أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - الأمة العراقية: جذور المصطلح وانبعاثه اللاعلمي















المزيد.....

الأمة العراقية: جذور المصطلح وانبعاثه اللاعلمي


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3584 - 2011 / 12 / 22 - 19:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لست موضوعة "الأمة العراقية" بنت يومنا، والمصطلح ذاته و المفهوم الذي يستبطنه ليسا جديدين البتة. فثمة أحزاب عراقية حملت هذا الاسم و نشطت في العهد الملكي الذي أوجدته بريطانيا لتفريغ الثورة العراقية الكبرى 1920 من مضمونها التحرري. وثمة أحزاب أخرى بذات الاسم، انبثقت ونشطت ضمن العملية السياسية الأميركية التي أطلقت بعد الغزو سنة 2003. وقد عُرِفَت قيادة أحد هذه الأحزاب، بعلاقاتها الحميمة والعلنية مع الكيان الصهيوني "إسرائيل" وزيارات زعيمه مثال الآلوسي إلى هذا الكيان في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العراق.
الجديد في موضوع "الأمة العراقية"، تمثل في موجة نشاطات إعلامية يقوم بها عدد من مجموعات الناشطين السياسيين على مواقع التواصل الاجتماعية كالفيس بوك و تويتر وغيرهما، وتشكيلهم لتنظيمات ومجموعات وفتحهم لصفحات بهدف التبشير بوجود "الأمة العراقية" والدفاع عنها. وقد دخل بعض هذه المجموعات في خلافات وعمليات اختراق وقرصنة إلكترونية متبادلة أوجدت حالة من التشنج والعداء.
مع ذلك، لا يمكن للمرء، مهما كان رأيه بموضوعة ومفهوم الأمة العراقية، إلا أن يؤيد هذه النشاطات ويتفاءل بها خيرا، لكونها، أولا، سلمية تعتمد الحوار عبر وسائل الاتصال الحديثة. ولأنها، ثانيا، تعكس حَراكا فكريا وسياسيا يمتاز بالحيوية والمتابعة، في أجواء ساد فيها الخواء وفقدان الأمل والفساد الشامل كيانات الأحزاب السياسية العراقية التقليدية، و لأنها، ثالثا، قد تسفر عن نتائج ربما تكون غير مقصودة أصلا من قبيل رفع السوية الفكرية و الثقافية والسلوكية للمشاركين بها وترسيخ آداب الحوار والاختلاف واحترام حق الآخر في التعبير عن رأيه.
في مقابل هذه الثلاثية الإيجابية، لا يمكن للمراقب المنصف أنْ يغض الطرف عن ثلاثة أخطار تحدق بتجربة كهذه أو تنجم عن استمرارها في أجواء غير طبيعية، وتتلخص بالتالي:
- استغلال وتجيير هذه التجربة من قبل عناصرَ نهازةٍ للفرص و متسلقة سياسيا، بحثا عن دور في السوق السياسي الراهن لاعتلاء ظهر التجربة وظهور المشاركين فيها لاحقا.
- تمرير و ترسيخ الكثير من الأوهام السياسية والنظرية العدمية والانعزالية الخطيرة والتي تستهدف هوية العراق الحضارية، العربية الإسلامية، بحجة الخصوصية العراقية وبزعم مهاجمة الأصنام القومية المتطرفة من النوع البعثي، فيما هي تؤسس لأصنام لا تختلف نوعا عن تلك الأصنام.
- تسطيح النقاشات حول هذه القضية المهمة وإغراقها بالنثر الإنشائي السطحي والشعارات البلاغية العاطفية وبالاتهامات المجانية للمخالفين والمختلفين بسبب المستوى الفكري المتواضع، للمشرفين على هذه التجربة وعدم إلمامهم بأيٍّ من العلوم التجريبية والإمبريقية ذات المساس بالموضوع.
ومساهمة في تسليط الضوء على مصطلح ومفهوم "الأمة العراقية"، وبهدف ترصين الجانب النظري العلمي له، نقدم في الفقرات التالية محاولة استعراضية وتحليلية موثقة، مؤجلين البحث حول "الأمة" بعامة لمناسبة أخرى:
أول مشكلة جدية تواجه الراصد والفاحص علميا لهذه التجربة هو خلوها من أية ركائز أو أساسات نظرية ورصينة منشورة يمكن الركون إليها فحصا وتحليلا وتفكيكا. فعوضا عن النصوص الأساسية أو الركائز النظرية لا يعثر المرء إلا على نتف من نصوص متناثرة وبسيطة تعاني ما يعانيه النثر السياسي العراقي السائد إلا ما ندر، حيث الشواش يضرب أطنابه، و يسود " التسفيط" والانطباعية الأقرب إلى "حكي المقاهي" وحدثني السفير فلان، وهمس لي الوزير المتقاعد علّان ...الخ، هما السائدان والمكرران في كتب أنيقة شكلا وفقيرة مضمونا والأمثلة كثيرة، وربما يكون حسن العلوي قد بزَّ زملاءه طُرا في هذا الغرار من الكتابات.
بعد بحث طويل، عثرنا على نص بعنوان "وثيقة أريدو لإحياء الأمة العراقية" موقعة باسم "اللجنة المبادرة لمشروع الأمة العراقية". وبمطالعة هذا النص بعناية وتركيز، نصل إلى خلاصة مؤسفة مفادها عن الأمر برمته لا يتعدى محاولة تفريغ رغبات سياسية معينة عبر الإنشاء العاطفي السطحي والانطباعات السياسية البدائية المخلوطة بنتف عشوائية منتزعة من تآليف ذات منزع أورومركزي أوروبي. ونوضح فنقول:
عنوان النص يقول، بأن الجماعة التي أصدرت الوثيقة تريد (إحياء الأمة العراقية). والإحياء والبعث والخلاص من المفردات العزيزة على قلوب وأقلام الجماعات "السيا - رومانسية" المغلقة على نفسها، والدائرة حول أوهامها، تلك الأوهام المصعَّدة إلى أقصى درجات التعالي والتسامي العرقي المتفرد.
ولكننا، ومنذ السطر الأول، نكتشف أن "الأمة العراقية" التي يريد أصحاب وثيقة "أريدو" إحياءها ليست ميتة، بل هي قائمة وموجودة، فالوثيقة تقول حرفيا (إن قراءة دقيقة وفاحصة لحركة التاريخ و الأحداث و الأطوار التي عانتها و مرت بها الأمة العراقية نجد أن أشد الصور تعاسة وخرابا هي فقدان الهوية الشاملة والجامعة لكل العراقيين و تشظيها إلى هويات فرعية...) فالأمة العراقية إذاً موجودة، وقد مرت بأحداث وأطوار عديدة في حركة التاريخ، وعانت ما عانت، ولكن التعاسة والخراب، مثلما تفيدنا الوثيقة، يتمثلان في " فقدان الهوية الشاملة والجامعة لكل العراقيين". واضح، أن اللغة التي ترطن بها هذه الوثيقة لا علاقة لها بعلم الاجتماع أو بأي علم تخصصي آخر ذي مساس بالموضوع.
للتدليل على انعدام القيمة السوسيولوجية لهذا الكلام، يمكن أن تستبدل عبارة " الأمة العراقية" بعبارات أخرى من قبيل" الشعب العراقي" أو " الجماهير العراقية " أو " المجتمع العراقي" دون أن يتغير المضمون. للتوضيح أكثر نقول: في الخطاب السياسي العادي والسائد منذ العهد الملكي، والمعاني المجازية التي يكررها هذا الخطاب دون ملل نجد الشيء ذاته فلا نجد شيئا سوى الكلمات العائمة في خطاب سيّال له بداية ولكن ليس له نهاية. وعلى هذا يمكن لنا أن نستنتج أن الذين أطلقوا على أحزابهم في الأربعينات من القرن الماضي اسم "الأمة" أو "الأمة العراقية" لم يكونوا يختلفون عن دعاة "الأمة العراقية" اليوم على الفيس بوك، فهم كانوا يقصدون ضمن ترسيمات النثر الإنشائي، الشعب أو المجتمع أو الجماهير أو الناس... إلخ، دون أن يتأثر المعنى. والسبب بسيط جدا إذ لا وجود لأي معنى محسوب بدقة علمية. إنهم لا يقصدون الأمة كمصطلح ومفهوم علمي محدد ذي اشتراطات وسمات واضحة ومبرهَن عليها.
ولكن، لكي لا نظلم أصحاب الوثيقة، علينا التعريج على محاولات تعريف للأمة تعريفا يشي بشيء من العلمية لنقرأ مثلا قولهم ( فالعراقيون اليوم أمة متميزة عن باقي الأمم بهذين العنصرين الأساسيين الهوية والانتماء ). ولكن هل هناك أمم أخرى تحيط بالأمة العراقية حرمها القدر من نعمتي الانتماء والهوية؟ و ما معنى انتماء و هوية؟ لا شيء تماما خارج المعروف من المعنى السائد. فالهوية المعرفة علميا بأنها تلك النسبة أو الصفة التعريفية الدالة على تحديد الماهية لتكون التعريف الكُنْهي للمتماهي أي لحامل الهوية لا وجود لها هنا. والتعريف المبتور في الوثيقة لا ينطبق على المواطن العراق فقط بل أيضا على الكرسي العراقي والفرات العراقي والبطيخ العراقي والحمار العراقي ... إلخ.
أما "الانتماء" فهو كلمة إنشائية عائمة أيضا وليست ذات محتوى علمي يمكن رصده وحسابه، فهنا يمكن أن تتساوى "الأمة العراقية" التي ينتمي لها المواطن العراقي مع القبيلة أو النقابة أو الحزب أو الجامعة أو العصابة التي ينتمي لها ذات المواطن دون أنْ يتغير المعطى الكُنْهي " الماهوي" للمفردة.
نعثر أيضا على تعريفات أخرى للأمة مبثوثة في هذه الوثيقة ، كقولهم (فالأمة هي وعاء الضمير الجمعي لأية تكتلات بشرية...) وحين تفكك التعريف إلى مكوناته اللغوية البسيطة فلا تجد محمولا نظريا يمكن التعويل عليه فهناك : وعاء. ضمير. جماعة. تكتل. بشر. ولا شيء آخر ينتج عن جمعها في صياغة مفهومية قابلة للاستيعاب النظري. وحتى لو حاولنا جمعها فسنكون كمن يجمع البرتقال بالباذنجان بأقلام الرصاص بحبات اللبلبي...الخ
التعريف الأكثر امتلاءً بالمفردات "العلموية" والذي يمكن أن يصلح نموذجا للإنشاء فهو التالي (فإن الهوية العراقية كونها منظومة قيمية فهي أيضا منظومة ثقافية متغيرة .. تتغذى بالتاريخ والجغرافية وتشكل استجابة مرنة تتحول مع تحول الأوضاع الاجتماعية و الجيوسياسة ، وتتغير مع حركة التاريخ وانعطافاته ) ولكن ماذا عن مكونات الأمة العراقية ؟ لا تنسى الوثيقة تلك المكونات وهاهي تعددها ( وطن ، لغات ، عقائد وأديان، أعراق وأقوام، حضارات ، وجميعها تمثل حراكا ممتزجا و دائما ومتواصلا .. ينتج لنا قالبا جامعا يسمى "الأمة العراقية" ) نحن هنا أمام خلطة من تعريفين شهيرين: الأول هو تعريف ستالين الشهير للأمة والذي يشترط لوجودها (اللغة، والأرض، والحياة الاقتصادية والتكوين النفسي الذي يتجلى في خصائص الثقافة الوطنية ) مع تعديلات طفيفة، فبدلا من الأرض استعملت الوثيقة "الوطن" وبدلا من الخصائص الثقافية الوطنية أوردت الوثيقة مفردات عقائد وأديان وحضارات والوثيقة، بهذا تتراجع الوثيقة من مستوى تعريف ستالين وثيق الصلة بما يسميه سمير أمين "الماركسية المبتذلة" إلى تعريفات إرنست رينان السابق له بعدة عقود والأكثر تخلفا منه، ولنا وقفه قريبا عند هذه التعاريف.
ربما نكون قد قسونا على الأصدقاء في "وثيقة أريدو - الجماعة المبادرة لمشروع الأمة العراقية" ولكنهم والحق يقال يختلفون عن مجموعات أخرى ويستحقون الاحترام لأنهم على الأقل حاولوا أن يقولوا شيئا عن أفكارهم بعكس مجموعات أخرى فضلت الترنم بتعليقات بدائية وفتاوى متشنجة تقذفها ضد جميع الجهات على طريقة التكفيريين الجدد.



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق يدخل جهنَّم سياسيّة باكراً: هل من رائحة أميركيّة؟
- المالكي في واشنطن : ل-ترقيع السماء العراقية-!
- أشباح جورج بوش تختفي من -عين الأسد-!
- إعادة الاعتبار العلمي لمصطلح -الثورة-
- قانون جديد لاجتثاث البعث وتقليص المحكمة التي أعدمت صدام
- أوان الورد في كركوك.. نصرت مردان يوثق للصحافة والقصة العراقي ...
- مؤتمر يساريّي أميركا في العراق: ممنوع ذكر الاحتلال
- كركوك وخيارات المستقبل: مقترحات للحوار/ج4 والأخير
- صراعات الحكم من الشمال إلى الجنوب : بين آل البارزاني وبين ال ...
- بانتظار زيارة جوزف بايدن ..خرائط تقسيم العراق جاهزة
- الانقلاب البعثي في العراق: شيء لا يشبه شيئا !
- الاستفتاء على كركوك بين الشرعية الدستورية والاستحالة العملية ...
- الاتفاقية الأمنية : حساب السلب والإيجاب
- العراق: ساسة العرب السُنة يقيمون للشيعة إقليمهم!
- الدستور في قضية كركوك: هل كان عوناً أم فرعونا؟ /ج2
- مع قتل القذافي ..العراقيّون يستعيدون إعدام صدّام
- لتكن كركوك أنموذجا لعراق المستقبل والمواطنة الحقة !/ج1
- الشهرستاني يدافع عن صفقة -غاز البصرة -شِل- معترفا ضمنا بعيوب ...
- الحدث السوري بعيون عراقية
- مجلس السياسات المستعصي


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - الأمة العراقية: جذور المصطلح وانبعاثه اللاعلمي