التمزق النفسى والتصدع الاجتماعى دعوة للانسحاب من الحياة

حمدى السعيد سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3588 - 2011 / 12 / 26 - 00:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

لاتوجد لدينا وسائل لقياس الرأى العام او لمعرفة نبض الفكر السياسى والاجتماعى والثقافى .... فنحن لانعرف ما الذى يحبه الناس او من الذى يحبه الناس ...او يكرهونه ...ولماذا ؟!!! ... اننى اتحدث هنا عن الهيئات المعروفة والموثوق بها ... ولا اتحدث عن اجهزة الامن وجمع المعلومات وتحليلها لمساعدة الدولة على الدراية بما يحدث فى البلد وبين الناس ...

فالصحف العالمية تطلعنا من حين الى حين بالذات فى الازمات الفكرية او الدولية , بما يقوله الناس ... على شكل ارقام او اسماء فى كبسولات رقمية احصائية ... كم فى المائة يكرهون اوباما ... كم فى المائة يبغضون كذا وكذا ... وما رأى الناس فى الشهور السته الماضية او فى مثل هذا الوقت من العام الماضى .....فمثلا مجلة ( لير ) الادبية الفرنسية نشرت فى مطلع تسعينيات القرن الماضى : ان اوربا عندما اختارت اعظم عشرة أدباء كان ترتيبهم كالاتى :
( 1 ) الشاعر الانجليزى (شيكسبير ) ...
( 2 ) الشاعر الالمانى ( جيته ) .....
( 3 ) الروائى الاسبانى ( سرفاتس ) ....
( 4 ) الشاعر الايطالى (دانتى ) ....
( 5 ) والاديب التشيكى ( كافكا ) ....
( 6 ) الروائى الفرنسى ( بروست ) ....
( 7 )الروائى الالمانى ( توماس مان ) ...
(8 ) المسرحى الفرنسى ( موليير ) ....
(9 ) الروائى الانجليزى ( جويس ) ....
( 10 ) الروائى الانجليزى ( دكنز ) ...
الغريب فى الامر انه عندما أجرى هذا الاستفتاء عند الانجليز وفى بلدهم انجلترا ...لم يختاروا اديبا انجليزيا واحدا !!!! ... وانزعج الادباء والنقاد وراحوا يسألون ويدققون ويمحصون ... لماذا لم يعد الانجليز يرون فى ادبائهم الكبار العظام احدا يستحق الاهتمام .... انها مأساة أدبية وفكرية تستحق الدراسة ... وعكفوا على الدراسة ... لذلك اجد نفسى اطرح نفس السؤال : لماذا لايجد الناس فى مصر سياسيا او اديبا كبيرا فى مصر قديما وحديثا , يستحق القراءة او الاهتمام بافكاره ... لا اظن ان احدا سوف يجرى هذا الاستفتاء !!! وحتى لو اجراه فلن يهتم احد بهذه المأساة .... والسبب هو حالة التمزق النفسى والتصدع الاجتماعى والتشرذم الفكرى والمعرفى التى تسيطر على كافة قطاعات وطبقات الشعب المصرى ....


وخير دليل على صدق كلامى .. مسلسلات الدراما التليفزيونية المصرية او الافلام السينمائية التى تعرض على شاشات التليفزيون والفضائيات حيث نجد الفتاة الجامعية فى حيرة شديدة بين قلبها الذى احب زميلا لها ولكنه فقير ...وبين رغبات اسرتها فى ان تتزوج من هو اقل منها من الناحية العلمية ولكنه غنى ومعه مالا وفيرا .... ليست هذه هى النهاية الحقيقية .... انما هى بداية المشاكل والمتاعب العائلية والنفسية ... وكلها نعرفها ولا نراها على الشاشة ... المشكلة الآن : اذا كان التعليم لاى قيمة له ... فلماذا يتعلم الناس ؟!!! ... واذا كان الحب لامعنى له ولا قيمة ... واذا كانت حرية الاختيار لاقيمة لها ... فلماذا يتعلم الشباب ؟؟!! واذا تعلم فلماذا نريده ان يكون راضيا قانعا مستقيما ؟؟!!!


اذن فمصيبة الفتاة مصيبتان : ان تتعلم وان تعاشر معظم سنوات حياتها زملاءها المتعلمين ...وفى نفس الوقت ان تحتقر نفسها وتحتقرهم ايضا ... لانهم تجار كلام , غير قادرين ان يكونوا ازواجا لهم بيوتا واولادا .... ولا يتصور احد ولا يجب ان تظهر على الشاشة تلك المعادلة النفسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة من زواج بلا حب ... سوف يكون قطعة من جهنم .... فاذا ارادت تلك الطالبة والطالب معا ان تكون لهما حياة شريفة محترمة ...وان يعملا معا على تحقيق السعادة النسبية والنجاح الضرورى فانهما لن يجدا ذلك ولا يشجعهما التليفزيون او السينما فى كثير من مسلسلات السعار المادى والسفه المالى ... لذلك لاتجد الفتاة امامها الا الكتب والاحباط والفكر المتطرف متمثلا فى النقاب ...وتتقوقع داخل ذاتها خلف الملابس السوداء معلنة الحداد على نفسها وعلى احلامها وعلى ما تعلمته فى الجامعة !!! فى ظل شعور رهيب بالغربة فى هذا المجتمع ... ما دامت مسلسلات التليفزيون والافلام تشيع الاحباط وتقطف ثمار الامل من داخل النفوس ... فما الذى يفعله الشباب امام هذه الدعوة الى احتقار العلم والدراسة وتقديس المال , ايا كان مصدره ... الجدير بالذكر ان ما ذكرته انفا يعتبر واحدا من المصادر القوية للتمزق النفسى والتصدع الاجتماعى , والدعوة للانسحاب من الحياة !!!..

حمدى السعيد سالم

#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل