أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهند الحسيني - بولس الرسول .. الشخصية التي غيرت وجه التاريخ















المزيد.....

بولس الرسول .. الشخصية التي غيرت وجه التاريخ


مهند الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 3543 - 2011 / 11 / 11 - 15:01
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مقدمة

كثيرة هي الشخصيات التي تركت بصماتها على جدار التاريخ وساهمت بتغيير مجراه (بغض النظر ان كان هذا التغييير يحمل سمة السلبية أوالايجابية )، وتغيير مسار الاحداث ساهم فيه كثير من هؤلاء فمنهم من غيره على الصعيد العلمي والتكنلوجي ومنهم من غيره على صعيد الواقع الجغرافي والسياسي والحضاري والخ الخ .
لكن يبقى ان اخطر تغيير يمكن ان نشير اليه هو المنهج العقائدي باعتباره يلامس واقع المجتمعات البشرية ( المؤمنة بالفطرة ) ويستقطبهم نحو فكرة ومنهج محدد له القدرة للتأثيرعلى كافة مناح الحياة سياسيا واجتماعيا وحتى اقتصاديا ، وعليه فنحن لا نبالغ حين نقول ان اكثر الاشخاص الذين غيروا مسار التاريخ هم الانبياء وبعض اصحاب المذاهب الدينية (الاصلاحيين منهم والمحافظين) ، ومن يراقب سطوة المد الديني بكافة تنوعاته وفق مبدأ العقل الجمعي اللاواعي حتما سيتفق معنا .
ومن الشخصيات التي كان لها الأثر البالغ في تغيير ملامح الجغرافية الدينية واتساع رقعة المسيحية هو بالطبع لن يكون غير شاؤول ( بولس الرسول) ، الذي استطاع بدهاءه ان ينشر اصول المسيحية التي نعرفها اليوم بعد ان جددها ونفض عنها الغبار واطرها في إطار فانتازي يمتاز بادبيات ما ورائية.
وربما ان ذكاء بولس هو من دفعه لان يعتمد على ابعاد الناس عن العقل والتفكير المنطقي واللجوء لتراث أشبه بالخرافة، حتى انقلبت بعده كل المعايير فصار الفهم والحكمة جهالة وأصبحت الجهالة هي الحكمة المقدسة ( كما هو الحال في باقي الديانات الابراهيمية ) .
وقد استطاع من خلال رسائله ومواعظه (ولو بعد حين ) التي كان يرسلها للبلدان والامصار في ان يخلق البذرة التي اسهمت بتحويل الدولة الرومانية من امبراطورية وثنية لامبراطورية تدين بالمسيحية سعت لنشر دينها الجديد بقوة السيف وقتل كل المناوئين لهذا الفكر الجديد ( بمعنى ان الامر قد قلب تماما عما كان عليه قبل مشروع تحول قسطنطين) ، كما حصل من حرق مكتبة الاسكندرية العامرة بعلوم بطليموس وغيره من فلاسفة الاغريق ، وكما حدث بقتل كل من يتعاطى المفهوم المنطقي للعلوم الطبيعية (مثل حادثة قتل العالمة المصرية الشهيرة هيباتيا ).
ومن الضروري ان أشير الى ان هذا البحث الموجز والمختصر ليس الغرض منه تفنيد تراث دين على حساب اخر ولا هو انتقاص من ديانة بقدر ماهو كشف لحقائق تاريخية .

روماني الولادة .. يهودي الديانة .. مسيحي العقيدة !!!

ولد في حوالي السنة الخامسة ميلادية في مدينة طرسوس (تركيا الحالية)، ويقال أن ولادته كانت بين الخامسة والعاشرة ميلادية، اسمه الحقيقي اسم عبري ( شاؤول) وهو أسم أول ملوك مملكة إسرائيل، أما اسمه الروماني فكان بولس ، فاليهود قد أعتادوا ان يتخذوا اسما رومانيا لهم من اجل علاقاتهم مع اليونانيين ومع الإمبراطورية الحاكمة وولاتها في الأمصار الخاضعة لحكمها ، الا ان بعض المصادر تذكر بأن شاؤول عرف باسم بولس بعد اعتناقه المسيحية.
أهتم بولس بدراسة الشريعة اليهودية منذ سنته العاشرة، وفي الرابعة عشرة ذهب إلى أورشليم ليكمل تعليمه اللاهوتي وقد تعلم على يد أساتذة من اليهود، حتى اصبح متبحراً في لاهوتيات الإسكندرية الهيلينستية، ومتأثر بطرائق التعبير الفلسفي وبأساليب الرواقيين ، وهذا ما عبر عنه الكتاب المقدس :
" أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ كِيلِيكِيَّةَ وَلَكِنْ رَبَيْتُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ مُؤَدَّباً عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ. وَكُنْتُ غَيُوراً لِلَّهِ كَمَا أَنْتُمْ جَمِيعُكُمُ الْيَوْمَ. " ... (أعمال الرسل 22: 3).
وقد اشتهر أول حياته بميوله المتطرفة باضطهاد المسيحيين ومتحمسا بإيذائهم ، حارب الكنيسة الناشئة لأنه كان يعتبرها فرقة يهودية ضالة تهدد الديانة اليهودية الرسمية ، وبعد ذلك عمل للحصول على موافقة الكهنة اليهود بتتبع المسيحيين حتى مدينة دمشق كي يسوقهم موثقين إلى أورشليم، لأنه أحس بأن المسيحية الفتية تعتبر خطرا كبيرا خاصة بالنسبة له كيهودي متدين فهو كان يعتقد أن عليه مقاومة اسم يسوع الناصري بكل جهده، وكما ورد في سفر اعمال الرسل :
" وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ، إِلَى الْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاسًا مِنَ الطَّرِيقِ، رِجَالاً أَوْ نِسَاءً، يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ" ... (أعمال الرسل 9: 2)
ثم تحول فجأة ليصبح الشخصية المسيحية الأولى والقطب الكنسي الأعظم، حيث ادعى أن (الرب يسوع) ظهر له وهو في طريقه لدمشق وعاتبه على معاداته له ولأتباعه، وأمره بأن يكون رسولاً له إلى الناس ويتكلم لهم بلسانه ! .
وقد ذكر بولس في رسالته إلى أهل غلاطية الاصحاح الاول 15 و 16:
" وَلَكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ، أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، لِلْوَقْتِ لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْمًا وَدَمًا " .
وخلال اكثر من عشرين عام قام بولس بتأسيس العديد من الكنائس في آسيا الصغرى وثلاث كنائس على الأقل في أوروبا، فعبر البحر برفقة برنابا إلى قبرص وبعد ذلك إلى جنوب تركيا ، وقد وردت اسفار ورحلات بولس الرسول في سفر أعمال الرسل 27 وبشكل تفصيلي .
حرص بولس الرسول على التنقل بين مدينة وأخرى وهو يدعو بدعوته مناديا بالخلاص بأسم المسيح ، وقد اتبع أسلوباً معيناً في الدعوة وهو استهداف تجمعات اليهود في الأسواق والساحات العامة ، وبالفعل تم له تكوين جماعات مسيحية ليست بالقليلة وأقام عليها رعاة وقساوسة يبشرون ما بشره بهم .
ومنذ ظهوره إلى الآن لم يحظ أحد في تاريخ الكنيسة بمثل ما حظي به من التقديس والإجلال، اذ أصبح بولس من معادي متطرف للمسيحية إلى رسول متسامح من عند (رب المجد يسوع).
واستطاع بولس بذكاءه بان ينجح في عزل المسيح عن الناس بجعله الها لهم متخذا في الوقت نفسه دور الرسول ، مما ساعده في ترويج ونشر التعاليم التي اعتقدها من خلال دراسته للكتب الفلسفية القديمة (الطوبائية)، وكتب الرسائل إلى جميع المدن والأصقاع وباسم المسيح ( الرب) حتى أطلق عليه ( رسول الأمم) مما مكنه من حشر رسائله (فيما بعد) في الكتاب المقدس.
ويعده كثير من النقاد المعاصرين بأنه المؤسس الحقيقي للمسيحية بالرغم من عدم التقائه بالمسيح في حياته.
وقد قام المؤرخ الانكليزي ج. هـ. ويلز بعقد فصلا كاملا بعنوان "مبادئ أضيفت إلى تعاليم يسوع " يشرح فيه الكثير من المبادئ والتفصيلات التي أضافها بولس الرسول ، علاوة على ماذكره جيبون الذي اعتبر ان الفلسفة المسيحية ماهي سوى تطبيقا للنظرية الافلاطونية التي تجمع مابين العقل والكلمة .
كما ان هناك عامل اخر ساهم بعد بولس في نشاة المسيحية كديانة وهو الخطوة التي أقدم عليها الامبراطور الروماني قسطنطين حين اعتنق المسيحية ومن ثم فرضها على الرومان كديانة رسمية، وهذه المحاولة لم تكن نفحة ايمانية هبطت عليه بقدر ما هي محاولة منه لإنقاذ إمبراطوريته المتضعضعة من التفكك والانحلال والخشية من شبح الحروب الاهلية.

مجمع اورشليم

من جملة الأمور التي كان لبولس دورا حاسما وقاطعا و ترك بصمة واضحة في منهج المسيحية هو ما حصل في مجمع أورشليم .
ففي حوالي عام 48 م وقعت أزمة بين مسيحيي أنطاكية حول مسألة الختان عندما وصل إلى المدينة مسيحيون ذو خلفية يهودية يطالبون بضرورة تطبيق شريعة الختان على المسيحيين القادمين من الديانات الوثنية (كي ينالوا الخلاص)، أما بولس وبرنابا فقد خالفا ذلك بشكل كبير، ولما لم يتمكنا من حل المسألة أرسلت كنيسة أنطاكية بهما مع أناس آخرون إلى الرسل ومشايخ أورشليم للنظر في الأمر.
وتم عقد ما يعتبره مؤرخو الكنيسة أول مجمع كنسي وهو (مجمع أورشليم) حيث وافقت فيه الكنيسة على مقترحات بولس وبرنابا بعدم إلزام الوثنيين المؤمنين بالمسيح بالختان وإنما الغكتفاء فقط بمنعهم عن - نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم- .. بحسب ما ورد في سفر أعمال الرسل الاصحاح 15.
وتم بعد ذلك المجمع تحديد المهام التبشيرية في الكنيسة، وبفضل ذلك المجمع أيضاً تحدد وجه المسيحية كديانة مستقلة وليس كفرع من فروع اليهودية.

اعتقاله وموته

غادر بولس الرسول إلى كورنثوس حيث يعتقد أنه كتب فيها رسالته إلى أهل روما، ثم عاد إلى أفسس وبعدها (بين عامي 57 و 59 م) زار بولس أورشليم مع بعض مسيحيي الأمم الذين آمنوا على يديه، وهناك تم اعتقاله لأنه قام بإدخالهم (وهم يونانيون) إلى حرم الهيكل، وبعد سلسلة من المحاكمات أُرسل إلى روما حيث قضى فيها آخر سنين حياته،وبحسب العرف المتبع وقتذاك فأن بولس أعدم بقطع رأسه بأمر من نيرون، الا ان هناك من المؤرخين من يقول إن إعدامه جاء على أثر حريق روما العظيم الذي اتهم فيه المسيحيون بإشعاله عام 64م.
ومهما كان من أمر بولس إلا انه ومن خلال سيرته المليئة بالمفارقات والاعاجيب واضح أنه شخصية جمعت ما بين الانتهازية والعبقرية ومابين الحدة والموادعة ، وبالتالي فانه ومن خلال هذه الصفات إكتسب الكاريزما التي جعلته مسموع الكلمة مهاب الجانب مما امكنه من تكوين ملامح الدين المسيحي بما يحمله اليوم من مفاهيم ومعتقدات.

المصادر :
• معالم تاريخ الإنسانية / ج. هـ. ويل
• اضمحلال الإمبراطورية الرومانية / جيبون
• أعظم مائة شخصية مؤثرة في التاريخ/ ميشيل هارت
• موسوعة ويكيبيديا
• نشرة رعوية تصدر عن اللجنة الليتورجية في دير اللاتين - بيرزيت عدد 26 بتاريخ 17 -8 -2008



#مهند_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مابين إعدام صدام وقتل القذافي !
- الشيخ شارلوك هولمز الساعدي يكشف المستور !!
- المللا كريم بلحاج .. وسر التحول من القاعدة للناتو !
- مخطيء من ظن أن للثعلب السعودي ديناً !!
- تحية للنائبة العراقية حنان الفتلاوي
- بيان البيانات .. للرفيق المجاهد إياد علاوي !!
- مابين تهديدات علاوي وتداعيات الوضع الامني !!
- ثقافة الفرهود.. واللعنة العراقية
- لا .. لطائف سعودي جديد في العراق
- هل أصبح مصير العراق بيد ورثة المعممين ؟؟!!
- الديمقراطية .. الفتنة الجديدة التي ابتلي بها المسلمون
- عودة الحذاء الى صاحبه الشرعي .. اللهم لا شماتة
- وفاء سلطان وسجاح التميمية ... بين الواقع والشعارات
- نُريدها مفتوحة ..
- صدام حسين والبشير رموز للسيادة العربية!!
- أحذية الحمقى ... دليل إنتصار الديمقراطية في العراق
- مثال الآلوسي .. بين نزاهة القضاء و جهل الأعضاء
- ممثلي التيار الصدري .. مابين التهريج والغوغائية
- رحلة حوارية مع المفكر العراقي المبدع د.عبد الخالق حسين
- إكذوبة النظام الديموقراطي الإسلامي


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهند الحسيني - بولس الرسول .. الشخصية التي غيرت وجه التاريخ