أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - فتاة ثائرة فى ميدان التحرير














المزيد.....

فتاة ثائرة فى ميدان التحرير


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3652 - 2012 / 2 / 28 - 09:05
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


رأيتها تمشى فى الميدان، الجسم الممشوق الصلب كجذع الشجرة، الرأس المرفوع كأنما يحمل قرص الشمس، أو ربما هى إلهة العدل ماعت، شعرها مجعد يحوط رأسها كالأسلاك، لا يلمسه أحد حتى يتكهرب، بشرتها سمراء بلون الطمى المحروق، رموشها معفرة بالتراب نافرة كالأشواك، عيناها سوداوان تطلقان رصاصة على من يتجرأ ويتحرش، اسمها ليس فيه التاء المؤنثة «فجر بنت فردوس»، ولدتها أمها فى السجن مع ظهور الشفق، مع هالة الضوء المقبلة قبل الشروق.. لو قال عنها أحد «أنثى» تسقط فوق وجهه صفعة دون أن ترفع يدها، لو نطق كلمة «حريم» تصيبه ركلة دون أن تحرك قدمها، تطل من روحها جاذبية خارقة، ولا أنثوية لا ذكورية، مزيج من القوة والرقة وذكاء الفطرة، تبكى لأقل سبب وتقتل فى لحظة غضب.

عمرها خمسة وعشرون عاما، هرب أبوها مع فتاة لعوب بعد أن حبلت بها أمها، قتلته الأم ودخلت السجن وابنتها جنين بالرحم، بلغت خمسة أعوام حين خرجت من السجن مع أمها وأخيها الرضيع، اغتصب السجان أمها ثم أخرجهم الثلاثة إلى الشارع، لم يكن لأخيها شهادة ميلاد، ملأت أمها استمارة باسم «أب وهمى» فى سجل المواليد، أصبحت ترعى أخاها أثناء غياب أمها فى الشغل، تخرج الأم فى السادسة صباحا لتعود فى السابعة مساء، يبكى أخوها من الجوع حتى ينام، ترضعه أمه حين تعود، جف ثدياها من التعب وقلة الطعام، فأصبح يشرب اللبن المغشوش من السوق الحرة، يبكى طول الليل من المغص والإسهال، تحوطه أخته بذراعيها وتبكى معه.

مرضت الأم ولزمت الفراش، خرجت ابنتها إلى الشغل، كانت فى الرابعة عشرة وأخوها فى التاسعة، أصبحت تنفق على أمها المريضة وأخيها التلميذ، اشترت له عجلة ليذهب للمدرسة، أعطاها مخدومها «الأستاذ الدكتور» سلفة لتشترى العجلة وتسددها على أقساط.

يوم العيد كانت منحنية تدعك المرحاض، حوطها الدكتور من الخلف بذراعيه، كأنما أبوها الحنون، ضربته بالشلاليت واللكاكيم، عضته بأسنانها الحادة فى أعز ما يملك، انزلق فوق السيراميك المبلل وفشل فى اغتصابها.

عادت زوجته الأستاذة الدكتورة من السفر فى اليوم التالى، حكت لها ما حدث، صفعتها الدكتورة وطردتها، اشتغلت «فجر بنت فردوس» فى بيوت كثيرة، فى الزمالك والجيزة ومصر الجديدة، أدركت أن الأسياد الكبار يخونون زوجاتهم فى الخفاء، تكتم النساء السر خوفاً من عقاب الله وحفاظاً على الأسرة المقدسة.

علّمت نفسها القراءة والكتابة والحساب، ادخرت لتشترى الكتب والروايات، كانت تحب الأدب، ثم تزوجت «محمد»، أمضى بالسجن ثلاث سنوات بتهمة سياسية، لم يكن له إيراد بعد الفصل من عمله، ضمته إليها بحنان الأم والأخت والزوجة، تولت وحدها مسؤولية الإنفاق والشغل داخل البيت وخارجه.

يوم ١١ فبراير ٢٠١١ تنحَّى مبارك عن الحكم وبلغت هى الرابعة والعشرين، أخوها بلغ التاسعة عشرة، أدخلته الجامعة واشترت له دراجة «فسبا» بدل العجلة، شاركت هى وزميلتها «خديجة» فى الثورة منذ بدايتها فى ٢٥ يناير، لم تعطلها المظاهرات عن عملها فى بيت الزوجية وبيوت الطبقة العليا، تأخرت بالليل يوم تنحى مبارك، سألها زوجها:

- اتأخرتِ ليه؟

- كنت فى ميدان التحرير.

- المظاهرات للرجالة مش للحريم.

- أنا مش حريم يا محمد.

- طبعا بقيتِ الراجل وأنا الحريم.

- الناس كلها فى التحرير يا محمد.

- أنا قلت ما فيش مظاهرات، فاهمانى؟

- فتحت الباب لتخرج، شدها من ذراعها وصفعها بعنف، ردت له الصفعة وقالت:

- إنت طالق يا محمد.

- الراجل هو اللى بيطلق يا حمارة.

- تبقى مخلوع زى «مبارك».

شاركت زميلتها «خديجة» فى غرفتها بالشرابية.. بعد أن تنتهى من الشغل تذهب إلى ميدان التحرير، تعود إلى الغرفة لتقضى الليل أو تبيت مع أمهات الشهداء فى الخيام، أو فى مستشفى الميدان، تساعد الممرضات فى تطهير جروح المصابين والمصابات، أو تغسل الملابس والفوط، وتنظف الأرض من الدم والشاش والقطن، أول كل شهر تذهب إلى بيت أمها، تناولها مصاريف البيت والدواء، تترك لأخيها مظروفا به نفقات الجامعة ومصروفه، يوم المظاهرة النسائية قاتلت ضد البلطجية من العسكر والبوليس، تضربهم بالشلاليت واللكاكيم إن تحرشوا بالبنات والأطفال، عادت إلى بيت أمها تلك الليلة أنفها ينزف، كان أخوها نائما، فى الصباح سمعته يقول: شباب الثورة دول عملاء بيقبضوا من أمريكا، والشابات دول عاهرات.. غضبت وقالت:

- دول أطهر ناس فى البلد.

ارتفع صوت أخيها بالشتائم.

سمعت أمها تبكى فى فراشها.

- مافيش مظاهرات.. أنا قلتها كلمة.

خرجت وصفقت الباب خلفها.

فى الليل سمعتها صديقتها تنشج بصوت مكتوم:

- أمى اتعذبت كتير يا خديجة، كان نفسى تفرح بابنها فى أواخر عمرها.

رأيتها بالأمس تمشى فى ميدان التحرير.

صافحتنى بيد قوية، تذكرت يد جدتى الفلاحة فى طفولتى:

مش عارفانى يا ضكطورة؟

أنا فجر بنت فردوس.

قريت كتبك وعمرى خمستاشر سنة.



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوال السعداوي - كاتبة و مفكرة و ناشطة نسوية - في حوار مفتوح ...
- كرامة المرأة وكرامة الوطن فى الدستور الجديد
- الطاعة مقابل الإنفاق فى الزواج والعلاقات الدولية
- نحو حركة «الإبداع والثورة»
- مجلس ثورى رئاسى يتسلم السلطة
- لا يحق لكائن من كان الكشف عن العذرية
- هتك الكرامة أو خدش الحياء؟
- الدستور.. النساء.. الخوف من الموت
- المرأة والجنس.. الثورة والدستور
- التغيير الثورى لمفهوم العدالة والشرف
- قوة الملايين والثورة الثقافية
- الحوار الفكرى.. هل مطلوب؟
- الصندوق.. دموع النخبة والتماسيح
- الثورة المصرية الثانية
- الحضارة الرأسمالية الأبوية ومفهوم الفساد
- نساء تونس ونساء مصر
- «الجدل» قمة الفضائل .. علموا أطفالكم الجدل
- ميدان التحرير فى قلب مدينة لندن
- الثورات والنساء وتقسيم الشعوب
- صاحب الجلالة والنساء


المزيد.....




- “لولو العيوطة” تردد قناة وناسة نايل سات الجديد 2024 للاستماع ...
- شرطة الكويت تضبط امرأة هندية بعد سنوات من التخفي
- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...
- هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
- اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر ...
- “الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - فتاة ثائرة فى ميدان التحرير