أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - شبيحة العقل















المزيد.....

شبيحة العقل


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 3611 - 2012 / 1 / 18 - 10:19
المحور: الادب والفن
    



هذا النهار سيء من أوله، أستاذ الفلسفة دخل متجهماً على غير عادته، وضع دوسيته بضربه قوية على المنضدة، وهو ينفخ أنفاسه من بين أسنانه ويبدو أن جسده دخل حقاً، لكن الطلاب لم يشعروا بوجوده الذهني الساطع الذي اعتادوه منه، منذ بدأوا معه الفصل الدراسي الأول.

ليس صعباً الإحساس بنفسية هذا المحاضر، فهو يكاد يكون لوحة تُقرأ نصوصها بسهولة، وفي صميم اللوحة عقله الذي يجرهم دوماً إلى عوالم جديدة، تبدو للوهلة الأولى غير قابلة للفهم، وعصية عن الاستيعاب.. ولكنها شديدة الإثارة بالوقت نفسه.ربما بسبب ما تثيره من تساؤلات وتفكير.

طال صمت المحاضر، قبل أن يتمالك نفسه ويقول بصوت هادئ: "تعالوا نواصل". توقع الطلاب أن يفصح قليلاً عما يعتمل في نفسه، كما عودهم دوما، لدرجة باتوا يشعرون أنه زميلهم في الدراسة وليس أستاذهم فقط. اليوم فهموا جملته التي كثيرا ما رددها: "العلاقة بيننا يجب أن تكون علاقة بين مفكرين، وليس بين طلاب ومحاضر"، وكان يضيف وهو يتأمل انعكاس كلماته على وجوههم:" رغم أن الكلمة الفصل هي كلمتي، مؤقتا وحتى بلوغكم الفكري الكامل، مستقبلا سأكون سعيدا حين تواجهوني رأيا برأي ، هذا سيشعرني بسعادة مطلقة".
وعاد يكرر دون أن يبدو انه يقصد ما يقول: "نواصل"... ثم صمت.
ضم قبضته بقوة، كأنه يجمع نفسه، وقال وضحكة كبيرة تكسر التوتر الذي خلفه من
لحظة دخوله:

- أسمعوا هذه الحكاية.. نشرت مقالاً... قبل نشره قرأناه سوية وناقشتم طروحاتي في المقال وعدلت بعض أفكاره بناء على نقاشكم. اليوم فاجأني أستاذ اللغة العربية... لا تذكروا أسماء من فضلكم، المضحك ان كل ما لفت انتباهه أني أخطأت في تجليس جلالة الهمزة في مكانها الصحيح، وأنزل على رأسي أطناناً من الإنتقادات التي لم أفهم منها إلا أنه ضليع في تجليس جلالة الهمزة بمكانها الصحيح. قلت له:" يا هذا، لغتي في كتابة النصوص أفضل من لغتك، لغتي واضحة، تُقرأ بحماس ولغتك لا تقرأ لصعوبة ألفاظها ووعورتها وبعدها عن المناخ الثقافي، فهل تظن أن جلوس الهمزة على كرسي بدل أن تظل فالتة ، سيغير تاريخ الفلسفة ، أو ينسف كرامة اللغة العربية وكرامة المواطن العربي؟!".
وقلت له:" حقاً أنت ضليع في نحو عمره مئات السنين، وصار يحتاج إلى انتفاضة ثورية، الى ربيع لغوي يندمج بالربيع السياسي العربي.. انتفاضة تجعل لغتنا وعقولنا ومجتمعاتنا وانظمتنا العربية أقرب للحياة ولواقع التطور. وأنا حقاً لست لغوياً ولا أريد أن أكون ضليعا بنحو لغتي أكثر مما أعرف، هذا لا يلزمني للتفكير ومعرفة ما يلزم نهضتنا، ما هو ضروري لتحرير عقولنا من رواسب التخلف وكيف ننجز تنويرنا الاجتماعي والثقافي.قلت له: "أعترف انك أفضل مني في التعامل مع الهمزات، وأنا أفضل في التعامل مع الأفكار ومع الواقع، انت أفضل مني في عبادة الماضي المتحجر وانا افضل منك في فهم ضرورات التنوير وتحرير العقل من الخبل، فلماذا لا نقر بيننا اتفاقا بأن لا نشهر ببعضنا ، أنت لا تشهر بي بسبب الهمزة، وأنا لا أشهر بك بسبب قصورك الفكري؟!.."
فغضب وكأنه زعيم دولة عربية وليس مجرد خبير في تجليس الهمزة. واعتبر كلامي تجريحا ومشاركة في المؤامرة الإستعمارية والصهيونية على العرب.
قلت له:
- أنت مناسب لعضوية مجلس الشعب في دمشق.
اتهمني أني بذلك أشوه عقول الطلاب بلغة غير سليمة، وأزرع بذور الفتنة والطائفية، وأضعف مناعتهم القومية، واجعلهم فريسة للمؤمرات... ولا بد من عقابي بتهمة تشجيع التراخي القومي. قلت له انه الآن أصبح انسب للتوزير في دمشق. وقلت أن طلابي عقولهم تتطور مع الهمزة أو بدونها، وعقول طلابك تتلبك حول قضايا لن تفيدهم في حياتهم أو حتى في عملهم بالتعليم. ففقد أعصابه تماما وأسمعني كلمات لا تليق بزملاء في نفس المعهد، بالطبع لم أبق مديوناً، قلت له:
- يا أستاذ الضاد، وعميل سيبويه، وعدو الاستعمار وعميل نظام القهر الاجتماعي واللغوي، أنت تقول لي أنه مسموح لي أن أخطئ بكرامتي، بوطنيتي، بعقلي، بثقافتي، بضميري، وأن أخدم حتى عدوي ومضطهدي، وان اكون شبيحا ضد ابناء شعبي، هذا لا تحتج عليه. أما أن أخطئ بتقعيد جلالة الهمزة أو بالنحو ، فتقيم علي الدنيا ولا تقعدها ؟!
صمت. أخذ نفسا طويلا. تأملنا لبرهة قصيرة، ثم أضاف:
- هذه حالة يجب أن تنتبهوا لها وان تمنعوا تحويلكم إلى روبوتات لا تفكر؟ جهاز حافظ بلا وعي؟ نحن نعيش في عصر العقل، في عصر التطور، في عصر الإقلاع نحو الفضاء، وبعض الناس غارقون في الهمزة أو النصب والرفع والشبح. إياكم أن تستبدلوا فكركم في جدال لغوي عقيم. للغة أهمية عظيمة في تيسير الفهم ونقل المعرفة، لذا عليكم إثراء عالمكم اللغوي، وجعل جملكم مفهومة وسهلة ، وليس خطابا رئاسيا لا شيء فيه قابل للتحقيق .
وبعد ان تجولت عيناه على وجوه الطلاب أضاف:

-أعزائي أريد أن تعلموا شيئاً لا يقل أهمية عن نظريات الفلسفة، وهو جعل اللغة أداة ميسرة التعبير، وطز في النصب والرفع وجلالة الهمزة وحرمة الأنظمة التي تظن نفسها دائمة أبد الدهر مثل نحو سيبوية.
وأنفجر الصف ضاحكاُ. وفجأة تغير شكله وسطع وجوده وقال:
- الآن نعود إلى العقل!!
- العقل.. العقل .. عاش العقل .
صدر صوت قوي، ولم يكن صعبا معرفة صاحبه.
- هل لديك إضافة يا زاهر؟
- حول العقل وقلة العقل لي ما أضيف.. نادرة تشبه قصتك مع الهمزة وشبيحها الواقف بالمرصاد للمؤمرات الاستعمارية.
- أحذرك.. إذا لم تكن حكايتك حسب توقعاتنا سأخصم من معدلك 10 علامات كاملة؟
- أنا أقبل التحدي.. على شرط ان تضيف لي 10 علامات اذا كانت قصتي مناسبة ؟
- كلنا آذان ..
- التقى نازي ويهودي في بار، والقصد الاشارة الى نقيضين. كان اليهودي جالسا بعيدا عن زبائن البار، في زاوية منعزلة، يحتسي الويسكي ويقرأ كتابا ولا يلتفت لما يجري بين الزبائن في البار،.عبثا حاول النازي أن يجر اليهودي إلى حوار ، وان يخرجه من تركيزه بالقراءة واحتساء الويسكي بمتعة ظاهرة. ولكن اليهودي رسم ابتسامة على شفتيه وحافظ على صمته وهدوء اعصابه وكان النازي لا يواصل استفزازه. كان النازي يزداد غضبا لأنه لم ينجح بجعل اليهودي يسقط ابتسامته ويترك كتابه، أو يتفوه بكلمة ضيق ليكيل له الصاع صاعين. وفكر النازي كيف يستفز اليهودي؟
ووجدها!!
قال النازي للبارمان بصوت حاد يسمعه جميع زبائن البار وخاصة اليهودي:
- وزع على جميع الموجودين كؤوس ويسكي على حسابي ولا تقدم كأسا لذاك الشخص.
وأشار إلى اليهودي.ولكن اليهودي ظل يبتسم وغارقا في كتابه وكأسه الذي يملأه البارمان كلما فرغ وحتى بدون ان يطلب اليهودي ذلك.
بعد أن شكره جميع الزبائن على كرمه وعلى نخوته وتضييفه لهم، التفت النازي للبارمان مرة أخرى وقال بنفس الصوت الصاخب، وزع من جديد على حسابي كؤوس ويسكي للجميع ما عدا لذلك اليهودي الذي يبتسم بدون سبب.
وأشار إلى اليهودي، ولكن اليهودي ظل يبتسم.. بل تزداد ابتسامته وضوحا وامتدادا. هذا الأمر لم يعجب النازي. اقترب من البارمان وسأله:
- قل لي من ذاك اليهودي الذي يواصل الابتسام رغم إني أهنته ولم ادعوه لشرب الويسكي على حسابي؟
- أوه عزيزي انه صاحب هذا البار!!



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية -الركض- للفرنسي جان أشنوز تدفع القارئ للركض وراء التفا ...
- درس من التاريخ - يسار عربي أم صهيونية ماركسية من نوع جديد؟!
- لا طعم للقهوة ذلك الصباح
- نظرة على واقع الصحافة العربية في اسرائيل
- وداعا سالم جبران – شاعر كاتب ومفكر ترك بصماته القوية على واق ...
- -اوراق ملونة- لسليمان جبران بين السياسة والثقافة
- مراجعات ماركسية: ملاحظات حول الماركسية الغربية ونظرية الثورة
- الزكام
- الصراع الطبقي ومسائل ماركسية أخرى !
- كذاب ولا يطاق، وماذا بعد؟
- لا مستقبل للانتفاضة الاجتماعية بدون انتفاضة سياسية
- كمن يصطاد السمك في البحر الميت
- جسر الى أستراليا
- خواطر حول اللغة والهوية القومية
- أمريكا عارية: نتنياهو الرئيس الفعلي للولايات المتحدة!!
- بين كسب اللوبي اليهودي وخسارة مكانة أمريكا
- المشاركة في الانتفاضة الاجتماعية أم سياسة الانعزال القومي ال ...
- الأباتيا والأمباتيا في دنيا العرب (ساتيرا)
- رواية قصيرة جدا: انتفاضة...
- حمير فوق.. وحمير تحت..


المزيد.....




- إقبال على الكتاب الفلسطيني في المعرض الدولي للكتاب بالرباط
- قضية اتهام جديدة لحسين الجسمي في مصر
- ساندرا بولوك ونيكول كيدمان مجددًا في فيلم -Practical Magic 2 ...
- -الذراري الحمر- للطفي عاشور: فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية هزت وج ...
- الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة بوليتزر للتعليق الصحفي ع ...
- رسوم ترامب على الأفلام -غير الأميركية-.. هل تكتب نهاية هوليو ...
- السفير الفلسطيني.. بين التمثيل الرسمي وحمل الذاكرة الوطنية
- 72 فنانا يطالبون باستبعاد إسرائيل من -يوروفيجن 2025- بسبب جر ...
- أكثر 70 فنانا يوقعون على عريضة تدعو لإقصاء إسرائيل من مسابقة ...
- -الديمومة-.. كيف تصمد القضية الفلسطينية أمام النكبات؟


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - شبيحة العقل