أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ضياء عيسى العقابي - الثورة السورية والعراق والربيع العربي والجامعة















المزيد.....



الثورة السورية والعراق والربيع العربي والجامعة


محمد ضياء عيسى العقابي

الحوار المتمدن-العدد: 3560 - 2011 / 11 / 28 - 08:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شئنا أم أبينا، فلقضية الثورة السورية، ولأية قضية مشابهة في أي مكان في العالم، خاصةً في أماكن النفط والثروات المربحة والمواقع الستراتيجية، وجهان: مبدئي وعملي.
مبدئياً: وبجميع المقاييس، يرمي الحقُ نفسَه بكامل ثقله إلى جانب الشعب السوري البطل المناضل، وهو لم يطالب سوى بحقه في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم خاصةً وهو ينوء تحت نظام حكم بعثي طغموي1 فاشي خَبَرَ العراقيون مثيلَه ولو كان أشد وطأةً منه. إن ما ينادي به الشعب السوري هي مطالب طبيعية كفلها البيان العالمي لحقوق الإنسان وأصبحت الديمقراطية النمط الأكثر قبولاً في العالم والمنطقة العربية بدءاً بلبنان (إلى حد ما2) والعرااق ثم تونس ومصر وليبيا والتآمر مستمر على طموح الشعبين البحريني واليمني.
عملياً: هنا تكمنُ، وللأسف، الشياطين، إذ لا يكفي توفًرُ الحق الإنساني الأخلاقي لنجاح ثورة الشعب السوري وأية ثورة أخرى، وهذا نتاج النظام السياسي العالمي قديمُه وحديثه، بل يتوجب توفرُ الشرط العملي أيضاً، وتحديداً توفر آلية ما لإزاحة النظام الحاكم الظالم. فما هي الآليات المتاحة أمام ثورة الشعب السوري لقلب الأوضاع وإنتزاع السلطة وما هي آفاقها وحظوظها في النجاح وما هي البدائل؟:
أولاً: النضال السياسي السلمي:
وهذا هو الستراتيجية المعتمدة حالياً من قبل ثوار سوريا. إن هذه الستراتيجية ترمي إلى مواجهة النظام سلمياً في الشوارع والأزقة وتقديم الضحايا لتحقيق أحد الأمور التالية:
1- إنهيار النظام تحت وطأة شعوره بالنبذ والذنب ومسؤوليته عن تعطيل الحياة العامة للبلد، وهذا ما لم ولن يحصل مع نظم حكم ليس لها أي قدر من الحياء والإنسانية وإحترام الشعب أو إحترام الرأي العام الإقليمي أو العالمي، خاصة وأن النظام السوري، كغيره، يلتمس الأعذار لنفسه بالقول إنه ليس أول نظام قتل هذا القدر من الشهداء. وقد يجد الإرتياح عندما يشير إلى ضحايا الثورة الكردية وإنتفاضة ربيع عام 1991 الشعبانية في العراق3 وضحايا الثورتين المصرية والليبية الأخيرتين؛ كما إنه يهوِّن على نفسه بالقول إنه ليس النظام الوحيد في العالم (حتى على صعيد الدول المتقدمة) الذي يتصف بالنفاق والكذب، وقد يستشهد بقمع الثورة البحرينية بدبابات السعوديين والخليجيين والتواطؤ الأمريكي والغربي معهم. زد على هذا قناعتَه بأنه يلعب دوراً أساسياً في صراع الشرق الأوسط (والقضية الفلسطينية تشكل لب هذا الصراع) مما جعله مستهدفاً من قبل أعدائه، وهو أمر لا يستطيع أحدٌ نكرانَه. لكن النظام السوري يذهب إلى أبعد من ذلك فيدَّعي بأن الإنتفاضة الشعبية هي من فعل وتأجيج أولئك الأعداء وهو إدعاء عارٍ عن الصحة بالطبع.
2- التسبب في دفع قوات الشرطة وأجهزة الأمن وبالأخص الجيش إلى الإنشقاق عن النظام والإنتفاض عليه؛ وهذا ما لم يحدث بقدر هام وفعال لحد الآن في سوريا ولا توجد بوادر لحصوله على نطاق واسع؛ وتقف وراء ذلك أسباب سياسية ووطنية ومصلحية علماً أن الخبير العسكري المصري اللواء طلعت مسلَّم قد أفاد في فضائية الجزيرة قبل أسبوعين بأن الجيش السوري ومنذ عام 2005 قد أصبح جيشاً مهنياً ذا قدرات قتالية وتسليح صاروخي جيدين يحسب لهما حساب في إطار الصراع العربي الإسرائيلي وأي صراع آخر.
أعتقد أن قادة الجيش السوري يساورهم الشك، كما يساورني شخصياً، في دوافع أوربا وأمريكا لتأييد الثورة السورية. فليست سوريا بدولة نفطية ولا يمكن أن يكون الجانب الإنساني وعشق الديمقراطية هما السببين الوحيدين أو الأكثر أهمية لحماسهما. لذا لا يبقى مجال للشك لدى القادة العسكريين بأن القدرات العسكرية السورية هي المستهدفة لإنهاء صراع الشرق الأوسط (أي القضية الفلسطينية) وفق التصور الستراتيجي للغرب وإسرائيل، كما سآتي عليه فيما بعد.
كما إن القادة العسكريين السوريين قد يُدهشُهم، كما يدهشني ويدهش الكثيرين، وقوفُ النظام السعودي إلى جانب ثوار سوريا في الوقت الذي وقف ويقف فيه هذا النظام على طرفي نقيض من حقوق الإنسان والديمقراطية سواءاً بالنسبة لشعبه أو بالنسبة للعراق الجديد الديمقراطي وبالنسبة للثورتين التونسية والمصرية ومن ثم إحتلال البحرين عسكرياً لإخماد ثورته، والمناورة لإجهاض الثورتين الليبية واليمنية.
وربما يلاحظ هؤلاء القادة العسكريون السوريون بأن موقف النظام السعودي من ليبيا لم يكن من باب إحترام الشعب الليبي وطموحه الديمقراطي، بل جاء بسبب العداء الشخصي بين القذافي والأسرة الحاكمة السعودية التي طالما إتهمها القذافي بالعمالة ومعاداة العرب وقد أطلقَ التحقيرَ العلني لملكهم في قمتين عربيتين. وللحق فإن القذافي، رغم سوءه في نواحٍ عديدة أخرى، فقد كان على حق فيما يخص النظام الشمولي المتخلف الحاكم في السعودية. أخص بالذكر مقترح القذافي بوضع إدارة مكة المكرمة والمدينة المنورة بيد منظمة المؤتمر الإسلامي.
هذا بالإضافة إلى إحتمال تقديم تنازلات لأمريكا والغرب لمساعدة النظام السعودي بالمقابل على تنفيذ، ولو جزئياً، مشروع سعودي خفي يذهب إلى أبعد من المشروع الأمريكي الأوربي المنوه عنه أعلاه، يرمي إلى إدخال المنطقة في دوامة من الصراعات السنية – الشيعية هدفُها طمس معالم الصراع الحقيقي الذي يدور حول حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو المشروع الذي ترهبه السعودية وتحاول حرفه وتوفير غطاء من الدخان الكثيف لحجبه والنجاة بجلد نظامها الشمولي المتخلف الذي سترتفعُ، توقعاً، الأصوات عالياً في داخل السعودية وفي شتى أنحاء العالم بإنهائه عندما تستقر أوضاع العراق وديمقراطيته وديمقراطيات الربيع العربي ويرتفع إنتاج العراق النفطي ليُنهي الإبتزاز النفطي- السياسي السعودي.
لا أريد أن أقول أبداً أن إدراك القادة العسكريين السوريين لهذه المخاوف تجعل منهم ديمقراطيين ومؤيدين لحقوق الإنسان، بل أُريد أن أقول إن قلقهم الوطني والقومي قد يحول دون إنضمامهم للثورة بل قد يؤدي إلى معاداتها، وربما يولد لديهم قناعةً، في أحسن الأحوال بالنسبة للثوار، بضرورة الحوار بين الحكومة والثوار على أساس برنامج ديمقراطي حقيقي يقول المسؤولون الروس إن النظام السوري قد باشر بطرحه فعلاً، حسبما نقلت فضائية الجزيرة.
إذا كان هناك من يشير إلى نجاح الثورتين التونسية والمصرية في تحييد الجيشين في البلدين، فهذا، بتقديري، غير دقيق لأنه، أي التحييد، قد نجم عن مقدرة أمريكا على التأثير ليس على حكومتي هذين البلدين العربيين ومنعهما من إستخدام القوات المسلحة ضد الثوار وحسب، بل التأثير حتى على جيشيهما أيضاً وبشكل مستقل ومباشر أي بعيداً عن الحكومتين، كما أوضح خبراء أمريكيون في فضائية الحرة عدة مرات. تدخلت أمريكا لثني الحكومتين عن مواجهة الشعبين الثائرين ودفعت بإتجاه تحييد الجيشين ومنع إستخدامهما من قبل الحكومتين، بعد أن إقتنعت، ومعها الغرب، بقدرتهما على إحتواء وتوجيه هتين الثورتين الشعبيتين الحقيقيتين نحو المسار الذي تتطلبه الستراتيجية الغربية التي سأتناولها لاحقاً. قدَّرَ الغرب، كما يبدو، أن الإحتواء والتوجيه سيتمان عبر تأثير مجموعة عوامل في مسيرة الثورتين، وهي: تأثير الجيشين، وتأثير الطبقة الإجتماعية - الإقتصادية التي إرتكز عليها النظامان السابقان، وتأثير بعض احزاب المعارضة، وأخيراً تأثير الفكر الوهابي المدعوم بالمال السعودي. لقد بانت واقعية التقديرات الغربية واضحةً مما نشهده حتى اليوم من صراعات على الساحتين المصرية والتونسية بين الثوار وبين هذه القوى المذكورة4، وخاصةً الجيش الذي أمسك بزمام الأمور.
وحتى الجيش الليبي فقد تفكك جزئياً؛ ورغم ذلك فما تبقى للقذافي منه كان قادراً على ذبح الثورة الليبية الشجاعة لولا تدخل الحلف الأطلسي تحت غطاء الأمم المتحدة وتحطيم القدرات العسكرية المتبقية للقذافي، أي ذهبَ الحلف إلى أبعد من تخويل مجلس الأمن له لحماية المدنيين، وهو ما أثار غضب روسيا والصين وبعض الدول الأخرى معتبرين ذلك من باب البحث عن مصالح ستراتيجية نفطية بالمقام الأول، الأمر الذي إنعكس على الموقف من الثورة السورية بإتجاه عدم سماح روسيا والصين بتكرار التجربة الليبية في مجلس الأمن. لذا لم يَصدر أيُّ قرار إدانة من الأمم المتحدة بحق النظام السوري وقمعه بسبب هذه الممانعة الروسية الصينية إلا قبل أيام أي في 23/11/2011، إذ أن هتين الدولتين تدركان، كما أرى، بأن لسوريا موقعاً ستراتيجياً حساساً ومحورياً في منظومة الأمن العربي والصراع العربي الإسرائيلي بالذات، وتنظران إلى التوازن الستراتيجي العالمي أيضاً.
3- الحصول على مساندة الدول الإقليمية والعالمية لإتخاذ خطوات عملية أبعد من الإدانة السياسية والإنسانية مثل فرض عقوبات إقتصادية، تجميد أرصدة، تحديد حركة المسؤولين وغيرها. قد تكون هذه الإجراءات محدودة الأثر لأن سوريا عاشت منذ عقود وهي ليست في موقع المحتفى به في الأوساط المالية والتجارية العالمية بسبب موقفها من إسرائيل وتحالفها مع إيران ورعايتها لمنظمات الممانعة العربية كحماس والجهاد الإسلامي وحزب الله. هذا وقد أفاد خبير إقتصادي لبناني في فضائية الحرة قبل بضعة أشهر بأن النظام السوري قد حقق إصلاحات إقتصادية خلال أربع سنوات بقدرٍ لا تستطيع تحقيقَه دولٌ عربية أخرى بعشرين سنة. قد تفسر، جزئياً، هذه المعلومة والمعلومة العسكرية التي ذكرها اللواء طلعت مسلَّم حقيقةَ عدم تحمّس برجوازية المدن والجيش للثورة.
ثانياً: النضال المسلح:
ترمي ستراتيجية الحرب الأهلية هذه، إلى تحقيق أحد ثلاثة أهداف هي:
1- دحر الأجهزة الأمنية والجيش النظامي السوري وفرض الإستسلام عليها، وهذا مستبعد جداً.
2- تحفيز قوى الأمن والجيش السوريين إلى الإنشقاق والتمرد والإنقلاب على الحكومة والنظام، وهذا إحتمال مستبعد أيضاً، حسب التحليل الوارد في الفقرة السابقة.
3- وَضْعُ المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع بأمل فرض التدخل العسكري الخارجي بعد محاصرة وإسقاط الممانعة الروسية الصينية في مجلس الأمن بإحراجهما عربياً وعالمياً وداخل بلديهما. أولاً: لا توجد إمكانية لسلاح الثورة كي تُدفع الأمور إلى هذه المرحلة المتقدمة . ثانياً: حتى لو قامت حرب أهلية إفتراضاً، فقد لا يجد العالم منفعة من التدخل فيها لأن الإقتتال والدمار سيحققان الهدف المطلوب. وإذا حصل تدخل فسيتم، بتقديري، عن طريق الهجوم الجوي على النمط الليبي المشدد وسآتي على هذا السيناريو لاحقاً. ثالثاً: لا تساعد الأوضاع الدولية الراهنة على إنفراد أية دولة أو مجموعة دول من التدخل العسكري في سوريا دون الحصول على غطاء قانوني من مجلس الأمن.

خلاصةً: لا تتوفر الإمكانيات العملية لنجاح هذه الستراتيجية لا من الناحية اللوجستية بخصوص عدم توفر السلاح ولا من ناحية توفر الخبرات المهنية العسكرية، والشعب يواجه آلة قمعية مهنية متمرسة عنيفة وميليشيات حزبية تابعة للحزب الطغموي الحاكم (حزب البعث) الذي لا تظهر مؤشرات واضحة على تفككه مثلما تفككت حركة اللجان الثورية الليبية.
وإذا ما تطوعت إحدى الدول المجاورة لتزويد الثوار بالسلاح فستكون تركيا، لا غير، المرشحةَ للعب هذا الدور، إذ لديها القدرة على تهريب السلاح إلى الداخل السوري، لكنني أشك في توفر الإرادة السياسية لديها في الوقت الحاضر على الأقل، لأن القرار خطير ويقود إلى حرب أهلية لا تتقبلها نسبة مهمة من الثوار السوريين أنفسهم إضافة إلى معظم شعوب وحكومات المنطقة والعالم خوفاً من التداعيات اللاحقة، علاوة على موقف إيران؛ وهذه الأمور قد تثبط عزيمة تركيا الطامحةِ إلى لعب دور الداعم للسنة في المنطقة حسب رأي بعض المراقبين، علماً أن تركيا تضم أقلية علوية بنسبة غير قليلة وأتوقع أن تكون متعاطفة مع العلويين السوريين الذين ينتمي إليهم الرئيس السوري بشار الأسد. هذا في الوقت الذي تشير فيه بعضُ التقارير إلى بروز نغمات وأفعال طائفية من جانب بعض الثوار المنتمين، إفتراضاً، إلى فصائل إسلامية أصولية. ذكرت صحيفة النهار اللبنانية المناوئة للنظام السوري بأن قتلاً قد جرى على الهوية. وذكرت مصادر أخرى أن شعاراً ردَّده البعضُ مفعمٌ بالطائفية ومسيءٌ للثورة، تقول كلماته : "العلوي على التابوت والمسيحي على بيروت".
ربما ينظر القادة العسكريون السوريون بريبة إلى الدور التركي أيضاً كريبتهم من الدورين الأمريكي- الأوربي والسعودي. فتركيا لها معاهدة سرية مع السعودية لمحاربة "المد الشيعي" كشَفَتها وكالةُ الإستخبارات الأوربية عام 2007. وقد يقود هذا إلى الإعتقاد بتورط الحكومة التركية في المخطط السعودي الذي أشرتُ إليه قبل قليل ما يعني إثارة صراع جديد في المنطقة (سني – شيعي) يستنزف العرب ومواردهم خلال القرن الجديد مثلما خطط الإمبرياليون وعملاؤُهم من صهاينة وحكام عرب للمأساة الفلسطينية التي إستنزفت المنطقة خلال القرن الماضي، وهذا ما يرفضه الحس القومي لدى الجماهير السورية بضمنها الجيش.
وإذا قيل إنه إذا نجحت الثورة السورية فسوف تحجم عن الدخول في هكذا صراعات، ينبغي التذكير بأن سوريا "المحررة" بموجب السيناريو السعودي – التركي – الأمريكي، ستكون منهكة ومستنزفة عسكرياً وإقتصادياً ما يجعلها رهينة للمال السعودي والضغوط الأمنية الإسرائيلية التركية. وقد تجد سوريا نفسها مكرهةً بضغط النظام السعودي على الدخول في إطار دولة جديدة تضم سوريا وغرب العراق والموصل وربما الأردن ليبدأ الإقتتال. سآتي إلى تفاصيل هذا السيناريو لاحقاً عند بحث المشروع المستقبلي السعودي.
أعتقد أن هناك رغبة لدى بعض أوساط قوى 14 آذار اللبنانية لتهريب السلاح إلى سوريا بدفع من السعودية وتملقاً لأمريكا وفرنسا. غير أن الإمكانيات ضعيفة نظراً للمراقبة السورية الصارمة.
لا أرى أية إمكانية لتهريب السلاح من إسرائيل عبر الجولان المحتل أو منها ومن غيرها عن طريق البحر، وهذا الإحتمال مرفوض من قبل الثوار والحكومة.
كما لا أرى أهمية لحجم سلاح قد يقوم التكفيريون في العراق بتهريبه إلى الداخل السوري.
وعلى كل حال فإن تسليح ثورة الشعب السوري قد ترتد سلباً على الثورة لأنها ستوفر الذريعة للسلطة لتصعيد القمع وتوسيعه وكسب دعم داخلي وخارجي، خاصةً إذا تبين أن السلفيين الذين كانوا يهربون السلاح والإرهابيين إلى الداخل العراقي، بتنسيق سعودي سوري، أصبحوا يهربونه بعكس الإتجاه.
ثالثاً: التدخل العسكري الخارجي:
كنتُ أظن أن النظام البعثي الطغموي العراقي كان الوحيد الذي تنطبق عليه مقولتي التي طالما ردَّدتُها وهي أن النظام قد بلغ حداً من الحصانة القمعية والإفسادية بحيث لم يعد قادراً على إطاحته إلا الله أو أمريكا. غير أن الواقع قد أثبتَ أن كافة النظم العربية تتميز بهذه السمة المرعبة؛ وبالفعل كان تدخل أمريكا بصورة أو أخرى هاماً حينما أُطيح ببعض النظم كما بينتُ أعلاه؛ بينما أُجهضت ثورةُ البحرين العريقة عن طريق الإحتلال العسكري السعودي الخليجي للبحرين بسبب سعة تلك الثورة شعبياً وعجز الحكومة البحرينية عن حماية نظامها الدكتاتوري رغم قمعها الوحشي. جرى هذا بسبب عدم رغبة أمريكا في سقوط النظام البحريني لوجود قاعدة بحرية لأحد الأساطيل الأمريكية في البحرين وبسبب العلاقات السيئة بين أمريكا وإيران، علماُ أن ذريعة التدخل الإيراني قد إستخدمها النظام البحريني والسعوديون لتبرير قمع الثورة5.
كما إن أمريكا إلتزمت الصمت تقريباً تجاه حكومةَ علي عبد صالح اليمني بفعل التأثير السعودي الذي إزداد إرتعاباً منذ إطاحة النظام البعثي الطغموي في بغداد ونشوء النظام الديمقراطي الجديد هناك. لدى أمريكا القدرة "الناعمة" القادرة على إطاحة النظام اليمني لو أرادت. غير أن النظام اليمني يثبت، مرة أخرى، بأن الحكام العرب بلغوا حد الإستعصاء على الجماهير لإطاحتها إلا بمعونة الأمريكيين بالذات.
وتنطبق نفس هذه الأطروحة على الوضع السوري. فالثورة السلمية في سوريا مشتعلة منذ ثمانية أشهر ولم تستطع الإنتصار رغم مناصرة أمريكا والغرب والسعودية وتركيا لها سياسياً ودعائياً وتحريضياً، وكذلك مناصرة كل مؤيدي حقوق الشعوب في الحرية والديمقراطية في المنطقة والعالم. هنا تجد أمريكا نفسها عاجزة عن لعب دور مشابه لدورها في حالتي الثورتين المصرية والتونسية لأن أمريكا لا تملك تأثيراً لا داخل النظام السوري السياسي ولا داخل المؤسسة العسكرية، الأمر الذي يقتضي منها إستصدار قرار من مجلس الأمن وهو ما لايمكنها الحصول عليه بسبب الممانعة الروسية الصينية بسبب التجربة الليبية كما أسلفتُ.
خلاصةً، إندلعت الثورة السورية بإرادة شعبية سورية خالصة وتقع المسؤولية الكاملة على النظام البعثي السوري الذي كان ينبغي عليه تقديم التنازلات للشعب على الأقل بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية وإشتعالها في البحرين واليمن وليبيا؛ أو الإعلان عن التوجه إلى صناديق الإقتراع حال إشتعالها في سوريا خلال فترة يتفق عليها مع المعارضة وعلى أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان وضمانة الجامعة العربية. غير أن هذا وللأسف لم يحصل بسبب طبيعة النظم الدكتاتورية العربية وبالأخص النظم البعثية6.
أعتقد أن معظم أبناء الشعب السوري بضمنهم معظم الثائرين لا يريدون، بحق، التدخل الأجنبي. لكنني غير واثق من موقف بعض قيادات المعارضة السورية، إذ رصدتً ما يلي من المواقف، حول هذه القضية وغيرها، التي لا تبعث على الإطمئنان:
- تصريحات عدد من قياديي المعارضة توحي بأنه يتخذ موقف "المشتهي أُومستحي" أو "المشتهي أُوخايف" فهو يريد حماية المدنيين والحماية الخارجية ولكنه يرفض التدخل العسكري وهما أمران متناقضان.
- دعوات تدعو إلى فرض حظر جوي على سوريا لحماية المدنيين علماً أن الجيش السوري لم يستخدم الطيران في قمع الثورة مثلما عزم القذافي على إستخدامها ضد ثوار بنغازي الذين هددهم بالفناء فأوقفته طائرات حلف الناتو الحربية.
- طمس الحقيقة حول موقف سوريا من إسرائيل إذ إعتبر البعض أن النظام حارس للحدود الإسرائيلية؛ وهو أمر غير صحيح إذ أن قرارات الحرب والسلم مع إسرائيل هي قرارات عربية تتجاوز سوريا وغير سوريا على إنفراد، لأن إسرائيل أُعطيت من القدرة العسكرية ما تفوق قدرات الدول العربية مجتمعة. إذا أراد ذلك البعض أن يتملق لأمريكا وإسرائيل بهذه التهمة فهذا أمر خاطئ ومضر بالمصالح القومية وبسمعة الثورة الديمقراطية السورية، علماً أن دور الجيش السوري يختلف عن دور الجيش العراقي بعد تشويهه على يد النظام الطغموي والذي تم حله غير مأسوف عليه.
- في الوقت الذي تؤكد فيه الثورة على سلميتها ينبري البعض إلى مباركة المنشقين على الجيش وهجماتهم على منشآت الدولة والجيش السوري.
- إذاعة أخبار غير صحيحة من قبيل ما ذكره مسؤول ثوري في الداخل عبر فضائية الجزيرة يوم 23/11/2011 عن إحتفال الثوار في سوريا لإعتراف بريطانيا وفرنسا بقيادة المعارضة كممثلة للشعب السوري وهو أمر غير صحيح؛
- اللعب على الوتر الطائفي مثل إتهام ذلك المسؤول نفسه (في الفقرة السابقة) جيشَ المهدي (العراقي) بمساعدة النظام السوري على قمع الإنتفاضة، وهي كذبة روَّجها محافظ الأنبار لأهداف معروفة لعب فيها على الوتر الطائفي. فلا النظام السوري بحاجة لدعم أنفار قادمين من العراق أو لبنان أو إيران، ولا التيار الصدري بهذه الرعونة والسذاجة. ردَّ السيد مقتدى الصدر على محافظ الأنبار بتخويله إلقاء القبض على هؤلاء عند مرورهم في محافظته أو عند الحدود التي تقع تحت قاطع مسؤوليته وليفعل بهم ما يشاء ويعرضهم على الجمهور، ولم يفعل لحد الآن. إن مثل هذه الإتهامات الفارغة تسيء إلى الثورة وتمنح المصداقية للتقارير التي تتحدث عن النفس الطائفي الخطير كالقتل على الهوية مثلما نشرت صحيفة النهار اللبنانية، أو ما أشيع من إطلاق شعار "العلوي على التابوت والمسيحي على بيروت".
- هناك من القياديين وخاصة من بين الإسلاميين من يتوعد بشن حرب على إيران. هذا موقف يسئ للثورة السورية سواءاً قيلت هذه الكلمات عن عاطفة مبنية على الإفتراضات أو عن شعور طائفي أو تملقاً لأمريكا وغيرها.
- رُفعت شعارات متطرفة تسيء إلى الثورة ذاتها خاصة وأن بعض المراقبين على الصعيد الدولي يرصدون بعص المظاهر ويضعونها أمام أنظار العالم. أدناه بعض التعليقات بشأن الوضع السوري أدرجها للتنبيه إليها عسى أن تتم ملافاتها: 1- قال مساعد لوزير دفاع أمريكي سابق بأن العلويين في نظر كثير من أهل السنة هم كفرة يستحقون الموت وهذا بدوره سيجعل العلويين في سوريا يستميتون دفاعاً عن أرواحهم، وتكهَّنَ ذلك المساعد أن يحصل حلٌ وسط يرحل بموجبه بشار الأسد ولكن الجيش يبقى على ما هو عليه كضمانة أمنية للعلويين (فضائية الحرة). 2- قال جوناثان ستيل في صحيفة الغارديان البريطانية: إذا كان الثوار يتوعدون بشار الأسد بالموت دون محاكمة، أما يكون طبيعياً أن يستميت الأسد ويقاتل حتى النهاية بدلاً من الإستسلام؟. 3- كان يُفضَّلُ، من وجهة نظري، لو مارس قادة الثورة السورية الضغط على الجامعة العربية لإتخاذ منحى يساعد على إنتزاع تنازلات من النظام بدلاً من مواقفها الإستعراضية الإستفزازية التي دفعته إلى العناد كما حدث مع القذافي . جاء في موقع فضائية الجزيرة: "أكد أسقف طرابلس المونسنيور جوفاني مارتينللي الذي ولد في ليبيا وعاش فيها خلال الـ 40 سنة الماضية، أن العقيد الراحل معمر القذافي كان مستعدا للتفاوض "لو أنه أتيحت له فرصة إنقاذ ماء الوجه"."
حسب ما ظهر من تقارير فإن حلف الناتو أفشل محاولات أفريقية أمريكية جنوبية لإقناع القذافي بالتنازل. أعتقد أن أوربا المهتمة بنفط ليبيا أرادت التدخل لتحجيم من تريد تحجيمه من القوى السياسية الليبية لخدمة المصالح النفطية الغربية.

بلغ الوضع حالةَ الإصرار على إسقاط النظام من جانب الثوار وبجانبهم الحق المبدئي المطلق رغم رفضهم الغامض للتدخل العسكري الخارجي، ولكنهم غير قادرين على إطاحة النظام؛ وبلغ حالةَ التعنت من جانب الحكومة رغم تقديمها التنازلات بالقطارة. وبات هناك، حسب التحليلات المبحوثة أعلاه، حلّين لا ثالث لهما: أما التصالح على أساس الأخذ بالنظام الديمقراطي وإحترام حقوق الإنسان بشكل جاد وموثق، وهما المطلبان الأساسيان للثورة الشعبية وبذلك يتم تجنيب سوريا ويلات الحرب والدمار وإرتهان السيادة والإستقلال؛ وأما التدخل الخارجي الذي سيتطور حتماً إلى تدخل مسلح بغض النظر عن موافقة أو معارضة قيادة الثورة، وبذلك سيتحمل البلد أعباء وتبعات سيناريو العمل العسكري؛ وسيتحمل الطرفان (الحكومة بمستوى الإجرام والثوار بمستوى الحماقة) مسؤولية جعل سوريا ألعوبة تتقاذفها مشاريع متنوعة مدمرة لها وللعرب وللمنطقة برمتها، كما تم شرحه سلفاً وسأزيدها تفصيلاً فيما بعد.ً
لا أرى إمكانية عملية لإستمرار الثورة على وتيرتها وأسلوبها الحاليين حتى يسقط النظام دون تدخل خارجي، لأن الأمور ستؤول لسبب أو آخر إلى تدخلات خارجية ويأخذ الحل الثاني المنوه عنه أعلاه مجراه. وها هي الجامعة العربية تصدر توصية (توصية وليس قراراً والشكر للعراق ولبنان والأردن)، مع هذا فالتوصية قد تفتح باباً للتدخل الخارجي. قد يستشهد البعض بحالة الثورتين اليمنية والبحرينية إذ بقيتا مستمرتين. هنا ينبغي التذكير بليونة أمريكا أزاء حكومتي البلدين وبالإحتضان التام لدول الخليج لهما موفرين الدعم المادي والمعنوي ولصق التهم بالثوار خاصة في البحرين التي أُحتُلَّت عسكرياً وبعد القمع عادوا وأخذوا العنب وتركوا السلة الفارغة للشعب بتقرير لجنة بسيوني. أما الموقف من سوريا فأمر آخر.
وإذا طرح بعض الثوار مخاوف مشروعة من إحتمال إنقلاب النظام والتنكيل بالثوار والثورة بعد زوال سكينها عن رقبته، فهذا تمكن معالجته عن طريق نشر مراقبين من الجامعة العربية وإستحصال تعهد صارم وضمانات كافية مسبقاً من النظام.

إنها لمن الحماقة الكبرى محاولةُ إستنساخ التجربة العراقية في إطاحة النظام البعثي الطغموي، فهناك فوارق جوهرية بين الحالتين العراقية والسورية ما تجعل الإستنساخ الآلي للتجربة كريهاً ومرفوضاً، إذ لا أرى مسوغا له، وهذا لا يناقض ما دأبتُ على طرحه وما أزالُ من أن النظام العراقي لم يعد قادراً على الإطاحة به سوى الله أو أمريكا. أدرج فيما يلي الفوارق بين الحالتين:
- ليس النظام البعثي السوري مطابقاً للنظام البعثي العراقي من حيث كيان حزب البعث وطبيعته ودوره في الدولة والمجتمع،
- لا يتشابه النظامان من حيث مستوى العنف والإجرام7 ولم يكن البعث السوري متورطاً في سياسة تطهير عرقي وطائفي ممنهجة ومبرمجة للشيعة والأكراد8 (يشكلان أكثر من 80% من سكان العراق)؛
- إذا إعترف النظام البعثي السوري الطغموي بصورة غير مباشرة بالثورة ورضخ للتعامل مع الجامعة العربية حولها وقبَل مبادرة الجامعة ولو بالإدعاء أو تحايلاً؛ وحدد القياديين فقط وإتهمهم بالتعاون مع الأجنبي (وهي تهمة باطلة) فإن النظام العراقي أنكر وجود مشكلة مع شعبه أصلاً وأنكر وجود معارضة وقال: "ليست لدينا معارضة بل يوجد خونة" على حد ما نقل السيد عبد الرزاق عيد، ألمنسق العام لمنطمات المجتمع المدني السورية (والقيادي البارز في الثورة السورية الحالية)، عن طارق عزيز نائب الرئيس العراقي صدام عند زيارته دمشق قبل سقوط نظامه ومبادرة وفد المنظمات إلى الإجتماع به ودعوته كممثل للحكومة العراقية إلى "التصالح مع الشعب والمعارضة" (صرح بهذا السيد عبد الرزاق عيد في إحدى الفضائيات العربية، وربما كانت فضائية الجزيرة على أغلب الظن).
- الأهم من ذلك، لا يمتلك الشعب السوري الآلية التي إمتلكها العراقيون والتي مكّنتهم من إنهاء الإحتلال، وهي تَوَحُّد ما أُقَدِّرُه ب 90% من ديمقراطيي الشعب العراقي، دينيين وعلمانيين ومن جميع مكونات الشعب، حول مرجعيتي النجف وكردستان في موضوع الأخذ بالنظام الديمقراطي الفيدرالي وإنهاء الإحتلال؛
- لا تمتلك سوريا الثروة البترولية الكبيرة التي يمتلكها العراق والتي تخشى أمريكا والغرب أن تُضاف إليها ثروة إيران النفطية لتصبح قوة ردع هائلة في حالة الضغط غير المنصف على العراق الديمقراطي، كمحاولة تقويض أو تشويه ديمقراطيته، ودفعه إلى التحالف مع إيران رغم إرادته. بتقديري، رغم أن أمريكا هي التي ورطت صدام بدفعه وإغرائه على إحتلال الكويت عام 1990 لأغراض ستراتيجية، إلا أنها إستطاعت إقناع المجتمع الدولي بضرورة التحالف العسكري لإخراج صدام من الكويت لأنه لو بقي لسيطر على 11% من نفوط العالم.
- عدم إمتلاك سوريا الثروةَ النفطية التي يمتلكها العراق سيجعل الخراب الإقتصادي والأمني بالغاً ولا يمكن تجاوزه في فترة قصيرة ما يجعل سيادة سوريا وإستقلال قرارها مرهونين للمال السعودي وأمنها مرهوناً بيد إسرائيل وتركيا.
- أعتقد أن السيناريو المعد لسوريا يختلف عن ذلك الذي طُبق في العراق بإختلاف الدافع الستراتيجي للتحرك الخارجي في كلتا الحالتين. فالتدخل العسكري في العراق إتخذ شكل الإحتلال لأنه كان بدافع إقتراب أمريكا من منابع البترول للي ذراع أوربا الغربية وغيرها للقبول بوضعية القطب الأوحد الذي نتج عن تفكك الإتحاد السوفييتي وإنتهاء الحرب الباردة. أما التدخل الخارجي في الحالة السورية فسيقتصر، بتقديري، على هجوم جوي وصاروخي عنيفين جداً لتدمير الجيش السوري الذي هو بلا شك حجر عثرة في مسيرة "حل" القضية الفلسطينية (المسماة قضية الشرق الأوسط) وفق المصالح الإسرائيلية وإنتهاك حقوق الشعب الفلسطيني.
خلاصة، أعتقد أن تأييد الغرب للثورة السورية ليس نابعاً من منطلق إنساني وحسب بل يتصل أساساً بإزالة أحد المعوقات الرئيسية، المتجسد بالجيش السوري، الذي يقف حجر عثرة في طريق مشروع الغرب الستراتيجي لعالم ما بعد الحرب الباردة والمستند إلى العولمة مع ضمان أمن إسرائيل وبعض مصالحها غير المشروعة.
هنا جاء دور الجامعة العربية التي إعتبرَها الغربُ الوسيلةَ الملائمة لحمل روسيا والصين على تغيير موقفهما والسماح بالتدخل الدولي في سوريا تفادياً لإحراجهما. كما إن روسيا والصين وآخرين وجدوا في الجامعة الوسيلة الملائمة لإجراء مصالحة بين الحكومة السورية والمعارضة على أساس تلبية مطالب الشعب السوري وعلى رأسها الحرية والديمقراطية وبذلك يتم تجنيب سوريا التدخل العسكري الخارجي والمآسي المترتبة عليه. غير أن الجامعة إنتصرت، برأيي، للفريق الأول أي لأمريكا وأوربا فامتدحاها؛ وخذلت الفريق الثاني فإنتقدها، كما سنرى.
طرحت الجامعة العربية مبادرة لحل القضية السورية حلاً سلمياً وأمهلت الحكومة السورية مدة محددة للتنفيذ. وفي نهاية تلك المدة إعتبرت الجامعة العربية، على مستوى وزراء الخارجية، بأن الحكومة السورية قد أخفقت في الإيفاء بإلتزاماتها، لذا أصدرت قراراً بتعليق عضوية سوريا في الجامعة إذا لن تستجيب الحكومة في موعد أقصاه الأربعاء 16/11/2011. أيد هذا القرار 18 عضواً وعارضه كل من سوريا ولبنان واليمن وإمتنع العراق عن التصويت. عادت الجامعة يوم الأربعاء وأمهلت الحكومة السورية ثلاثة أيام أخرى وإلا فستجمد عضوية سوريا. ووسط الضغوط أجلت الجامعة العربية إتخاذ قرار تريده قطر والسعودية ومن ورائهما. بتأريخ 24/11/ 2011 صرح السيد هوشيار زيباري وزير خارجية العراق بقبول الحكومة السورية ببروتوكول الجامعة حول إرسال مراقبين عرب للإطلاع على الأوضاع وتقييمها، مع تهديد رئيس وزراء قطر بتحويل الموضوع إلى مجلس الأمن (أي التهديد بالتدخل العسكري الأجنبي).
لوحظ ما يلي من مواقف الأطراف المتعددة حيال تلك المبادرة:
- قبول الحكومة السورية للمبادرة من حيث المبدأ ولو أنها لم تنفذها خلال الفترة المحددة،
- إشترطت المعارضة تنحي بشار الأسد أولاً وقبل إنطلاق أي حوار،
- ناشدت الولايات المتحدة الثوار السوريين لعدم تسليم أنفسهم أوأسلحتهم إلى السلطات السورية وأطلقت تصريحات لم تساعد على تهدئة الأجواء وحفظ ماء وجه النظام لتسهيل مهمة تراجعه وتقديم التنازلات. وإتهم وزير الخارجية الروسي السيد لابروف الغرب بتأجيج الموقف ومنع المعارضين السوريين من الحوار مع الحكومة (فضائية الحرة في 21/11/2011).
- كان طرح المبادرة من قبل الجامعة طرحاً إستفزازياً للحكومة السورية لم ينم عن جهد جاد لإقناع وحمل الحكومة والمعارضة على الحوار مع إفهامهما بأن المفاوضات والحوار لا يتمان بين المتصالحين بل يتمان بين المتخاصمين لذا فلا مجال للشروط المسبقة كالمطالبة بتنحي بشار الأشد أولاً. كما لم تبذل الجامعة أي جهد لإقناع المعارضين بقبول المبادرة.
- كان موقف الجامعة من ثورتي البحرين واليمن بعدم تحريك ساكن أزائهما وبما يتلائم ورغبة الغرب على عكس تحركها في الوضع الليبي بما يلائم رغبة الغرب، قد أثار شكوك النظام السوري.
- تسترعي الإنتباه ظاهرتان: 1- خروج تظاهرات لصالح النظام البعثي الطغموي السوري في أنحاء من سوريا لا يمكن إعتبارها كلها نتاج تدبير قسري وإجبار، وقد أكد هذا الرأي الصحفي جوناثان ستيل في صحيفة الغارديان البريطانية يوم 18/11/2011. 2- تماسك الجيش السوري وتماسك حزب البعث الحاكم والمسؤولين السياسيين السوريين دون إنشقاقات ذات أهمية لحد الآن؛ وأتوقع أن قرار الجامعة العربية الأخير، الذي قد يشكل بدايةً لفتح الباب أمام التدخل الخارجي، قد يزيدهم إلتحاماً بدلاً من تفككهم .

هنالك ملاحظات تفرضُ التوقفَ عندها وإمعانَ النظر فيها وهي:
أولاً: كان على الجامعة العربية منذ البداية أن تدرك بأن الثورة في أي بلد عربي (عدا البحرين لذا قمعت الثورة بالإحتلال الأجنبي) غير قادرة على النجاح دون تدخل خارجي. فهل حسبت الجامعة، التي قادتها قطر ظاهرياً والسعودية باطنياً (وأمريكا حقيقياً)، بأن عدم حمل الطرفين السوريين، أي الحكومة والمعارضة، على التصالح على أساس برنامج ديمقراطي حقيقي من شأنه أن يفتح الباب واسعاً أمام التدخل الأجنبي المسلح، بل هو دعوة لهذا التدخل؟
ثانياً: أما كان منطقياً أن تطلب الجامعة العربية المراقبة والتحقيق في الوضع السوري قبل تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية؟
ثالثاً: ما الذي جعل قطر (إقرأ السعودية!) تتحول من ممولة لنظام البعث الطغموي العراقي وللإرهاب اللاحق لقتل أبناء الشعب العراقي، إلى حامية للشعب السوري؟ قد يكمن السبب في هبوط ملائكة الإنسانية والرحمة عليهم وتحسُّن السيرة والسلوك. ولكن لماذا لم يمتد ذلك لنجدة أهل البحرين واليمن، بل على العكس إحتلوا الأولى إحتلالاً عسكرياً لصالح نظام طائفي بشع ولصالح القاعدة البحرية الأمريكية هناك، وراوغوا ويراوغون في دعم رئيس اليمن الذي فقد الشرعية، حتى أعلنوا عن توقيع إتفاق يوم 24/11/2011 وفق المبادرة الخليجية التي رفضها الثوار.
رابعاً: ألم تقم التظاهرات في مصر وتونس ضد السعودية وقطر لتدخلهما ضد الثوار لصالح النظامين الساقطين؟ وألم يدعُ المسؤول الليبي السيد مصطفى عبد الجليل قطرَ للكف عن التدخل في الشأن الليبي لصالح جهة ضد جهات أخرى بتأريخ 17/11/2011. ألا يجعلنا هذا نشك في بواعث تأييد السعودية والخليجيين لحلف الناتو لضرب نظام القذافي؟

خامساً: لماذا هذا النشاط المفاجئ لقطر والسعودية في الجامعة العربية وإتخاذ قرارات حاسمة تمس الأمن والمستقبل العربيين بالصميم في ظرف تنشغل فيه مصر، ذات الثقل الأكبر والأنضج، بمسائل داخلية؟ والأهم لماذا لم يُعطوا الفرصة الكافية للمبادرة العربية بل إستعجلوا إصدار القرار وكأنهم راهنوا على رفض النظام البعثي السوري الطغموي لها ولكنه فاجئهم بقَبولها؟

سادساً: لماذا خُرقَ ميثاقُ الجامعة العربية في مسألة وجوب إتخاذ أي قرار بهذا الوزن والخطورة بالإجماع وفي إجتماع قمة وليس في إجتماع وزراء خارجية خاصة في أوضاع غير طبيعية كانت فيها مصر، مركز ثقل الجامعة، مشغولة بأمورها الداخلية، وفي مسألة تحريض الجيش السوري على إتخاذ موقف من شأنه أن يقود إلى إقتتال وحرب أهلية وليس إلى صيانة أرواح المدنيين؟

سابعاً: لماذا لم تُدنْ الجامعة العربية (بقيادة قطر - السعودية) الولاياتِ المتحدةَ، أو بالأقل تدعو الشعب السوري إلى عدم الإلتفات إلى ندائها، أمريكا، الموجه لأبناء الشعب السوري لعدم التعاون مع السلطات السورية بعد صدور قرار العفو بناءاً على المبادرة العربية، ذلك القرار الذي مهما كان مخادعاً لكن كان بالإمكان البناء عليه لحفظ ماء وجه النظام من أجل التراجع لا إنقاذاً للنظام بل درءاً لحرب أهلية أو تدخل خارجي مدمر لسوريا وللشعب قبل المسؤولين؟

ثامناً: لماذا يضطهد النظام السعودي الشمولي المتخلف الحركات الديمقراطية السعودية المطالبة بالديمقراطية والنظام الملكي الدستوري، ويضطهد الأقليات المذهبية بهدم مساجدهم وإختطاف زعمائهم كما حصل مؤخراً لأحد زعماء الطائفة الإسماعيلية وقتل المتظاهرين يوم 24/11/2011 ولم تحتج قطر والجامعة والخليجيون؟

تاسعاً: لماذا لم تنبس الجامعة العربية وعلى رأسها، لهذه الدورة، دولة قطر (والسعودية) ببنت شفة ضد قرارات حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي المنتهِكة لقرارات الأمم المتحدة بشأن الإستيطان وبناء مساكن جديدة على الأرض الفلسطينية؟ ولماذا لم تعبر قطر، عن إستغرابها أو إدانتها للموقف الأمريكي الذي حضر المبعوث السيد وليام بيرنز إلى القاهرة لإبلاغه للرئيس محمود عباس والذي هدد السلطة الفلسطينية بقطع المعونة المالية عنها في حالة التفاهم مع حماس، كما أشارت التقارير الصحفية.

عقّب وزير الخارجية السوري وليد المعلم على هذا القرار للجامعة العربية الذي إعتبره غير دستوري، بأنه، القرار، قد تمت التهيأة له منذ فترة مع بعض الدول الأجنبية قاصداً الولايات المتحدة وفرنسا. وقد لاحظ السياسي العراقي السيد هاشم الحبوبي، الأمين العام للتجمع الجمهوري، أن تنازل دولة فلسطين عن رئاسة القمة العربية لصالح قطر قد دفعه إلى الشك في وجود نية لتمرير طبخة ما (فضائية الحرة/ برنامج بالعراقي بتأريخ 15/11/2011).
الأهداف والسيناريوهات:
لدي قناعة بأن السعودية وقطر نفذتا طلباً أمريكياً وأوربياً بإصدار ذلك القرار من الجامعة العربية، كلٌ لأهدافه الخاصة التي أدرجها فيما يلي، علماً أن روسيا إنتقدت قرار الجامعة الصادر يوم الأربعاء 16/11/2011 وعبرت الصين عن قلقها:
أولاً: المشروع الأمريكي الأوربي:
دأبت أمريكا وأوربا على صياغة النظام العالمي الجديد بعد توقف الحرب الباردة وتفكك الإتحاد السوفييتي والمعسكر الإشتراكي، وفق منظور العولمة الرأسمالي مع مواصلة دعم إسرائيل بما يحقق لها السيادة والتفوق في جميع المجالات على العالم العربي مجتمعاً وخاصة في المجال العسكري ل"ضبط" أوضاع المنطقة على طول الخط. ومن بين مفردات المشروع الغربي حلُّ مشكلة الشرق الأوسط أي القضية الفلسطينية بما "يرضي جميع الأطراف".
بناءاً على هذا المنظور للنظام العالمي الجديد شَخِّصت أمريكا وحليفاتها آخرَ العثرات التي تقف في طريق تحقيق هذا الهدف، وكانت: كوريا الشمالية ذات السلاح النووي وإيران الطامحة إفتراضاً لإمتلاك السلاح النووي والداعمة لخط الممانعة العربية، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان وحزب الله اللبناني وكلها لا تعترف بإسرائيل، وسوريا الداعمة سياسياً لهذه المنظمات العربية وحلقة الوصل بينها وبين إيران الغنية بالبترول والقادرة على تجهيزها بالسلاح؛ إضافة إلى ليبيا القذافي وبعض دول أمريكا اللاتينية والكاريبي.
إحتلت كوريا الشمالية وبعض دول أمريكا اللاتينية وليبيا المقامَ الثاني بعد المجموعة الأولى أي إيران وسوريا وحلفائهما.
لهذا السبب حوصرت حكومة حماس المنتخبة في إنتخابات حرة ديمقراطية وتمت الإطاحة بها. ربما يُبرَّرُ هذا الإجراء من منطلق أن عملية السلام تفوق أهميةً رأيَ الشعب الفلسطيني. وهذا بنظري أمر غير منطقي ويضع مصداقية المشروع الغربي موضع الشك.
ومن هنا جاء موضوع المحكمة الدولية بشأن إغتيال الرئيس رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق، ورفاقه وهو معروف بميوله السعودية والغربية. من متابعاتي، ورغم إختلافي مع ستراتيجية حماس وحزب الله وسوريا وإيران، لكنني أعتقد أن المحكمة الدولية مسيسة ويراد منها إلصاق تهمة الإغتيال بحزب الله لإنهاءه.
ومن هنا، أيضاً، جاء الموقف من الثورة الشعبية السورية إذ وجد الغرب فيها فرصةً نادرة يمكن التسلل إليها لنيل رضى قادتها بالتدخل العسكري بمساعدة الأعوان في المنطقة لتصفية الحساب مع هذه العقبة الكأداء المتمثلة بالشعب السوري وجيشه أولاً ونظامه ثانياً. بتقديري، إن السيناريو الذي تريده أمريكا وأوربا مشابه للسيناريو الليبي وأشد، إذ سيرتكز على أساس توجيه ضربات موجعة ومدمرة لقواعد وثكنات ومخازن الآليات والسلاح والعتاد بأنواعد الثقيل والمتوسط والخفيف ومرابض الصواريخ والمدافع والرادارات والقواعد الجوية وطائرات الجيش السوري، على أن يتم إنجاز المهمة خلال فترة وجيزة جداً لتحاشي الإحتجاجات خاصةً إذا كُشفت مصادر الإنطلاق والأهداف. سوف لا يكون هناك رصداَ جوياً في المنطقة للطائرات والصواريخ المهاجمة، لذا فسوف يصعب تحديد قواعد الإنطلاق ومصادر النيران. عليه، فإلى جانب القواعد المعروفة في قطر وتركيا والبحرين والإمارات وقبرص والبحر الأبيض، قد تشترك كل من إسرائيل وتركيا خفيةً في هذا الجهد سواءاً بالهجوم أو بتوفير القواعد.
أعتقد أن الغرب لا يريد حرباً أهلية في سوريا، لأن الحرب ستعطي ذريعة للنظام السوري لزج كامل قواه العسكرية دون تردد أو توجس من ردود أفعال مستنداً إلى شرعية القتال في إطار حرب أهلية ومتبجحاً بصحة أطروحته، وسيكون النظام هو الأقوى. والأهم أن التدمير للقوات العسكرية السورية في إطار حرب أهلية سوف لا يكون بمستوى الطموح. بينما تفضل القوى الغربية السيناريو الليبي المشدد الذي تستطيع عبره إلحاق الدمار الشامل بالجيش السوري كما أسلفت قبل قليل. من هذا، ولقطع الطريق أمام إزدياد نفوذ الإسلاميين المتطرفين، عارضت وحذرت وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة هيلاري كلنتون وكذلك وزيرا خارجية فرنسا وتركيا من مغبة قيام حرب أهلية في سوريا.
يلوح في الأفق شبحُ مشروع سعودي لما بعد الإنسحاب العسكري الأمريكي من العراق. هدف المشروع إثارة صراع سني – شيعي على مستوى منطقة الشرق الأوسط وربما العالم. يرتكز هذا المشروع على عدة محاور منها "تحرير" سوريا على الطريقة السعودية وإنفصال غرب العراق والموصل ليشكلا مع سوريا دولة جديدة قد تسمى "إتحاد المشرق العربي". أعتقد أن المطالبة بتشكيل أقاليم لهذه المحافظات والطريقة الفجة التي طرحت بها، قد تشير إلى وجود هكذا نية.
آمل ألا تكون أمريكا قد خططت قبلاً، أو يتم توريطها وإغرائها من قبل السعودية والطغمويين على تمرير هذا المشروع مقابل اقتطاع محافظة ديالى، المحاذية للحدود الإيرانية، من العراق وضمها إلى الدولة الجديدة لتوفر قاعدة ستراتيجية في حالة التصادم مع إيران حول موضوع السلاح النووي المتهمة به. ما يثير القلق حيال ديالى هو النشاط الإرهابي المحموم الذي ضربها، والتهجير المكثف للسكان الشيعة، عرباً وأكراداً، منها والتحرش والقتل المستمرين لهتين الشريحتين فيها؛ علاوة على إجراءات أمنية غير منطقية إتخذتها القوات الأمريكية عام 2007 من بينها إقالة مدير أمن المحافظة وسط تذمر مسؤولي وزارة الداخلية العراقية لكفاءة ذلك الضابط وتحسن الوضع الأمني تحت قيادته، وقد كتبتُ مقالاً حول الموضوع في حينه نشرته صحيفة "صوت العراق" الإلكترونية عام2007. قد تثير هذه الإجراءات، إضافة إلى التعمد في عرقلة تطبيق المادة 140 من الدستور، بشأن المناطق المختلف عليها، الشكَ بأن جهوداً إستثنائية منسقة كانت تبذل من أجل تغيير ديموغرافيا هذه المحافظة وتحويل هويتها وإعتبارها من ضمن المحافظات الغربية لا لغرض إلا لهذا الهدف العسكري.
موقع العراق في المشروع الغربي:
يدخل العراق الجديد الديمقراطي في إطار الستراتيجية الغربية وقائدتها الولايات المتحدة، لا كدولة من دول محور الشر كما كان يصنَّف سابقاً، بل يُراد له أن يكون عاملاً مساعداً في دعم وإنجاح الستراتيجية الغربية حتى ولو بالإكراه وبقدر من التآمر. يبدو لي أن المطلوب من العراق أن يساهم في منع إيران من حيازة السلاح النووي وصولاً إلى ضرب المنشآت النووية وعزل السياسة الإيرانية الرامية إلى تأجيج الممانعة للتطبيع مع إسرائيل في المنطقة.
يبدو، أيضاً، أن ألأمريكيين (وقد أقنعوا، بدورهم، الممثل السابق للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيد أد ميلكرت- كما أعتقد) يبررون طلبهم هذا بالإستناد إلى قناعاتهم التالية: أولاً : إن المشروع الأمريكي الغربي يسعى إلى خير العالم وبناء نظام عالمي يقوم على مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والسلام، وإن الواجب الأخلاقي يفرض على دول العالم المساهمة في إنجاحه. ثانياً: إن أمريكا وحلفائها قد ضحوا بأرواح أبنائهم وأموالهم من أجل تحرير العراق من النظام الفاشي، وساعدوا العراقيين على بناء مجتمع ديمقراطي واعد، رغم أن أمريكا أسقطت نظام صدام حسين بالإستناد إلى حجة حيازته أسلحة دمار شامل وليس من منطلق تحرير العراقيين. لذا فقد وجدت أمريكا أنه من اللائق أن تناشد العراق للعب دوره في ضمان سلام العالم.
سأتوسع قليلاً في هذا الموضوع نظراً لأهميته خاصة بالنسبة للثوار السوريين ليقفوا على حقائق ما حصل في العراق قبل إتخاذ أي قرار بشأن طلب المعونة الأجنبية.
تحسس الأمريكيون منذ الأيام الأولى لسقوط النظام البعثي الطغموي أنهم سيلاقون معارضة لهذا التوجه من قبل أغلبية الشعب العراقي. لذا حاولوا دفع الإنتخابات إلى ما بعد عدة سنين (لصهر الشعب العراقي وإعادة سبكه في قوالبهم الخاصة) بحجة أن الإنتخابات المبكرة ستنتج حكومة بعثية أو دينية، حسب تصريح السيد بول بريمر الحاكم المدني. في الحقيقة، كان السيد بريمر يقصد الثانية لأن البعثيين كانوا ومازالوا موضع كره وإحتقار شديدين لدى الشعب العراقي. حتى الحكومة الدينية طرحها السيد بريمر للتخويف وشق الصفوف لأن ما من أحد كان وما يزال يحبذ ذلك.
خرجت مظاهرة في البصرة قوامها (150) ألف مواطن تأييداً للسيد علي السيستاني المرجع الديني الأعلى لشيعة العالم وكانت مظاهرات أخرى على وشك الخروج في بغداد والنجف لولا مناشدة المرجعيات في النجف بالكف عن ذلك إلا عند اللزوم. بعد ذلك لم يعد السيد بريمر يصرح بمثل ذلك التصريح. عندئذ أدرك الأمريكيون أن تقديراتهم لنفوذ المرجعية الدينية في النجف وإلتفاف الجماهير حولها كان قاصراً، إذ إفترضوا بأن إضطهاد صدام الطغموي لم يُبقِ أية جهة في العراق ذات شأن ويحسب لها حساب سياسي ما يتيحُ لهم المجالَ، أي للأمريكيين، لإعادة تشكيلهم كما يشكلون العجينة. غير أن العكس هو الذي حصل إذ أن سياسة التطهير الطائفي للشيعة والعرقي للأكراد والآخرين قد أقنعت وأرغمت الجماهير على الإلتفاف حول مرجعياتها الدينية والقومية للحفاظ على هوياتها الفرعية من سياسة حزب البعث الطغموي الذي أراد خلقَ مجتمع ذي قومية واحدة ودين واحد ومذهب واحد وفكر واحد ولو بالإكراه والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطائفي.
وهذا ما إعترفت به، بين السطور، الدكتورة كونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومي ثم وزيرة الخارجية في عهد الرئيس جورج بوش الإبن، في مذكراتها التي نشرتها مؤخراً. لقد إنتقدت في المذكرات "ضعف العمل الإستخباري الأمريكي"9 وإجراءات أخرى، وهذا يعني، كما أعتقد، الإخفاقَ في تشخيص سعة نفوذ المرجعية الدينية في النجف. كتبت الدكتورة بأن قرار حل الجيش العراقي قد إتُخذ في بغداد دون علم البيت الأبيض. هذا دليل، من وجهة نظري، على أن الإفتراض كان قائماً في البنتاغون والبيت الأبيض بأن العراقيين بلغوا حداً من التفكك والضياع على يد البعث "الصامد" بحيث يسهل صهرهم وإعادة سبكهم في قوالب أمريكية خالصة، عليه أصبح مسموحاً للسيد بول بريمر إتخاذُ أي قرار من شأنه هدم القديم. لذا هدم الدولة وأبقى التيار الكهربائي معطلاً لحد الآن وهما عمليتان إنصهاريتان. وأسفت الدكتورة، بشكل ما، على حل الجيش العراقي السابق الذي أدركتْ أنه كان سينفع سياسةَ بلادها لو بقي على قيد الحياة بعد إكتشاف القوة التي تتمتع بها المرجعية. إن أمريكا الديمقراطية التي جاءت لمساعدة العراقيين، وهي في حالة خصام مع حلفائها الأوربيين، لم يكن بمقدورها مواجهة عصيان مدني سلمي تدعو له المرجعية ومن المرجح أن يستجيب له أكثر من عشرة ملايين مواطن عراقي. وهنا يكمن سر لوم الجهاز الإستخباراتي الأمريكي؛ إذ كان عليه التنبيه إلى وجود هذه القوة، التي تفاجئوا بها، ليتغير تكتيكهم بما يحقق لهم أهدافهم13، كعدم حل الجيش مثلاً لأنه قوة عراقية طغموية مدربة على القمع والإقصاء وسيكون بالإمكان إستخدامها دون حرج. حاول الألأمريكيون إستعادة بعض ذلك الجيش تحت يافطة "المصالحة" تارة، وتحت يافطة "قوات الصحوة" تارة أخرى، ولكن ذلك لم يجدِ نفعاً بكثير.

إنتزع السيد علي السيستاني موافقة الأمم المتحدة ممثَلةً بالدكتور الأخضر الإبراهيمي على أن خير وسيلة للتعبير عن رأي الشعب العراقي هي صناديق الإقتراع، وإنتزع الموافقة على كتابة الدستور من قبل عراقيين منتَخَبين وقد أيده الشهيد ديمللو، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، بحرارة حسب إفادة مساعده الوزير اللبناني السابق الدكتور غسان سلامة. كما فرض السيد علي السيستاني موعد الإنتخابات للمجلس التأسيسي الذي كتب الدستور، حسب قول السيدين هنري كيسنجر وجورج شولتز وزيري خارجية أمريكا الأسبقين في مقال مشترك لهما.
جرت الإنتخابات وكُتب الدستور وتم إستفتاء الشعب عليه وتمت إنتخابات جديدة بموجبه. تم كل ذلك خلال عام 2005.
في تموز من عام 2004 تشكلت حكومة إنتقالية أعقبت مجلس الحكم. "تَوَّجَتْ" أمريكا والنظام العربي والأمم المتحدة – توجت السيد أياد علاوي رئيساً للوزراء. أعتقد أنهم برّزوه ظناً منهم بأن الشعب العراقي سينتخبه حسب قاعدة "الناس على دين ملوكهم". وإذا به وبهم يفشلون فشلاً ذريعاً في إنتخابات كانون الثاني عام 2005 وكذلك في إنتخابات كانون الأول عام 2005 وفي إنتخابات 7/3/2010 وفاز الإئتلاف الوطني الموحد ومن ثم التحالف الوطني رغم كل المعوقات ضدهما10.
أعلن رئيس الوزراء الدكتور إبراهيم الجعفري ومن بعده السيد نوري المالكي بأن سياسة العراق الخارجية تستند إلى نبذ سياسة المحاور ومد يد الصداقة لكل من لا يريد الأذى للعراق لأن العراق عانى ما عانى من سياسات المحاور والحروب والإعتداء على الغير. لم تَرُقْ تلك السياسة للأمريكيين، وكان ما كان.
بسبب ذلك الموقف، لم ينفك الأمريكيون عن محاولة فك التحالف الديمقراطي بين العرب والأكراد والمكونات الديمقراطية الأخرى وتشتيت قوى وجماهير الإئتلاف العراقي الموحد ومن ثم التحالف الوطني بشتى الطرق التي لا تُعد ولا تحصى نوعاً وكماً. لقد ساعدهم في مسعاهم هذا الطغمويون والتكفيريون الذين فقدوا السلطة ويريدون إسترجاعها بأية وسيلة كانت بضمنها المساهمة والإنتفاع بصيغة أو أخرى من الإرهاب الأسود الذي ضرب العراق. ولما نجحت الحكومة العراقية في قصم ظهر الإرهاب تفرغت إلى فرض إتفاقية 2008 التي حددت نهاية عام 2011 كآخر موعد لإنسحاب القوات الأمريكية من العراق. قبيل إنتخابات عام 2010 إشتدت المناورات لمساعدة السيد أياد علاوي والطغمويين من رفاقه على تشكيل الوزارة من أجل إفتعال حرب مع إيران لتتسلل تحت جناحها أمريكا وإسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية لأن ضربها من الجو أو بواسطة الصواريخ بعيدة المدى غير مجديين ولا يثنيان إيران عن عزمها على إمتلاك السلاح النووي،وذلك حسب تقديرات خبراء وزارة الدفاع الأمريكية التي حذرت إسرائيل من مغبة المضي في هذا الإتجاه.
بناءاً على هذا حصلت أخطر محاولتين لإستلاب السلطة من الشعب بجعل الديمقراطية مشوهة: الأولى محاولة تزوير إنتخابات 7/3/2010 غير أن الجماهير قد أجهضتها وقلصت مفعولها، ونُقل على أثرها، كما أعتقد، السفيرُ الأمريكي في بغداد السيد كريستوفر هيل ومندوب الأمم المتحدة السيد أد ميلكرت. الثانية محاولة 25/2/2011 التي أريد منها إفتعال حرائق ومذابح مخططة مسبقاً لتتدخل القوات الأمريكية وتطيح بحكومة المالكي وتشكل حكومة "إنقاذ وطني" أو "حكومة طوارئ" – سمِّها ما شئت والمهم أن السيد أياد علاوي أو شيعي آخر على طرازه يصبح رئيساً للوزراء ويبدأ مسلسل حرق العراقيين ثانية في حرب مع إيران ولكن تحت يافطة إنتخابات يجري تزويرها.
كادت الجماهير أن تنزلق إلى هذه الهاوية السحيقة11 لولا التدخل الإستثنائي العاجل للسادة علي السيستاني وجلال الطالباني ونوري المالكي ومقتدى الصدر الذين حذروها مما كان مبيتاً فتنبهت وأحبطت المؤامرة التي قيل إنها طبخت في إجتماع عقد في لندن حضره السعوديون والأمريكيون والبريطانيون وأياد علاوي12.
يفصلنا الآن أقل من خمس أسابيع عن موعد إنسحاب آخر جندي أمريكي من العراق بموجب إتفاقية عام 2008. وفي الوقت الذي يتوجب توجيه أحر التحيات والشكر لأمريكا على حسن صنيعها، بغض النظر عن دوافعه، وذلك بإطاحة النظام البعثي الطغموي المجرم، بل إطاحة النظام الطغموي الجائر برمته الذي ما كان قادراً على إطاحته إلا الله أو أمريكا، وتوجيه الشكر للمساعدة في إقامة نظام ديمقراطي لم يشهد العراق مثيلاً له منذ العهد السومري، مع هذا أعتقد أن مشاكل العراق الإستثنائية لم تنتهِ بعد. وأتوقع أن يزداد الصراع شراسةً لأن صراع الحكومة والعراقيين مع الأمريكيين كان صراع حلفاء وكان صراعاً مع دولة ديمقراطية متحضرة يهمها وتحترم رأي شعبها المتنوع ويهمها الرأي العام العالمي بقدر كبير. أما صراعنا المستقبلي فسيكون مع نظام همجي هو النظام السعودي وحلفائه وبالأخص المحليين من طغمويين مسكونين بهوى السلطة المفقودة التي أرادوا ويريدون إسترجاعها بأي ثمن ووسيلة كانت، همجيةً أو ذات برقع حضاري، إرهابيةً أو ذات برقع سلمي.
سآتي على تفاصيل المشروع السعودي المحتمل لاحقاً. لكنني آمل ألا تكون التدابير التي قامت بها أمريكا في محافظة ديالى خلال الأعوام التي سبقت عام 2009 تمثل تخطيطاً مسبقاً لما سيجري توقعاً.
المشروع السعودي:
أعتقد أن بيوت الإستشارات السياسية والتنبؤات التي يوظفها النظام السعودي من مختلف أنحاء العالم، قد تكهنت له بأن الإستحقاق الديمقراطي الداخلي والخارجي سيعود ليرمي بحبله حول عنق النظام السعودي الشمولي المتخلف. كما أعلمته بيوت الإستشارات الأخرى المتخصصة بالتخريب والإرهاب بأنها تتكهن بأن الموجة التالية من طلبات الإذعان للإستحقاق الديمقراطي ومراعاة حقوق الإنسان سوف لا يمكن إجهاضها ووأدها بأية وسيلة مهما بلغت تكاليفها المالية، بل تمكن عرقلتها لفترة ما. وهكذا وضع، بتقديري، فريق آخر ثالث خطةً وفق هذا الإطار الستراتيجي على أن يبدأ تنفيذها قبيل إنسحاب القوات الأمريكية من العراق.
أعتقد أن هذه الخطة قد وُضعت تطويراً وتفصيلاً للخطة السابقة التي كشفها السيد نواف عبيد المستشار الأمني لسفير السعودية في واشنطن الأمير تركي بن عبد العزيز الذي كان، بدوره، يشغل منصب مدير المخابرات السعودية قبل أن يصبح سفيراً. نشر السيد نواف عبيد مقالاً في صحيفة الواشنطن بوست بتأريخ 29/11/2006 أوضح فيه خلاصة تلك الخطة إذ كتب بالحرف الواحد: "السعودية ستتدخل في العراق لصالح السنة بالمال والسلاح وغيرهما في حال انسحب الأمريكيون منه". وبرر المستشار موقف بلاده هذا بضرورة كبح التداعيات بعد الإنسحاب التي وصفها ب"التداعيات التي هي اسوء بكثير من التداعيات المترتبة على عدم تحرك السعودية"13.
بتقديري، شخص خبراء المسؤولين السعوديين مصادر القلق المستقبلية للمملكة وهي كالتالي:
1- توسّع الحركة الديمقراطية المنادية بحقوق الإنسان في المجتمع السعودي وهو أمر طبيعي تمكن عرقلته ولكن لا يمكن إجهاضه. زادت في جذوة هذه الحركة معطيات الديمقراطية العراقية وثورات الربيع العربي، خاصة بالنسبة للشرائح المضطهدة والمهمشة وهي تشمل كافة الطوائف الدينية شيعية وسنية غير الوهابية المتزمتة.
2- توقع توطد الديمقراطية العراقية بعد إنسحاب القوات الأمريكية . إن هذا سيشجع الحركة الديمقراطية السعودية ويرفع من وتيرة المطالبة بإحترام الحريات وحقوق الإنسان، خاصة وأنه من المرجح أن تبقى الأحزاب الدينية الشيعية على رأس الحكومة المدنية في بغداد في إنتخابات حرة ديمقراطية ؛ الأمر الذي سيفهمه مضطَهَدو النظام السعودي، ومن بينهم الشيعة، على أنه نقضٌ لسياسة الإقصاء والتهميش والإضطهاد التي دعمتها القوى العظمى الغربية طيلة القرن الماضي. كما سيفهمون أنه ما عاد المجتمع الدولي الملتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتقبل مثل تلك المفاهيم البالية. وأخيراً سيتفهمون أن الإسلام الحقيقي يدعو إلى الديمقراطية ولا يكبحها.
3- سيزداد حجم إنتاج نفط العراق بما قد يوازي أو يفوق الإنتاج السعودي. ومع أن الدراسات التي أجراها العراق ومنظمة الأوبك قد توقعت أن يزداد الطلب العالمي على النفط ليستوعب الإنتاجين (حسب إفادة نائب رئيس الوزراء الدكتور حسين الشهرستاني في فضائية الحرة)، إلا أن إحتمال إرتفاع حجم الإحتياطي النفطي العراقي بما يفوق شبيهه السعودي قد يقوض المكانة الإبتزازية للسعودية في العالم ما يقلل من إهتمام أمريكا وأوربا في حالة تعرض النظام السعودي لهزات سياسية وإنقلابية متوقعة.
4- ستزيد منظمات حقوق الإنسان العالمية وغيرها من منظمات المجتمع المدني ضغوطهاً على النظام السعودي لتحسين سجله في مجال حقوق الإنسان وسيطالبونه بتغييرات جوهرية في هيكل البناء السياسي ومنطلقاته الممعنة في التخلف. وسيقفون ضد الدعم الذي تقدمه أمريكا وغيرها له.
5- سواءاً تنوي إيران أو لا تنوي؛ أو نجحت أو فشلت في إقتناء السلاح النووي فإن إيران تكسب لها مؤيدين في أوساط الجماهير العربية والإسلامية في الوقت الذي تزداد فيه السعودية عزلة عن هذه الجماهير بسبب تباين موقفيهما من إسرائيل والحق العربي في فلسطين.
6- سواءاً سقط النظام البعثي الطغموي في سوريا أو تحققت مصالحة ، فإن النظم العربية، بما فيها سوريا واليمن والبحرين، ستستقر على أساس ديمقراطي وسوف تُنشأ جامعة عربية جديدة قائمة على الأساس الديمقراطي أيضاً؛ وسوف لا تُقبل في عضويتها غيرُ الدول العربية الديمقراطية التي ترقى إلى المعايير الدولية بحذافيرها. وهذا سيحرم السعوديين مؤكداً من عضويتها، ما يثير سخطاً عارماً في أوساط الشعب السعودي ويعزز مطالبته بالديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان.
7- قد يمتد أفق التطور الوارد في البند (6) أعلاه ، في وقت لاحق، إلى المحيط الإسلامي فيعاد النظر بمنظمة المؤتمر الإسلامي لتفرض الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان شرطاً للعضوية ما سيحرم السعودية من عضويتها أيضاً. وربما ستتم المطالبة بتأسيس هيئة إسلامية عالمية مستقلة تقوم بإدارة كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وإنتزاعهما من يد النظام السعودي الشمولي.
بناءاً على هذه المعطيات وضع النظام السعودي خطة للتحرك المستقبلي بعد أن تجاوزت الأيام خطةَ "حرق الأعشاش"14 التي إستهلكت وإنكشفت فصولها أمام السياسيين والجماهير العراقية؛ وكان تزوير الإنتخابات في 7/3/2010 والمحاولة الإنقلابية في 25/2/2011 من أهم مخرجاتها العملية. لقد كان قبول الحزب الإسلامي في إئتلاف العراقية إيذاناً بإنتهاء حقبة "حرق الأعشاش"، لأن الخطة إقتضت إبعاد الحزب الإسلامي عن إئتلاف العراقية ليطرح نفسه كتحالف علماني مقابل التحالف الوطني كإئتلاف "ديني طائفي بغيض". لم تنطلِ الحيلة على العراقيين رغم التزوير والرشى والحملة الدعائية الباذخة الظالمة التي إنخرط فيها حتى كثير من الطيبين الغافلين إذ صاروا أبواقاً لها.
أدرج فيما يلي مفردات المشروع السعودي، كما أتصوره، بناءاً على بعض التسريبات هنا وهناك وبناءاً على التكهنات المستندة إلى متابعة سياسات النظام السعودي التي إزداد إهتمام العراقيون بها منذ سقوط النظام البعثي الطغموي وتدخل السعوديين في الشأن الداخلي العراقي.
سيكون المحور الأهم للمشروع هو إثارة صراع واسع النطاق في المنطقة ذي سمات تسهّل أمر جرِّ وتوريط دول أخرى عالمية وإقليمية لخوض المعمعة سواءاً بالإغراء أو بالإكراه. تنطبق هذه المواصفات على صراع سني – شيعي يُلهب العواطف والتعصب الأعمى والغرائز العدوانية ويغيّب العقل والحكمة والروح الوطنية والقومية والشعور بالمسؤولية.
إن هذا المشروع هو "تطوير" وتضخيم لما هو جار الآن، وهو عودة لمحاولة سابقة تم تقزيمها عام 2009 على يد مصر وحكومة الرئيس أوباما ودعوة موجهة إليه من السيدة مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية في عهد الرئيس كلينتون إلى عدم التورط في هكذا صراع. لكن المحاولة بدأت تشتد مرة أخرى من جانب السعودية ومجلس التعاون الخليجي منذ فترة بمواجهة إيران ربما بالتوازي مع المتاعب السياسية الداخلية في السعودية المتصلة بسلسلة من المشاكل بدءاً بالمطالبة بحقوق الإنسان والديمقراطية ومقتل ناشطين حتى قبل يومين، وإلى جلد فتاة لقيادتها سيارة. نشر موقع ويكيليكس برقية من السعودية والإمارات تدعوان فيها أمريكا إلى ضرب إيران لأنها تمثل"رأس الأفعى". أتكهن أن تتفجر الأحداث الأكثر إثارة عندما يُباشر بتنفيذ الحلقة الخاصة بالعراق. أعتقد أن محاور المشروع السعودي ستكون كما يلي:
1- مواصلة محاولة سحق الثورة البحرينية وتعميق الطائفية،
2- دعم مراوغات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للحصول على أقصى المنافع والنفوذ في النظام الديمقراطي الجديد، ونشر الطائفية والفتن المذهبية والعشائرية.
3- مواصلة محاولات التأثير السلبي على الثورات المصرية والتونسية والليبية بما يحدُّ من مساحات الديمقراطية والحريات العامة، ومحاولة النفخ في الطائفية على مستوى الساحة العربية.
4- تأليب اليمين اللبناني ضد حزب الله وسوريا، ومواصلة تأجيج الطائفية.
5- تكثيف الجهد الدبلوماسي لإثارة فزع إسرائيل من "الهلال الشيعي" الذي سبق أن حذرها منه ملك الأردن عبد الله الثاني أيضاً، علماً أن فزع إسرائيل ليس وهمياً لأنها تعرف أن المقاومة اللبنانبة بقيادة حزب الله هي التي حررت الجنوب اللبناني.
6- مواصلة الدفع بإتجاه منع أي حوار بين الحكومة السورية والمعارضة، ومحاولة إثارة الفتنة الطائفية في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها.
7- محاولة دفع الجامعة العربية بإتجاه توفير الغطاء الدولي لتدخل عسكري خارجي في سوريا إذا ما أفلحت محاولتها في تعطيل معارضة روسيا والصين ودول آسيوية وأفريقية وأمريكية لاتينية أخرى،
8- تصعيد وتيرة الحرب الباردة مع إيران وتأليب أمريكا وأوربا وإسرائيل والمجتمع الدولي ضدها على خلفية برنامجها النووي. وقد تساهم السعودية وحليفاتها من دول الخليج على توفير المعلومات الإستخباراتية عن إيران وربما توفير القواعد العسكرية وتقديم المساعدة اللوجستية اللازمة.
9- تنشيط الإتفاقية السرية بين تركيا والسعودية ل "مواجهة المد الشيعي" وقد تُقْدِم الدولتان على تقسيم العراق لتحقيق أهداف مادية وستراتيجية، علماً أن السيد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي قد عارض تولي السيد نوري المالكي منصب رئيس الوزراء، على حد ما أعلنه السيد هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي، عند تشكيل الحكومة العراقية الحالية. ولا يمكن تفسير ذلك وتفسير قطع المياه وقصف قرى كردستان العراق الحدودية وإحتضان زعماء طغمويين مخربين أمثال السادة أياد علاوي وطارق الهاشمي وأسامة النجيفي وغيرهم إلا مسايرة الحليف للسياسة السعودية المعادية للعراق الديمقراطي.
لتركيا أطماع نفطية وإقليمية في العراق؛ ولها تخوفات منه أيضا وبالأخص النظام الفيدرالي. سنأتي على ذلك لاحقاً.
10- تنفيذ خطة لتقسيم العراق وتشكيل دولة، تتكون من المناطق الغربية من العراق والموصل، بعد أن تصبح أقاليم، مع سوريا "المحررة" على الطريقة السعودية أي جعلها رهينة للمال السعودي ورهينة الأمن التركي-الإسرائيلي بعد تحطيم جيش وإقتصاد سوريا في حالة نجاح السعودية وقطر والجامعة العربية "المُخْتَطَفَة" بتدبير تدخل عسكري خارجي. قد يحمل إسم هذه الدولة معنى تكتيكياً يُفصح عن وظيفتها المخططة لها مثل "الجمهورية العربية الشرقية" أو "إتحاد الدرع العربي الشرقي" ليكون إيذاناً بإنطلاق حروب القرن الواحد والعشرين بين الأخوة الذين أُريدَ لهم أن يصبحوا أعداء. تشير تصريحات وتقارير وتسريبات كثيرة إلى وجود هذه النية التي تحمل في ثناياها بذور حروب وإقتتال في أكثر من مكان في العراق حول حدود المحافظات لتتسع وقد تنضمّ إليها السعودية والأردن ومن ثم إيران وهكذا.
أدناه بعض الشواهد على وجود نوايا تصب بإتجاه الحروب والتقسيم وما إلى ذلك:
- ما كشفه الدكتور سلام الزوبعي، نائب رئيس الوزراء الأسبق وزعيم إحدى الكتل داخل إئتلاف العراقية، من أن هناك في الإئتلاف من البعثيين من يريد تأجيج حرب مع إيران وتجديد القتال مع الأكراد.
- الوثيقة المنشورة في موقع ويكيليكس التي تحث فيها السعودية ودولة الإمارات الولايات المتحدة على ضرب رأس الأفعى أي إيران.
- تصريح الدكتور أياد علاوي، زعيم إئتلاف العراقية، من أنه يريد شن حرب "سياسية" على إيران.
- تصريح النائب في كتلة القائمة العراقية البيضاء السيد زهير الأعرجي الذي نقلته فضائية الحرة بتأريخ 22/11/2011 حيث حذر فيه من البعض الذين ينفذون مخططاً خارجياً لتقسيم العراق بذريعة الإقصاء والتهميش.
- التهديد الذي أطلقه محافظ صلاح الدين (وكان السيد صالح المطلك نائب رئيس الوزراء والقيادي في إئتلاف العراقية يقف بجنبه ومؤازراً له) من أنه سيقطع الكهرباء والوقود عن بغداد إذا لن تتم الموافقة على جعل المحافظة إقليماً.
- بروز مطلب تحويل بعض المحافظات إلى أقاليم جاء بعد سلسلة من النشاطات السياسية خارج العراق مع أطراف أقل ما يُقال عنها أنها ليست على ود مع الحكومة العراقية المنتخبة. أدناه جرد لبعض هذه النشاطات:
o إجتماع السيد أسامة النجيفي، رئيس مجلس النواب العراقي، مع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في واشنطن وإطلاق تصريحات عن إقصاء وتهميش السنّة العرب في العراق وإحتمال إنفصالهم عن العراق وتشكيل أقاليم. للعلم فإن نائب الرئيس السيد جو بايدن معروف بكونه صاحب الرأي الداعي إلى تقسيم العراق.
o خطاب الدكتور أياد علاوي في إجتماع لحلف الأطلسي في روما الذي دعا فيه إلى التدخل في الشأن العراقي ومواجهة إيران.
o خطاب السيد أسامة النجيفي في الإتحاد الأوربي طالباً منهم ما طلب زميله السيد علاوي في روما.
o إجتماع السيدين النجيفي ونائب الرئيس طارق الهاشمي بالملك السعودي ومسؤولين آخرين ولم يفيدوا الجمهور بما تم بحثه.
o خطاب السيد أسامة النجيفي في لندن حيث كرر فيه إدعاءاته بشأن الإقصاء والتهميش والإنفصال والأقاليم.

يمكن أن يتخذ المخطط السيناريو التالي الذي لا أتوقع له نصيباً وافراً من النجاح لمعارضة الشعب العراقي في المناطق المراد إنفصالها وربما لمعارضة أمريكا لتقسيم العراق في هذه المرحلة على الأقل. ولكن السعوديين يتوقعون له النجاح لأن النظام السعودي يائس فهو يتشبث حتى بالقشة من جهة ، وربما يتوقع مساندة إسرائيل له، وهو في مأمن من تداعيات الفشل المباشرة لأن السعودية بعيدة عن مسرح العمليات وهناك مطايا راضية بتحمل وزرها من جهة أخرى.
a. تعمل السعودية على "تحرير" سوريا بتدبير تدخل خارجي. سيكون السنايو الليبي المشدد هو المفضل لدى المتدخلين. تصبح سوريا آنئذ رهينة للمال السعودي فتتحكم بسياستها.
b. يجري إعلان المحافظات العراقية: صلاح الدين والأنبار والموصل أقاليم بشكل أصولي دستوري دون علم أي أحد بما هو مبيّت سوى تثبيت وتأجيج الشحن الطائفي كترويج فكرة أن إعلان الأقاليم هو "لحفظ الكرامة" كما هتف بذلك في فضائية الحرة أحد المتظاهرين في سامراء قبل أيام وكررها فيما بعد السيد صالح المطلك حسبما نقلت فضائية الحرة. تُفتعل مشاكل وتوترات بين المحافظات على الأمور الأمنية (خاصة إيواء المطلوبين من البعثيين وتوفير الجو المناسب لتآمرهم وزجهم في التشكيلات العسكرية) والإلتزام بالقوانين الفيدرالية والحدود والموارد والمياه والمساجد ومرقد الإمامين العسكريين وغير ذلك. تبدأ مناوشات إلى أن تنتهي بإقتتال يتوسع حتى يُعلن الإنفصال عن العراق والوحدة مع سوريا. ويستمر القتال.
c. (عندئذ تستحوذ تركيا على كردستان العراق بضمنها كركوك و"تتنازل" عن الموصل لدولة الإتحاد الفتية. سوف تبتلع تركيا كردستان دون التفاهم مع أهلها أي لا تكون مستعدة للإبقاء على الفيدرالية هناك مضافة إليها كردستان تركيا ضمن الجمهورية التركية. إنها لا تفعل ذلك تداركاً لغضب الجيش التركي وغضب إيران المنافسة لها والمعارضة للحكم الفيدرالي أيضاً.)
d. تتعمد السعودية التدخل في الحرب بصيغة ما ودفع الأردن أيضاً للتدخل ليُضطر العراق إلى الإستعانة بإيران بصورة ما لتضمن السعودية إنحياز أمريكا لجانبها.
e. تأمل السعودية من هذه اللخبطة أن تدفع عنها الإستحقاق الديمقراطي وتطمس ألق الديمقراطية العراقية بل ألق جميع الديمقراطيات العربية إذ ستشغلها بصراعات جانبية ذات صبغة متخلفة وتحول دون تأسيس جامعة عربية ديمقراطية. بإختصار ستداري كل أو معظم هواجسها ومخاوفها.
الموقف التركي:
- بعد وصول حزب التنمية والعدالة الديني المعتدل إلى الحكم، خففت تركيا من مطالبتها بالدخول إلى الإتحاد الأوربي، وبدأ توجهها الشرق أوسطي أكثر وضوحاً، خاصة وأن موقعها في منظومة حلف شمال الأطلسي ما عاد بتلك الأهمية كما في أيام الحرب الباردة. رفضت تركيا السماح للقوات الأمريكية من المرور عبر أراضيها لغزو العراق.
- إن تحرر النظام السياسي التركي من دور العسكريين قد عزز الديمقراطية التركية التي كانت تراها أوربا قاصرة ولا ترقى إلى المعايير الدولية مما وقفت حجر عثرة في وجه قبول تركيا في الإتحاد. قد لا تكون هذه القضية العائق الوحيد إذ كان الفاتيكان وبعض الأحزاب المسيحية تدعو إلى إبقاء الإتحاد مسيحياً. على كل حال أعتقد أن تعزيز دور تركيا الشرق أوسطي لا يعيق إن لم يكن يساعد على إكتساب العضوية في وقت لاحق.
- نشرت وكالة الإستخبارات الأوربية عام 2007 خبراً مفاده أن تركيا والسعودية عقدا إتفاقية سرية للوقوف بوجه "المد الشيعي".
- يُتوقع أن ينشأ تنافس بين تركيا وإيران للنفوذ في العالم الإسلامي. قد ينشأ خلاف جاد بين الدولتين على خلفية نصب قاعدة على الأراضي التركية ضمن مشروع الدرع الأطلسي الصاروخي لإعتراض الصواريخ الصادرة من مصدر شرق أوسطي.
- نشأت علاقات طيبة بين تركيا وسوريا إلى أن إندلعت الثورة إذ حاولت تركيا دفع النظام السوري بإتجاه إجراء إصلاحات هامة ومستعجلة إلا أنه لم يفعل ذلك فساءت العلاقات بينهما.
- لعبت تركيا دوراً في محاولة الوساطة بين سوريا وإسرائيل إلا أن إعتداء حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي على فرق كسر الحصار على غزة قد وترت العلاقات بين البلدين.
- لم تجدد تركيا مطالبتها القديمة بضم مدينة الموصل إليها. ولكن يقال إنها تدرج الموصل في الموازنة السنوية دون رصد أي مبلغ.
- صرح السيد عبد الله غول بعد إنتخابه رئيساً للوزراء قبل تبادل المواقع مع رجب طيب أردوغان بأن لتركيا الحق في 10% من نفط كركوك.
- لا يخفى على أحد أن النظامين الإيراني والتركي يعارضان فيدرالية كردستان العراق لأنها تبعث برسائل أمل ودفع للأكراد في كلا البلدين. غير أن الحكومتين إختارتا أن تقصفا القرى الكردية العراقية للإستهانة بالنظام العراقي الديمقراطي الفيدرالي ككل وبفيدرالية كردستان، كما تسببتا في حجب المياه عن العراق.
- كان السيد رجب طيب أردوغان معارضا لتولي السيد نوري المالكي منصب رئيس الوزراء حسبما أفاد السيد هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي. تربط تركيا بالطغمويين علاقات وثيقة وقد سبق أن عقدت عدة مؤتمرات علنية تحرض ضد العراق وكان أشهرها المؤتمر الذي أطلق فيه السيد عدنان الدليمي، رئيس جبهة التوافق العراقية، نداءه الشهير لمسلمي العالم حول سيطرة الشيعة على "بغداد رشيد هارون". كما عقدت مؤتمرات سرية في تركيا حضرها الأمريكيون والطغمويون ناقشوا فيها حتى مسألة إلغاء الدستور العراقي حسبما أفاد به في حينه الدكتور علي الأديب وزير التعليم العالي الحالي. تميز السيد طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي بعلاقاته الوثيقة مع حكومة أنقرة.
- لا أستبعد أن تتفق السعودية وتركيا على تقسيم العراق وفق السيناريو، المبحوث قبل قليل؛ وتكون حصةُ تركيا من الصفقة الإستحواذَ على كردستان العراق وكركوك، و"التنازل" عن الموصل، مع إستبعاد إمكانية إقامة فيدرالية ضمن الجمهورية التركية تضم كردستان العراق وتركيا تداركاً لغضب إيران والعسكر الترك. أعتقد أن أمريكا ستقف ضد هكذا صفقة لأنها ستزيد من إصرار إيران على إمتلاك السلاح النووي لكسب نقطة تنافسية لموازنة الكسب التركي عبر الصفقة.

الموقف الإيراني:
- النظام الإيراني ديني يتبوء المتشددون فيه موقع الصدارة، وهو يأخذ بنظرية ولاية الفقيه التي لا تأخذ بها المرجعية الشيعية العالمية ومقرها النجف في العراق. عدا الإنتخابات التي شابتها بعض الإنتهاكات، فإن النظام الإيراني ليس ديمقراطياً على عكس النظامين العراقي والتركي.
- القضية الفلسطينية تشكل لهذا النظام قضية مبدئية طبعت سياسته الخارجية. وهذا الإلتزام ليس حديث العهد أو تكتيكياً بل يمتد إلى أيام الشاه الذي قتل والد الخميني بسبب القضية الفلسطينية؛ وقد بحث ذلك بالتفصيل الكاتب والمفكر العربي الكبير السيد محمد حسنين هيكل في كتابه "مدافع آيات الله".
- وفرت إيران للسياسيين المعارضين العراقيين ملجأً أثناء النظام البعثي الطغموي وكذلك سوريا واليمن الديمقراطية وللمهنيين وفرت الجزائر وليبيا ودول عربية أخرى ملاذاً أيضاً. كما إن النظام البعثي الطغموي قد هجَّر إلى إيران أكثر من نصف مليون كردي فيلي.
- دعمت إيران الأحزاب الإسلامية في مصر وتونس والجزائر والمغرب وقد توترت علاقاتها لهذا السبب.
- دخلت إيران في حلف مع سوريا ومع أحزاب وحركات الممانعة الرافضة للإعتراف بإسرائيل وهي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان وحزب الله اللبناني.
- رغم دعمه للنظام السوري إلا أن الحكومة الإيرانية وجهت له نقداً خفيفياً وطالبته بالإصلاح وتلبية المطالب الشعبية على خلفية نشوب الثورة. وأعتقد أنها من باب الدعاية والكيد الطائفي إتهام إيران وحزب الله اللبناني والتيار الصدري العراقي بإرسال مسلحين إلى سوريا لدعم النظام.
- لا تلعب قضية الثورة السورية دوراً في العلاقات العراقية الإيرانية وخطط إيران بعد الإنسحاب الأمريكي من العراق. أما التهم الموجهة للحكومة العراقية بشأن موقفها في الجامعة العربية حيال فرض العقوبات على سوريا لفتح الباب أمام التدخل العسكري فيها، وإعتباره إملاءاً إيرانياً فهو دعائي سخيف سأناقشه فيما بعد، علماً أن الطغمويين يرون أن الوضع الطبيعي في العلاقة مع إيران يجب أن يكون عدائياً، وخلافُ ذلك فالدافع هو تبعية طائفية. غني عن البيان إن هذه الصيغة كانت تساق في العهود الطغموية الدكتاتورية لتبرير إستلاب السلطة من الشعب وممارسة الإقصاء والتهميش على شرائح واسعة منه. أظهرت الأيام سخافة رأي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عندما صرح بأن ولاء الشيعة ليس لأوطانهم، وأظهرت سخافة تصريح الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية الذي قال فيه "سلمت أمريكا العراق إلى إيران".
- ستحكم السياسة الإيرانية تجاه العراق، بعد إنسحاب القوات الأمريكية، العوامل التالية: محاولة الترويج لموقفها من مسألة ولاية الفقيه ومحاولة عزل رأي مرجعية النجف، الديمقراطية العراقية إذ لا يروق لهم توطدها وتطورها لأنها ستدفع الجماهير الإيرانية إلى المطالبة بمثيلها، الفيدرالية العراقية لأنها تحفز الشعب الكردي في كل من إيران وتركيا على الإقتداء بها.
لقد بدأت إيران بإلحاق الأذى بالعراقين حتى أثناء وجود القوات الأمريكية كتدريب وتسليح ميليشيا عصائب أهل الحق وقطع المياه وقصف القرى الكردية الحدودية وذلك لإحراج الحكومة العراقية وبالأخص إئتلاف دولة القانون وحزب الدعوة والمالكي.
كما هو حال الطغمويين في إئتلاف العراقية والسعودية وتركيا، فإن إيران تبذل جهداً للإيقاع بين العراق وأمريكا كل لهدفه.

موقف العراقيين من الثورة السورية:
أيد العراقيون شعباً وحكومةً الثورة الشعبية في سوريا ومطالبها الشعبية. إمتنعت الحكومة العراقية عن التصويت على قرار الجامعة العربية القاضي بتعليق عضوية سوريا في الجامعة إذا لم تتوقف عن قتل المتظاهرين. أدلى السيد على الدباغ المتحدث الرسمي بإسم الحكومة العراقية ببيان نقلت فضائية الجزيرة عنه ما يلي: [انتقدت الحكومة العراقية قرار جامعة الدول العربية بتعليق مشاركة سوريا في اجتماعاتها, ووصفته بغير المقبول والخطير جدا, وأكدت أن القرار لم يتخذ إزاء دول أخرى لديها أزمات أكبر, وانتقدت سعي البعض لتدويل القضايا العربية من خلال إحالتها إلى الأمم المتحدة.
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ - في تصريح بثته فضائية العراقية الحكومية- إن بلاده مع الحوار مع المعارضة السورية ومع حرية الشعب السوري. وأضاف "نحن ننتصر لإخواننا في سوريا وبالتالي نريد لهم الحرية الكاملة".
وانتقد الدباغ الطريقة التي عالجت بها الجامعة العربية القضية السورية, ووصفها بالقسرية التي تنقل القضية إلى التدويل. وألقى الدباغ اللائمة على العرب الذين ينقلون القضية إلى الأمم المتحدة وإلى التدويل.]
بيّن وزير الخارجية السيد هوشيار زيباري بأن تصويت العراق بالإمتناع لم يكن سلبياً أي لم يكن مجرد عدم تأييد المؤيدين أو المعارضين. قال بأن الوفد العراقي كان نشطاً جداً وهو الذي طرح الأسئلة وناقش ونبش في دواخل الأمور وتحرك بين العواصم في الوقت الذي لم يتكلم فيه أحد من المندوبين. إعترف السيد زيباري في فضائية الحرة (برنامج "حديث النهرين") بوجود ضغوط كبيرة من جهات عديدة، ولكنه أضاف ما مفاده بأن "الضغوط توجه على جميع حكومات العالم صغيرها وكبيرها، إنما العبرة في أن تكون لديك الوضوح والشجاعة والجرأة لتطرح موقفك أنت الذي ينسجم مع مصالحك وقناعاتك. وهذا ما فعلته الحكومة العراقية التي تستمد وزارة الخارجية مواقفها منها بناءاً على ما يناقش في مجلس الوزراء ويتم الإتفاق عليه بضمنه القضية السورية".

أما الرئيس جلال الطالباني فقد أعرب عن خشيته من أن يلعب المتزمتون الإسلاميون دوراً هاماً في الثورة.

من مجمل ملابسات القضية السورية وكلام السيدين الدباغ وزيباري، يبدو لي أن القضية مطبوخة طبخا جيداً والتهديدات غير الفارغة مورست من قبل أمريكا وفرنسا والسعودية وسمسار هذه الدول السيد رئيس وزراء قطر على كافة الوفود العربية. ويبدو لي أن الجميع من مؤيدين ومعارضين إكتفوا برفع الأيدي فقط لأن النقاش بل حتى السؤال يثير الرهبة لدى سائله لأنه كان سيُتخذ كتلميح ضد هذه الدولة المؤثرة أو تلك. لذا صمتَ الجميع وتكلم الوزير العراقي فقط لأن تأريخ العراق الجديد هو تأريخ صراع أعنف من هذا الصراع بكثير لأن قادة العراق الجديد الحقيقيين كانوا يواجهون قوات عسكرية على الأرض وقريبة منهم، بينما الثوار في تونس ومصر وليبيا مازالوا في صراع داخلي مع حكوماتهم. كان يجري الصراع في العراق سراً لأن كشفَه لم يكن يخدم الطرفين وهو قد عكس التوازن القائم بين الحكومة ومن ورائها الشعب والمرجعية وبين أمريكا وقواتها وحلفائها المحليين والأجانب. تسربت بعض المواجهات إلى الصحافة العالمية كما حصل حول خطة فرض القانون بين السيد المالكي والجنرال بتريوس قائد القوات الأمريكية. صرح الجنرال للصحافة العالمية مازحاً: "لم نصل حد الإشتباك بالأيدي"11.
أعتقد أن موقف الحكومة العراقية كان موقفاً مسؤولاً ومشرفاً يناصر الشعب السوري ولكنه لا يريده أن يقع فريسة التآمر والغدر وتدمير جيش وإقتصاد بلاده لتصبح سوريا رهينة للمال السعودي ورحمة الأمن الإسرائيلي – التركي. هذا هو المقصود من وراء قرار الجامعة العربية.

أما مواقف الأطراف السياسية العراقية فقد أذهلني ما سمعته عبر فضائية الحرة من طرح لإئتلاف العراقية ولم يتسنَّ لي الإطلاع على مواقف الأخرين إلا القلة. لقد عكست الآراء التي سمعتها مستوى واطئاً في التفكير السياسي وعكست ضحالة ونفاقاً وأنانيةً وتملقا للأمريكيين وخللاً في الروح الوطنية والقومية والإنسانية. أصابت البعض (رئيس تحرير صحيفة العالم) الهستيريا لمجرد أن موقف الحكومة العراقية (أسماه بموقف المالكي) لم يأخذ بالموقف الأمريكي مغمض العينين دون تقليب أو تمحيص. أدناه مناقشة لموقف إئتلاف العراقية التي إنتقدت الموقف العراقي على لسان عدة متحدثين :
- القرار لم يبحث في مجلس الوزراء: لقد فند ذلك وزير الخارجية السيد زيباري وأكد أن موقف العراق قرره مجلس الوزراء إذ بحث الموضوع في عدة جلسات. كما أكد ذلك الشيخ همام حمودي رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي.
- الموقف خرج على الإجماع العربي: هذا الإعتراض هو في غاية الطرافة والضحالة والذيلية لحد السخرية. أَسْأَلُ إئتلاف العراقية: كيف يتشكل الإجماع العربي؟ الجواب لدى إئتلاف العراقية بسيط للغاية: الجميع يذهبون إلى إجتماع الجامعة يريدون الإجماع، فيتكلم رئيس الإجتماع المندوب القطري ويؤيده صاحب السمو المندوب السعودي والجميع يعرف أن هذا هو إجماع أوربا وأمريكا فينخرط الجميع مؤيدين قطر والسعودية وما على المندوب العراقي إلا أن يتدحرج بإتجاه هذا الإجماع العربي وإلا فسوف يواجهه نقد لاذع من الرفاق المولعين بالإجماع والإجتماعات العربية والتغني بمشروعهم الوطني والعروبي.
- "نحن مع رأي الشعب السوري"، كان هذا رد السيد محمد الخالدي، مقرر مجلس النواب والنائب عن إئتلاف العراقية، على سؤال: لماذا كنتم ضد حكومة المالكي عندما شكت الحكومة السورية بسبب تفجيرات وزارتي الخارجية والمالية التي كان وراءها بعثيون مقيمون في سوريا والآن يتغير موقفكم؟ يريد السيد الخالدي، إذاَ، أن يقول: كان رأي الشعب السوري على طول الخط مؤيداً محباً لحكومته وتحوّل فجأةً إلى معارض لها وثائراً عليها. أي كلام هذا يا إئتلاف العراقية؟
- أخيراً طل علينا النائب السيد حيدر الملا، وهو الذي أنكر أي وجود لجريمة الدجيل بأي شكل وهي التي أصبحت ناراً على علم في كل أرجاء العراق، طلَّ علينا ليقول إن المالكي (ولم يقل الحكومة لأن رئيسه السيد صالح المطلك يشغل منصب نائب رئيس الوزراء فيها بمعية تسع وزراء من إئتلاف العراقية ولكنهم مشاركون وليسوا شركاء!!) يكيل بمكيالين. يقصد السيد الملا ومن أحاط به في مؤتمره الصحفي أن الحكومة العراقية كانت إلى جانب الشعب في البحرين وباقي الدول العربية ولكنها إمتنعت عن تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لأن رئيس الجمهورية بشار الاسد ينتمي إلى الطائفة العلوية. يا له من تفسير طائفي وكأنه يشي بما في داخل السيد الملا على قاعدة "كل إناء بالذي فيه ينضح". لماذا أعمت السيد الملا طائفيته وأنسته أنه لو كان المقصود من تعليق عضوية سوريا هو بشار الأسد وحسب لهانت الأمور بألف ألف مرة لأن النظام ورئيسه فاشي مجرم يعرفه السيد الملا وخدم الأتعسَ منه مخلصاً في غابر الأيام، غير أن المقصود هي سوريا بجيشها وإقتصادها كي ينهار النظام الأمني العربي أمام إسرائيل وقد أدركت هذه الحقيقة كل من روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وغيرها، وتصبح سوريا رهينة بيد إسرائيل وتركيا والمال السعودي.
- صدرت تنويهات أيضاً من إئتلاف العراقية وغيرها بأن الموقف العراقي بالإمتناع عن التصويت أملته إيران. أقول: الذي يعرفه العالم أن إيران توصف بالعدوة اللدودة لإسرائيل وكذلك سوريا وحماس وحزب الله (رغم أني لا أتفق مع ستراتيجية المواجهة المسلحة لكنني أحترم خيار هذه الأطراف). أمريكا أبدت العداء الشديد للنظام السوري وساهمت في إبعاد الثوار عن التحاور مع النظام وإفشال مبادرة الجامعة العربية. لأمريكا قوات مازالت موجودة في العراق. أسألُ أي عاقل: أيهما مخيف أكثر للحكومة العراقية "العميلة" أمريكا أم إيران؟ وممَّن يخشى النظام العراقي وهو له التأييد الشعبي المطلق في الإنتخابات السابقة وستزداد، حسب تكهني، في اللاحقة لتحميه ضد أي معتدٍ داخلي أو خارجي؟ بقي أمر واحد: ربما
إبتلى الله شيعةَ العراق ب(جين) العشق لإيران سواءاً أيام الشاهنشاه أو أيام الوليِّ الفقيه ف"العشق عشق والغرام بلاء". نسأل الله أن يقينا شر الجينات اللعينة.
- أما أحد كتاب المقالات في صحيفة "المواطن" فقد خرج علينا بخبر كالقنبلة علمت به صحيفته فقط وبشكل "مؤكد" فجّرَه في فضائية (الحرة – عراق) (برنامج العمود الخامس بتأريخ 17/11/2011) مفاده أن بشار الأسد قد هدد المالكي بأنه سيحرق ثلاثة أرباع العراق إذا صوت لصالح القرار في الجامعة العربية. سؤال: لماذا لم يهدد بشار الأسد الأردن مثلاً؟ أو السعودية وهي "رأس الأفعى"؟ أو قطر وهي "ذيل الأفعى"؟ علماً أن الأسد قال بأنه سيحرق المنطقة بأكملها. ودعونا نَقُلْها بالعراقي: "هو الأسد بيا حال حتى يحركَ العراق؟"
- أنتقد نفس كاتب صحيفة "المواطن" المشار إليه في الفقرة السابقة رئيس الوزراء لأنه "لم يظهر حنكة سياسية" ، إذ كان عليه على الأقل أن يفرض على سوريا تسليم البعثيين المطلوبين للعدالة مقابل التصويت. سؤالي: هل تعامل هكذا قضية الأوطان والشعوب وهي في مأزق حقيقي؟
- قبل أن أنهي هذا المقال شاهدت بتأريخ 25/11/2011 برنامج "حديث النهرين" في فضائية الحرة-عراق حول موقف المثقفين العراقيين من الثورة السورية ومن موقف الحكومة العراقية حيالها. أدار الحوار السيد فلاح الذهبي. كعادته، كانت آراء الدكتور عامر حسن فياض، عميد كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين والقيادي في التيار الديمقراطي، ناضجة ومتوازنة فقد ميز بين الموقف المبدئي من الثورة، التي يؤيدها بكل قوة، وبين الموقف السياسي. وبناءاً على ذلك وجملة معطيات أيد موقف الحكومة العراقية من قرار تعليق عضوية سوريا. ولاحظ عدم جدية المتحكمين بالجامعة العربية الآن من حقيقة أن التحقيق والتقصي كانا يجب أن يسبقا قرار التعليق وليس العكس كما حصل. أما السيدان فاضل ثامر، رئيس الإتحاد العام للأدباء العراقيين، والدكتور حيدر سعيد، الباحث والمحلل السياسي، فقد أيدا الثورة السورية بكل قوة أيضاً. ثم إنطلقا، كما عهدتُهما، من منطلق الأحكام المسبقة المبنية على نظرة إيديولوجية سطحية وغير معمقة لتقييم موقف الحكومة العراقية. ملخص رأيهما: "رئيس الوزراء من حزب ديني، إذاً لا خير فيه وبحكومته". لقد أدان السيد فاضل ثامر موقف الحكومة العراقية وتمناه لو كان موقف الممتنع، مما أثار إستغراب الحاضرين إذ يبدو أن السيد فاضل قد شارك في الحوار وهو غير عارف بالموقف الذي إتخذته الحكومة العراقية، لأنه إفترض، كما بدا لي، أن الحكومة ستقف موقف المعارض ومن منطلق أن النظام السوري هو نظام علوي وأن المالكي شيعي فسيكون موقف الحكومة بالضرورة الإيديولوجية المسبقة معارضاً للقرار، وأن طروحات الدكتور عامر هي مبررات للحكومة العراقية. العجيب أن السيد فاضل إعتبر أن من لا يؤيد موقف الجامعة العربية الذي هو موقف قطر والسعودية ومَنْ ورائهما، أي أمريكا وفرنسا، فهو ضد الثورة السورية؛ وهو لم يستوعب موقف التمييز بين التأييد المبدئي والموقف العملي أي السياسي . أما الدكتور حيدر فقد عارض الدكتور عامر على إستغرابه من الهبوط المفاجئ للروح الإنسانية على حكام الخليج في الجامعة العربية قائلاً: إن تصويت الحكومة العراقية لم يبنَ على أساس أن الخليجيين رجعيون بل لأنهم سنّة!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والتهجير الداخلي والخارجي والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كماإنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.

الطائفية: للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى الكراهية والعنف والحرب. إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كلُ شخصٍ قوميةَ ودينَ ومذهبَ وفكرَ الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو إكراه على التغيير القسري؛ ويتم كل ذلك في إطار الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.
أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية، بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو على يد سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة. لو تعمقنا في موضوع الطائفية السياسية لوجدناها ترتبط بمصالح طبقية. والطائفي هو من يمارس الطائفية بهذا المعنى أو يؤيدها أو يدعو لها. طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري- الصدامي؛ ولم يحصل إضطهاد طائفة لطائفة أخرى. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى، كما مورس إضطهاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بسبب أفكارها الديمقراطية والوطنية والتقدمية. وقد حوربت الأحزاب الدينية الديمقراطية بوحشية خاصة أثناء الحكم البعثي الطغموي. الحل الصحيح للقضاء على الطائفية السياسية يكمن بإعتماد الديمقراطية بكامل مواصفاتها اساساً لنظام الدولة وعدم حشر الدين في الشئون السياسية. لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. وهو أمر يدعو إلى التفاؤل والتشجيع، آخذين بنظر الإعتبار ضرورة التمييز بين ما هو شأن سياسي وما هو شأن ثقافي تراثي شعبي قابل للتطوير في أشكاله الطقوسي.

2. في الحقيقة، الديمقراطية اللبنانية منتقصة. فهي تقوم على الطائفية الصرفة مثلما يريد أن يفرضها الطغمويون في العراق دون إستجابة. فالمواطنون اللبنانيون ليسوا سواسية أي لا يأخذ النظام الإنتخابي هناك بمبدأ: "لكل مواطن صوت". فالمسلمون والمسيحيون لهم أصوات متساوية في مجلس النواب رغم أن المسلمين يشكلون 59% مقابل 41% للمسيحيين. غير أن الفرد اللبناني ديمقراطي الفكر والتعامل مع الآخر، وهو ما نفتقده في العراق وفي كثير من الدول العربية لأننا لم نعرف نظماً سياسية متسامحة توفر شيئاً من الحرية إلا في أيام ثورة 14 تموز/1958 وفي العراق الديمقراطي القائم بعد سقوط نظام البعث الطغموي.

3. أفادت المصادر العراقية بأن عدد ضحايا حملة الأنفال ضد الشعب الكردي في كردستان العراق بلغ (182) ألف شهيد. كما أفادت المصادر أن عدد ضحايا الشهداء الذين قتلوا في وسط وجنوب العراق أثناء إنتفاضة ربيع عام 1991 الشعبانية بلغ أكثر من ربع مليون شهيد. قدرت وكالة الإستخبارات المركزية (سي.آي.أي.) ضحايا الأنفال ب (72) ألف شهيد وعدد ضحايا الإنتفاضة ب (21) ألف شهيد.

4. أعتقد أنه سوف تكون الثورتان العراقية والليبية الأكثر جذرية من الثورتين المصرية والتونسية. السبب هو أن كيان الدولة السابق قد إنهار بالكامل في العراق وليبيا وأهمها المؤسستان العسكرية والدينية المواليتان للنظام السابق. أصبح لزاماً على النظامين بناء هياكل ومؤسسات جديدة تلعب القوى الجديدة فيها الدورَ الرئيسي في وجه عرقلة أضعف نسبياً من عرقلة الإنشداد للماضي في كل من مصر وتونس. قوى الإنشداد للماضي هي: المؤسستان العسكرية والأمنية والطبقة الإجتماعية السياسية التي مثَّلها النظام السابق فدعمته، وبعض قوى المعارضة التقليدية وأخيراً الفكر الوهابي المدعوم بالمال السعودي. لابد من توضيح مصطلح "الأكثر جذرية". فالجذرية هنا لا تعني موضوعة أسس النظام الإقتصادي إن كان رأسمالياً أو إشتراكياً بل يعني "العدالة" النسبية، ضمن النظام الرأسمالي، ومكافحة الفساد وتوفير حد أدنى لدخل الفرد. وتعني الجذرية سياسياً نزاهة الإنتخابات وإستقلال القضاء وضمان الحريات المختلفة.

5. أثبتت لجنة تقصي الحقائق التي شكلها ملك البحرين برآسة السيد محمود بسيوني في تقريرها الصادر يوم 24/11/2011، عدمَ وجود ما يشير إلى تدخل إيراني في ثورة 14 فبراير شباط البحرينية (وهو أمر معروف سلفاً وجاءت هذه التهمة الجاهزة لتبرير القمع). مقابل هذا برّأت اللجنة قوات درع الجزيرة السعودية-الخليجية من أية إنتهاكات لحقوق الإنسان. ولإستكمال صيغة "لنا العنب ولكم السلة"، إعترف التقرير، بعد أن بقي عنب السلطة بيد الطغمويين، بحدوث تعذيب بقصد العقاب وإنتزاع إعترافات من الثوار. وهذا الإعتراف هو السلة التي رموها للشعب.

6. قال السيد حسن العلوي، زعيم القائمة العراقية البيضاء، بأن صدام إنتقد شاه إيران لأنه سلم الحكم للخميني وكان عليه عدم التسليم حتى ولو أحرق نصف طهران.

7. بعد قتل قصي صدام حسين للفريق الركن كامل ساجت عزيز الجنابي بدم بارد (ربما لطمس أسرار إحتلال الكويت لأن الفرق كامل كان على رأس القوات التي إحتلت الكويت)، هرب شقيقه الرائد خالد الجنابي وأدلى بحديث من راديو العراق الحر (حوالي عام 2000) قال فيه إنه شهد بنفسه حضور قصي صدام حسين إلى سجن أبي غريب وطلب من آمر السجن العميد حسن العامري إعدام ال (2500) موقوف وسجين سياسي لديه خلال يومين. وقد تم ذلك بالفعل.
كما أفادأحد مسؤولي دائرة الأمن في البصرة في فضائية الحرة-عراق بأ ن أوامر وصلتهم من بغداد (من علي حسن المجيد) تقضي بإرسال أربع معارضين مقابل كل بعثي قُتل في إنتفاضة ربيع عام 1991 الشعبانية. قال المسؤول بأن عناصر الأمن ألقت القبض على أي مشتبه به ولو من بعيد ولم يصل إلى العدد المطلوب، لإختفاء الآخرين. طلب المسؤول في بغداد لملمة المستطرقين لإستكمال العدد وإرسالهم. وهذا ما تم، وأرسلناهم ولم نسمع عنهم شيئاً.

8. نشرتُ، في صحيفة صوت العراق الإلكترونية عام 2006، أدلة على إنتهاج النظام البعثي الطغموي سياسة ممنهجة مبرمجة للتطهير العرقي والطائفي وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. وقد نشر آخرون كتباً وموسوعات بهذا الصدد وأهمها ما وثَّقه ونشره الدكتور صاحب الحكيم رئيس لجنة حقوق الإنسان العراقية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وكتاب "جمهورية الخوف" للمهندس كنعان مكية.
9. الشيء في الشيء يُذكر. فقد وجه عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي اللوم لوكالة الإستخبارات المركزية (سي.آي.أي.) بُعَيدَ نجاح ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق لإخفاقها في رصد حركة الضباط الأحرار بقيادة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم (الذي ظفروا به في 8 شباط عام 1963 الأسود بإنقلاب دبرته الوكالة بمعية آخرين ونفذه الطغمويون الذين يحاولون لعب نفس الدور اليوم).
10. وهذا رد مفحم على المتحذلقين ومزوري التأريخ والمغرضين الذين يشيعون بأن الأحزاب الحاكمة في العراق تمكنت من الوصول إلى السلطة عن طريق الأمريكيين، وتناسوا جولات الإنتخابات التي زكتها الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي واليابان والهند بكونها ترقى إلى المعايير الدولية. إن الناكرين، من حيث يعون أو لا يعون، يحتقرون الديمقراطية والشعب. صحيحٌ أن العراق ما كان ليحلم بشيء من الديمقراطية التي ينعم بها اليوم لولا الأمريكيون أساساً، وصحيحٌ لولاهم لما سقط النظام الطغموي أبداً، إذ حتى لو سقط صدام وعائلته لبقي النظام طغموياً معادياً للشعب مادامت هناك طبقة طغموية مستفيدة يدعمها جيش وشرطة وأمن وشريحة إعلامية - فكرية ذيلية تبريرية مستفيدة؛ وتشهد المفخخات وكواتم الصوت على شراسة بقاياهم حتى يومنا هذا حيث حصلت بالأمس ثلاث إنفجارات في البصرة واليوم خمس إنفجارات في بغداد. ما كانوا ليسقطوا حتى لو كان هناك مائة ربيع عربي، وقد رأينا ما حل بالبحرين.
11. أعتقد أن السبب يعود إلى إضطرار الحكومة العراقية إلى التعتيم على خروقات الأمريكيين تحاشياً للإصطدام بهم علناً ومحاولة دفع الأمريكيين لتحقيق علاقات صداقة نزيهة متكافئة قائمة على المصالح المشتركة والإحترام المتبادل، وهذا ما تم أخيراً. كان بالإمكان تثقيف كوادر حزب الدعوة على نطاق ضيق وحذر بما يجري في شتى المجالات ليقوموا، بدورهم، في توعية الجماهير بالقدر والإسلوب المناسبين.
12. هذه ليست المرة الأولى التي وردت فيها تقارير عن تورط قادة في إئتلاف العراقية للهيمنة على السلطة في العراق بأية وسيلة كانت ضاربين الديمقراطية بعرض الحائط ولو أدى ذلك إلى إراقة الدماء على نطاق واسع. أدرج فيما يلي ثلاث تقارير ظهرت في الصحافة العالمية والمحلية تؤكد صحة إصرار الطغمويين على محاولة إسترجاع السلطة بأية وسيلة كانت:
a. على هامش مؤتمر بروكسل عام 2005 الذي نظمه الإتحاد الأوربي حول العراق، تقدم الطغمويون السادة: سعد البزاز وعدنان الباجه جي وأيهم السامرائي بمباركة حزب البعث ومحمد سعيد الصحاف والشيخ حارث الضاري- تقدموا بعرض للغربيين تعهدوا فيه بطمأنة مصالحهم النفطية ومحاربة إيران إذا سًلِّموا الحكم في العراق.
b. قدم السيد أياد علاوي، عام 2007، مشروعاً إلى الدكتورة كوندليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية. أوضح السيد أسامة النجيفي ماهية ذلك المشروع، فقال إن مشروع الدكتور أياد دعى إلى إلغاء الدستور وحل مجلس النواب.
c. نشرت صحيفة (البيسو) الإسبانية عام 2007 تقريراً حول إجتماع نائب الرئيس العراقي السيد طارق الهاشمي بالرئيس الأمريكي السابق السيد جورج بوش الإبن في واشنطن حيث طلب السيد الهاشمي تسليم الطغمويين السلطة في العراق مقابل أداء خدمات مشابهة لتلك التي يقدمها الحكام العرب الآخرون لأمريكا بضمنها حل قضية الشرق الأوسط (أي القضية الفلسطينية) وفق الهوى الإسرائيلي.

13. كتبتُ رسالتين نشرتا في الواشنطن بوست بتأريخ 29/11/2006 تعقيباً على مقال المستشار نواف عبيد. أدناه ترجمتهما اللتان نشرتا في صحيفة صوت العراق الإلكترونية بتأريخ 1/12/2006:
"سيدي العزيز،
دع السيد نواف عبيد يفصح عن "التداعيات التي هي اسوء بكثير من التداعيات المترتبة على عدم تحرك السعودية" في حال انسحاب القوات الأمريكية من العراق، على حد قوله. لو كان السيد نواف صادقا، بما فيه الكفاية، لأجابنا بما يلي: إن العراقيين قادرون على بناء نظام ديمقراطي بمساعدة الولايات المتحدة(إن لم يكن بدافع الحب للديمقراطية فبدافع الحفاظ على أرواح الناس العراقيين من الفناء، وبالأخص الشيعة والكرد، الذين تعرضوا لجرائم الإبادة الجماعية تحت نظام صدام حسين؛ ذلك النظام الذي يسعى السعوديون وغيرهم في المنطقة إلى اعادة فرض نظام شبيه له من جديد على العراقيين).

وإذا كان السيد عبيد صادقا، ثانية، لأضاف قائلا: تشكل الديمقراطية لنا، نحن السعوديين، مرضا قاتلا كمرض الإيدز.
عندئذ سأقول هذا هو كلام الحق والصدق. أما الحديث عن قتل السنة والتدخل الإيراني فهذا كلام سخيف.

علينا أن نتذكر أن النظام السياسي السعودي هو من أشد النظم في العالم رجعية وتخلفا؛ وأن سجله في مجال حقوق الإنسان لهو أسوأ سجل. وهتان الحقيقتان هما اللتان أنتجتا 16 إرهابيا من أصل 19 قتلوا 5000 إنسانا بريئا يوم 11/9/2001. وشكرا.
محمد ضياء عيسى العقابي
مهندس عراقي متقاعد
مونتريال – كندا."
وجاء في الرسالة الثانية ما يلي:
" إذا نظرنا إلى الأمور من زاوية أخرى، فقد يكون ما كتبه السيد نواف عبيد إفصاحا عن خطة مستقبلية أمريكية- إسرائيلية- سعودية لمصلحة هذه الأطراف. ربما أيقنت الولايات المتحدة وإسرائيل بعدم قدرتهما على منع إيران من تطوير سلاحها النووي. عليه فربما فكرا بتعطيل فاعلية هذا السلاح "الشيعي" ضد إسرائيل عن طريق مواجهته بالسلاح النووي "السني" الباكستاني وتحييده......
وهكذا تنشأ قضية جديدة في الشرق الأوسط تستنزف العرب والمسلمين للقرن الواحد والعشرين، بعد أن يسدل الستار على قضية الشرق الأوسط الحالية أي القضية الفلسطينية التي استنزفتهما طيلة القرن العشرين. ولكن الإحتدام الكارثي هذه المرة سيكون سنيا – شيعيا على نطاق العالم.
وبهذا ستحصن العائلة المالكة السعودية الرجعية الشمولية الأوتوقراطية نفسها من مرض الديمقراطية الكريه. "
14. "مخطط حرق الأعشاش": أشارت التقارير إلى أن عددا من دول المنطقة بزعامة السعودية قد وضعوا مخططا بهذا الإسم ورصدوا له أموالا طائلة بهدف تخريب/ أو التأثير على الإنتخابات البرلمانية التي جرت في 7/3/2010 في العراق لصالح الطغمويين والتكفيريين مستخدمين جميع الوسائل الممكنة، إرهابية وإعلامية وفساد، والضرب والتهريج والتخريب في كافة الإتجاهات وبكافة الوسائل وفي أي وقت وتحت أي ظرف.



#محمد_ضياء_عيسى_العقابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما لم يقله وكيل الداخلية للإستخبارات حول التخطيط البعثي
- lموقف الجادرجي من قيادة ثورة 14 تموز
- ماذا وراء تصريحات وزير الدفاع الأمريكي؟
- لو حرصوا حقاً على مصالح الشعب
- القرار الإتهامي ليس إختباراً لهيبة الدولة اللبنانية
- الإنتخابات المبكرة ليست مخرجاً للأزمة
- تباً لهكذا منظمات مجتمع مدني!!
- إئتلاف العراقية يعلن الحداد
- المقاصد الضيقة تغلبت على المصلحة الوطنية
- خاطرة حول العراق ومصر والسعودية
- تعقيب على تعليقين حول مقال -إسقاط الحكومة بين الجد والهزل ال ...
- إسقاط الحكومة بين الجد والهزل القاتل
- حرية التفكير وشجاعة التعبير عن الراي
- لماذا إجتمع القذافي بالبعثيين العراقيين في هذا الوقت بالذات؟
- إجتماع القذافي بالمعارضة العراقية: كيف ينحط العرب؟
- إيران وإسرائيل وصالح المطلك ورفاقه و -مخطط حرق الأعشاش-
- الإستعداد لمرحلة ما بعد العفو والمصالحة1-2 و 2-2
- لماذا رضخت أمريكا للخطة الأمنية الجديدة
- -العراق ... من أين وإلى أين؟- / الإحتلال وحل الجيش العراقي


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ضياء عيسى العقابي - الثورة السورية والعراق والربيع العربي والجامعة