور حول القيمة، ثم قمنا بطرح تصور عام لمفهوم وأداء الشركات دولية النشاط من أجل فهم تسرب القيمة وألياته على الصعيد العالمى، وكيف أن القيمة تتسرب على صعيد الاجر المدفوع للعمل، والربح الذى يجنيه صاحب العمل.
فالاول يشترى معظم إحتياجاته السلعية ذات مكون أجنبى، بدءً من السجائر، لا. . . بل بدءً من ألات الانتاج، بل بدءً من الأحبار المستخدمة فى طباعة إسم المنتج على علبة السجائر، ومروراً بمأكله، وإنتهاءً بملابسه، فكأن ما يتحصل عليه العامل(ومَن فى حكمه من أطباء ومحامين ومهندسين ومعلمين، ...... إلخ) يذهب كى يُسهم فى تطوير الانتاج فى الاجزاء المتقدمة، فالسلع ذات المنشأ أو المحتوى الاجنبى وبصفة خاصة السلع الاستهلاكية إنما تغزو الاجزاء المتخلفة من الاقتصاد الرأسمالى، وهو الأمر الذى يعززه ترسيخ ثقافة الاستهلاك، ويكفى أن نلقى نظرة على منازلنا ومنقولاتها نحن أبناء الاجزاء المتخلفة، حتى نرى كيف تتسرب القيمة، حين نرى مقدار إستهلاكنا للسلع المنتَجة فى الاجزاء المتقدمة، والاجزاء الآخذة فى اللحاق بالاجزاء المتقدمة، وهذا عن تسرب الاجر الذى يدفع للعمل.
أما بشأن الربح الذى يجنيه رب العمل فهو الوجه الاخر للعملة، فأدوات الانتاج وربما مواده فى الغالب الاعم هى أدوات مستوردة، يتوقف تجديد الانتاج من خلالها على تحكم ورغبة الشركات الرأسمالية المصنعة فى الاجزاء المتقدمة، الامر الذى يعنى أن نسبة عظيمة من الربح إنما تذهب هى الاخرى لتشغيل المصانع فى الأجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى، وإذ إنتهينا من كل ذلك فلننتقل الان إلى المبحث الثانى وفيه ننشغل ببحث فن ترتيب الافكار وقضايا المنهج.




















المبحث الثانى
فن ترتيب الافكار وقضايا المنهج
ما الذى نحتاجه كى نُشيد بناءً؟ لا شك فى كوننا بحاجة، إضافة إلى الارض الصالحة للبناء، إلى مواد عمـل(تتمثل فى الطوب والرمل والاسمنت. . .إلخ)وأدوات عمـل(كالروافع والخلاطات،. . . إلخ)ونحتاج كذلك إلى قوة عمل تتمكن من خلال تلك الادوات أن تستعمل هذه المواد فى سبيلها لتشييد ذلك البناء على هذه الارض. ومن المعلوم بالبديهة أنه كلما صلحت الارض للغرض وقويت كلما علا البناء ورسخ. ولست منشغلاً ها هنا بالنظر فى تهيئة الارض غيرالصالحة، إذ لذلك مجالاً أرحب وحديثاً أوسع، وإن وددت أن تتمكن من إستخلاص خطوطه العريضة مما سنسير فيه معا عبر المراحل الفكرية .
هذا عن تشييد البناء، فماذا عن إنتاج الفكرة؟ وإن شأن إنتاجها لشأن تشييد ذلك البناء مع إختلاف التركيب العضوى لكُل منهما، فمواد العمل المطلوبة لانتاج الفكر تتمثل فى ذلك الكم المعرفى المختزن و/أو المكتسب والذى ينشغل الانسان الواعى بتحصيله بوعى خلال حياته، وعلى أسس وأصول وجب إحترامها وتعين تدبر أهميتها قبل تخطيها وتدميرها عن جهل بعد أن فشى الرفض الجاهل للقيم وأصول الاشياء بلا تساؤل عن المعانى التى تحملها الضوابط قبل الرفض... أما الادوات وهى التى تمثل شغلنا الشاغل، فتتبلور فى ذلك الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله لإنتاج المعرفة، هذا الطريق يُسمى بالمنهج الذى هو فن ترتيب الأفكار.
على حين إذاً تتمثل مواد العمل فى الطوب والرمل والاسمنت فى بناء منزل، والروافع والخلاطات كأدوات لا يتم البناء بدونها، فإن الافكار كى تُنتَج هى الأخرى بحاجة إلى مواد وأدوات، فلا توجد فكرة ولا يمكن أن يوجد فكر ما بمعزل عن الافكار السابقة ولا يمكن أن توجد فكرة لا تعتمد على فكرة موازية أو سابقة عليها ولا تعدو الفكرة الجديدة إلا نقداً أو تطويراً لها أو توضيحاً. فالافكار التى يحصلها الذهن هى موضوع المواد، أما ترتيبها على نحو يؤدى إلى فكرة صحيحة، لا تدعى ملكيتها لناصية الحقيقة الاجتماعية، فذاك هو المنهج، أو الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله إلى إنتاج المعرفة.
إن لب الطريق على هذا النحو إنما يتناغم مع مبدأ رئيسى كى يشكلان معاً معالم الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله لانتاج فكرة ما بشأن ما، وبخاصة بشأن قضايا حائرة تائهة كتلك المرتبطة بمسألة وجودنا الإجتماعى ذاته مع نمط حياة غير عقلانى على الإطلاق، تقوده رأسمالية متوحشة. إن المبدأ الرئيسى منطوقه يقول ببساطة: أن صحة حل مسألة ما إنما يرتبط بمدى صحة طرحها. والازمة فى أحد أبعادها تتبدى هنا وتتبلور مِن خلال تجاهل هذا المبدأ وهو الذى يرتبط وبقوة بلزوم العلو بالظاهرة محل الملاحظة عن كُل ما هو ثانوى وغير مؤثر، وسيكون فى الاعم معطل ومشوش. فلعل المعالجات الفكرية العقيمة لجُل القضايا المطروحة، بل والتحرك الخاطئ والمرتبك، جداً، على أرض الواقع إنما يجدان مردهما فى التعامى عن المبادئ البديهية أعلاه. إن الازمة تقدم نفسها على المسرح الاجتماعى فى صورتين مأساويتين، الاولى: مشهد العربة وهى أمام الحصان، ومطالبة الحصان بجرها!! أما المشهد الثانى، فهو لا يقل سخافة عن سابقه وهو مشهد المطالبة بحلب الثور!! وكأن الذهنية العربية الاسلامية، قد حلا لها المشهدين بعد أن إعتادتهما. وإن أمراً كهذا لهو أمر طارىء على تلك الذهنية التي مثلت عبر قرنين من الزمان لحظات تنبيه وإستيقاظ للبشرية فى مرحلة تاريخية محددة زمانياً ومكانياً، وذلك ليس من قبيل العنصرية كإتجاه تعليبى جاهز بل من قبيل الانبهار بلحظات تدفق الفكر البشرى فى أحد لحظات تاريخ الحضارة الانسانية.
ففى نفس اللحظة التاريخية التى سُحق فيها الضمير البشرى الاوروبى بين رحى صنمية الفكر الكنسى وعسف الملكية الاقطاعية، برق الفكر العربى والاسلامى فى سماء الظلام وأنارت مصنفات فحوله حقبة هامة وإنتقالية فى الفكر البشرى وتاريخ الانسانية، ويمكن تلخيص حالة أوربا آنذاك من خلال عبارات شديدة التعبير كتبها تولستوى: "خذوا كُل المراجع العلمية للقرون الوسطى ولسوف ترون: أى قوة إيمانية ومعرفة راسخة لا يرقى إليها الشك لما هو حق وما هو باطل فى هؤلاء البشر!!كان من اليسير عليهم أن يعرفوا أن اللغة الاغريقية هى الشرط الوحيد اللازم للتعليم، لأنها لغة أرسطو الذى لم يشك أحد فى صدق أحكامه على مدى بضعة قرون بعد وفاته. وكيف كان للرهبان ألا يطالبوا بدراسة الكتاب المقدس القائم على أسس لا تتزعزع. كان من اليسير على لوثر أن يطالب مطالبة بتية بدراسة اللغة العبرية، عندما كان يَعلم عِلم اليقين أن الله ذاته قد كشف الحقيقة للبشر بهذه اللغة. من السهل أن نفهم أن المدرسة كان يجب أن تكون دوجمائية، عندما كان وعى البشر النقدى لم يستفق بعد،وأنه كان من الطبيعى أن يحفظ التلاميذ عن ظهر قلب الحقائق التى كشف عنها الله وأرسطو، والروائع الشعرية لفرجيل وشيشرون. فلبضعة قرون بعدهم لم يكن بوسع أحد أن يتصور حقيقة أكثر صدقاً أو رائعة أكثر روعة مما أتوا به، كان من اليسير على مدرسة القرون الوسطى أن تعرف ما الذى ينبغى تعليمه عندما كان المنهج واحد لا بديل له، وعندما كان كله يتركز فى الانجيل وفى كتب أغسطين وأرسطو." (39)
إن النور الذى إنبعث من بخارى إلى الاندلس فى حقبة تاريخية معينة(40) لم يكن إنعكاساً لسيل جارف من الافكار التقدمية، بقدر ما كان إنعكاساً للطريقة التى تُنتَج بها تلك الافكار، فالعلامة إبن خلدون، يقول فى مقدمته :" . . . . . ولو إقتصر المعلمون على المسائل المذهبية فقط، لكان الامر دون ذلك بكثير، وكان التعليم سهلاً، ومأخذه قريباً" (41) إبن خلدون يتحدث عن الاسس الجوهرية التى ينهض عليها هذا العِلم أو ذاك، ويجد أن صعوبة التعلم إنما تكمن فى التفاصيل والفرعيات التى تشوش على الفهم وتعطل التحصيل، وبالطبع لا تُهمَل التفاصيل والفرعيات والثانويات، وإنما تُعامل بوصفها هكذا كتفصيلات وفرعيات وثانويات، غير مؤئرة فى الظاهرة محل البحث، فالفرعيات والامور الثانوية تأتى فى المرتبة الثانية بعد الاستيعاب العميق للاصول الجوهرية، الأمرالذى جعل إبن المقفع، يُوجه رسالته إلى الطريقة التى يتعين إتباعها حتى يمكن الفهم والوعى، فقد ذهب فى الادب الكبير، إلى:"ياطالب العلم إعرف الاصول والفصول؛ فإن كثيراً من الناس يطلبون الفصول مع إضاعة الاصول فلا يكون دركهم دركاً، ومن أحرز الاصول إكتفى بها عن الفصول، وإن أصاب الفصل بعد إحراز الاصل فهو أفضل"(42) وذهب أبو حيان التوحيدى فى الامتاع والمؤانسة، إلى حدود وضع قاعدة فى التجريد إذ يقول:" إن أقرب الطرق وأسهل الاسباب هو معرفة الطبيعة والنفس والعقل والاله، فإنه متى عرف هذه الجملة بالتفصيل، وأطلع على هذا التفصيل بالجملة، فقد فاز الفوز الأكبر، ونال الملك الاعظم، وكفى مؤونة عظيمة فى قراءة الكتب الكبار ذوات الورق الكثير، مع العناء المتصل فى الدرس والتحصيل والنصب فى المسألة والجواب، والتنقير عن الحق والصواب".(43)
لقد عبر ماركس، بدقة بعد مئات الاعوام عن منهجه فى رأس المال حين قال:"لأنه لا يمكن لتحليل الاشكال الاقتصادية إستخدام المجهر أو الكواشف الكيمياوية. بل يجب على قوة التجريد أن تحل محل هذا وتلك" (44)
مفهوم كل ما أسلفنا هو أننا سوف نميل ميلاً عظيماً ناحية التجريد، بأن نعلو بالظواهر التى نبحثها عن كل ما هو ثانوى.









المبحث الثالث
500 عام من الانحطاط !!
ما الحياة؟ وما الهدف منها؟ عالم اليوم، بشقيه المتقدم والمتخلف، فقط هو القادر على الاجابة؛ يُجيب: لا أعرف!!
وكيف يعرف بعد أن صار عبر خمسمائة عام من الانحطاط لا يعرف سوى الهذيان؛ بعدما أصر على الانتحار الجماعى، ولعل هنا المناسبة جيدة كى ننتقل نقلة نوعية ونتقدم خطوة فكرية إبعد كى نتعرف على الحقل الذى تُبلور الظاهرة محل البحث نفسها من خلاله، ونقوم بدورنا بدرسها فيه رفضاً للنظريات المدرسية التى تُقطع أوصال النظرية الاقتصادية وتصفى الاقتصاد السياسى من محتواه الاجتماعى، وتفترض، بدون داعى، إنعزال الاقتصاديات القومية. فيجب هنا أن نتعرف على الحقل الذى نقوم بالتحليل فيه بالتعرف على المعالم الاساسية التى تحدد وجهه؛ وبعدما أصيب عالم اليوم، وفنزويلا البوليفارية، وكذلك السودان، أحد أجزائه، بشقيه المتقدم والمتخلف، مركزه وأطرافه، بالتخلف العقلى بتصريح من بوخر وسومبارت وجوارتينى وفريدمان، وبطانتهم من علماء الاقتصاد الأفاضل فى كامبردج وجورج واشنطن.
لقد صمت فينا صوت الحياة، وغفل بداخلنا ضمير الانسان حتى كاد الانسان أن ينسى أنه إنسان بعد أن فقد عبقرية مشيته المستقيمة حين ألف السجود للطغاه فزحف على بطنه من الفاقه والجوع...أو تحول إلى حشرة كافكا(45). إن حشرة كافكا هى التجسيد الرائع لعالم يترنح إنسانه بعد أن صارت الحياة بلا معنى وبلا هدف، وبلا مشروع حضارى لمستقبل أمن.
كيف يعرف عالمنا اليوم معنى الحياة والهدف منها وقد مهد له دانتى(46) حين فصل تاريخياً، وبمنطق أرسطو المقدس بين الحـياة والدين، وإختزل له ديكارت(47)الانسان إلى ألة مفكرة؛ المشاعر، الاحاسيس، العواطف، كلها صارت عمليات عقلية تخضع مع التطور التكنولوجى إلى القياس الدقيق على أحدث أجهزة بيل جيتس، ويمكن حسابها طبقاً لسعر الصرف العالمى.
كيف يعرف عالمنا اليوم معنى الحياة والهدف منها وقد أعلن له نيتشه(48) أن الناس هم الذين أقاموا الخير والشر فابتدعوهما وما إكتشفوهما ولا أنزلا عليهما من السماء...إبتداءً من اللامعنى صار الالحاد إبداعاً والدين أسطورة والرسل مرتزقة...حتى الالحاد صار مسخاً...إبتداءً من اللامعنى لعن فاوست كل شىء صالح على الأرض وإتبع مارجريت...إبتداءً من اللامعنى واللاهدف أمسى الانسلاخ عن حضارة الانسان حداثة، وهجر التراث الإنسانى المشترك تجديداً، أما وحدة المعرفة الانسانية فقد باتت عتها.
كيف يعرف عالمنا اليوم معنى الحياة والهدف منها، وقد همس له حلاق أشبيليه"إن للذهب قدرة على تفتيح مدارك الإنسان". كم هى عبارة مهذبة مقارنة بما صاح به كريستوف كولومبس(49) فى جاميكا:" الذهب شىء مدهش. من يملكه يملك كل شىء، من يملكه يملك كل ما يرغب فيه، بل بالذهب يستطيع المرء أن يدخل الارواح إلى الجنة".
إبتداءً من اللامعنى صار الهوس العقلى مرحاً فى موسيقى "الهارد روك" و"الميتال" و"التكنو" و"الفانكى"، ولقد أمسى الخواء تجريباً، وتدمير المعنى واللون إنطباعية، وإهدار الشكل والابعاد تكعيباً، والاختزال والتسطيح أسموه تجريداً. ومع اللامعنى تجرعنا مر تراث الدين الوضعى.. التراث الذى جرد النصوص الخلاقة من قوتها المتسائلة فى معنى حياتنا والهدف منها، حتى صرنا لا نميز بين وقت الفراغ وبين الوقت الفارغ، لإن تجريد تلك النصوص من قوتها تلك إنما تم فى نفس اللحظة التى تحولت فيها من نقطة بداية إلى خط نهاية العابر له مرتد.
ولنتقدم خطوة فكرية إبعد كى نتعرف آنياً على عالمنا الحقيقى، وفنزويلا البوليفارية، كما السودان أحد أجزائه، بالتعرف على معالمه الرئيسية التى تكشف بلا مواربة عن إتفاق جماعى... ولكن على الانتحار... إن هذا الكوكب بمن فيه يتجه مسرعاً صوب الاعماق، أعماق الانحطاط...إنها سكرة الموت. موت عصر، وميلاد عصر. فهل من الضرورى أن نسحق تحت عجلة حتميته؟
ومن كان لا يروق له قولى فلينظر إلى الخواء فى الفن، وإلى الاضمحلال فى الأخلاق، وإلى الهمجية فى الاقتصاد، وإلى القمع فى السياسة.... فلينظر إلى التحلل فى الرغبة الجماعية... وإلى النهضة فى الفردية والانانية... فلينظر إلى الاحادية فى المعرفة، وإلى الثيوقراطية فى الايمان، وإلى الهوس فى الدين، وإلى الصنمية فى الرآى... فلينظر إلى إدعاء إمتلاك الحقيقة الاجتماعية، ورفض الاخر من باب أنه آخر، فلينظر إلى الحروب... إلى الابادة... إلى طمس حضارات، وإزالة ثقافات من على خريطة العالم.
حقاً هذا هو العالم الذى أفرزه عالم الخمسمائة عام الماضية، أنه العالم، وفنزويلا البوليفارية، كما السودان، أحد أجزائه، الذى شرع يرنم ترانيم هلاكه على مذبح الاله الابطش: الرأسمالية، بقيادة كاهن معبدها: إقتصاد السوق، وفى هستيريا جماعية أطلق خدام المذبح (المرصع بالدولار) بخور الجنائز بعد أن تُليت عليه إصحاحات من كتاب الانحطاط فى معابد "وول ستريت" وفروعها فى طوكيو وبرلين وباريس... ها هى الالهة اليونانية العائدة فى صيغة هندية، تعود من جديد. إله السوق. إله الرأسمالية. إله الامبريالية، الثلاثة فى واحد(أمين) إنهم فى إله واحد نهم متعطش إلى مزيد من دماء الشعوب التى إختلطت بأوراق (النقد) فى خزائن (صندوق) الموت الحامل لعرش أسياد العالم ومفسديه، محركى الفتن فيه وجلاديه. طليعة الانحطاط(أمريكا، كما يسميها جارودى) وخدام معابدها.
الجات...البنك الدولى... صندوق النقد، ثلاثة عناصر فى مركب عضوى واحد. سام... يسرى ببطء ويتغلغل بلا هوادة فى كُل خلية من خلايا إقتصاد عالمنا ولا يغادرها إلا وهى فى دمائها غارقة... إنه المركب الذى يتجرعه زعافاً كُل من آمن بعقيدة الوحدانية. وحدانية السوق الكريم!! الموزع بالعدل!! وإتبع الكاهن الاعظم: إقتصاد السوق الواحد الأحد!!
أزمة المديونية...أزمة الطاقة...أزمة النقد، تلك هى قرابين المذبح الدولارى، وأضحية العيد الرأسمالى، المسمى بالازمة الدورية.
البطالة... الجوع... الفقر... الكساد... الافلاس، تلك هى آلهة الفتك العوالى الساكنة فى سماء عالم دنس"اليد". يد الانسان، التى بفضلها إنفصل عن مملكة الحيوان... تلك هى النتائج الحتمية لعبادة صنم التداول ليقرب إلى الارباح زلفى، بعد الاطاحة بالنصوص المقدسة الحقيقية التى جاء فيها: أن الأرباح لا تلدها عذراء؛ فهى تتكون فى مجال الانتاج بتفاعل قوة العمل مع وسائل الانتاج، وأن الثمن هو المظهر النقدى للقيمة، ولايفترض أن يكون تعبيراً صادقاً عنها، إن الازمة فى بعد كبير من أبعادها تكمن فى القطيعة بين القيمة والثمن على المستوى الاول، وتتبدى فى الثمن نفسه فى المستوى الاول مكرر. هى إذاً النتائج الطبيعية لمسخ عِلم الاقتصاد السياسى. إنها نتائج أولية لسيادة ثقافة واحدة، وهيمنة حضارة وحيدة ليس بإمكانهما سوى صناعة نعشاً... يلفظ العالم بداخله أنفاسه الأخيرة.
التخلف...التنمية، مفردان لا يجوز فهمهما إلا مِن خلال شروح كهنة المؤسسات الدولية للابادة الانسانية، فلقد سطر فى كتاب الانحطاط أن التخلف هو أن تحيا عاصياً لرب السوق، مارقاً عن شريعته المدونة فى ملاحق الجات المقدسة. التنمية هى محبته والفناء فيه... التخلف هو الفرار من الهلاك، أما أن تهرول نحوه فتلك هى التنمية... التنمية التى تمتلىء أحشائها بالمزيد من ضحايا البطالة والجوع والفقر والمرض.
ولنتقدم خطوة أخرى كى نقترب أكثر من رؤية عالم اليوم(50)وهو عاجز عن الاجابة على السؤالين الجوهريين: ما الحياة؟ وما الهدف منها؟
- تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يُعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مُجتمعين. وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا بـ 1% من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال فى الاجزاء المتخلفة.
- يعيش نحو 85% من سكان العالم فى الاجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر.
- بلغ متوسط نصيب الفرد فى عام 2005 من إجمالى الناتج القومى فى الاجزاء المتخلفة نحو 1750 دولار سنوياً، على حين بلغ هذا النصيب 35130 دولار سنوياً فى الأجزاء المتقدمة.
- مليار شخص يعيشون على أقل من دولار واحد فى اليوم، ومثلهم يعانون من سوء التغذية.
- 100 مليون طفل جنوب الصحراء فى سن التعليم الاساسى خارج المدرسة، ويموت سنوياً أكثر من عشرة ملايين طفل قبل أن يكملوا عامهم الخامس.
- أكثر من مليار شخص حول العالم لا يتمكنون من الوصول إلى مصدر مياه عذبة ونظيفة، وغالبيتهم من سكان الريف.
- أفادت منظمة العمل الدولية (17/1/2011) أن أعداد الاشخاص العاطلين عن العمل فى أنحاء العالم قد إرتفعت إلى معدلات تاريخية لتبلغ 212 مليون شخص العام الماضى أو 6.6% من القوى العاملة، ومن المتوقع أن يتدهور الوضع فى أوروبا. وفى التقرير السنوى بشأن العمالة فى العالم، قدرت المنظمة أن 34 مليون شخص إنضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل عام 2008 و2009، مما دفع بأعداد العاطلين إلى أرقام غير مسبوقة. وتنبأ التقرير بأن تبقى معدلات البطالة مرتفعة خلال عام 2011، إضافة إلى فقدان ثلاثة ملايين شخص لوظائفهم فى الاتحاد الاوروبى والدول المتقدمة بينما تستقر، وقال التقرير إنه على الرغم من الحوافز العالمية التي ساعدت على تجنب كارثة إقتصادية وإجتماعية أكبر، إلا أن عدد الشباب العاطل عن العمل قد إرتفع لأكثر من 10 ملايين شخص خلال العامين الماضيين، كما أن ملايين النساء والرجال بلا عمل أو مساعدات اجتماعية. وأشار التقرير إلى أن 633 مليون عامل وأسرهم كانوا يعيشون على أقل من 1.25 دولار فى اليوم عام 2008، مؤكداً الحاجة الملحة إلى تأسيس مشاريع الحماية الاجتماعية لحماية الفقراء ضد تقلبات الانشطة الاقتصادية.
- تمتلك الدول الصناعية 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات دولية النشاط تملك 90% من إمتيازات التقنية والانتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالى الاستثمار الاجنبى المباشر فى الاجزاء المتخلفة يذهب إلى 20 دولة غنية.
- فى الاجزاء المتخلفة نجد أن نسبة 33.3% ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الإعتيادية، و20% من الاطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائى، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية.
- بينما يموت 35 ألف طفل يومياً بسبب الجوع والمرض، ويقضى خمس سكان البلدان المتخلفة اليوم وهم يتضورون جوعاً، تقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الامم المتحدة عما تنفقه تسعة من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب.
- مليار جائع فى العالم معظمهم أطفال بإفريقيا وآسيا.
- يُسيطر20% من سكان العالم على 80% من الموارد الطبيعية.
- معدل المخاطر الذى تتعرض لها المرأة الحامل فى الجنوب، يزيد 300 مرة عنها فى الشمال.
- الغالبية العظمى من وفيات الامهات (أكثر من 99%، حسب وكالات الامم المتحدة المشتركة عام 2005) حدثت فى الدول النامية، وحدث نصفها (265,000) فى أفريقيا جنوب الصحراء، كما حدث ثلث آخر منها (187,000) فى جنوب أسيا، وقد شكلت هاتان المنطقتان فيما بينهما نسبة 85% من وفيات العالم المتعلقة بالحمل والولادة، وشكلت الهند وحدها نحو 22% من المجموع العالمى للوفيات. وطبقاً لليونيسيف كذلك فإن معدلات وفيات المواليد تصل إلى 45% فى غرب ووسط أفريقيا، ونحو 40% جنوب الصحراء. على حين لا تتعدى هذه المعدلات نسبة 2% فى دول وسط أوروبا.
- يسيطر 20% من سكان العالم على 83% من الثروة، و82,7 من المنتَج العالمى، و81,2% من التجارة العالمية، و96,6 من القروض التجارية، و80,6 من المدخرات، و80,5 من الإستثمارات، و94% من بحوث العمليات.
- طبيب لكل 647 فرد فى سويسرا. وطبيب لكل 57300 فرد فى بوركينافاسو.
- فى نيجيريا، وحيث يبلغ عدد السكان نحو 175 مليون نسمة، فإن 70% من هؤلاء يعيش على أقل من دولار واحد فى اليوم، وفى نيجيريا كذلك فإن معدلات الفقر فى الريف تقدر بحوالى64% فى عام 2004، وهى أعلى بمقدار مرة ونصف تقريباً من معدلها فى المدينة الذى يبلغ 43%، وعلاوة على ذلك فإن معدل الفقر فى الاقليم الشمالى الشرقى يبلغ 67%، وهو ما يعادل تقريباً ضعفى مستوى الفقر (34%) فى الجنوب الشرقى بإعتباره أكثر إزدهاراً.
- يموت يومياً 50 ألف شخص لأسباب مرتبطة بالفقر.
- يبيت 800 مليون إنسان لا يتمكنون من الاكل بشكل يومى.
- 880 مليون إنسان لا يتمتعون بالخدمات الصحية.
- الجوع وسوء التغذية يوديان بحياة نحو 6 ملايين طفل سنوياً.
- يعانى نحو 850 مليون شخص سوء التغذية فى مختلف أرجاء العالم، بمن فيهم 815 مليون فى البلدان النامية و28 مليون فى البلدان التى تمر بمرحلة إنتقالية و9 ملايين فى البلدان الصناعية .
- يعيش نحو 75 % من فقراء وجياع العالم فى المناطق الريفية من البلدان الفقيرة. وتُمثل هذه المناطق موطناً لغالبية الفقراء البالغة أعدادهم 11 مليون طفل ممن يموتون قبل بلوغهم سن الخامسة من العمر، بمن فيهم 8 ملايين طفل رضيع و530 ألف إمرأة تلقى حتفها أثناء الحمل والولادة، و300 مليون إصابة بمرض الملاريا الحادة وأكثر من مليون حالة وفاة بسبب الملاريا.
- أثر تفكك الاتحاد السوفيتى، وإنتشار الدعارة على أوسع نطاق، تم إجراء دراسة على فتيات المدارس الروسيات بعمر الخامسة عشرة أن 70% منهن أعربن عن رغبتهن بأن يصبحن مومسات، فى حين قبل عشر سنوات مضت كن يرغبن بأن يصبحن رائدات فضاء وطبيبات ومعلمات.
- تم تقدير القيمة السنوية للدعارة على الصعيد العالمى عام 2006 بما يعادل 55 مليار دولار.
- تعد إسرائيل من أكبر موردى البغايا "السلافيات" على الصعيد العالمى، وبحسب تقديرات عدة مصادر، يبلغ عدد الرجال الاسرائيليين الذين يستعينون بخدماتهن المليون رجل فى كل شهر. ووفقاً لما أوردته لجنة الاستيضاح البرلمانية الاسرائيلية، فإنه" يتم حوالى 3,000 إلى 5,000 إمرأة (من الاتحاد السوفيتى السابق) إلى إسرائيل سنوياً وبيعهن للعمل فى مجال الدعارة. . . وتعمل هؤلاء النسوة 7 أيام فى الاسبوع بمعدل يصل إلى 18 ساعة يومياً ولا يحصلن إلا على 20 شيكل(ما يعادل 4,5 دولار) من أصل مبلغ 120 شيكل (27 دولار) الذى يدفعه العميل. ويتم الاتجار بهن مقابل أسعار تتراوح بين 8,000 إلى 10,000 دولار للمرأة الواحدة.
- عبر بوفييه عن تطور "سوق الفن" حسب المواصفات الامريكية بقوله:" الجهل فى الرسم قد أُرسيت قواعده، وكلما كان الفن جاهلاً إعتبروه رائداً ًليس مهما أن تدرس أو ترسم، كل ما يهم هو أن تبحث عن أشياء جديدة، مهما كانت، حتى إن كانت لوحات من براز الانسان، إذ أن المقياس أصبح مالياً ولم يعد جمالياً". إن النظرية الاستهلاكية الامريكية(المشبعة بقوانين السوق) دخلت عالم الفن، وحددت قواعد"سوق الفن". فالمعيار الوحيد هو الغرابة، وإجتذاب المتحذلقين من المشتريين، وإدخال التبذير فى "سوق الفن" . تماماً كما عبر أحد التجار:" يجب، وبأى شكل إدخال الطريقة الامريكية: إن الاشياء عندما تتقادم تصبح متخلفة فى عالم الاعمال الفنية. يجب أن نعلم مقتنىّ وجامعى اللوحات إلقاء اللوحة فى صندوق القمامة حين تصبح قديمة، مثلها مثل السيارة أو الثلاجة، عندما تأتى لوحات أخرى جديدة لتحل محلها". وفى عام 1991 باعت صالة كريستى الشهيرة "لوحة" للرسام كونينج، أحد المشاهير الذين تم تسويقهم إعلامياً، مع فرساتشى، وكلفن كلاين، وأرمانى، وغيرهم من أجل إفساد الذوق العالمى، بيعت بـ(44) مليون و(880) ألف فرنك، بينما توقف ثمن لوحة للفنان الاصيل رافائيل عند (8) مليون و(668) ألف فرنك. " (51)
- إن مَن يعلنون أنفسهم مدافعين عن"حقوق الانسان" على الصعيد العالمى، والذين إجتمعوا لمكافحة الارهاب، هم الذين شربوا نخب الارهاب فى كؤوس من جماجم البشر، وإنتشوا حتى أطاحوا بكل ما هو مقدس. هم فى الحقيقة رؤساء الدول الاكثر إرهاباً فى تاريخ العالم وحاضره؛ وهم أبشع المعتدين على حقوق الانسان. وليس تاريخهم القديم وحده هو الدليل على ذلك (إبادة الهنود، وإستعباد الزنوج، وتلك خصوصية أمريكية، وشن الحروب وإستعمار دول وقارات) وإنما جرائمهم تتواصل، مثل البشاعة الامريكية فى فيتنام حين إستُخدم النابلم على نطاق واسع. وليس قذف الشعب الافغانى الاعزل البائس عنا ببعيد!!
- هم كذلك المسئولون عن قتل ما يزيد عن 250 ألف طفل لا تزيد أعمارهم عن خمس سنوات فى المستشفيات وخارجها، بإصرارهم على فرض الحصار على العراق، والأن إشعال نار الفتنة وتركه، إن حدث، خرباً. ولن ينسى التاريخ خبراء التعذيب والابادة فى رواندا؛ مما أسفر عن 400 ألف قتيل. كذلك توريد السلاح للحكومات الدكتاتورية وتمويلها، لا لشىء سوى لحفظ السلام والامن والامان، وهى الأهداف النبيلة التى تتحقق على رفات الشعوب. . . ملايين القتلى وملايين الجرحى.
- هم الذين ساندوا سفاح جواتيمالا(جراماجو) وطاغية كوريا الجنوبية(تشون) والعميل الزائيرى(موبوتو سيسى سيكو) وهم الذين وضعوا (شامورو) على العرش فى نيكاراجوا، وأطاحوا (بمحمد مصدق) فى إيران، و(سوكارنو) فى إندونيسيا، و(باريستد) فى هاييتى، وهم أيضاً الذين أداروا مذبحة ريوسومبول على الحدود السلفادورية الهندوراسية. وهم ذاتهم الذين توجهوا إلى أفغانستان وأشعلوا نار الحرب كى يتمكنوا من ضبط أسواق الافيون، والتحكم فى إنتاجه.
هذا هو عالم اليوم، وفنزويلا، فى القارة اللاتينية، والسودان فى القارة الافريقية، أحدا أجزائه ولسوف نرى فيما بعد حجم الفساد المستشرى هناك، وما ذكرنا لا يُمثل سوى جزءً يسيراً تتمكن مِن الاضافة إليه كما تريد، عليك فقط أن تمسك بواحد من آلاف التقارير الصادرة، دورياً، عن المنظمات أو المؤسسات الدولية المعنية، عن أحوال الجوع والفقر والمرض والتنمية، وسيصيبك الاندهاش لتجاهل تلك التقارير من قبل النظرية الرسمية، ولسوف تتيقن من أن هذا العالم بحالته الراهنة ونظامه الاجتماعى والاقتصادى والسياسى الراهن، لا يستطيع بحال أو بآخر التقدم لإعطاء إجابة بشأن ما الحياة؟ وما الهدف منها؟ الامر الذى يُحتم علينا البحث عن الخلاص من خلال مشروع حضارى لمستقبل آمن. مستقبل أكثر إنسانية. مستقبل يطمح خلاله الانسان إلى أكثر من وجوده. مستقبل يبدأ من نهاية الاقتصاد السياسى للرأسمالية. وبزوغ أفاق جديدة تحمل معها المشروع الحضارى لمستقبل إنسانى آمن، وهو الأمر الذى بات مطلباً ملحاً فى تلك المرحلة من عمر النظام الرأسمالى، إنها المرحلة التى بدا معها السهم آخذاً فى إتجاهه نحو الهبوط . . . . نحو الانهيار، وحينما يصل السهم منتهى إنحداره لن يكون للبشرية سوى المشروع الحضارى الذى يرسم للبشرية مستقبلها الامن، المشروع الذى وضع أسس نظام أخر بديلاً لذلك النظام الذى الذى أخذ فرصته كاملة خلال خمسة قرون من الابادة والجوع والمرض والفقر. قرون خمسة لم تسفر إلا عن إهلاك العالم وتجويع ربع سكانه وإبادة الربع الاخر، وتشريد الربع الثالث!! ولم يزل الجرح نازفاً ولم تزل الشرايين مفتوحة.
هوامش الفصل الاول

(1)أنظر: روزا لوكسمبورج، ما هو الاقتصاد السياسى، دار إبن خلدون. بيروت. 1977
(2) أستاذنا الدكتور محمد حامد دويدار، مبادىء الاقتصاد السياسى، الفتح للطباعة والنشر. الإسكندرية 1999.
(3) أستاذنا الدكتور محمد دويدار، مبادىء الاقتصاد السياسى، المرجع السابق (ص167)
(4) سوف نعالج "التجريد" بشىء مِن التوسع فيما يلى مِن خطواتنا الفكرية، إذ سيكون مَحل إهتمام فى المبحث الثانى.
(5) يتعين هنا أن يكون واضحاً فى الذهن وجوب التفرقة بين المعنى اللغوى وبين المعنى الاصطلاحى للكلمة، وبطبيعة الحال فإن ما ننشغل به فى أطروحتنا هو المعنى الاصطلاحى للكلمة. الثمن، والقيمة، كَجوهر إجتماعى، بنوعيها: قيمة الاستعمال، والتى تعنى صلاحية السلعة لاشباع حاجة معينة، وقيمة المبادلة والتى تعنى صلاحية السلعة للمبادلة بسلعة أخرى، الامر الذى يُوجب الوعى بالفارق بين القيمة فى ذاتها وبين المظهر النقدى الذى تتخذه حين التداول، المعبَر عنه بإصطلاح الثمن ... أما القيمة فى اللغة فإنما وردت على نحو" أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقومه بثلاثين درهماً، ثمن يقول: بعه، فما زاد فهو لك، فإن باعه بأكثر مِن ثلاثين بالنقد فهو جائز. القيمة واحدة. والقيم وأصله الواو لأنه يِقوم مقام الشىء، والقيمة ثمن الشىء بالتقويم". أنظر: إبن منظور، لسان العرب، المطبعــة الاميرية، القاهرة 1939، الجزء الخامس، ص 402، ووافق المعنى نفسه ما أورده عبد الله البستانى فى معجمه "فاكهة البستان" المطبعــة الامريكانية، بيروت 1930 ص 1312، وفى اللغة الفرنسية، واللغة الانجليزية لا يختلف المعنى كثيراً، بل يكاد يطابقه، حيث القيمة، فى الفرنسية والانجليزية، تعنى الثمن، الثروة، ولئن كان المعنى أكثر وضوحاً فى قاموس اكسفورد؛ حيث الاشارة إلى عنصرى المنفعة والمبادلة، وتوضيح المعنى مِن خلال قدرة السلع على شراء بعضها البعض، أنظر فى ذلك :
E. Clifton&J.mc Laughlin, Nouveau Dictionnaire, Librairie Grainer présures, Paris1904, p 626
Jean-Paul Colin, Dictionnaire Des Difficultés du Française, Les Usuels du Robert, Paris 1977, p775.
H.Fowler&F.Fowler, The concise Oxford dictionary. Oxford at the charendon press.U.K 1939, p1361)
وللمزيد من الشرح والتحليل المتعمق: أنظر: الكتاب القيم الذى وضعه إريك رول، فى تاريخ الفكر الاقتصادى، ولهذا الكتاب ترجمة عربية أنجزها الدكتور راشد البراوى، وكذلك مؤلف بلنشار، دروس فى الاقتصاد السياسى، وكتاب روبرت لكشمان، تاريخ المذاهب الاقتصادية، ومؤلف تشارلز ريست، وتشارلز جيد، تاريخ المذاهب الاقتصادية:
Eric Roll, A history of Economic Thought, Faber&Faber.London 1973.pp142-145.
G.Blanchard, Cours D économique Politique, pedon &J.Allier, paris1929, p 30
Robert Lekachman, Histoire des Doctrines Economique, Payot. Paris 1960.p153
Charles Gide&Charles Rist, Histoire des Doctrines Economiques, Libraires du recueil, Paris 1949, p55
وبالاضافة إلى المُعطى فى المعاجم اللغوية فعادة ما يتم تناولها، أى القيمة، على أساس، وهو لا ننشغل به، مِن كونها تُمثل بعض الصفات الانسانية المحمودة فى إطار ما يُسمى بالقيم الاجتماعية، وهى تشير إلى بعد أخلاقى فلسفى يتوافق ربما من زاوية ما مع القيمة حين النظر إليها من جهة فكرة الثمن العادل، للمزيد مِن التفاصيل عن هذا التناول الفلسفى والتفسيرات الإجتماعية والانسانية، وإعتبارها مِن قبيل المثل العليا، يُمكن الرجوع إلى: توفيق الطويل، أسس الفلسفة، الطبعة الثالثة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة1958، وانظر كذلك: الدكتور زكريا ابراهيم، مبادىء الفلسفة والاخلاق، مطبعة الفجالة. القاهرة 1962، وفى دراستها، أى القيمة، تحت إصطلاح "الاكسيولوجيا"ويحوى قيمة الحق والاخلاق والجمال، أنظر: الدكتور على عبد المعطى، المدخل للفلسفة، دار المعرفة الجامعية. الاسكندرية 1994، ص361 وما بعدها.
(6) الاكوينى: هو القديس توما الأكوينى (1225 - 1274) قسيس كاثوليكى إيطالى وفيلسوف. والاكوينى نسبته إلى محل إقامته فى أكوين. كان أحد الشخصيات المؤثرة فى مذهب اللاهوت الطبيعى، له تأثير واسع على الفلسفة الغربية، من رواد مدرسة الثمن العادل، وكثيرٌ من أفكار الفلسفة الغربية الحديثة إما ثورة ضد أفكاره أو اتفاق معها، خصوصاً فى مسائل الأخلاق والقانون الطبيعى ونظرية السياسة. يعتبره العديد من المسيحيين فيلسوف الكنيسة الأعظم لذلك تُسمى باسمه العديد من المؤسسات التعليمية.
ملحوظة: من أصول البحث العِلمى فى تاريخ الفكر الاجتماعى بوجه عام، وتاريخ الفكر الاقتصادى، بوجه خاص، أن يتم أولاً التعرف على الواقع الاجتماعى والظرف التاريخى الذى يعيش فيه المفكر، ثم الانتقال إلى أفكاره، ولكن ولأننا لم نذكر هؤلاء الاعلام إلا إبتداءً من بحثنا عن القيمة، دون أن نهدف إلى الحديث فى تاريخ الفكر الاقتصادى أو تاريخ عِلم الاقتصاد السياسى، كما أن المقام لا يسمح لنا بذلك، فسنكتفى بذكر موجز بشأن كل عَلم من الاعلام الذين سيأتى ذكرهم متناً وهامش.
(7) وليم بيتى (1623-1687) اقتصادى إنجليزى وأحد مؤسسى عِلم الاقتصاد السياسى الكلاسيكى, أول من أشار إلى الريع الفرقى، ويمكن القول بأن وليم بيتى كان باحثاً إقتصادياً أصيلاً وبيّن فى دراساته خضوع ثمن السلعة الحقيقى للعمل المبذول فى إنتاجها. ولوليم بتى عبارة شهيرة تقول:" ان العمل هو الاب والاساس الفاعل للثروة، بينما الارض هى الام". يمكن الرجوع إلى العمل الاصيل والخلاق لاستاذنا الدكتور محمد دويدار،الذى يقوم من خلاله بتقديم وليم بتى، كأحد الرواد الانجليز للمدرسة التقليدية، مبادىء الاقتصاد السياسى، مرجع سابق، ص 142- 147.
(8) ريتشارد كانتيون (1680 – 1734) أيرلندى، ومُنظِّر إقتصادى، أول مَن إستخدم مصطلح Entrepreneur المنظم وإنتقل إلى الانجليزية بنفس النطق الفرنسى. ومن المعتَقد أن أول مَن نحت المصطلح هو الاقتصادى الفرنسى جان باتست ساى"عام 1800، ويجرى كانتيون التفرقة ما بين البيع المؤكد للسلعة وبين البيع المحتمل، من خلال التفرقة ما بين نمط الانتاج الاقطاعى، حيث الانتاج معروف سلفاً إلى أين سيذهب، ومن هنا كان مؤكداً، وبين نمط الانتاج الرأسمالى، والذى معه يتم الانتاج من أجل السوق، ولذا فان بيعه يكون محتملا، ويمكن القول بأن ما يميز مساهمة كانتيون، هو تصوراته على صعيد النقود؛ حيث قام بمناقشة وضع الدخل فى النظرية النقدية، فقام بتحليل العلاقة السببية التى تربط التغيرات فى رصيد النقود بسلسلة التغيرات فى الانفاق الكلى والدخل والتوظف والأسعار. وبدأ تحليله ببيان التدفق الدائرى للدخل فى مجتمع يعتمد على النشاط الزراعى، فالمزارعون يدفعون إيجارات الارض للملاك وهؤلاء يقومون بدورهم بالانفاق على العمل وعلى حيوانات المزرعة والسلع المصنوعة؛ وما يتبقى للملاك يُمثل رصيداً متبقياً أو دخلاً صافياً لهم. تلك الافكارسيتلقفها كينيه، ويتولى شرحها بمزيد من العمق فى كتابه " الجدول الاقتصادى".
(9) جون شارل سيسموندى (1773 - 1842) ولد فى جنيف بسويسرا. وهو كاتب ومؤرخ اقتصادى. وهو مؤرخ معروف بكتاباتهِ فى التاريخ الفرنسى والايطالى. ولقد هاجم سيسموندى آراء وأفكار المذهب الحر الطبيعى فى كثير من الاراء التى كان يروج لها أنصاره، ودعى إلى الاهتمام بتحسين حالة العمال وتأمين السلامة الصناعية وضمان حالات البطالة والمرض والعجز. وقد مهدت آراءهُ للكثير من الافكار الإصلاحية على الصعيد الاجتماعى. وكان لكتبهِ وخصوصاً كتاب (المباديء الجديدة للاقتصاد السياسى) الاثر الفعال لتمهيد الطريق للنظرية التاريخية الألمانية، ومن أهم مؤلفاته:"المبادىء الجديدة للاقتصاد السياسى"و"تاريخ إيطاليا فى العصور الوسطى"وهو من أعظم أعمالهِ التاريخية، ظهر الجزء الأول منهُ عام 1807 وأتم الجزء السادس والأخير عام 1818.
(10) فرنسوا كينيه: هو ذلك الطبيب الذى جعل من الاقتصاد السياسى عِلماً، تمكن فرانسوا كينيه من الحصول على إجازة الطب فى سن الخامسة والعشرين، ولنبوغه صار طبيب القصر لمدام بمبادور، ثم للويس الخامس عشر، وبفضل هذا النبوغ والتفوق الفكرى إستطاع أن يجتذب البارزين من رجال القصر إلى داره؛ حيث عُقدت الندوات التى إتخذ منها وسيلة لنشر أفكاره فى الشئون الاقتصادية، ومن الذين إشتركوا فى ندواته: ميرابو، وروبرت تيرجو، الذى أصبح لفترة وجيزة وزير مالية لويس السادس عسر، وكذلك كان من الذين إشتركوا فى ندواته: بير دى نامور، صاحب التسمية بالطبيعيين. وفى كتابه الشهير"الجدول الاقتصادى" الذى نشره فى عام 1758، وضع فرنسوا كينيه التصور العام لفكر الفيزيوقراط(الطبيعين) وبوجه خاص وضع فرنسوا كينيه أولى التصورات المنهجية فى تاريخ الفكر الاقتصادى حول نظرية تجدد الانتاج، والذى قام بتأصيلها من بعد فى مؤلفه"القانون الطبيعى"الذى نشره فى عام 1765، والذى كان واضحاً مدى تأثره بكتاب مونتسكيو فى "روح القوانين" وريتشارد كانتيون فى بحثه عن "طبيعة التجارة". وعن الجدول الاقتصادى فقد قال فيه ماركس:" إنه يُمثل أول إدراك فكرى لحقيقة طريقة الانتاج الرأسمالية"كارل ماركس، رأس المال، المجلد(2) ص(343)، ولئن كان إريك رول، يرى:"إن ماركس لم يطلع إلا على القليل من فكر الطبيعيين، كما أنه لم يرجع مباشرة إلى مؤلف فرنسوا كينيه، بل إستخدم مرجعاً قليل الأهمية هو مؤلف بلانكى الصادر فى عام 1875 المعنون بـ"تاريخ الاقتصاد السياسى فى أوروبا" أنظر: E.Roll, op,cit,p131,. وقال عنه ميرابو :"إن الجدول الاقتصادى يشكل، بعد ابتكار الكتابة، ووحدات النقد، ثالث الابتكارات الرئيسية التى حققها العقل البشرى". والامر الجدير بالذكر ان مذهب الطبيعيين قد أصبح فى فرنسا آنذاك بمثابة عقيدة دينية وتأثرت الجمعية التأسيسية به تأثراً شديداً حين وضعها للدستور الفرنسى عام 1789. راجع لمزيد من التفاصيل فى هذا الشأن: لابروس، بولوازو، موسنييه، تاريخ الحضارات العام، الفصل الثالث من المجلد الخامس، منشورات عويدات. لبنان 1968. ولإستيعاب الجدول الاقتصادى بوجه عام وفكر الفيزيوقراط بوجه خاص فإنه يتعين أن يحيط الباحث بثلاث حزم فكرية تتمثل أولاً فى الوعى بالتقسيم الطبقى الذى إعتمده كينيه فى جدوله، كما تتمثل، ثانياً، فى الفروض التى ينهض عليها الجدول، وتتمثل أخيراً فى الوعى بمجموعة مِن الادوات المنهجية والضبط الاصطلاحى؛ فهناك، أولاً، مصطلح: Avances Annulles وقد عربه أستاذنا الدكتور/محمد دويدار، إلى إصطلاح "التسبيقات السنوية"، وهو الذى يُمثل ذلك الجزء من رأس المال الذى يُخصص للحصول على المواد الأولية التى يجرى تحويلها فى أثناء عملية الانتاج، وهناك ثانياً: Avances Primatives وعربه كذلك أستاذنا الدكتور/ محمد دويدار، إلى إصطلاح "التسبيقات الاولية"، وهى التى تمثل ذلك الجزء من رأس المال الذى يتمثل فى أدوات الانتاج المعمرة التى تستخدم فى أكثر من عملية إنتاجية كالمبانى والالات، وهناك أخيراً: "التسبيقات العقارية" والتى تتمثل فى ذلك الجزء من رأس المال الموجه لإستصلاح الارض وتحسينها وشق الترع والمصارف. وعن التقسيم الطبقى الذى اعتمده كينيه فى جدوله؛ فالمجتمع لديه ينقسم إلى: الطبقة المنتِجة: وحيث أن كينيه يرى ان الزراعة هى النشاط الانتاجى الوحيد والعمل الزراعى هو العمل المنتج الوحيد؛ فإن الطبقة المنتِجة هى تلك الطبقة المنشَغلة أساساً بالانتاج الزراعى، وهناك، ثانياً، الطبقة العقيم: وهى التى تعمل فى أى مجال أو نشاط آخر غير الزراعة والانتاج الزراعى، ثم تأتى أخيراً طبقة الملاك: وهى الطبقة الاجتماعية التى تملك الارض ولا تُسهم فى عملية الانتاج، وتمكنها تلك الملكية من الهيمنة على الريع الذى تدفعه لها الطبقة المنتِجة. وعن الفروض التى يقوم عليها الجسم النظرى للجدول الاقتصادى، فيمكن إجمالها فى: أولاً: العمل الزراعى هو العمل الوحيد المنتج، ثانياً: لا يأخذ الجدول الاقتصادى فى إعتباره سوى المبادلات التى تتم بين الوحدات الثلاث فقط. ثالثاً: إفترض الجدول ان النظام الاقتصادى يعمل فى ظل المنافسة الحرة، رابعاً: يفترض الجدول الاقتصادى أداء الاقتصاد القومى بمعزل عن التجارة الخارجية. وتكمن الفكرة الرئيسية فى الجدول فى إتجاه التحليل نحو دائرة الإنتاج لا دائرة التداول، وهو الامر الذى يستكمله ماركس فيما بعد محللاً دائرة الانتاج وتجدد الانتاج فى النظام الاقتصادى الرأسمالى، وقام بالبحث وهو لديه الوعى بالفارق بين شروط تجدد الانتاج وبين مقومات هذا التجدد، بين بيع المنتَج وبين تفاعل مركباته العضوية. بين مجال التداول وبين مجال الانتاج. بين درس العلاقات بين العناصر المكونة للسلعة، وبين درس العلاقات فى ذاتها مجردةJ.Hichs, Value and Capital, Oxford university press London1976 .p117 وللمزيد من التفاصيل حول الجدول الاقتصادى بوجه خاص وفكر الطبيعيين بوجه عام راجع إلى: أستاذنا الدكتور محمد دويدار، مبادىء الاقتصاد السياسى، مرجع سابق (ص124-127)، انظر كذلك: جورج صول، المذاهب الاقتصادية الكبرى، ترجمة الدكتور/ راشد البراوى، مكتبة النهضة المصرية. 1965 (ص54 وما بعدها)
(11) أنظر: أرسطو، فى السياسة، نقله عن الاصل اليونانى، وعلق عليه الاب أوغسطين برباره البولسى، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع الانسانية، بيروت 1980، وللتعرف على وجهات النظر المختلفة فى أرسطو، فإنه يمكن الرجوع إلى: الدكتورفاروق عبد المعطى، أرسطو- أستاذ فلاسفة اليونان، دار الكتب العلمية، بيروت1992، أيضا ننصح بمراجعة: الدكتور مصطفى النشار، نظرية المعرفة عند أرسطو، دار قباء، القاهرة 2001.
(12) فى شرح موجز وجيد للنظام الاجتماعى والسياسى فى أثينا وأسبرطة، أنظر: الدكتور رجب بودوبوس، نقد العقل الاقتصادى، ج1، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان. مصراته2000. إذ يقول:" لقد تكونت دولة أثينا من إجتماع أربع قبائل أدى هذا الإجتماع بطبيعة الحال إلى إختفاء التنظيم القديم القائم على القبلية، تدريجياً، وبقدر ما يتحقق إنصهار أفراد القبيلة فى مواطن الدولة، أى التحول من أفراد ينتمون إلى قبائل إلى مواطنين ينتمون لدولة، وينسحب الولاء القبلى أمام الولاء للمدينة/دولة. فى نفس الوقت الذى يحدث فيه هذا التحول، أخذ يتطور إستعمال النقود، وتنتقل الملكية من قبلية للاراضى والعبيد والحقول المستغلة جماعياً، إلى ملكية فرع من القبيلة، ثم من هذه إلى ملكية فردية، وذلك عندما تمكن رؤساء العائلات من الاستحواذ على جزء من الاراضى، وأصبح بإمكانهم بيعها وتأجيرها. وهكذا نشأت الملكية الفردية للارض. . . . أغلبية السكان كانوا من صغار المزارعيين، يستغلون أراضيهم بمساعدة عبد أو إثنين، أحوالهم الاقتصادية أحياناً سيئة جداً، مما يعنى أن بين الاحرار أنفسهم من المواطنين، اللامساوة الاقتصادية كانت صارخة. . . . . التجارة لم تكن تحظى بالاحترام، كانت ممنوعة على المواطنين، وكذلك ملكية المعادن النفيسة"
(13) راجع: أستاذنا الدكتور/عبد المجيد الحفناوى، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، منشأة المعارف. الإسكندرية، بدون تاريخ نشر محدد(ص 220 وما بعدها)
(14) أرسطو، السياسة، المرجع السابق (ص 27)
(15) أرسطو، السياسة، المرجع السابق (ص 26)
(16) مُشار إليه لدى كارل ماركس، رأس المال، المجلد(1) الجزء(1) ص(239) ولقد ذكر ماركس أن أرسطو كتب ذلك فى كتابه"الجمهورية". إلا أن نفس العبارات حرفياً فى كتابه"فى السياسة". وربما يكون إلتبس الامر على ماركس. فأرجع كلام أرسطو إلى كتابه "الجمهورية" بدلاً من "السياسة" ولقد أوردنا إشارة ماركس إلى أرسطو؛ لكونها أوضح كثيراً من جهة الترجمة عن ترجمة الاب أوغسطينس والتى رجعنا إليها، وهى تتميز بالصعوبة إلى حد كبير نظراً لانتهاجها الترجمة الحرفية التى قد تؤدى، أحياناً، إلى عدم فهم المعنى على وجه التحديد.
(17) أرسطو، السياسة، المرجع السابق (ص29)
(18) Robert Heilbroner, The worldly Philosophers, Simon&Schuster, New York, 1961, p237
Adam Smith The Wealth of Nations,Barnes&Noble.New York 2004(19)
وهى الطبعة التى إعتمدت عليها فى العرض والإستشهاد بالنصوص.
(20) David Ricardo, The Principles of Political Economy And Taxation, Barnes&Noble.New York 2005
وهى الطبعة، كذلك، التى إعتمدت عليها فى العرض والاستشهاد بالنصوص، ولعل من أشهر النظريات التى قال بها ديفيد ريكاردو هى نظريته فى الريع، أنظر فى شرح موجز وجيد لها: الاستاذ الدكتور/أحمد أبو إسماعيل، الاقتصاد، دار النهضة العربية. القاهرة. 1979 ص 552-572، إلا إن إريك رول، يُرجع فضله الاول والحقيقى إلى نظريته فى القيمة والتوزيع: أنظر: E.Roll,op.cit.p147
(21)أنظر: ايسيا برلين،كارل ماركس،تعريب:عبد الكريم أحمد،المؤسسة المصرية العامة. القاهرة 1963(ص215)
(22) أنظر: J.A.Schmpeter, Capitalism, Socialism, and Democracy.Unin University book, London, 1966.p123
(23) كارل ماركس، رأس المال، المرجع السابق، المجلد الأول(ص45)
(24) Raymonde Barre, Economique Politique. Vol II, presses universitaires, De France, Paris, 1964
“ Les capitalistes acquièrent la force travail des travailleurs en leur payant un salaire égal un minimum ainsi define: ils paient donc les travailleurs a la valeur exacte de leur travail (soit 6 heures) Mais ils sont en situation d utiliser les travail- leur pendant un temps plus long (10 heures) que celui correspondant a lentretien du travailleur. Comme les produits obtenus ont une valeux d echange déterminée par le travail que y est incorpore It y a une différence entre la valeur de la force de travail (6 heures) et la valeur des produits obtenus par l usage de cette force de travail (10 heures) cette différence (4 heures) constitue la plus- value”
(25)أنظر: كارل ماركس، رأس المال، المجلد (1) الجزء (1) ص (286) والمجلد(1) الجزء(2)ص (159) والمجلد (2) ص(310) وأنظر بصفة خاصة مبحث نقل قيمة الماكينات إلى الناتج، فى الفصل الثالث عشر من القسم الرابع. المجلد (1) الجزء (2) ص(556)
(26) الاستاذ الدكتور/ سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمى، نقد نظرية التخلف، ترجمة: حسن قبيسى، دار إبن خلدون. بيروت، بدون تاريخ نشر محدد (ص34-39)
(27) البوليفار بعد التعويم صار بين سعرين للصرف أعلى : دولار لقاء4,3 بوليفار، وأدنى: دولار لقاء بوليفار 2,6 دولار، والاخير يتم إستخدمه فى المعاملات التى تكون الحكومة أحد أطرافها. ولقد قررت مؤخراً فنزويلا كما صرح جورجى جوردانى، العودة إلى سعر الصرف الموحد كى يكون دولار واحد لكل 4,30 بوليفار، وذلك إبتداءً من يناير 2011.
(28) كتب جون برجر:" لما كانت الدعاية تتمتع بنفوذ هائل فهى بالتالى ظاهرة سياسية عظيمة الاهمية، ولكن مراجعها واسعة بقدر ما عرضها محدود لأنها لا تعترف إلا بقوة الاستهلاك؛ فتخضع لها سائر ملكات البشر وحاجاتهم. إنها تراكم الامال وتنمطها وتبسطها، فتمسى وعداً مكثفاً غامضاً وسحرياً تعرضه تكراراً مع كُل عملية شراء. هكذا ينعدم أى أمل أو إنجاز أو متعة أخرى فى ظل ثقافة الرأسمالية. إن الرأسمالية باقية على قيد الحياة مِن خلال إرغامها الاكثرية الشعبية التى تستغلها على تعريف مصالحها فى أضيق نطاق مُمكن. فى السابق، كان بقاؤها على قيد الحياة مَرهون بالحرمان الشديد للاكثرية الشعبية. أما اليوم فإنه يتحقق بفرض مقياس مزور لما هو جذاب ولما ليس هو بجذاب". أنظر: جون برجر، وجهات نظر، ترجمة: فواز طرابلسى. مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية فى العالم العربى. دمشق 1990
(29) أنظر للمزيد من التفاصيل: بول هارست، وجراهم طومبسون، ما العولمة، تعريب: فالح عبد الجبار، الكويت 2001. وللمزيد من التفاصيل حول هيكل هذه الشركات ونشاطها، راجع: الشركات المتعددة الجنسية، الاقتصاد السياسى للاستثمار الاجنبى المباشر، تحرير: تيودور موران، تعريب: جورج خورى، دار الفارس، عمان 1994. وأنظر كذلك : جان زيجلر، إمبراطورية العار، سادة الحرب الاقتصادية، الاقطاعيون الجدد، ترجمة: الدكتورة هالة منصور عيسوى، إصدارات سطور. القاهرة2007 (ص238 وما بعدها)
(30) مشار إليه: الدكتور عبد الحى زلوم، أزمة نظام، الرأسمالية والعولمة فى مأزق، المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت 2009 (ص44)
(31) أنظر: الدكتور/ مصطفى رشدى شيحة، البناء الاقتصادى للمشروع، الدار الجامعية، الاسكندرية 1980، حيث يرى سيادته إمكانية حصر تلك الاتجاهات المفسرة فى ثلاث مجموعات فكرية، إبتداءً مِن الأفكار المتأثرة بالايديولوجية النيوكلاسيكية، ومروراً بالأفكار الإشتراكية، وإنتهاء بأفكار العالم الثالث. أنظر (ص490- 502)
(32) الدكتور/ محمود الباز، تفسير السلوك الاقتصادى للمشروع الدولى النشاط، مجلة مصر المعاصرة العددان (411- 412) الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والاحصاء والتشريع. القاهرة 1989. ويقوم سيادته بحصر تلك الاتجاهات المفسرة فى ثلاثة إتجاهات: فهناك أولاً: التحليل التقليدى الذى يعتمد على المبادىء المستقرة فى مجالات التبادل الدولى، أو مجالات تحليل سلوك المشروع، وهناك، ثانياً، التحليل فى ضوء توجيهات الظروف الموضوعية والسياسات العامة، ويأخذ هذا الإتجاه من التحليل فى إعتباره بشكل رئيسى إعتبار الانتاج الدولى وسيلة للافلات مِن ضغوط القيود الاقتصادية الكُلية فى الدول الام، من جهة، وإعتبار نشاط تلك الشركات نشاطاً مرتهناً بالتوجهات السياسية العامة للدولة الام، من جهة أخرى، وهناك ثالثاً: التحليل الاقتصادى الحديث الذى يعتمد على نظرية التنظيم الصناعى والمزايا الخاصة. انظر(ص111- ص172)
(33) أستاذنا الدكتور/ محمد دويدار، محاضرات فى الاقتصاد الدولى، مرجع سالف الذكر(ص122)
(34) أستاذنا الدكتور/ محمد دويدار، محاضرات فى الاقتصاد الدولى، مرجع سالف الذكر( هامش ص143)
(35) أستاذنا الدكتور / محمد دويدار، محاضرات فى الاقتصاد الدولى، سالف الذكر، ص 153، وفى هذا السياق يذكر أستاذنا الدكتور محمد دويدار، فى عام1995، أنه وفى سبيل التعرف على القوة الاقتصادية للشركات دولية النشاط، فإن رقم أعمال (20) شركة دولية النشاط يتجاوز الناتج الصافى الذى تنتجه ثمانون من دول العالم فى عام واحد. وإن أرباح شركة "شل" النفطية تفوق ميزانية عدد من الدول، كالفلبين، وبيرو، على سبيل المثال. أنظر: (ص 147)
(36) UNCTAD, World Investment Report 2007
(37) هناك مُعالجات رائعة قام بها كُلُ مِن:سمير أمين، وبوى دينيه تانه، وكارلوس تابلادا، ووانج هوى،وأوزفالدو مارتينيز، و فرانسوا أوتار، ولين تشون، وويم تيجون، فى: الاشتراكية وإقتصاد السوق، صادرة عن: مركز البحوث العربية، و منتدى العالم الثالث، والمنتدى العالمى للبدائل، ومجلة بدائل الجنوب، مكتبة مدبولى. القاهرة2003. ففى مقالته" النظرية والتطبيق فى مشروع إشتراكية السوق الصينى، يطرح سمير أمين سؤاله: هل إشتراكية السوق بديل عن نظام العولمة الليبرالى؟ كى يصل إلى أن إصلاح النظام الاقتصادى والاجتماعى الصينى، بالرغم من مراحله المتقدمة، لم يكتمل بعد، مما يترك المجال مفتوحاً للانتقاء بين خيار رأسمالى بدون قيود، وخيار إشتراكية سوق "يُفهم على أنه مرحلة فى المسيرة الإنتقالية الطويلة نحو الشيوعية، ولكى ينتهى إلى أن الخيار المطروح أمام البشرية جمعاء هو الاشتراكية أو الهمجية، وإن الرأسمالية لم يعد بإمكانها طرح آفاق مقبولة إنسانياً لأنها إستنفذت دورها التاريخى التقدمى، وأن مستوى تنمية القوى الانتاجية من شأنه أن يسمح بالشيوعية على الصعيد العالمى".
(38) جان زيجلر، إمبراطورية العار، سادة الحرب الاقتصادية، الاقطاعيون الجدد، المرجع السابق (ص238 وما بعدها) ويضرب جان زيجلر مثلاً بقوله:" ويمكن أن نأخذ شركة(نستله) كمثال . . . فقد تم تأسيسها مثل جميع الشركات عبر القارية على أساس (مراكز الربح) وهى مستقلة نسبياً عن الاخريات وتستخدم مصانعها الخمسمائة وأحد عشر حول العالم نفس شهادات الصلاحية التابعة للشركة الام أو لمؤسسة توظيف الأسهم . . . . وتحقق نستلة أرباحاً فى البرازيل، ولا يعاد إستثمار إلا جزء يسير من هامش أرباح المصانع والشركات الخمس وعشرين المحلية المقامة فى الدولة المضيفة، ويوجه جزء آخر لتمويل عملية التوسع وفتح أسواق جديدة مثل سوق غذاء الحيوانات الأليفة. أما الجزء الاكبر من الارباح، فيُحول إلى مقر شركة نسلة الام، ويتم هذا التحويل، الذى يرهق إقتصاد الدولة، عن طريق بنك البرازيل، حيث إن نستلة لا تقبل أن تحول عملة البرازيل إلى الشركة الام بما أنها عملة ضعيفة فتقوم بتحويل أرباحها بالدولارات (أو أى عملة أجنبية قوية) وهكذا، يقوم البنك المركزى للبلد المضيف بتقديم مخزونه من النقد الاجنبى لكى يتم تحويل الأرباح والأمتيازات الاخرى مثل حوالات الحماية عبر المحيط الأطلنطى؛ وبالتالى تزيد التمويلات الاجنبية من ثقل الدين الخارجى لهذا البلد." أنظر: إمبراطورية العار، (ص240)
(39) تولوستوى، كتابات تربوية، دار القلم، بيروت 1969 (ص98)
(40) من أروع الكتابات، بتقديرى، فى هذا الشأن كتاب: مايكل هاملتون مورجان، تاريخ ضائع، التراث الخالد لعلماء الاسلام ومفكريه وفنانيه، ترجمة: أميرة نبيه بدوى، دار نهضة مصر. القاهرة2008 المرجع السابق.
(41) إبن خلدون، المقدمة، المرجع السابق، (ص 501)
(42) إبن المقفع، الادب الكبير، دار الآداب. بيروت 19986(ص 280)
(43) أبو حيان التوحيدى، الامتاع والمؤانسة، دار الرسالة. القاهرة 1995(ص106)
(44) كارل ماركس، رأس المال، المجلد (1) ص (33)
(45) فرانز كافكا (1883 - 1924) كاتب تشيكى يهودى كتب بالالمانية. يُعد أحد أفضل أدباء الالمانية فى فن الرواية والقصة القصيرة. تعرضت فيما بعد كتبه للحرق على يد هتلر، وتعرضت مؤلفات كافكا لموقفين متناقضين من الدول الشيوعية فى القرن الماضى، بدأت بالمنع والمصادرة وإنتهت بالترحيب والدعم!!
(46) دانتى أليجييرى (1265 - 1321) ولد فى فلورنسا، فى إيطاليا. أعظم أعماله (الكوميديا الالهية).ويمكن القول بأن دانتى قام بمثل ما قام به مكيافيللى فى مجال السياسة، فقد خرج على الكنيسة خروجاً صريحاً، وناقض تقاليدها، وإبتداءً منه أخذ الادب الاوربى يحل الانسان شيئاً فشيئاً محل الاله، فالاهتمام بالانسان الذى نبه إليه دانتى ومعاصروه كان المنطلق لمحاولة تأليه الانسان وتصويره على أنه إله حقيقى، وهى المحاولة التى بدأت فى القرن التاسع عشر، كى تكتمل على يد سارتر، مروراً بتأليه الطبيعة الذى دعا إليه عصر التنوير.
(47) رينيه ديكارت ( 1596- 1650) فيلسوف فرنسى وعالم رياضيات. عاش معظم شبابه فى هولندا، وقد تأثرت معظم الفلسفة الغربية التالية للعصر الذى عاش فيه ديكارت بكتاباته التى إستمر الكثيرون فى دراستها بعناية حتى يومنا هذا. ويعتبر ديكارت من أهم الشخصيات التى نادت بالمذهب العقلانى فى أوروبا فى القرن السابع عشر؛ وهو المذهب الذي أيّده بعده كل من باروخ سبينوزا وجوتفريد لايبنز. وفى كتابه مقال عن المنهج، حاول ديكارت الوصول إلى مجموعة أساسية من المبادئ التى يستطيع المرء التحقق من صدقها دون أدنى شك. وكى يتمكن من تحقيق ذلك، قام ديكارت بتطبيق منهج الشك المُفرط؛ والذى يعرف أحيانًا بإسم الشك المنهجى: وهو منهج يرفض أية أفكار مشكوك فيها ويعيد إثباتها وترسيخها للوصول إلى أساس قوى للمعرفة الحقيقية وفى البداية، توصل ديكارت إلى مبدأ واحد وهو أن: الفكر موجود، ولا يمكن فصل الفكر عن الشخص الذى قام بعملية التفكير. لذلك، أنا موجود. ولذلك، خلص ديكارت إلى الفكرة التي تقول بإنه إذا كان يشك، فلا بد من وجود شىء ما أو شخص ما تساوره هذه الشكوك. وهكذا، تكون حقيقة الشك فى حد ذاتها إثباتًا لوجوده. ولقد تسبب هذا المنهج فى إستنهاض قوى التخلف والرجعية، وتكفير عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين؛ حين إستخدمه لدراسة الشعر الجاهلى.
(48) فريدريك نيتشه ( 1844 - 1900) فيلسوف وشاعر ألمانى. كتب نصوصاً وكتباً نقدية حول المبادئ الاخلاقية، والنفعية، والفلسفة المعاصرة، والمادية، والمثالية الالمانية، والرومانسية الالمانية، والحداثة عموماً بلغة ألمانية بارعة، تعلم اللغات القديمة. أصيب نيتشه بمرض شديد وشارف على الموت حيث أوصى أخته "أن لا تدعو قسيساً ليقول الترهات على قبرى أريد أن أموت وثنياً شريفاً"، ولكنه بعد ذلك شفى وذهب إلى جبال الالب ليتعافى وهنالك كتب كتابه الاشهر "هكذا تكلم زرادشت". ولكننى أرى، وربما أُلام، ولا ضير فى ذلك، أن أهم وأفضل كتب نيتشه هو "غسق الاوثان"، أنظر: فريدريك نيتشه، غسق الاوثان، أو كيف نتعاطى الفلسفة قرعاً بالمطرقة، ترجمة: على مصباح، منشورات الجمل. بيروت2010، إذ يقوم نيتشه فى هذا الكتاب بعمل مراجعة شبه كاملة للمعتقدات العامة فى الفلسفة، وبصفة خاصة اليونانية، والدين، والاخلاق، كما يمكن إستخلاص الجسم النظرى لنيتشه من خلال الفصل الذى عنونه "أمثال ولواذع" إذ يسرد مجموعات من الحكم والاقوال المأثورة التى فى جوهرها تنبىء عن ذهن كاتبها وتكوينه الفكرى.
(49) كريستوف كولومبوس (1451 - 1506) رحالة إيطالى، ينسب إليه إكتشاف العالم الجديد (أمريكا). ولد فى مدينة جنوة فى إيطاليا ودرس فى جامعة بافيا الرياضيات والعلوم الطبيعية وربما الفلك أيضاً. عبر المحيط الاطلسي ووصل الجزر الكاريبية فى 12 أكتوبر 1492 لكن إكتشافه لأرض القارة الامريكية الشمالية كان فى رحلته الثانية عام 1498.
(50)إعتمدت بشكل رئيسى على أطلس التنمية العالمية،الصادر عن البنك الدولى 2007، وتقارير البنك الدولى (لسنوات متفرقة) وكذلك تقارير المجلس الاقتصادى والاجتماعى (لسنوات مختلفة) وبوجه عام لا تبخل التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية بإمدادنا بسيل من الارقام المعبرة بوضوح شديد عن الاوضاع السائدة على الصعيد العالمى، ومن ثم يمكن الرجوع لأى تقرير صادر عن الاونكتاد على سبيل المثال، للتعرف على مجمل الوضع الاجتماعى والاقتصادى على الصعيد العالمى، وبخلاف تقارير المنظمات الدولية تلك، والتى لا نجد أى مبرر لاهدارها، على الرغم من صعوبة التوصل إلى ما تبحث عنه بالضبط تلك التقارير فى بعض الاحيان!! نوصى بالرجوع إلى المؤلفات الاتية، إذ إعتمدنا عليها بشكل رئيسى، لتكوين تصور عام عن الوضع الحالى على الصعيد العالمى: نعوم تشومسكى، سنة 501 الغزو مستمر، تعريب: مى النبهان، دار المدى. دمشق 2002، كريس هارمن: الاقتصاد المجنون، مركز الدراسات الاشتراكية، القاهرة 1998، لوريتا نابوليونى، الاقتصاد العالمى الخفى، المرجع السابق. وكذلك:" فرنسيس لابه وجوزيف كولنز: 10 خرافات عن الجوع فى العالم، مركز دراسات العالم الثالث. نيودلهى 1999، روجيه جارودى، أمريكا طليعة الانحطاط، ترجمة: عمرو زهيرى، دار الشروق. القاهرة،2002 وكذلك كتابه: كيف صنعنا القرن العشرين؟ ترجمة ونشر: دار الشروق. القاهرة، 2004، ليستر ثارو: الصراع على القمة، ترجمة: أحمد فؤاد بلبع، عالم المعرفة. الكويت (234) أيضاً: بول كروجمان، الحائز على جائزة نوبل فى الإقتصاد عام 2008، العودة إلى الكساد العظيم، أزمة الاقتصاد العالمى، ترجمة: هانى تابرى، دار الكتاب العربى. بيروت. 2010، وهو كتاب إمبريالى من الدرجة الاولى، ولكنه يحتوى، دون أن يريد على ما بدا لى، شرحاً، مفضحاً أحياناً، للإتجاه العام للرأسمالية فى الوقت الراهن. أيضاً: جان زيجلر، إمبراطورية العار، سادة الحرب الاقتصادية. الاقطاعيون الجدد. المرجع السابق، وكذلك: باتريك آرتو، و مارى بول فيرار، الرأسمالية فى طريقها لتدمير نفسها، ترجمة سعد الطويل، مكتبة الشروق الدولية. القاهرة 2008، وإننى أعتبر كتاب بول هاريسون، فى قلب العالم الثالث، بأجزائه الخمسة، من المؤلفات التى يمكن تصنيفها ضمن أهم ما تم إنجازه فى فترة العشرين سنة الماضية، كمحاولة تحليل جدية للواقع الاجتماعى والاقتصادى على الصعيد العالمى، وبصفة خاصة: الجزء الاول(جذور الفقر)والجزء الرابع(الضائعون) ترجمة: إلهام عثمان، ميدتو للتنمية والرعاية. نيقوسيا.1990.
http://www.unicef.org/arabic/sowc09/index.php
http://www.imf.org/external/arabic/index.htm
http://www.albankaldawli.org/http://www.who.int/ar
http://www.amnesty.org/ar
(51) مشار إليه لدى: روجيه جارودى، كيف صنعنا القرن العشرين؟ دار الشروق. القاهرة 2002



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (4)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (5)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (6)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (7)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (2)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (1)
- خاتمة كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- مقدمة كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- ملخص كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- التكامل الاقتصادى العربى كإمكانية
- تسرب القيمة الزائدة وتجديد إنتاج التخلف
- موجز تاريخ الرأسمالية
- الأهم من الاجابة، هو الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله لانتاج ...
- جذور التخلف الاجتماعى والاقتصادى، مصر، كنموذج
- جدلية القيمة الزائدة فى رأس مال كارل ماركس
- الديالكتيك فى رأس المال
- تطوير النظام التعليمى فى مصر، بقلم أستاذنا الدكتور محمد دويد ...
- من الفكر الإجتماعى والإقتصادى العربى فى شمال إفريقيا والأندل ...
- قبل أن نبتهج بالثورة إبتهاج البلهاء فى بلاد البله، لأن ربنا ...
- قبل أن نبتهج بالثورة إبتهاج البلهاء فى بلاد البله لأن ربنا ع ...


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (3)