|
مستوياتُ الدينيين والتحولاتُ السياسيةِ
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3644 - 2012 / 2 / 20 - 08:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اشتعلت التغييراتُ العاصفةُ في العالم العربي عبر وعي ديني محافظ غير عميق، ويفتقدُ قراءة الجذور الاقتصادية الاجتماعية للأزمات وبُعد النظر. هو يعبرُ بهذا عن الرجال المحافظين ذوي الأملاك الكبيرة والنفوذ السياسي الاجتماعي في القبائل والجماعات التابعة والريفيين المتحولين لحضر، وعبر مذهبيات عدة تعكسُ ليس مقولات الإسلام العميقة بل درجات مصالح وقرابات هؤلاء الرجالِ في بقعِهم الجغرافية ذات الإنتاج القديم. فالرجالُ ذوو الميراثِ البدوي الشديد تتجهُ نصوصُهم الدينيةُ للمحافظة، وقراءات السطوح الأبرز من الظواهر، فيركزون في العلاقات بين الرجال والنساء من ذلك المنظور الذكوري، كما يركزون في الأزياء والأشكال الخارجية من الجسد والثياب والعادات المتوارثة، ولهذا فإنهم يرفضون الظاهرات الاجتماعية الفنية والاختلاط والعقلانية، معتبرين تقييد النساء بؤرة مركزية في نظراتهم خاصة أن هذه الظاهرات تجمعُ الناسَ كبشر متحضرين وليست ككائنات مادية، ولهذا فإن قدرتهم على الاقترابِ من قضايا الأمم الإسلامية تغدو محدودة، فهذه الأممُ تسعى لانقلاب اقتصادي إنقاذي من العوز والتخلف ومن غياب تخطيط الموارد والعدالة للقوى العاملة المفُقرةِ خلال عقود مضنية وإلى توسيع أشكال الوحدة في كل بلد، وأشكالها على مستوى هذه الأمم نفسها وعلى توسيع التعاون على مستوى العالم. وإذا كانت هذه الأقسامُ ذاتُ الخطاباتِ البدوية ليست ذات حضورهين، وتتركز في الكثير من بقاع شمال أفريقيا، وفي مصر الأرياف خاصة، ولها حضور كبير في الجزيرة العربية واليمن والشام والعراق وغيرها، فإن بصماتها على الأحداث الراهنة والمستقبلية ستتعاظم وتقوى. في حالاتِ التسييس وتحولِ مثل هذه الرؤى إلى أحزاب وجماعات وقوى مسيطرة فإننا نتوقعُ تفكيك الدول العربية، وعودة صعود البوادي كدولٍ أو كأقاليم مستقلة أو متمردة، وكانت عملياتُ دمجِ هؤلاء في المدن عبر نزوحِهم الكثيف وعدم حل قضايا البوادي والأرياف، أو بسبب عمليات التحضر الشكلية والبذخية في المدن، فقد شكل هؤلاء عداءً كبيراً للحضارة المعاصرة، حيث تتحول عمليات التحديث في المدن إلى استيلاء على الأموال العامة، وغياب التخطيط الاقتصادي و(العدل) الاجتماعي، وتتعاظم مشكلة هذه القضايا مع العولمة وهجرة العمال الأجانب وتدفق المعلومات وأشكال الثقافة العالمية. إن الدمج السريع بالمدن مع وجود أدوات حكومية كبيرة مركزية قاسية، من دون أن يَحترم هذا الدمج تكوين هذه الجماعات البدوية الريفية ذات الجذور الخاصة ويحل تطورها المستقل، أدى إلى ما يُرى الآن من تفككِ العراق بشكل عنيف حاد ولجوء القوى البدوية الوسطية في الخريطة للاستقلال عنها، وهذا مماثل مما يجري في سوريا، حيث يجري هجوم هذه البوادي والأرياف على المدن، وظهور سلطة سلفية في الريف المصري، والريف الجزائري وغير ذلك من ظاهرات. ولا شك أن هذه التحولات خاصة في المشرق سوف تترك آثارها على الجزيرة العربية ذات القوى البدوية السكانية الواسعة. المستوى الثاني من الدينيين الأقرب للحداثة والرأسمالية المعاصرة لم يحلوا مشكلاتهم الفكرية والسياسية على مدى القرن الماضي، وقامت أبرزُ فصائلِهم في شمال أفريقيا بتكوين تجارب متفاوتة في القبول بالديمقراطية السياسية العامة حتى الآن. ومهمات التحويل الصناعية والاجتماعية الديمقراطية تؤدي حتما للصدام بين المستويين الدينيين الاجتماعيين، وإذا لم يقم هذا المستوى بقراءة التجارب التحويلية الشمولية المركزية السابقة وإعادة النظر فيها، والتمسك بإيجابياتها كالقطاع العام الصناعي ودوره المحوري، وقيامه بالتخطيط وبداية توزيعه للفائض الاقتصادي الوطني من دون استكمال له، بسبب الشمولية المركزية، فإن الخطاب الليبرالي الديني سوف يجابه الصراع على جبهات عدة تضعضعه وتخلخل البلدان وأقسامها فلا تفلح عمليا التقارب بين الدول العربية والإسلامية على أساس السوق والتطور الديمقراطي المشترك. أما المستوى الثالث وهو الأماميات المختلفة فإنها كانت تحمي تقاليدها في المناطق الزراعية أو الصحراوية أو في الجبال، أو تكون دائرة قومية قوية ترفض دخولها من قبل الآخرين، ولكنها تجد نفسها الآن في علاقات معقدة مضطربة، مع بقية المسلمين ومع العالم، لا تتخذ مواقف مناسبة لكل نظام اجتماعي، ولا تبحث عن موقفها الوطني الداخلي المميز لكل مرحلة وظروف، بل تقف مع شعارات عامة سياسية تجعلها لا تؤثر بعمق. التركيز في البرامج الاقتصادية والاجتماعية وتغيير الظروف المعيشية للأغلبيات الشعبية، وترك مسائل الاختلاف الديني، واحترام التباين والتقاليد والحريات المختلفة لكل الأديان والمذاهب، هي الخطوط العريضة التي ينبغي للقوى السياسية التركيز فيها وتحويلها لقواعد لعمل الحكومات والبرلمانات، وإلى أجندة اقتصادية سياسية تنقل الناس ربما عبر سنوات عديدة إلى بناء استقرار وتقدم للخريطة العربية الإسلامية المضطربة.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البحرين جزيرةُ الحريةِ الغامضةِ في العصر القديم
-
مشكلاتُ الجيران السياسية
-
انطفاءُ المركزياتِ الحادة
-
مشكلاتُ النهضةِ الخليجية العربية الإيرانية المشتركة
-
الإخوانُ المسلمون ومخاطرُ الشمولية
-
من سبب الأزمة في البحرين؟
-
روسيا والصين من مساندةِ الثوراتِ إلى إجهاضها (2-2)
-
روسيا والصين من مساندةِ الثورات إلى إجهاضِها (1-2)
-
الأديانُ والتحولاتُ
-
تطويرُ الأنظمة (2-2)
-
تطويرُ الأنظمة (1- 2)
-
طريقا الرأسمالية إسلاميا
-
حول غياب ثقافة المواطنة
-
البضاعةُ تقدمٌ وانطفاءٌ
-
نتائجُ انتخاباتِ الكويت
-
أنظمةُ تجديدٍ ملغمة
-
مخاطر حرق الأوراق
-
رؤى وطنيةٌ ديمقراطية
-
الأيديولوجيا والعنف في المشرق
-
تناوبٌ بين اليمينِ واليسارِ
المزيد.....
-
عالم دين سني يطالب الأمة بالإستشهاد بطريقة الامام الحسين (ع)
...
-
خبيرة دولية: الحوار بين الأديان أصبح أداة لتلميع صورة الأنظم
...
-
رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا: الجزيرة صوت ال
...
-
الاحتلال يبعد مفتي القدس عن المسجد الأقصى لمدة 6 أشهر
-
دمشق.. انطلاق مجالس سماع -موطأ الإمام مالك- بالجامع الأموي
-
مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا: رؤية إسلامية لنهضة اقتصادية ش
...
-
الهباش يدين اقتحام رئيس مجلس النواب الأميركي المسجد الإبراهي
...
-
إسرائيل تبعد مفتي القدس والديار الفلسطينية عن المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال يصدر قرارا بإبعاد مفتي القدس 6 أشهر عن المسجد الأقص
...
-
سلطات الاحتلال تبعد مفتي القدس عن المسجد الأقصى 6 أشهر
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|