|
عيدٌ .. ولكنْ لا أقولُ سعيدُ
عادل بشير الصاري
الحوار المتمدن-العدد: 3637 - 2012 / 2 / 13 - 18:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أيام قلائل تمر الذكرى الأولى لثورة السابع عشر من فبراير التي أطاحت بنظام معمر القذافي . هذه الذكرى تمثل العيد الأول لنا ـ نحن الليبيين ـ بعد عقود من النكد والهم والغم ... يوم السابع عشر من فبراير هذا العام هو يوم عيد ، لكنه ليس عيدا سعيدا لكل الليبيين ، ففرحته ناقصة مشوبة بالقلق والخوف من المستقبل . كيف يسعد الليبي الحر بهذا العيد ، وهو يرى الدموع تنهمر من عيون الأرامل واليتامى والمغتصبات ؟ ويرى العائلات المشردة ، والبيوت المهدمة ، والمدن الكئيبة ؟ وكيف يسعد الليبي الحر بالعيد ، وهو يرى البلاد تسيرها هياكل إدارية شاحبة تسمى المجالس المحلية والعسكرية ؟ أعيدٌ وبلاد شاسعة الأطراف يصول ويجول فيها شباب أغرار يتسلون في النهار بالسلاح وفي الليل يسكرون ويعربدون ؟ . أعيدٌ وأطراف من البلاد تتقاسمها القبائل والمليشيات وزمر من أعوان النظام السابق ؟ كان عهد القذافي عهدا ذهبيا بامتياز للغوغائيين والمهرجين والمجرمين والقبليين والقتلة ولصوص المال العام والخاص ، لذلك هم دافعوا عنه بشراسة لأنهم اقتنعوا بأنهم لن يستطيعوا العيش في ظل نظام دستوري مدني محترم . لقد أجبر القذافي بعناده وسوء تقديره للأمور الليبيين على الحرب ضده وضد كتائبه ، فخاضوا غمارها ودفعوا فيها أثمانا باهظة جدا ، عشرات ألاف الضحايا والمشوهين واليتامى والأرامل ... حكومة مشلولة لا تستطيع فعل شيء يذكر ، تنمية مجمدة ، اقتصاد مهلهل ، نسيج اجتماعي ممزق ، أحقاد وبغضاء ودماء بين الأفراد والمدن والقبائل . ولكن مع هذا فإن المشهد العام في ليبيا ليس سوداويا قاتما على الدوام ، فهناك ومضات أمل وبروق واعدة ، تلمع هنا وهناك بين الحين والآخر ، وتبشر بعهد جديد وغد سعيد . خلال العام الفائت تحسنت الصحة النفسية لعدد من الليبيين كانوا مرضى الخوف والظلم والكبت والحرمان ، فاستعادوا ثقتهم بأنفسهم ومواطنيهم وببلدهم ... اكتشفوا فجأة أن لهم وطنا يحبونه ، كادوا ينسون اسمه وتضاريسه ومدنه وقراه .. تنفسوا الصعداء لما أحسوا بآدميتهم وبوجودهم ، فزهَّر الياسمين في الحدائق ، واخضر الزيتون في المزارع ، واستعاد البحر المتوسط زرقته ، وارتوت الأرض ، ولعب الأطفال بحبات البَرَد . أيها الليبيون الطيبون المحبون للحياة ... انتبهوا وتيقظوا ... فإن وراء الأكمة ما وراءها ... إنْ أردتم أن تنهضوا ببلدكم فانسوا أحقادكم وتساموا عن نزوات نفوسكم ، وقدموا أهل العلم والخبرة ليسوسوكم ... تصالحوا وتسامحوا فيما دون الدم والعرض ، فالدم لا يورث إلا الدم ، ولا تكونوا كالأفغان أو الصومال الذين ثاروا على طاغيتهم ، فطغوا بثورتهم وعاثوا في بلادهم رعبا ونهبا وتقتيلا فيما بينهم ، فصاروا بأفعالهم المخزية هزأة وأضحوكة بين الأمم المتحضرة . يا ثوار ليبيا الأشاوس .. يا من أزحتم عن صدورنا ثقل السنين العجاف . لا تجعلوا الثورة حالة دائمة وسلوكا محببا يسلكه بعضكم للعبث بمقدرات البلاد ومصالح العباد ، فإن الأحوال لا تستقيم بالثورة المستمرة كما كان يفعل القذافي ، بل بالحكمة والروية والسياسة الرشيدة ، فالثوار الواعون يدركون أن الثورة على نظام الحكم فعل اضطراري وحالة مؤقتة يفرضها ظرف استثنائي ، ثم يعقبها استقرار وتفكير واع في المستقبل ، وإلا تتحول الثورة إلى انقلاب عسكري غير شرعي ، ويتحول الثوار إلى رجال عصابات . يا أبناءنا الحلوين ... يا من تعافى بكم وجداننا المطعون . ضعوا أسلحتكم ، ولا تأخذكم عزة انتصاركم بالإثم والعدوان على أهاليكم . امتثلوا للحكومة الشرعية ، وأعينوها على بسط سلطاتها ، وإن ساءكم منها أمر فاصبروا ، فالصبر من خلق الأبطال . لقد أضأتم لنا الأنوار فلا تطفئوها ، ومهدتم لنا الطرقات فلا تقطعوها ، ومسحتم أعيننا فلا تفقؤها . لا تهدموا ما بنيتموه بسواعدكم ، لا تكونوا بديلا عن اللجان الثورية ولا عن الأجهزة الأمنية القمعية السابقة ... إلا تفعلوا تكن فتنة كبيرة وشر مستطير، وستجعلون أبناء بلدكم يندمون على التعاون معكم ، وسيتمنى بعضهم عودة ذاك العهد البغيض وسيتحسرون على زواله .... سيقول المغرضون إنكم صنيعة الغرب ودمى الناتو فصمُّوا آذانكم عنهم ، وسيقول آخرون إنكم أخطأتم هنا ، وأفسدتم هناك ، فانصتوا إليهم ، وراجعوا أنفسكم ، وانبذوا من بينكم المنافق والمهرج والمتسلق ، ولا تغتروا بما لديكم من سلاح وسلطات ، فما أنقذت القذافي يوم أزفت الآزفة أسلحته ، ولا نفعته سلطاته وزبانيته ، وفي ما حدث له ولأمثاله من الطغاة عبرة لمن اعتبر .
#عادل_بشير_الصاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أما آن لهؤلاء الأيتام أن يعتذروا ؟
-
أمنيات عربي أهبل
-
لبنان .. دولة أم منتجع سياحي ؟
-
أدونيس .. الشاعر الجائع
-
نساء الصعيد وهوانم Garden city
-
لو كان الإسلام رجلا لقتلته
-
وصية ابن الراوندي
-
انتظروا الزحف المليوني نحو القدس
-
إشكالية وصول الكلام إلى المتلقي
-
عذراً .. لا تعجبني هذه الأسماء
-
فاكهة صغار الملحدين
-
مراتب المؤمنين بالله
-
نبي المسلمين بين محبيه وشاتميه
-
بين يدي إبليس
-
القذافي .. ضحية التهريج الإعلامي
-
ترانيم قداس عام جديد
-
الحب كما تصوره الرومانسيون الأوائل
-
ثرثرة حول غربة الشعر الحديث
-
كيفية الصلاة على الميت الملحد
-
المقولات العشر 2
المزيد.....
-
أفعى تتدلى من سيارة مسرعة على طريق سريع وكارثة وشيكة.. مشاهد
...
-
تحول لمعلم جاذب للسياح بشيكاغو.. إزالة -حفرة الفأر- الشهيرة
...
-
كتائب عز الدين القسام تعلن مقتل 3 من عناصرها بمعركة مع الجيش
...
-
سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع
...
-
بايدن ساخرا من ترامب: -لا تعبث مع نساء أمريكا-!
-
محلل سياسي مصري: لهذه الأسباب هزيمة أوكرانيا مؤكدة
-
تفاعل كبير مع فيديو للشاعر الراحل الأمير بدر بن عبد المحسن ن
...
-
السودان .. ماذا يحدث داخل سجون الحرب؟
-
مظاهرة في برلين تنديدا بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة
-
مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية للمطالبة بوقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|