|
أغنيات بتاريخ إنتهاء صلاحية
حنين عمر
الحوار المتمدن-العدد: 3555 - 2011 / 11 / 23 - 19:48
المحور:
الادب والفن
قررت أنا وأصدقائي أن نتناول وجبة الغداء في ذلك اليوم معا، التقينا واخترنا مطعما هادئا – أو اخترته أنا للأمانة- لأنني كنت أرغب في أكلة فرنسية يتقن مطبخه صناعتها، سحب كلُّ منا كرسيا، جلسنا وغصنا في الثرثرات... إلى أن لوحت بيدي وأوقفتها حينما تغيرت الأغنية التي كانت تشكل خلفية الجلسة وبدأت أغنية أخرى وصلتني موسيقاها، فأشرت لهم بالسّكوت قائلة : "لحظة ...أريد أن أسمع هذه الأغنية، كأنني أعرفها ؟؟؟" أنصتت صديقتي قليلا، ثم قالت : " سمعتُ هذه الأغنية أنا أيضا، لكنني لا أتذكر كلماتها ". وهكذا انخرط الجميع في محاولة معرفة الأغنية لنفاجأ في الأخير أنها أغنية شهيرة جدا لمطربة شهيرة من مطربات الموضة – وهي أغنية جميلة على كل حال- ، وأننا جميعا نعرف تلك الأغنية جيدا ولطالما سمعناها مرارا وتكرارا ولكننا جميعا عجزنا عن استرجاعها من الذاكرة. هذه الحادثة البسيطة جعلتني لا استمتع بتناول وجبتي، لأنني انشغلت بأسئلة كثيرة راحت تتزاحم في رأسي وتضع علاماتٍ بقلم لبادٍ أحمر عريض على ملاحظات كثيرةٍ نلمس انعكاساتها في الفن العربي بشكل مخيف، وهو ما ينعكس سلبا أيضا على المتلقي العربي من الناحية السايكولوجية و والسوسيولوجية ويصنع "فن الساندويتشات": أغنيات سريعة استهلاكية بقيمة غذائية قليلة ومشبعة بالكولسترول. تلك الأغنيات قد تكون سيئة غالبا ولكنها قد تكون أيضا جميلة في بعض الأحيان، وقد تعجبنا حينما نكون جائعين، فنستمع إليها كثيرا، ولكننا بعد أن نشبع ونسأم منها لا نصبح قادرين على تذكرها ولا على تذكر كلماتها، وهو أمر ينطبق أيضا على الفديو كليبات التجارية التي تبهرنا أحيانا فتشدنا مشاهدتها بادئ ذي بدء لتتحول في نهاية المطاف إلى مادة منفرة نضغط سريعا على زر الرّيموت كنترول لنتخلص منها. إنه زمن أغنيات "الصرعة" ، التي تشبه ضربة شمس: تشتهر الأغنية قليلا، تشغل الناس، ثم تختفي وتموت وتنتهي فلا يتذكرها ولا يحن أحد لسماعها بعد ذلك، وكأنها أغنيات بتاريخ صلاحية محدد، حينما يتجاوزه الزمن، تصبح غير قابلة للاستهلاك، وربما سنشهد قريبا وضع تواريخ على السيديهات شبيهة بتلك التي توضع على علب الجبنة. لكن، لماذا نتذكر –مثلا- أغنيات فيروز وأم كلثوم من أول نوتة موسيقية نسمعها من لحنها؟ لماذا نحفظ كلمات أغنياتها وكلمات أغنياتٍ طربية كثيرة عن ظهر قلب، بينما نعجز عن استرجاع كلمات الأغنيات الجديدة. لماذا بقيت هذه الأغنيات حية بكامل لياقتها منذ عقود وأجيال؟ لماذا ما نزال نبحث عنها ونرغب بسماعها؟ أين المشكلة بالضبط يا ترى ؟ هل هناك مشكلة في كلماتٍ لم تعد تتسم بالعمق ولا تحترم "الشعر" ولا ترقى بالذائقة السماعية إلى أبعد من ابتذال وشتم وألفاظ سوقية، بحيث يمكن لأي كان أن يؤلف جملتين تنتهيان بنفس القافية ويدق على خشب الطاولة لحنا لتصبح أغنية؟ أم يا ترى هناك مشكلة في ألحان تكررت حتى ترهلت؟ أم هناك مشكلة في الكاريزما العامة لأغلبية المطربين والمطربات "الجدد" الذين لا هم لهم سوى المعجبات وتوقيع الأوتوغرافات والتدقيق على مواعيد عيادات التجميل. لا أعرف صدقا أين الخلل بالتحديد؟، وقد فكرت أنها –ربما- حالة ألمت بي وبأصدقائي وببعض من أعرفهم من باب الصدفة، وأنّه هناك الكثيرون ممن يمكن أن يكون لهم رأي مغاير مفاده أن هناك أغنيات جديدة لمطربين "جدد" تندرج ضمن "أغنيات خالدة"، وأن "نظرية الساندويتش" مجرد وهم غذائي انتابني بسبب كوني كنت جائعة لحظتها، فخيل لي أن الفن العربي في خطر ويحتاج إلى نهضة حقيقة تقضي على انحداره وتصلح فيه ما آل إليه حاله الذي جعله يتحول إلى مرتع لكل من هب ودب وسولت له نفسه أن يصبح "مطربا" ليزيد من نسبة التلوث السمعي على سطح الأرض. لا ادري ... لكنني إلى أن أعرف الجواب وتنكشف لي الأسباب، سأكتفي بحماية أذني قدر الإمكان من هذا الإشعاع الفني السرطاني، وسأشغل الآن أغنية لفيروز، وسأرددها مبتسمة دون أن أخاف من "التسمم" لأنها كالعسل الطبيعي ..لها "صلاحية" أبدية. حنين//
#حنين_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب ... لديهم مواهب -أمريكية- !
-
الحفاظ على الرأس المرتفع : دور الإعلام العربي في الثورات الش
...
-
كل عام وأنت نزار قباني
-
قبر الغريب
-
اليوم العالمي للرجل
-
المدن كالنساء
-
فلسفة الكعب العالي
-
سحر أبيض وأسود
-
المصفقون
-
هيباتيا: شهيدة النور
-
أبطال من ورق
-
لازاريوس بروجكت
-
فنجان قهوة
-
أنتَ ؟ : أنتَ الذّاكرة
-
نقطة...أول العطر!!!
-
في مديح المنفى البعيد جدا
-
كامل الشياع : ليس كل الموتِ موتا
-
سيجارة إخبارية
-
ست ُّالشناشيل
-
سرطان
المزيد.....
-
فنان مصري: -الزعيم- تقاعد واعتزل الفن دون رجعة
-
من إلغاء جولتها الفنية إلى طلاقها.. جنيفر لوبيز تكشف كيف -ان
...
-
غزة.. عزف الموسيقى لمواجهة البتر والألم
-
لعبة التوقعات.. هل يفوز عمل غير غربي بجائزة نوبل للآداب 2024
...
-
اندمج في تصوير مشهد حب ونسي المخرج.. لحظة محرجة لأندرو غارفي
...
-
تردد قناة روتانا سينما 2024 الجديد على نايل سات وعرب سات.. ن
...
-
الممثل الخاص لوزير الخارجية الايراني يبحث مع نبيه بري قضايا
...
-
سيدني سويني وأماندا سيفريد تلعبان دور البطولة في فيلم مقتبس
...
-
فشلت في العثور على والدتها وأختها تزوجت من طليقها.. الممثلة
...
-
-دبلوماسية الأفلام-.. روسيا تطور صناعة الأفلام بالتعاون مع ب
...
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|