أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - حماية الديمقراطية في بلدان الربيع العربي















المزيد.....

حماية الديمقراطية في بلدان الربيع العربي


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 3543 - 2011 / 11 / 11 - 07:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



مثلما كان نظام العقيد الليبي نغمة نشاز، بإيقاع صاخب اغلب الأحيان، في سياق الواقع العربي المعاصر، إبان صعود وتسيد التيار القومي العروبي للساحة السياسية، فان ما قدمته المعارضة الليبية، ومعارضة الخارج على وجه الخصوص، من خطاب وسلوك أثناء اندلاع ثورة الشعب ضد نظام العقيد هو الآخر كان نغمة نشاز في سياق ثورات الربيع العربي في شكله ومآلاته. فقد قدمت هذه المعارضة ومنذ البداية خطابا ركيكا وغير واقعي أسقطت فيه رغباتها على الواقع مما عكس والى حد بعيد قصورها وتشوش رؤيتها في فهم طبيعة النظام والواقع في ليبيا. وبدا جليا منذ البداية تخبطها في تقييم الوضع الميداني والسياسي حيث اخذ بعض ممثليها يقدمون تحليلات وتوقعات خيالية للموقف على الأرض، ـ كتوقعهم سقوط النظام خلال ساعات مثلا ـ.

وعلى العكس من المسار السلمي الحضاري الذي اتسمت به الثورتان الشعبيتان في مصر وتونس فان تطورات الموقف في ليبيا قد أخذت منحى عنفيا. ورغم إن ذلك يعود في الكثير منه إلى طبيعة النظام الليبي، وما سببته طريقة حكمه للمجتمع الليبي من مصادرة لكل مستويات الحياة السياسية والمدنية، إلا أن بعض منه، ولاسيما المشهد الختامي للثورة( طريقة قتل العقيد) عكس، بدرجة واضحة، توجه القوى السياسية التي قادت مسار الثورة في مراحلها المتأخرة بعد هيمنة التيار الإسلامي فيها، وعكس أيضا بعض من طبيعة المجتمع الليبي ودرجة الاحتقان فيه لاسيما في فترة الصدامات المسلحة وما نتج عنها من خسائر وآلام.

وتوج مسار الثورة المسلحة، التي حصلت على دعم الناتو المباشر والحاسم، بلمسة مربكة أخيرة بإعلان مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الوطني عن التوجه الإسلامي للدولة ولنظام الحكم القادم فيها.

ورغم أن بعض الإسلاميين كان قد قدم رؤيته للطابع الإسلامي للدولة ونظام الحكم فيها قبيل سقوط نظام العقيد، (دولة مدنية غير عسكرية !!!) مستندا إلى مسلمة مفادها إن المجتمع الليبي كله مسلم، وإن خيار الإسلام هو المآل الطبيعي لسلطة الحكم فيه، فان مااعلنه عبدالجليل، يوم إعلان تحرير ليبيا من نظام حكم العقيد، يمكن اعتباره الإيذان الرسمي لصعود تيار إسلامي في طريق السلطة بطريقة مشروعة.

وقد تزامن مع الإعلان الليبي هذا فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية في الانتخابات التي جرت في تونس، البلد المجاور جغرافيا، لكن المختلف في البنية الحضرية والإرث السياسي والثقافي. ويمكن القول إن صعود ونجاح هذين التيارين الإسلاميين في كل من تونس وليبيا، رغم الفروقات النوعية بينهما، قد يمكنهما من أن يستمدا من نجاحهما المشترك دعما معنويا يؤازران به بعضهما البعض. وبالتأكيد إن ماسيحصل في مصر ،الجارة على طرف الحدود الآخر، سيترك ظلاله بالضرورة على الوضع في البلدين. لاسيما وان انتخابات مصر على الأبواب، وهناك مخاوف جدية من صعود التيار الإسلامي، ممثلا بالإخوان المسلمين، وإمكانية هيمنته على المجلس النيابي الجديد ( مجلس الشعب) في الانتخابات المزمع إجراؤها في نهاية نوفمبر( تشرين الأول) الجاري، لذا باتت مسالة صعود التيارات الإسلامية وتصدرها للمشهد السياسي في بلدان الربيع العربي حقيقة واقعة ينبغي النظر إليها والتعامل معها بقدر من الجدية وبالكثير من الانتباه.

لكن السؤال المهم هو : هل إن المخاوف من صعود تيارات إسلامية في هذه البلدان، بعد نجاح الثورة فيها ـ مع احتمالات أن يحصل نفس الشيء في سورية واليمن، وان بدرجة وكيفية مختلفة ـ هي مخاوف مشروعة، بمعنى هل هي واقعية وتعبر بدقة عما يمكن أن تنتهي إليه تطورات الأمور في هذه البلدان، لاسيما تونس ومصر، من هيمنة شاملة تامة لهذه التيارات على الحياة السياسية وعلى المجتمع برمته، ينتهي بمصادرة الحياة السياسية وإلغاء الديمقراطية والاتجاه نحو دولة دينية كما هو شائع ومعروف عن هذا التيار؟.

الإجابة هي لا، و نعم في نفس الوقت.

وليس في الأمر تناقض أو استعصاء.

فهي لا، لان السياق العام، الاجتماعي والسياسي، الذي وصل وسيصل فيه التيار الإسلامي للسلطة أو للصدارة في مؤسسة الحكم والقرار السياسي هو سياق مختلف بدرجة واضحة عما كان عليه الواقع الاجتماعي والسياسي في البلدان العربية إبان صعود هذا التيار في الثمانينات. فصعود هذا التيار كان قد جاء آنذاك على خلفية سلسلة من التغيرات العالمية والمحلية التي أثمرت نجاحه في تصدر الواجهة. وكان من بين أهم الأسباب هو الفراغ الذي نشأ من هزيمة التيار القومي ومشروعه في التنمية الاقتصادية والاستقلال السياسي الذي تسببت به ودشنته هزيمة حزيران 1967 العسكرية، وبما عكسته من تداعيات على المستوى السياسي والفكري في المجتمع العربي ككل. وأيضا بسبب من تراجع التيار الماركسي والشيوعي ومشاريعه البديلة التي كانت تصب في ذات الاتجاه، التنموي والاستقلالي، لكن مع نزعة حداثية بينة ميزت اطروحاته ورؤاه عندما مزجت بمشروع الحداثة، الذي اشتركت بتبنيه مع التيارات التحديثية الأخرى، اللبرالية والقومية، مضامين اجتماعية وحددت سمات القوى الاجتماعية الحاملة لهذا المشروع.

وقد كمن وراء فشل التيار الماركسي هذا أكثر من سبب، أهمها: التحول في الواقع الدولي بعد نهاية الحرب الباردة وهيمنة القطب الواحد على الساحة الدولية، وما سببه هذا التحول من إرباك لدى الأحزاب الشيوعية في المنطقة العربية لتأثرها حد التبعية للاتحاد السوفيتي وانخراطها في استراتيجياته السياسية والتزامها برؤاه الفكرية والتحليلية. الخ..

ونتيجة لفشل تيارات التحديث المشار له أعلاه، ولد فراغ استثمره التيار الإسلامي، الذي كان قابعا في الظل، وباشر صعوده باندفاع وقوة. وقد رافق وعزز هذا الصعود، فضلا عما ذكر أعلاه، أشياء أخرى منها: دعم البلدان ذات التوجه الأصولي، السعودية وبعض بلدان الخليج، المادي والإعلامي لهذا التيار ومساعدته على مد تأثيره أو نفوذه على مساحة واسعة وتعزيز مواقعه، عمقيا وأفقيا، داخل المجتمعات التي نشط واكتسب مكانة ودور فيها.

وقد أسهم كذلك في تجذر هذا التيار في الواقع العربي استسلام أو استخذاء بعض الأنظمة العربية أمام اندفاعته، وذلك لأسباب متعددة، منها؛ توظيفها له في مواجهة تيارات اليسار، كما حدث في مصر زمن السادات، التي وقفت كخصم تقليدي لتوجهات الانفتاح الجديدة التي تبناها النظام. أو لتجاوزه وإعاقة منافسته لها على السلطة والشارع السياسي باحتوائه كما حدث في السودان، زمن النميري، أو من اجل مواجهته بأدواته من خلال تبني اطروحاته الأساسية كاتخاذ الإسلام مرجعية في كل شيء. وهذا حدث لدى غالبية الأنظمة العربية التي واجهت هذا التيار .

غير إن الوضع العالمي والمحلي الآن قد تغير كثيرا واختلف بشكل عام عما كان عليه إبان صعود التيار الإسلامي. وكلمة السر في هذا الاختلاف هو تعاظم حظوظ فكرة الديمقراطية والمشاركة السياسية للمجتمع بأوسع أطيافه. فبعدما أثبتت كل الأنظمة الاستبدادية فشلها في إدارة أزمات بلدانها، وبعد فشلها في إخافة العالم والمجتمع بـ(بعبع) الإسلاميين، وبعد فشل الإسلاميين أنفسهم في إقناع الرأي العام بأنهم بديل معقول بما قدموه من أفكار وممارسات هزيلة اتسمت بالعنف وبنزعة سايكوباثية للتدمير، وبزرع الكراهية وبتدخل فظ بشؤون الناس الشخصية وغيرها، أقول: إن هذه المتغيرات، التي توجت بثورات الربيع العربي، التي أزاحت بدورها الغطاء عن غوامض كثيرة كانت تغلف وعي وأمزجة الناس، قد خلقت مناخا ومزاجا مختلفين عما كان عليه الوضع إبان صعود التيارات الإسلامية.

غير انه لايجوز لنا هنا أن نتعامل مع فكرة الديمقراطية على أنها حامل للحلول السحرية، ثم نحيلها إلى إيقونة مقدسة، وإنما علينا ،بتصوري، أن نتعامل معها على إنها أداة لتحول المجتمع والسياسة فيه. غير إن حظوظ الديمقراطية في تاريخ دولنا العربية المعاصر، كفكرة وممارسة، هي اقل مايقال عنها إنها فقيرة، ونخبوية في أحسن أحوالها، ولم تتدعم بقاعدة عقلية واجتماعية تثبتها وتحميها داخل المجتمع. إذ لم ترتبط عبر مسارها المحدود عندنا ارتباطا واضحا بجوهرها العقلاني الذي كان مصدر تشكلها التاريخي، ولا ارتبطت اجتماعيا بطبقة وسطى متماسكة ترعاها وتمنحها شرعية الوجود. لهذا فان ارثنا الديمقراطي هو هجين ومرتبك.

لقد كان من الثابت تاريخيا إن الظهور الثاني لفكرة الديمقراطية، بعد انتهاء عهدها الأول مع نهاية حكم الأنظمة اللبرالية في فترة الاستعمار المباشر للبلدان العربية،ـ كان في زمن صعود الساداتية عندما اتخذت من شعار الديمقراطية غطاءا سياسيا لنهج الانفتاح الاقتصادي، بنسخته الساداتية، أي جعل الاقتصاد المصري (سداح مداح) على حد تعبير الدكتور( احمد صادق سعد)، بمعنى انفتاح دون ضوابط وبتصفية متواصلة لدور الدولة الرقابي والتوجيهي فيه. وأيضا كوسيلة لتصفية الإرث السياسي لدولة عبدالناصر القومية ذات التوجه التنموي المركزي من خلال نقد استبدادها. ورغم إن هذا النقد كان نقدا صحيحا، لكن بديله الذي قدمته الساداتية، كان تلفيقا كاريكاتوريا لمبادئ الديمقراطية بمعناها التاريخي والعلمي، أدى إلى اختزالها ببعض الحريات والممارسات الشكلية وأبقى على بنية الاستبداد السياسي بتغليفه بهالة مزيفة من الممارسات الديمقراطية. لكن رغم كل شيء فان مجرد طرح فكرة الديمقراطية، أي كان شكلها ودوافعها، سوف يعني بالضرورة وضعها أمام الشعب كخيار وكبديل، لهذا أخذت مطامح الديمقراطية تتسع وتتجذر بعدما آل وضع الأنظمة العربية إلى دروب مسدودة؛ لا تنمية ولا حريات، وانسداد تام في الأفق السياسي أبقى المعادلة السياسية مغلقة بين خيارات ضيقة ومحدودة: إما الاستبداد والفساد، مع مسحة علمانية شكلية تتيح بعض الحريات والحراك الاجتماعي، وإما بديل اسلاموي قروسطي ومغلق. وشجعت على هذا التصور تخوفات الغرب وتطلعات وممارسات التيارات الإسلامية نفسها ممثلة بالجماعات الجهادية، القاعدة وتوابعها، التي تمثل اشد الاتجاهات قسوة وعنفا وانغلاقا داخل التيار.

وغدت الديمقراطية مطلبا ملحا يتصاعد ويتبلور طوال عقد التسعينات بعد التحولات السياسية في بلدان ماسمي بالمعسكر الاشتراكي تحت ضغط المطلب الديمقراطي، ومع تراجع وفشل اطروحات التيار الإسلامي البديلة التي لم تنسجم مع التحولات الجديدة حيث لم تعد المطالب الاقتصادية كافية وحدها بغير ما قاعدة من الأسس الديمقراطية تسندها. وهذه هي الأرضية الحقيقية التي فجرت الربيع العربي وأدت إلى إنجاحه بولادة وعي جديد، وشباب برؤى وأفكار جديدة أتوا بالتغيير ووسعوا من مضامينه.
هذه صورة المشهد العام المتغير، كما وصفته باختصار، والذي هو مختلف اختلافا واسعا عن مقدمات صعود التيار الإسلامي. وهنا ندخل في الشق الثاني من الإجابة وهي مدى خطورة التيار الإسلامي ومشروعية بعض المخاوف منه.

التيار الإسلامي بإرثه وتكوينه العام هو تيار راديكالي لايؤمن كأغلبية الأحزاب السياسية ذات المنحى الراديكالي بالديمقراطية، هذا بالإضافة إلى جذوره الفكرية وسيرته السياسية والعملية التي تؤكد منحاه الشمولي والاقصائي، وهذا يضعه بطبيعة الحال في موضع شك ويجعل الهواجس منه مشروعة، ولكن إذا أردنا أن نحلل الواقع كما هو من غير أن نسقط عليه رغبات أو نوايا فسنجد إن التحولات التي أشرت لها أعلاه تضع هذا التيار الآن، مرغما، أمام مفترق طرق واضح ولا يقبل التأويل، هو: إما أن يبقى منساقا لخطه السياسي وارثه الفكري والعملي وينتهي للعزلة والفشل وبالتالي الاضمحلال، وإما أن يختار القبول باللعبة الديمقراطية والدخول فيها لأنها المدخل الوحيد والأخير له إذا أراد الاستمرار في الحياة السياسية. وهذا الكلام لا يقال عن الواقع بما هو واقع الآن، وإنما بأفق حركته التاريخية.

وهذا في الحقيقة ليس مصير التيار الإسلامي وحده وإنما هو مصير كل حزب أو قوى سياسية تريد مزاولة العمل السياسي في زمن الربيع العربي، لان الإيمان بالديمقراطية والالتزام بها باتا المدخل الشرعي لكل تيار سياسي وفكري يريد أن يثبت وجوده. الديمقراطية بمعناها الشعبي الجديد الذي فجره كمفهوم وممارسة الربيع العربي وادخله بقوة ووضوح في أبجديات وأولويات الممارسة السياسية، ليس فقط في البلدان التي وقع فيها ( حتى وان فشلت هي نفسها بذلك) وإنما امتدت روحه ومعناه إلى مديات عالمية شاملة.

ولكن الديمقراطية ليست معطى تاما وجاهزا تنتجه ظروف موضوعية أو حراك سياسي واجتماعي وحسب، وإنما هي، كما أي شيء آخر في حركة التاريخ والمجتمع، ذات سيرورة خاصة بها، وينبغي لكي تصير واقعا حقيقيا أن تمر بمراحل نمو وتطورات تقوي من أسسها. ولان الديمقراطية، التي بدأت بواكيرها في الواقع العربي الجديد كوسيلة لتحولات اجتماعية وسياسية واسعة، ليس لها جذورا اجتماعية وفكرية عميقة في المجتمع العربي، وليس لها في نفس الوقت ارث تطبيقي، ولا قوى اجتماعية أو سياسية حاملة لمشروعها، فينبغي والحال كذلك أن يبتكر المجتمع آليات لحمايتها قد تكون ذات أشكال غير ديمقراطية بحد ذاتها. فطالما أن المجتمع العربي قد عاش استلابين متتابعين لازالت مفاعيلهما سارية في نسيجه وعقله، وهما؛ الاستعمار الغربي والتبعية، والنظم الاستبدادية التي هيمنت على المجتمعات بعد مرحلة الاستعمار، أقول طالما إن هذا المجتمع ليس لديه تقاليد ديمقراطية وليس لديه بالضرورة أدوات لإنتاج وحماية هذه الديمقراطية الموعودة، بسبب من غياب منظمات مجتمع مدني، وعدم اتساع نطاق الطبقة الوسطى وترسيخ دورها في المجتمع وفي الاقتصاد مع تعزيز استقلالها عن الدولة وعدم تبعيتها العضوية لها، وانتشار الأمية، وضعف الحياة السياسية وغيرها من الأسباب،ـ بات ملحا على المجتمع السياسي، برأيي، إنتاج أدوات واليات لحماية هذه الديمقراطية.

وبما أن التجربتين الأبرز أمامنا هما التجربتان التونسية والمصرية فان مسار حماية الديمقراطية في هذين البلدين سيكون، بتصوري، من خلال تعزيز دور الجيش كمؤسسة ( فوق سياسية) يناط بها مهمة حماية مسار الديمقراطية وتعزيزها مع إكسابها طابعا وطنيا عاما، علماني بالضرورة، باعتبار العلمانية الصيغة المثلى لحماية المجتمع من أي تسلط أيدلوجي أو حزبي أو جماعتي أو غيره. ويمكن التغلب على المخاوف من تغول المؤسسة العسكرية، وبالتالي انفرادها في إدارة البلد لتنتهي مرة أخرى إلى نظام استبداد ودكتاتورية جديدة، لو وضع المجتمع بقواه الحية، أحزابا ونخبا سياسية وثقافية واجتماعية، لنفسه قواعد للرقابة المتبادلة بينه وبين المؤسسة العسكرية تحول دون تسلطها، وفي نفس الوقت تعزز من دورها في حماية الدستور والمسار الديمقراطي لحين تمكن المجتمع من بناء مؤسساته الضرورية لحماية نفسه بنفسه، وعندها سوف يتلاشى تلقائيا دور المؤسسة العسكرية.

ولو نظرنا إلى الواقع المصري والتونسي لرأينا إمكانية هذا الدور للمؤسسة العسكرية فيهما، نظرا لما أدتاه من دور مميز في حماية الثورة وإنجاحها، لكن مع إجراء بعض التعديل على تركيبتهما وطريقة أدائهما بضخ جرعة من الدوافع السياسية للمؤسسة في تونس، نظرا لطابعها المهني البحت، والتخفيف من غلواء النزوع السياسي في رديفتها المصرية الناتج عن انخراط الجيش المصري، عبر تاريخه، في الحياة السياسية المصرية.

يبقى مخاض الديمقراطية مخاضا عسيرا. ولم يبق أمام جميع القوى في الإطار الوطني لأي بلد عربي سوى القبول بصيغة توافق وطني مجتمعي يحّيد التطرفات عند كل الاتجاهات ويعزز من المشتركات بينها، لاسيما وان جميع التيارات قد قدمت ماقدمته (في مسيرة الخراب)، وان بدرجات مختلفة وبقدر متباين من المسؤولية، سواء وهي في السلطة، أو ضدها، أو على هامشها. ولكن يبقى الاستدراك الأزلي في كل تحليل عن الواقع العربي الذي يقول: بما أن مجتمعاتنا العربية مختلة بنيويا وفيها إشكالات عديدة مما يجعل من طابع تطورها، بحكم وضعها التاريخي، قابلا للارتداد، فان حلم الديمقراطية، وأي منجز آخر، يمكن أن يتبدد في أي لحظة يغفل فيها المجتمع بنخبه الطليعية عن أن يلعب دوره التاريخي ويتحمل مسؤوليته المصيرية.



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغالطة
- المخلوعون.. ومحنة ابن صالح
- العراق... رهين المحبسين.
- الاحتجاجات العراقية
- هؤلاء مختلفون
- إرهاصات ثورة مصر
- مواقف من ثورة تونس
- احذروا التقليد
- الى الشارع سر!
- كومونة تونس
- التعليقات في الحوار المتمدن
- لمحة قصيرة عن النقد عند اليسار العربي
- العنصرية ضد الذات
- ‌أسرى في ضيافة الأنصار لشيوعيين
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (3)
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (2)
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (1)
- هل هناك تجربة اشتراكية ناجحة؟
- مشكلة الحجاب في المجتمعات الاوربية
- صفقة خاسرة


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - حماية الديمقراطية في بلدان الربيع العربي