أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - إعادة الاعتبار العلمي لمصطلح -الثورة-















المزيد.....

إعادة الاعتبار العلمي لمصطلح -الثورة-


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3566 - 2011 / 12 / 4 - 17:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى المتسارعة في العالم العربي، ضمن ما بات يعرف بالربيع العربي، أنتجت نوعا من سوء الفهم والاستعمال والخلط النظري في المفاهيم والمصطلحات العلمية المتعلقة بفهم وتحديد ماهية وسياقات ما حدث ويحدث. ولئن كانت الظروف العامة والإيقاع السريع والعميق والحاد للأحداث مستمرة بذات الزخم الناشر لجديده في الشارع الثوري عربيا، فإنّ من المفيد تفحص تلك الظروف ومراجعة النتائج التي أدت إليها على الصعيد النظري العلمي بعيدا عن الأكدمة التخصيصة الأكثر شبها بالرطانة.
لقد بلغ تأثير الحدث السياسي الانتفاضي الحادّ، وردود أفعال المؤسسات القمعية للدول العربية الريعية والتابعة للغرب الإمبريالي على بعض المصطلحات درجة مثيرة فعلا فقد اختلف البعض في صفوف نشطاء وأصدقاء الربيع العربي حول صفة وماهية هذا الحادث التاريخي، وهل هو ثورة أم انتفاضة أم تمرد شعبي أم شيء آخر لا بل أن البعض في مصر و سوريا اعتبر أنّ وصف ما حدث في هذين البلدين بمجرد انتفاضة أو تمرد شعبي وليس ثورة يستبطن نوعا من الاستهانة وربما الإهانة في تأويل سياسي يخلو من العلمية .
من الأمثلة العملية على ذلك، يمكن إيراد السجال الحي الذي دار على شاشة إحدى القنوات الفضائية العربية بين المفكر السوري ميشيل كيلو أحد أقدم رموز المعارضة الوطنية والديموقراطية للنظام السوري و الذي يتبنى تعبير "التمرد الشعبي واسع النطاق" وشريكه في ذلك السجال وائل ميرزا، القيادي في المجلس الوطني السوري والذي يعتبر ما يحدث في سوريا ثورة، منتقدا كيلو بشدة لأنه لا يشاركه رأيه. تصلح هذه الواقعة لتكون مثالا بارزا على هذا الخلاف السياسي في ظاهره والنظري العميق في جوهره.
هنا محاولة أولية لتفحص الموضوع من وجهة نظر "سيا جتماعية" تحاول قدر الإمكان الابتعاد عن إطلاق التقييمات والأحكام المعيارية وتعتمد التحليل المفهومي.
ليس خالٍ من الدلالات ذلك الترابط الوثيق في العربية بين مفردتي ثورة وانقلاب. فالمفردة الأخيرة تستعمل بمعنى ثورة في عدد من اللغات الشرقية المتأثرة بالعربية كالفارسية والأوردية حتى الآن، ولكن هذا الترابط كان سببا للاختلاف السياسي عند العرب أنفسهم. في العراق مثلا، كان ينظر إلى مَن يعتبر ما حدث في 14تموز - يوليو 1958 انقلابا عسكريا، بوصفه رجعيا ومعاديا للثورة، أما مَن يعتبرها ثورة فكان تقدميا وجمهوريا. ولكننا، على الرغم من هذه النظرة الأيديولوجية إلى المصطلح، لا يمكن أن نغفل أنّ كلمة انقلاب أقرب من حيث تكوينها اللغوي ومضمونها الدلالي إلى المعنى العلمي المراد بمفردة "الثورة" من كلمة "ثورة" ذاتها. نوضح ذلك بالقول: إن المفردة الأولى تحيل إلى الانقلاب، و إلى فعل القلب في الوضع والتراتب الطبقي والسياسي والاجتماعي السائد. أما الثانية "الثورة" فتحيل إلى حالة واسعة جماهيريا من الثّوَران،الهيَّجان، التمرد.. الخ. مع ذلك، نجحت مفردة "ثورة" المحدودة لغةً، في الاستحواذ على المكنون الدلالي للمصطلح كاملا ضمن ما يسميه علم العلامات "السيميولوجيا" بالانحراف الدلالي للعلامات اللغوية، وانحسرت مفردة "انقلاب" في العربية لتدل على الانقلاب العسكري فقط. أما في علم الاجتماع الحديث فالانقلاب يختلف جوهريا عن الثورة لأنه يعني انتقال السلطة من يد فئة قليلة إلى فئة قليلة أخرى تنتمي إلى نفس الفئة الأولى التي كانت تسيطر على الحكم أو على الأقل تشبهها، ويتم ذلك باستخدام وسائل العنف الرسمية دون إحداث تغيير في وضع القوة السياسية في المجتمع أو في توزيع عوائد النظام السياسي، أي انه تغيير في أوجه حال الحكام دون تغيير في أحوال المحكومين والانقلاب نوع من أنواع التمرد.
في التأصيل التاريخي للمصطلح أوروبيا، نجد ما يؤيد هذا الرأي فكلمة ثورة (Revolution ) في اللغات اللاتينية، قادمة من حقل علم الميكانيكا، وتعني أصلا ( دوران الجسم حول نفسه أو انقلابه 360 درجة على محوره). بمعنى، أن الصِّلة مع دلالة الانقلاب أقوى من الدلالات الأخرى كما في كلمة "الثّوَران". وقد استعار علم الاجتماع الحديث هذه المفردة "ريفلوشن/ ريفيليسيون " من "الميكانيكا" كما قلنا ليضفي عليها دلالات ومحمولات أخرى، لتعني، أولا وأخيرا، كلَّ حركة اجتماعية وسياسية تؤدي إلى انقلاب شامل في المفاهيم الفكرية والسياسية بما يتضمنه ذلك الانقلاب من تغيير راديكالي شامل في أوضاع الملكية.
يلاحظ الكاتب المصري مهدي بندق، بصواب، أن التعريف السابق (لا يكاد ينطبق إلا على ما حدث في فرنسا عام 1789 وروسيا عام 1917 حيث تمكنت هاتان الثورتان من تحقيق أهدافهما بحيازتهما سلطة الدولة، وهو ما لم يحدث في مصر يناير، على الأقل حتى الآن). غير أنّ بندق يتخلى عن المحتوى الفكري العميق لمقارنته وينحاز إلى نوع من البلاغة السياسية مرتين: الأولى، حين يفحص الحادث المصري بطريقته الخاصة فيقول (ما حدث في يناير إنما يشي بانقلاب تاريخي جذري في الشخصية المصرية أساسه سقوط نمط الركود الإنتاجي بمطرقة عصر الاتصالات الذي أثمر محو ثقافة المفعولية والإذعان ، فاتحا ً الفضاء الثقافيّ لإرادة الفاعلين الاجتماعيين). فرغم حيوية هذه الفكرة، ولكنها غامضة على المستوى البحثي، لأنها أكثر ميلا إلى العرض الوصفي البلاغي منها إلى الفحص النظري الدقيق. والمرة الثانية، حين يشترط لوقوع وتحقق الثورة في مصر شرطا من خارج سياقها الحدثي والتاريخي و هو نجاحها وانتصارها على قوى الثورة المضادة، أما إذا حدث العكس فإن التاريخ كما يقول ( سيسأل علماء الاجتماع : هل كان يناير مصر ثورة أم كان مجرد حلم جميل ؟ )
من ناحية أخرى، ليس هناك تعريف كلاسيكي واحد للثورة، بل هناك تعريفات متعددة، منها تلك السائدة في النثر السياسي البرجوازي، والتي تكاد تتفق على رفض اقتران الثورة بتغيير أوضاع المُلكية على جهة الخصوص. لكنّ الثورات لا تنجح في تغيير أوضاع المُلكية وتطيح التراتبية الطبقية القديمة بين ليلة وضحاها بل بعد سنوات من وقوعها، فهل يعني ذلك إنّ إطلاق اسم الثورة على الحادث التاريخي المعني لا يتم إلا بعد سنوات من وقوعها؟ الإجابة ستكون بالنفي قطعا، ولكن مصطلح الثورة قد يكتسب معناه ومشروعيته التاريخية والعلمية من تحقق البرنامج الثوري أو أجزاء مهمة منه في المجتمع.
ثم أنّ هناك ثورات انتكست بعد سنوات على قيامها، وثورات انتكست في أيامها الأولى ولكنها حافظت على حيازتها لاسم الثورة، وهناك أيضا الاستخدامات الأصيلة لمفردة "ثورة" في ميادين الأدب والفن والتكنولوجيا، وهي استخدامات سادت واكتسبت شرعيتها ليست على جهة المجاز بل على جهة التأصيل والجوهر.
بالعودة إلى تعريف الثورة في موسوعة علم الاجتماع نجد أنها تعني تلك ( التغييرات الجذرية في البُنى المؤسسية للمجتمع، التغييرات تعمل على تبديل المجتمع ظاهريا وجوهريا من نمط سائد إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وإيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، كما قد تكون سلمية، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية ). والواقع فإن هذا التعريف فضفاض وفقير المحصول علميا رغم إنه يؤكد بصواب، وربما لمرة الأولى، على أن العنف ليس شرطا ملازما للثورات، فهناك ثورات سلمية، وهذا ما ينطبق تماما على تفاصيل الحدث العربي في تونس وفي مصر أما في ليبيا فالأمر مختلف جوهريا. الثورتان التونسية والمصرية كانتا سلميتين لجهة نشاط وحركة الثوار وليس لجهة نشاط وحركة النظام القائم الذي استهدفه الثورة و الذي لجأ إلى أقصى درجات العنف المفرط وسفك الدماء. وبهذا تكف تلك التعريفات التي تشترط العنف لتسمية وتعريف "الثورة" عن الفعالية العلمية كتعريف البروفسور هاري ايكشتاين الذي يعرفها كالتالي ( محاولات التغيير بالعنف أو التهديد باستخدامه ضد سياسات في الحكم أو ضد حكام أو ضد منظمة ).
إنّ ما قلناه عن تعريف موسوعة علم الاجتماع للثورة يمكن أن يقال، ولكنْ بدرجة أخفّ عن التعريف الذي يخلص إليه الباحثان قادري سمية وشنين المهدي في بحثهما الشيق والغني "سوسيولوجيا الثورة" والذي نشر في خضم الربيع العربي. يقول الباحثان إنّ الثورة هي (أداة تطور تاريخي للمجتمعات الإنسانية ، فهي حدٌّ فاصل بين النظام القديم والجديد ، تحدث تغييرا جذريا للبناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الثقافي ، ويستهدف هذا التغيير إفراز منظومة تجسد مطالب الثوار وتحققها) وقلنا " بدرجة أخفّ " لأنه رغم طابعه التعميمي يلامس في العمق الماهية الفعلية للثورة المتحققة.
إن التصدي النظري العلمي لمصطلح ومفهوم الثورة لم يعد ترفا نظريا أو بطرا فكريا في الراهن العربي بل هو شأن مهم وعملي يمنح الثوار وأصدقاء التغيير الثوري المتصاعد سلاحا نظريا هم في أمس الحاجة إليه في هذا الصراع الضاري وفي وجه عدو مدجج بأكثر الأسلحة الإعلامية والنظرية خبثا و فاعلية.



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قانون جديد لاجتثاث البعث وتقليص المحكمة التي أعدمت صدام
- أوان الورد في كركوك.. نصرت مردان يوثق للصحافة والقصة العراقي ...
- مؤتمر يساريّي أميركا في العراق: ممنوع ذكر الاحتلال
- كركوك وخيارات المستقبل: مقترحات للحوار/ج4 والأخير
- صراعات الحكم من الشمال إلى الجنوب : بين آل البارزاني وبين ال ...
- بانتظار زيارة جوزف بايدن ..خرائط تقسيم العراق جاهزة
- الانقلاب البعثي في العراق: شيء لا يشبه شيئا !
- الاستفتاء على كركوك بين الشرعية الدستورية والاستحالة العملية ...
- الاتفاقية الأمنية : حساب السلب والإيجاب
- العراق: ساسة العرب السُنة يقيمون للشيعة إقليمهم!
- الدستور في قضية كركوك: هل كان عوناً أم فرعونا؟ /ج2
- مع قتل القذافي ..العراقيّون يستعيدون إعدام صدّام
- لتكن كركوك أنموذجا لعراق المستقبل والمواطنة الحقة !/ج1
- الشهرستاني يدافع عن صفقة -غاز البصرة -شِل- معترفا ضمنا بعيوب ...
- الحدث السوري بعيون عراقية
- مجلس السياسات المستعصي
- أسرار المشهداني لم تحرك ساسة بغداد
- المعلم التركي والدرس الكردي -غيرالعويص-
- هدايا كويتية -مسمومة- قد تطيح هوشيار زيباري
- تحذير لنائب المالكي يثير الذعر: العراق سيُحْرَم من نصف مياهه ...


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - إعادة الاعتبار العلمي لمصطلح -الثورة-