سعاد خيري
الحوار المتمدن-العدد: 3625 - 2012 / 2 / 1 - 17:38
المحور:
سيرة ذاتية
3
مساهمتي في وثبة كانون 1948
كانت الصلة الحزبية فردية , وكنا نناقش خلالها الوضع السياسي وانتخابات اتحاد الطلبة. وكانت الكليات تعج بالنقاشات السياسية , واللقاءات بين طلاب كلية الحقوق وكلية الهندسة معنا, واذا باخبار عقد اتفاقية بورتسموث تتسرب الينا عبر الصحافة والاذاعات. وبدأت النشاطات لمقاومة المعاهدة التي هيأتها الحكومة البريطانية لتحل محل معاهدة 1930 الاسترقاقية التي طالما ناضلت القوى الوطنية من اجل الغائها وقدمت الشهداء. وهكذا انطلقت وثبة كانون 1948, وساهمت في تظاهراتها ولم اعبأ بالرصاص الذي كان يجتاح شارع الرشيد فنلوذ بالمخازن والازقة التي كانت تحتضننا. فالشعب كله كان الى جانبنا . ولكن بدأت الانشقاقات بين القوى السياسية مع اول نصر باسقاط الحكومة وتخلي الوصي عن المعاهدة.اذ بدأ الحزب الوطني الديموقراطي بتهدئة الاوضاع وطالب بالكف عن التظاهر وفسح المجال للحكومة الجديدة , حكومة الصدر , لتتولى تحقيق اهداف الشعب بهدوء . وبدأ حزب الاستقلال باستعمال العنف ضد المتظاهرين الذين كانوا يطالبون بالغاء معاهدة 1930 والقواعد البريطانية واتهام المتزظاهرين بالصهيونية . تماما كما يجري اليوم في مصر .
وحضر رئيس الوزراء الى دار المعلمين لتطمين الطلبة وتهدئتهم ووعد بحرية الاتحاد العام لطلبة العراق وحرية الانتخابات. فهتف الاستقلاليون بسقوط الشيوعية والصهيونية .فما كان مني الا النهوض والهتاف تسقط القومية العنصرية , لانني لم اكن اعرف كلمة الشوفينية . ومع اهتياج القاعة كررت الهتاف عدة مرات.
حور الاستقلاليون وسائر القوميين الهتاف الى تسقط القومية العربية وطالبوا بفصلي من الكلية . وصدر القرار فورا ومعه بدأت معركة جديدة لالغاء قرار الفصل . واضرب طلاب عدة كليات وثانويات احتجاجا على القرار وتعرض العديد من الاساتذة التقدميين الى الملاحقة بسبب دفاعهم عني . وحصل هجوم على طلبة كلية بغداد الذين اضربوا عن الدوام احتجاجا على فصلي وتعرض احد الطلبة الى جراح خطيرة خلال المعارك بين مويدين ومعادين . ولم يتوقف ذلك النضال الا عندما نشرت جريدة الوطن للاستاذ عزيز شريف خبر تغيير القرار الى فصل لما تبقى من السنة.
لم اعبأ بقرار الفصل ولا بتهديدات القوميين بسكب التيزاب على وجهي كما فعلوا مع فتاة اخرى . ورفضت كل محاولة لحمايتي . فقد تطوع عدد من الطلبة لحراستي , وكل ما كان يؤلمني هو ما تعرض له الطلبة والاساتذة بسبب دفاعهم عني وضياع فرصة تحقيق بعض اهداف الطلبة الوطنية وطلابية من رئيس الوزراء.
وفي فترة فصلي الحقت بالتنظيم النسوي للحزب الشيوعي وحضرت اول اجتماع حزبي في حياتي تقوده الدكتورة نزبهة الدليمي, وبحضور خمسة رفيقات وكان رائعا ولكنه كان الاخير . فقد بدأت الاعتقالات الواسعة بعد اعترافات مالك سيف وبدأت اللقاءات الفردية . كان مسؤلنا حبيبة وانا شاب تقدم لخطبتي من اختي بعد لقائيين.
وحتى الان لم اجد تعليلا مقنعا لزهدي بالعلاقات العاطفية دع عنك الزواج.ولم يشكل ذلك اية مشكلة لي طوال العشر سنوات في السجن , لاسيما وان معظم الذين خطبوني هم شيوعيون مما يعني عدم حرماني من النضال على الاقل نظريا.ولم يجرأ اي منهم حتى على مفاتحتي بشعوره . فانا لا اتحدث معهم الا بالسياسة ومهمات النضال. فمسؤلي الحزبي لم يجرأ على البوح بمشاعره الا برسالة بعث بها بعد سفره الى السليمانية . وكثير من الشباب الاقرباء الذين كانوا يزورونا وحتى الان استلم رسائل ومكالمات تلفونية من شباب تلك الفترة يكشفون لي عن مشاعرهم نحوي أنذاك ولا يريدون ان يصدقوا بان عوامل الزمن قد غيرت الكثير من شكلي وتأثيري .
وبدأت السنة الدراسية الجديدة وداومت في فرع اللغة الانكليزية لقلة القوميين المتعصبين فيها , ولكن وجدت ان كتبي كانت تفتش بعد ان سرقوا ورقة نقدية بخمسة دنانير كانت مخصصة لشراء اخذية لاختي ولي . وعلى الرغم من فداحة الخسارة بالنسبة للعائلة فقد تم التركيز على قضية تفتيش كتبي وما يعنيه من مخاطر على دراستي.
ومع توالي الاعتقالات وشمولها جميع المدن مما اضطر الرفيق فهد الى تكليف الشاب ساسون دلال الذي كان مبعدا في بدرة بالهرب لقيادة التنظيم . وبالنظر للعلاقات الحزبية مع عائلة حسقيل قوجمان فقد اسكن في بيت اخته . وعندما اخبرت التنظيم بتفتيش كتبي طلبوا مني ترك الدراسة والقيام بمهمة مسؤلية التنظيم النسوي. فرحت بذلك وتفرغت كليا للعمل الحزبي. كنت اجول مناطق بغداد جميعها لاقوم بتنظيم جميع الخلايا النسوية . وكانت سبعة واحدة في الكاظمية وواحدة في الاعظمية واثنتان في الرصافة وواحدة في الكرخ واثنتان في الكرادة. والتقيت مرة اخرى بالدكتورة نزيهة ولكن هذه المرة على انني منظمتها. فتعجبت وسألتني الستي من كانت في الخلية السابقة ! وكانت هذه ايضا المرة الاخيرة فقد القي القيض علي بعد فترة قصيرة .
فرضت علي مسؤلياتي التنظيمية زيارة بيت الرفيق مسؤل التنظيم . ومع تكرار اللقاءات تقدم لخطبتي بدون اية مقدمات. فوجئت بالطلب ولم نكن نتبادل ابة عواطف. ولكنني وافقت وكانما اوافق على تكليف حزبي . وكان ذلك لحسن الحظ قبل عشرة ايام من اعتقالنا. وارسل معي رساله الى عائلته ليعرفهم بي ويطلب مساعدتهم ماديا . لم يستجب اهله لطلباته ونسي الموضوع في خضم الاحداث التي تلاحقت , حتى انه لم يطلب مقابلتي ليلة اعدامه بل طلب مقابلة نجية قوجمان وامها. واستشهد بطلا ينشد الاممية. وفي تلك الفترة جرت اعادة محاكمة قادة الحزب الشيوعي فهد وحازم وصارم في السجن واصدار حكم الاعدام . وفي ذلك الجو الارهابي قرر الحزب القيام بمظاهرة احتجاج وطعن بشرعية المحاكمة ولاثارة الراي العالمي . طلب المسؤل مني قيادة المظاهرة في يوم 12/2/1949 اي قبل يومين من اعدام الرفاق. ونزلت لقيادة المظاهرة ولم يزد الحضور على بضعة مئات وفي غضون دقائق ملات الشرطة الخيالة شارع الرشيد باعداد تفوق اعدادنا وهي تطلق النار فوق الرؤس فدخلنا الشوارع الفرعية وكانت ابواب البيوت مفتوحة لاستقبالنا بكل الحب والحنان, ثم عاودنا التجمع ولكن باعداد اقل . وهاجمتنا الشرطة بقسوة اشد وتقرر انهاء المظاهرة دون ان تسير اكثر من عشرات الامتار في شارع الرشيد. وحاول الحزب القيام بمظاهرة اخرى في اليوم التالي ولم ينجح اذ لم يلبي النداء الا العشرات.
وعجلت الحكومة باعدام الرفاق قبل الاعلان عن القرار وبحضور السفير البريطاني وفي ظلام الليل لتفاجيء الجماهير بتنفيذ الحكم في المراكز الرئيسية في بغداد. فقد اعدم الرفيق فهد في منطقة الكرخ وامام المتحف الوطني واعدمالرفيق حسين الشبيبي في باب المعظم والرفيق زكي بسيم في الباب الشرقي.
عم بغداد بل كل العراق حزن عميق وحقد مكبوت على الاستعمار البريطاني واداته النظام الملكي تفجر باروع صوره في ثورة 14/تموز. واخذت الاذاعات العالمية تندد بالعملية المنافية للاعراف والقوانين الدولية ولاسيما لم يمض اكثر من سنتين على الضجة العالمية ضد الحكم بالاعدام على نفس الرفاق وفرض استبداله بالحكم المؤبد.
فجر حزني على الرفاق كل طاقاتي ورحت اطوف مناطق بغداد نهارا لتعميق وعي الرفيقات وشحذ هممهن لتوسيع القاعدة الحزبية وفي الليل اسهر على استنساخ المحاضرات والبيانات.
#سعاد_خيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟