|
الأيديولوجيا والعنف في المشرق
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3626 - 2012 / 2 / 2 - 08:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الجزيرةِ العربية والخليج وفي لحظاتِ تداخل الطائفتين المحدود التي تأتي من وجودِ قطاعاتٍ عامةٍ عقلانيةِ في توزيعِ المال العام، وفي هيمنةِ الصراع الوطني ضد الأجانب، يستطيع الوعي الديني السياسي أن يقاربَ بعضَ أجندة الحداثة، ويرفضُ أغلبَها، خاصةً منهجية البحث وكشف قوانين الصراع الاجتماعي بغض النظر عن الطائفتين ومصالحهما وتاريخهما. الوعي السطحي السائدُ يركز في السياسة القشورية كصراعاتِ دولٍ بلا طبقاتِها الصانعة لها، وعلى هذه الظواهرِ الفوقية ذاتِ الجذور غير المرئية. فهناك رفضٌ للاتحاد السوفيتي وخاصةً توسعه وامتداده إلى افغانستان، في حركتهِ هذه المخربة غيرِ الكاشفة لطبيعة العالم الإسلامي، ونظراً لدكتاتوريةٍ بيروقراطية طويلة اهترأتْ ولم تستطعْ أن تطورَ أدواتَ التحليلِ الماركسي. أشكالُ الوعي الطائفي السياسي تجمعتْ ضد هذا الغزو، وتداخلت مع الغربِ المتمدد والمسيطر. لقد تقاربت الرأسمالياتُ الحكومية الوليدة في المنطقة مع الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي، فالامتدادُ السوفيتي في العراق ولّد نظاماً استبدادياً دموياً، والامتدادات الغربية في الأنظمة الخليجية وإيران ولدتْ رأسماليات حكومية شمولية لم تشكلْ تجاربَ ديمقراطية وتؤسسْ تعاوناً إسلامياً ديمقراطياً. فقامتْ ظاهرةُ التعاونِ الخليجي الغربي الإيراني لسحق تجربة التطور السياسي في افغانستان بتكريسِ الطائفياتِ الواسعة المتعددة بين مسلحةٍ وغير مسلحة. كان هذا من بداياتِ الانهيارِ للمجتمعات الوطنية الواعدة، التي تنامتْ بأشكالٍ وحشية أو عبر دكتاتورية طائفية حادة كما في العراق وإيران، وكان ردّ الغرب المُمثل في قيادته الأمريكية يتوجه لاستيعابِ فقدانه المستعمرة الإيرانية التي تحولت تحولاً عاصفاً سياسياً عن معسكره السياسي، وإن لم تخرجْ من معسكرهِ الاقتصادي، فالسوقُ الإيرانية لم يزل قسمٌ مهمٌ منها يتداخلُ مع السوق الرأسمالية العالمية. لكن السوق الرأسمالية الإيرانية العامة سوف تتوجه لروسيا الاتحادية ممولة السلاح خاصة، لهذا فإن الغرب سوف يوسعُ حضورَ النظامِ العراقي في المنطقة، تقويةً اقتصاديةً وتسليحاً وغضاً عن صفقاتٍ روسية كبيرة، بهدفِ الهجوم على إيران كخصمٍ راح يبرز بقوة ماضوية خارقةٍ للحدود. القراءاتُ الديمقراطيةُ غيرُ موجودةٍ في الوعي الرسمي الغربي حيث تقوم شركاتُ النفط والسلاح بتحديد أجندة السياسات الخارجية، وشم روائح الثروات والأسواق. ودولُ الخليج العربية في تأسيسها ونموها كرأسماليات حكومية شمولية، تنامتْ على أسسِ السكان والموارد والسياساتِ الاقتصادية السابقة، فليس ثمة خرائط مُسبقة للتطور بل هي العفوياتُ الاقتصادية السياسية المتعددة، تتنامى حسب المتغيرات السياسية البارزة القوية وتملك الثروة. فالتجاربُ الديمقراطيةُ الجنينيةُ لم تنمُ، أو تجمدتْ في عروض انتخابية وفي نوبات قلبية مفاجئة للبرلمانات، أو في تجمد للوعي الديمقراطي عن أن يكون حفارات تغيير نهضوية وطنية كبيرة. أي رأسماليةِ دولةٍ شمولية كبيرة تكون مهمة للغرب ومحببة حسب أسواقها التي تسيلُ اللعابَ الاقتصادي، بشرط ألا تنزلق للعنفِ وتهديد المصالح النفطية، وبهذا انقلبتْ الجمهوريةُ العراقية المحتضنةُ للأشقاء عبر جيشها الدموي خطيرةً ومحاصرةً ومضروبة ومُكتسحة في مركزيتها وقومياتها وطوائفها، فصارت غباراً سياسياً زجاجياً في العيون القطرية. انكسارُ الوعي الشعبي التوحيدي في روسيا عبر المستنقع الأفغاني وهو المُعبرُ عن الانهيارِ العمالي الداخلي وبروز المافيا كسلطة كبرى، هو نفسه الذي جرى في العراق ثم في إيران . انكسارُ الوعي الشعبي التوحيدي وبوصلته الأولى في الماركسية ثم في البعث، ثم في الاثني عشرية ، هو الذي أوجد الفُتات السياسي الطائفي المتكاثر كالطحالب بعد سقوط الأمطار النفطية، وتنامي الأجهزة العسكرية والتجارة بالعمال الأجانب. لا يهم الغرب الذي هو في السياسة الخارجية ليس ديمقراطياً ولا علمانياً، فما يحددهُ هو شم روائح النفط المخدرة لأجهزة تحسسه العلمية، بل يهمه التفتيت وتحجيم الدول الكبيرة وعدم تحولها لقوى مسلحة كبرى أو تؤسس تملكاً إنتاجياً شاملاً للمادة الزيتية المؤقتة، وبضرورة سيلان النفط لعروقه اليابسة في المصانع والمؤسسات والمواصلات هذه العروق التي تبقيه حياً ومسيطراً على البشرية. هكذا راحتْ الدولُ والجماعات السياسية تنزلق في البحيرة الطائفية الواسعة، مع انهيار الإيديولوجيات الكبرى التوحيدية، وهي التي غرست هذه السطحية في الوعي، والتقلبات، والتشقلبات، ومسرح الكراسي الموسيقية الذي لا يتوقف، واسطوانات الجمل والشعارات وغياب المنهجية التحليلية العلمية. الرأسماليات الحكومية الشمولية لا تعرف كيف تؤسس الأسواق الحرة، وكيف تنمي القواعد الانتاجية وتصهر القوى العاملة الوطنية في بوتقاتها، لأن الرأسمالية الوطنية التوحيدية لا تمشي مع الشمولية، وهدر الموارد للخارج، ولبذخ القلة، بل تعتمد على تطور القطاعات الانتاجية في كل الخريطة الوطنية، وأن تتحول من بائع للمواد الخام إلى صانع لها. ويتحول المهمشون والسطحيون إلى منتجين للمواد الصناعية والفكرية، سواء كانت هذه قطعة إسفنجا أو قولاً فقهياً أو رأياً سياسياً.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تناوبٌ بين اليمينِ واليسارِ
-
لماذا خندقان؟
-
العنف في المشرق العربي
-
عودة للأمةِ العربية
-
إلى أين قادتْ خطوطُ التفكك؟
-
البرجوازياتُ الدينيةُ في الحكم
-
الانتماءُ والغربةُ
-
الديمقراطية والامتيازات
-
أرض سياسية زلقة
-
النفطُ خط أحمر
-
الفِرقة والحزبُ
-
المشرقُ والتوحيدُ
-
الصراعُ الاجتماعي مجدداً
-
النظر إلى جهةٍ واحدة
-
قناة الجزيرة وتزييف الوعي العربي 5
-
ثقافةٌ تحبو على الرمال المتوهجة
-
الثورة السورية.. تفاقمُ الصراعِ وغيابُ الحلِ
-
سببياتُ انهيارِ الوعي التحديثي
-
قناة الجزيرة وتزييف الوعي العربي 2، 3، 4
-
الأفكارُ والمراحل التاريخية
المزيد.....
-
-خطة غزة-.. قيادي في حماس يكشف توجه الحركة تجاه مقترح ترامب
...
-
انفجارات وتهديدات.. إغلاق موقع مهرجان -أكتوبرفست- في ميونخ ا
...
-
قرية المغير في الضفة الغربية المحتلة: حياة يومية تحت هجمات ا
...
-
ما هو برنامج -ديسكورد- الذي استخدمه جيل زد لتنظيم الاحتجاجات
...
-
-فيريتاس- منتج آبل المنافس لـ-شات جي بي تي-
-
ترامب يحذر من -عدو داخلي- خلال اجتماع مع 800 من قادة الجيش
-
بشكل مفاجئ.. ديرمر حليف نتنياهو الأقرب بصدد مغادرة الحكومة ا
...
-
أسباب تعثر توقيع اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل
-
ترامب يوقع أمرا يعتبر أي هجوم على قطر تهديدا لأمن الولايات ا
...
-
كاتس: من يبقى في غزة سيصنف مقاتلا أو مؤيدا للإرهاب
المزيد.....
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|