أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العودة














المزيد.....

العودة


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3585 - 2011 / 12 / 23 - 22:55
المحور: الادب والفن
    


تحررت البلاد، وأنا، لهذا، حملت حقيبتي التي اهترأت، وأخذت طريق العودة إلى نابلس، عودة عوليس من آخر سفر، قبل السفر الأخير.
قلت لنفسي:
- آه! يا لي من متشائم.
لكني عزوت ذلك إلى عادات التغرب وهمومه. أما اليوم، فلن تكون غير الآمال والعمر المنشرح. وقبل كل شيء، سأقدم شهاداتي العلمية وكفاءاتي المهنية لخدمة الوطن الذي هو في أشد الحاجة إلى أمثالي.
لم تتغير شوارع نابلس، بقيت على حالها، رغم عشرات السنين من الاحتلال. ما تغير، روح الحرية وأكاليل الغار. لم تتغير وجوه الأهل، بقيت على حالها، رغم عشرات المعتقلات. ما تغير، روح التضامن وبحر الإشارات.
في الليل، كنا نتحدث عن مفاخر الناس، عن صيحة قتلت صاحبها، وعن حجر رُمِيَ تَفَتَّحَ وردة لما فتح رأس جندي قتل الرامي. كنا نعيش حلم التحرر والانتصار، ومن آن لآن، نسمع بكاء أم في الليل.
رغبت في الذهاب إلى حيث كنت أذهب في الماضي، إلى سوق البصل، ودرج اليهود، وحمام القاضي، والقصبة. كان يشدني كل ما هو قديم. لاحظت في القصبة بعض بيوت كان جنود الاحتلال قد هدموها، وعندما وضحت علاماتها في ذاكرتي، حزنت أشد حزن. في واحد كانت تقيم حبيبتي، وفي ثان كانت تقيم مومس عرفها أخي الشقي، وفي ثالث كان يقيم شيخ المدينة، وفي رابع كانت وردة وسط حديقة، وفي خامس كانت الأم التي تبكي في الليل. في الليل، كانت تبكي ولدها شوقي، وفي النهار، كانت تذهب لتحضر خبزًا وبعض حجارة تضوي.
أمضيت شهورًا، وأنا أنتظر جوابًا على طلبي الإداري. وبانتظار الجواب، كنت أساعد أم الشهيد في إعادة بناء بيتها. سألتها أن تكف عن البكاء، فقد سكبت من الدمع ما فيه الكفاية، ولن يسمعها ولدها في الجنة، لن يسمعها في النار. أجابتني أنها تبكي ليسمعها الأحياء بين الملائكة والشياطين، كل الملائكة وكل الشياطين، العرب منهم واليهود.
أمضيت شهورًا أخرى، وأنا أنتظر جوابًا على طلبي الإداري. لم يعد لي ما أعمله بعد أن أنهيت وأم الشهيد إعادة بناء بيتها، فاقترحت عليها أن نهدمه، ونعيد بناءه بطريقة أخرى. نقطع الوقت هكذا، ونستطيع انتظار الجواب. وافقتني، إلا أن بعض ملائكة مدججة بالسلاح اعتقلتني. اتهمتني محكمة ثورية بتهمة التحريض على الهدم، وأعطاني الحاكم عشرة أعوام دون أشغال، فثرت، فثار، وأعطاني الحاكم العادل هذه المرة عشرين عامًا مع أشغال، بقدر الزمن الذي كنت قد قضيته في الغربة، أذهب من سفر إلى سفر، ومن مدينة إلى مدينة، قبل أن تغلق عليّ أسنانها المستدقة مدينتي الأخيرة.
بعد قضائي مدة العقوبة، كانت ذاكرتي قد جفت، وكذلك جسدي، وقلمي، فغادرت البلاد، بعد أن تبين لي أني في الغربة كنت قريبًا إليها أقرب بكثير مما كنت عليه، وأنا فيها...
صحوت على يد رفيقي المتسول المتسكع، وهو يمد لي زجاجة من النبيذ الرديء، فتناولتها، وجرعت منها جرعات مُرة. تركني بعدها رفيقي القديم، وأحرق على الرصيف بعض الحطب لتدفأ أبداننا في ليل الصقيع البديع.

الانتفاضة يوم الجمعة 15/1/1988

* القصة الأخيرة من "حلمحقيقي" المجموعة الرابعة لأفنان القاسم بمناسبة نشره للأعمال الكاملة.



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وظائف الكلام في قصة الزكام لنبيل عودة
- الحجر
- نابلس
- شمس مراكش تحرق الأصابع
- بركات
- الأطفال يتكلمون لغة واحدة
- أفنان القاسم يجيب على أسئلة الحوار المتمدن
- الرسامة الصغيرة
- العاملة التي أحبت الكاتب
- الحزب والموسيقى
- السيدة التي لم تقرأ الجريدة
- لقاء الأصحاء في مستشفى هنري موندور من حول سرير أفنان القاسم
- وقائع نشرة مكثفة عن التلفزيون الفرنسي
- الفتاة الممنوعة
- وحيد وجوديت
- ناتاشا والفنان
- العاطل عن اليأس
- انتحار الشاعر
- أطول ليلة في الحي اللاتيني
- القصيدة-القصة الأولى في الأدب العربي: الإبحار على متن قارب ه ...


المزيد.....




- نقابة الفنانين السوريين تسحب الثقة من نقيبها مازن الناطور وس ...
- مصر.. مقترح برلماني بتقليص الإجازات بعد ضجة أثارها فنان معرو ...
- رُمي بالرصاص خلال بث مباشر.. مقتل نجل فنان ريغي شهير في جاما ...
- أهم تصريحات بوتين في فيلم وثائقي يبث تزامنا مع احتفالات الذك ...
- السينما بعد طوفان الأقصى.. موجة أفلام ترصد المأساة الفلسطيني ...
- -ذخيرة الأدب في دوحة العرب-.. رحلة أدبية تربط التراث بالحداث ...
- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العودة