أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد صبيح - ‌أسرى في ضيافة الأنصار لشيوعيين















المزيد.....



‌أسرى في ضيافة الأنصار لشيوعيين


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 3168 - 2010 / 10 / 28 - 19:03
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ذكريات أنصارية

***

مقدمة

لقد فرضت هذه المقدمة نفسها فرضا، لان الموضوع، أو الوقائع التي انوي سردها هنا، متعلقة بتجربة، (هي تجربة حركة الأنصار الشيوعيين بين عامي 1978-1988)، لم يلق عليها،بتصوري، القدر الكافي من الضوء، وذلك لأسباب عديدة؛ منها تقاعس وعدم جدية من هو معني بها،واقصد الحزب الشيوعي العراقي، وذلك لخلل بنيوي ووظيفي عام يعاني منه هذا الحزب في ظرفه الحالي، وأيضا لحالة خاصة من التوجس من هذه التجربة لدى بعض الأشخاص النافذين في هذا الحزب تقلقهم وتسبب لهم بعض الحرج، الأمر الذي أدى بالمحصلة إلى إلقاء هذه التجربة في زاوية ضيقة من النسيان، لتغدوا حالة استذكار ذاتي وفردي يقوم به هذا الشخص أو ذاك ممن عاش التجربة وتأثر بمجرياتها. وهذا الغياب أو التغييب لهذه التجربة عن دائرة الضوء شجع بدوره خصوم الحركة أو التجربة على توجيه الاتهامات المجانية لها، ونعتها بنعوت وأوصاف اقل ما يقال عنها أنها غير منصفة واعتباطية وافتراضية. بمعنى إنها غير مستندة على وقائع، أو حتى أسس منطقية يقاس عليها. وابرز هذه الاتهامات تلك التي ادعت إن الحركة، قامت، مشتركة مع القوى الكردية الأخرى، بـ (قتل أبناءنا من أفراد الجيش العراقي)(كذا)، وإنها قد تحولت إلى سكين واخزة في خاصرة الجيش العراقي فيما هو يخوض القتال ضد إيران إبان الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988).

ومن المعروف أن الموقف من الحرب الإيرانية العراقية لازمته التباسات سياسية وفكرية مختلفة على الساحة السياسية العراقية وكذلك داخل الحزب الشيوعي العراقي نفسه.

إن هذا التصور عن الحركة والنقد الذي وجه لها، هذا إذا استبعدنا سوء الطوية فيه، يعالج هذه الحقبة وملابساتها بنظرة تجريدية خالية من الفهم السياسي المنطقي للظرف بأكمله، مفترضا أن الحرب العدوانية التي شنها نظام صدام حسين على إيران هي حرب وطنية تستلزم تلقائيا موقف الدفاع عن الوطن، لاسيما حين تغيرت مجريات الحرب الميدانية بتحول القتال إلى داخل الأراضي العراقية، بعدما أجبرت القوات الإيرانية جيش صدام حسين على الانسحاب من أراضيها نهاية عام 1981. ومع إن هذا ليس هو موضوعنا هنا، إلا أن الإشارة إليه ضرورية، لان البعض يناقش ويقيم موقف وسلوك الحزب الشيوعي العراقي، وحركة الأنصار، في تلك المرحلة، من خلال هذه النظرة التقييمية الخاطئة. ولهذا ينبغي هنا إيضاح بعض جوانب تلك المرحلة، وبنفس الوقت إلقاء الضوء على السياسة العامة للحزب التي اتبعها في حركة الأنصار، والتي جسد بها موقفه من الجيش العراقي بشكل عام وليس في ظروف القتال بين إيران والعراق فقط.

وقبل الخوض في استعراض سياسة الحركة ومواقفها ينبغي الإشارة هنا إلى أن موقف النقد أو الموآخذة على حركة الأنصار، وعلى الحزب الشيوعي العراقي، الموصوف أعلاه، قد اخذ أكثر من صيغة للتعبير، وفي أكثر من موقع ومنبر وزاوية نظر. وينبغي كذلك التأكيد هنا على أن (وجهة النظر) البعثية غير مشمولة بهذا النقاش لأنها أصلا لم تقصد النقاش وإنما طرحت، كما عودنا البعثيون بلغتهم الفجة، لتصب اللعنات على الحركة، وعلى الشيوعيين، وتقوم بتخوينهم واعتبارهم خارجين على (القانون)، حسب مسوغات شكلية تافهة، هي رفع السلاح في وجه الحكومة الشرعية( كذا). وهذا التصور مع كل مفرداته وتفريعات مسوغاته هو غير مقنع ولا منطقي. أضف إلى ذلك انه حاسم ونهائي ويقيني بشكل لا يقبل الجدل، مما يعيق تلقائيا أي إمكانية لمناقشته. وعليه فلا يمكن في هذا السياق التعامل معه بغير التجاهل والإهمال، لأنه باختصار ليس موقفا وإنما صيغة تعبير عدوانية متغطرسة وغير موضوعية، ناهيك عن إنها غير أخلاقية.

لم يلجا الحزب الشيوعي العراقي أواخر السبعينات إلى المعارضة، والمسلحة منها على وجه الخصوص، إلا بعدما استنفد كل ممكنات التفاهم مع البعثيين ونظام صدام حسين بعد انقلابهم أواخر عام 1978 على الجبهة الوطنية التي عقدت بين الحزبين في عام 1973. وكان هذا الانسحاب وإعلان المعارضة بطيئا ومترددا بعض الشيء، وقد أدى تلكؤ الحزب أو تردده في اتخاذ قرار المعارضة، ومن ثم إعلان الكفاح المسلح كأسلوب رئيسي للنضال، إلى بعض الاحتقانات الداخلية وردود أفعال حادة شكلت تحولا نوعيا في طبيعة الاضطرابات التنظيمية والفكرية داخل الحزب ستستمر أثارها طويلا في الحياة الداخلية للحزب. ويجدر التنبيه هنا إلى أن الحزب حين لجأ إلى جبال كردستان، معقل المعارضة المسلحة التقليدي، كان يبغي بشكل رئيسي حماية تنظيماته وإعادة الصلات بشكل من الأشكال مع الداخل، بعدما جرى إبعاده وتشريده في حملة القمع الواسعة التي تعرض لها.

كانت المهمة الاولى في نشاط الحزب العسكري هي التبشير بموقف الحزب الجديد، وشرح أبعاده لجماهير كردستان عن طريق توزيع المنشورات، وعقد الندوات، والتثقيف اليومي من خلال احتكاك المقاتلين بالأهالي. لكن هذه الأنشطة وغيرها لم تأخذ شكلها الواسع والمؤثر إلا بعدما عزز الحزب من قدراته العسكرية، وعمق خبرته في الميدان، وعزز قواته بالمزيد من الأنصار الملتحقين به من الخارج ومن الداخل، وأيضا بتطوير تجهيزاته العسكرية والإدارية والتدريبية. وترافق هذا التوسع والتطور في العمل الميداني مع نشوب الحرب العراقية الإيرانية (وضمنيا بسببه)، وبما استتبعه من تقليص للقوات النظامية في المناطق المحيطة بعمل الأنصار، مما أتاح للحزب، ولقوى المعارضة الأخرى، القدرة على تكثيف نشاطها وتكريس تواجدها في قرى ريف كردستان وعلى حافات المدن. وكانت السياسة الثابتة، وان لم تكن المعلنة للحزب،( بحدود علمي)، هي في تركيز العمليات العسكرية على الأهداف الأمنية للنظام؛ المرتزقة( الجاش)، ورجال الأمن والمخابرات، ومنتسبي الحزب الحاكم من جيش شعبي وغيرهم، وحتى هذا كان مشروطا بمدى إيذاء هؤلاء للأهالي، او بملاحقتهم وترصدهم ومضايقتهم لقوات المعارضة المقاتلة. ولم تكن قوات الجيش النظامية على الإطلاق هدفا للمقاتلين، إلا في الحالات التي تتعرض فيها هذه القوات لهم، أو تكون عائقا أمام تحركهم. وقد شهدت العديد من مناطق عمليات الأنصار تفاهمات مباشرة أو عرفية (صامتة) بين القوات النظامية وبين الأنصار، يكف الطرفان بمقتضاها عن إيذاء احدهما الآخر. وكانت هناك مراسلات بين بعض الضباط في ربايا الجيش وقادة المفارز تصب في هذا الاتجاه. وفي الوقت الذي كان الأنصار يتجنبون التعرض للقوات النظامية، لان أبناء القوات المسلحة، حسب منظور الأنصار الوطني، هم بالمحصلة أبناء الشعب، ولايجوز التعرض لهم، أقول في الوقت الذي تجنب فيه الأنصار التعرض للجيش النظامي تجنب الجيش النظامي في عمله الروتيني، لاسيما في المناطق النائية، التعرض للمقاتلين أيضا. وهناك بعض الحكايات المعروفة والطريفة عن هذه الأجواء، كإرسال تلميحات من بعض الضباط للأنصار بالحديث أمام أبناء القرى عن وطنية الشيوعيين التي تمنعهم من تدمير وتخريب أعمدة الكهرباء وما شابهها التي هي بالأصل لخدمة المواطنين. وللإنصاف أيضا أقول؛ إن هذا السلوك، وهذا الموقف إزاء أبناء القوات المسلحة، لم ينفرد به الأنصار الشيوعيون وحدهم، وان كانوا هم أكثر دقة في الالتزام به، وإنما كانت تمارسه بدرجات متفاوتة بقية القوى الأخرى، ففي الحركة القومية المسلحة في كردستان، ارث أخلاقي وسياسي طويل يمنع، أو لا يحبذ، التعرض لأبناء القوات المسلحة النظامية، إلا في حالات المواجهة الشاملة، وربما استثني هنا، بدرجة معينة، الاتحاد الوطني الكردستاني ( اوك)، بسبب ما تشبع به أعضاؤه من تربية عنصرية، شحنوا بها الأجواء العامة، أخلت بهذه الروحية. وهذا أمر مألوف في سلوك قوات (اوك)، الذي تتسم مواقفهم عموما باللااخلاقية، وبميل للتطرف والعنف، وبنفس عنصري محسوس. فقد مارس هؤلاء بعض الخروقات لهذا المبدأ المتعارف عليه في عمل قوى المعارضة المسلح في كردستان. ويمكنني هنا الاستدلال في توضيح هذا التمايز في سلوك منتسبي (اوك) عن القوى القومية الأخرى، بما تعرض له الجنود العاديون الأبرياء، في مدينتي السليمانية وكركوك، أثناء انتفاضة عام 1991، من تصفيات عشوائية عزاها المسؤولون في (اوك) لاحقا إلى تطير بعض الشباب المتحمس، وبعض من قليلي الوعي. في الوقت الذي حظي زملاء هؤلاء الجنود بالرعاية والحماية في مناطق اربيل ودهوك وغيرها من المناطق التي لم يسيطر عليها (اوك).

كان الأنصار يستهدفون بشكل أساس، كما أسلفت، أفراد الأجهزة الأمنية، ومنتسبي الحزب الحاكم، وبعض أفراد الجيش الشعبي، ومنتسبي جهاز الاستخبارات في الجيش، وهؤلاء يتم البحث عنهم غالبا في السيطرات التي ينصبها الأنصار على الطرقات بين المدن. وحين يعثر الأنصار في هذه السيطرات على جنود عائدين بإجازات دورية، يتركونهم لمواصلة طريقهم بعدما يجري التحقق من هوياتهم من خلال الوثائق التي يبرزونها، ومن بعض الأسئلة السريعة التي تطرح عليهم، ومن يتأكد انه ليس من منتسبي الاستخبارات يترك وشانه دون أي إزعاج أو مضايقة.

وحين نشبت الحرب العراقية الإيرانية، واقتربت بعض المعارك من مناطق الأنصار، كان الأنصار الشيوعيون، ( واخص هنا الشيوعيين، لان بعض القوى تعاونت مع الجيش الإيراني بإشكال مختلفة)، ينسحبون من المناطق التي يقترب منها أي من الجيشين، تجنبا للتعقيد الميداني والسياسي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الموقف السياسي للحزب آنذاك، كان يدين التعنت الإيراني لإصراره على استمرار الحرب، وعلى إطالة أمدها، من غير أن يغفل، في نفس الوقت، إدانة المسبب الحقيقي لإشعالها، وهو نظام صدام حسين.

إن نشاط وسلوك الأنصار يمكن إيجازه باختصار بأنه لم يتقصد إيذاء أفراد الجيش النظامي، كما أراد أن يوحي من أراد تشويه هذه الحركة، ولم يقم بإيذاء أبرياء بجريرة مذنبين بأي شكل من الأشكال، ولم يقم كذلك بعقوبات جماعية. وتركز جهد الأنصار على حماية المواطنين من شرور الأجهزة القمعية بكل صنوفها.
وتجربة الأسرى أو الرهائن، إن صحت التسمية، التي أريد سرد بعض جوانبها في هذه الحكايات القصيرة الثلاث، توضح هذا الجانب الذي رميت إليه في هذه المقدمة، وهو بكل المقاييس جانب مضيء ومشرف في حياة الأنصار والحركة السياسية العراقية.

وأود أن انوه، قبل الذهاب إلى حكاياتنا القصار، إلى أن هذا النوع من الوقائع، المسرود في الحكايات الثلاث، يستجيب أكثر، كما يخيل إلي، لأساليب العمل الأدبي النثري، وذلك لما فيه من تفاصيل حياتية، وشحنة عاطفية وشعورية، تستعصي عادة على الأسلوب التقريري الذي تدون به هنا هذه (المقاصات*) القصيرة.

***

لا خمرة في الجبال


وقعت هذه الحادثة في صيف عام 1981 في سهل كركوك ،ففي الصيف تنشط عادة العمليات العسكرية للأنصار بسبب ما يتيحه الجو لهم من مرونة في الحركة. وسهل كركوك معروف بأنه من مناطق العمليات الخطرة بسبب أن مديات واسعة من أرضه هي أراض سهلية منبسطة لاتساعد الأنصار على المناورة والتخفي اللذان تهيئها لهم الجبال الوعرة.

في احد أيام ذلك الصيف نصب الأنصار في احد المواقع سيطرة عسكرية للبحث عن أعوان النظام من مرتزقة أو مخابرات وغيرهم، وأيضا من اجل إثبات الوجود وتحدي النظام بعلنية. استطاع الأنصار في هذا الكمين من اسر مهندسيَََّن فرنسيين يعملان في إحدى الشركات الفرنسية العاملة في العراق، ومعهما سائقهما العراقي الآشوري يوسف، أو ( أبو يعگوب) كما سيلقبه الأنصار بتحبب في مكان أسره فيما بعد.

كان اسر هذين المهندسين مكسب جيد يمكن أن يستثمره الحزب بطريقة ما لعرض قضيته وقضية الشعب العراقي في الإعلام العالمي، وهذا ماسيتحقق، وان بدرجة بسيطة، لاحقا. نُقل هؤلاء الأسرى إلى المقرات الخلفية. وقد وضعوا في فصيل المدفعية البعيد عن مقر القيادة والمنزوي عند حافة الجبل. وهو مقر ليس فيه أسرار، فلا يستطيع هؤلاء الأسرى، بسبب ذلك، من معرفة أو رؤية ولا حتى سماع أي شيء قد يفيد العدو لاحقا، وكذلك هم في هذا الموقع لا يستطيعون، ليس فقط الهروب، وإنما حتى مجرد التفكير فيه لوعورة المنطقة وكثرة مجاهلها، ولهذا فقد كانوا طلقاء، كما لم يكن هناك تشديدا خاصا على حراستهم، والأكثر أنهم اسكنوا خيمة عادية وسط الأنصار، وكانوا يستطيعون الحركة بحريتهم داخل المقر الصغير والمحصور في ممر ضيق بين بضعة أودية متداخلة.

احد المهندسيّن كان يتحلى ببساطة سلوكية شجعته، مقرونة بتعامل الأنصار الايجابي معه، على أن يخرج من الخيمة ويحتك بالأنصار ويتحدث معهم ويلعب مع بعضهم الشطرنج( ويخسر) ويتداول مع من يجيد منهم الانگليزية احاديثا سياسية واجتماعية، بينما بقي الآخر منطويا ويتعامل بمحدودية عكست مزاجا متعاليا، ولم يكن يخرج من الخيمة إلا لقضاء حاجته أو للطعام. عرفنا فيما بعد انه يملك أسهما في الشركة التي يعمل بها.

كان الأسرى الثلاثة يسكنون خيمة واحدة، ويتناولون الطعام بشكل مشترك، لكن ذات يوم اشتكى (أبو يعگوب) من أن الفرنسيين يعاملانه معاملة فجة ومتغطرسة تزعجه، فتقرر عندها سحب (أبو يعگوب) من خيمتهم، وصار ينام في مكان مفتوح قريب من أماكن الأنصار، واخذ أيضا يتناول طعامه معهم. ومع مرور الأيام صار (أبو يعگوب) واحدا من الأنصار، اعتادوا على وجوده، وأحبوه، وكانوا يعاملونه كضيف، بل كصديق. لكن لـ (أبو يعگوب) مشكلة ستظهر آثارها مع الأيام ومع تطور علاقته مع الأنصار التي اخذ يداخلها المزاح والنكات. كانت مشكلة (أبو يعگوب) انه كان معتادا على شرب الخمرة. وهناك في الأسر انقطع، اضطرارا، عن هذه العادة المحببة إلى نفسه، فليس في الجبال خمرة، فانعكس هذا على مزاجه بحدة ملحوظة. لاسيما عند الغروب حيث يشحب وجه (أبو يعگوب) مع شحوب السماء. والجبال، لمن لم يعتد عليها، تكون موحشة، بل ومخيفة وقت الغروب حيث تنطوي جميع الكائنات على نفسها. حينها يأخذ (أبو يعگوب) بالتمشي في احد ممرات المقر باديا عليه الحزن والاكتئاب، وقد تحولا مع الأيام إلى حالات توتر وضيق واضحين.

كان احد الأنصار يبتدره مازحا في الاماسي عند الغروب بالقول:

ـ ها أبو يعگوب، هسه ربع عرگ يسوى الدنيا وأهلها، مو؟.
أو:
أبو يعگوب انته هسه لو بكركوك جان يمكن ناصب الميز وحاط المزه ومقندل.

فينفعل (أبو يعگوب)، وتهيج مشاعره، فيأخذ بشتم النصير والأنصار بجد وحرقة رغم انه يحاول أن يظهر الأمر وكأنه مزاحا.
والله أنعل أبوكم على هالطلعة.. مو آني گلت لكم آنا شكو ماخذيني.

وذات يوم جاء احد الأنصار الأكراد من إحدى المفارز في زيارة إلى المقر، وتعرف على (أبو يعگوب)، واخذ يمازحه باللغة الكردية، فصار (أبو يعگوب) يهيل له الشتائم. وحين استفسرت عن الموضوع وسط ضحكهما قال (أبو يعگوب):

هذا الزمال اللي أسرني. گتله عوفني، إي آنا شكو ماخذيني.. ماقبل الكلب ابن الصطعش كلب.

بالمناسبة كان( أبو يعگوب)يتكلم خمس لغات؛ هي العربية والكردية والآشورية والتركمانية والانكليزية. لاحظوا كيف يتطور المرء في مدينة كركوك.

علمنا لاحقا إن مفاوضات بين قيادة الحزب وجهات حكومية فرنسية بواسطة الحزب الشيوعي الفرنسي تجري لإطلاق سراح المهندسيّن، ومقابل ذلك استضافت قناة تلفزيونية، ومحطة إذاعية فرنسيتان، الراحل الدكتور ( رحيم عجينة)، القيادي في الحزب، عرض فيها شيئا من أوضاع العراق السياسية، ومعاناة الشعب العراقي في ظل حكم الدكتاتورية البعثية.

وفي أواخر الصيف، مع إطلالات الخريف الأولى، حيث تتغير حياة الأنصار ومهماتهم تقرر إطلاق سراح الأسرى، ونقلوا حسب اتفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني( حدكا) إلى منطقة داخل الأراضي الإيرانية لضمان تسليمهم إلى السلطات العراقية(كانت هناك مخاوف من أن يقوم النظام بتصفيتهم ويتهم بهذا المعارضة لتشويه سمعتها)، ومن ثم إرسالهم إلى فرنسا.

رحلوا ذات مساء وكان (أبو يعگوب) يسير في مؤخرة الموكب الصغير، نحيفا متعبا وقلقا. كنا متأكدين من أن المهندسيّن الفرنسيين سيصلان بسلام إلى بلدهما، وسينعمان بحياتهما مع أسرتيهما، ولكننا لم نكن نعلم ما الذي ينتظر (أبو يعگوب)، وما إذا كان سيحتسي الخمرة في المساء الأول الذي يصل فيه إلى بيته وعائلته، أو ما إذا كان سيحتسيها مرة أخرى في حياته أم لا!.


***

2

الأذان يرفع في فصيل المدفعية

اسمه احمد؛ كادح مصري متغرب قدم إلى كردستان لأجل أن (يلقّط) رزقه كما يقول الإخوة المصريون. اركبه حظه العاثر سيارة ستعترضها مفرزة للأنصار الشيوعيين في إحدى الطرقات الموصلة بين مدن كردستان. ورغم إن احمد كمصري قد تشرب المحن في حياته كنسغ يسري في عروقه إلا أن تلك اللحظة العاثرة، لحظة وقوعه في اسر الشيوعيين العراقيين، ستشكل محنته الأكبر في الحياة.

ظن الأنصار بان (احمد) صيد ثمين ستستفيد منه الحركة بالمساومة للحصول على منافع سياسية. ولهذا فقد سحبوه، مرتبكا خائفا وقلقا، إلى المقرات الخلفية. والمسافة بين الموقع الذي اسر فيه (احمد المصري) وموقع المقرات الخلفية طويل جدا، ويجب أن تقطع مشيا على الأقدام لأيام وليال، فليس في الجبال وسائل نقل غير البغال، وهي أرقى وسائط النقل لدى الأنصار، ولا تستخدم إلا للمرضى أو العاجزين أو الجرحى، لهذا فقد عانى (احمد المصري) كثيرا من التعب في مسيرته هذه، وبضغط من معاناته هذه أطلق مقولته المشهورة التي سيتندر الأنصار بها فيما بعد:

(أنا اخلص جبل يطلع لي جبل.)

كالعادة اسكن (احمد المصري) في مقر المدفعية للأسباب المعروفة. وخصصت له خيمة مجموعة من الأنصار، ففي الصيف لا يستخدم الأنصار الخيام. لكن احمد عاش حالة غريبة، فقد كان خائفا دونما سبب. رغم كل التطمينات اليومية بأنه لن يحصل له شيء، وليس هناك أي خطر على حياته، وبُينت له الأسباب وراء احتجازه، وأٌفهم بأنه ضيف وليس أسير. فلحركة الأنصار سجن يضعون فيه الأسرى الخطرين، ولكن (احمد) كما كٌرر له مرات ومرات، هو أسير من نوع آخر، أو بالأحرى هو ضيف. لكن احمد لا يستطيع أن يطمئن. فحين يدخل احد الأنصار إلى الخيمة في وقت متأخر من الليل لأخذ شيء ما، فبعض حاجيات الأنصار الشخصية موجودة هناك، معاطفهم العسكرية على سبيل المثال، وهذه يحتاجونها أثناء الحراسات المتأخرة في الليل بسبب برودة الجو، عندها يفز (احمد) من النوم مذعورا وخائفا. وتتكرر الوصلة ذاتها: (اطمئن يا احمد، نحن لن نفعل بك شيئا. وحتى إذا أردنا أن نفعل شيء ما، وهو أمر مستحيل، فلن نأتي لكي نفعله في الليل، بل سنفعله في النهار لأننا لسنا بحاجة إلى اختطافك لكي نأتي في الليل.

لكن احمد يبقى قلقا ولا يطمئن.

وقد تلاعب بعض الظرفاء على حالة الخوف لدى (احمد) فكان حينما يأتي المسؤول السياسي للفوج( أبو ناصر) يهمس احدهم في أذن (احمد) بان هذا الرجل هو: ( الكبير بتاعنا، وفي أيده كل حاجة). فيأتي (احمد) إلى مكان جلسة الأنصار، يسلم ويجلس، في البداية يستمع للأحاديث منتظرا الفرصة المناسبة ليبدأ حديثه مع ( أبو ناصر):
( يابييه، والله العزيم أنا مزلوم، والله أنا ماعملتش حاجة تزعل حد.)

فيطمئنه (أبو ناصر) ضاحكا، بأننا نعرف هذا، وان الأمر ليس بيده، وان مشكلته ستحل قريبا.

وحل شهر رمضان. و (احمد) كأي مصري بسيط، رجل متدين، ويصوم رمضان. عندها سعى الأنصار لتوفير أفضل الظروف له لكي يتم صيامه براحة. فكان يعزل له طعام الفطور والغداء ويجمعان مع العشاء ليقدما له في وقت الإفطار، وتترك له حرية التصرف بطعامه، ماذا يأكل وماذا يبقي للسحور، وكان يعد له خصيصا إبريق شاي وقت الإفطار، وعندها يأتي من (يتملقه) من الأنصار من عشاق احتساء الشاي علهم يحصلون منه على كوب صغير. وهذه الأشياء، كإبريق الشاي مثلا، قد تبدو بسيطة وليست ذات قيمة لمن يسكن المدينة، لكنها في الجبال، وفي حياة الأنصار، هي أشياء مهمة ولها قيمة كبيرة وخاصة.

وطبعا خصص لـ(احمد) جهاز راديو، هو راديو آمر الفصيل، وهذه هبة كبيرة. فالراديو يلعب دور كبير في حياة الأنصار، لأنه واسطتهم الوحيدة للإطلال على العالم الخارجي، ولهذا كان كل نصير لديه جهازه الخاص، والاستغناء عن الراديو هي ( تضحية) ليست هينة. أقول كان (احمد) يستمع إلى الراديو، وأيضا يفطر على الأذان الذي تبثه إذاعة بغداد. لكن ( أبو الصوف، وهو نصير فنان ومتعدد المواهب)، كان قد قرر أن يرفع هو شخصيا الأذان وبشكل خاص لـ(احمد المصري). لهذا عند الغروب، ومع وقت الإفطار، يرتفع صوت (أبو الصوف) في الفصيل مؤذنا أذانه الخاص:

(الله اكبر الله اكبر...
حيي على ملا علي)

وملا علي هو الراحل (فرج عبدالله) آمر الفوج.

كان احمد يضحك بمرح لهذه الدعابة.

وأخيرا، ذات يوم، جاءت البشرى لـ(احمد)، سيطلق سراحه. فبعد أن يئس الأنصار من إمكانية الاستفادة من وجوده لديهم في أي أمر سياسي؛ فلا الحكومة العراقية تهتم به، ولا حكومته المصرية ستكترث لمصيره، بل ربما إن النظامين سيفرحان إذا ما صفي احمد. فسينقص الشعب المصري ( فم) جائع يزعج الحكام. لذا تقرر إطلاق سراحه.

كان علي أن انقله إلى مقر القيادة ليتسلم نقوده التي أودعت هناك، وأيضا لينتظر المفرزة التي ستنقله إلى مكان قريب من إحدى المدن الكردستانية. ولأول مرة يمشي الأسير وراء حرسه. (فاحمد) لا يشكل خطرا. كان فرحا بصورة لا تصدق. وحين أوصلته وأردت العودة، ودعته، عانقني بحرارة وشكرني. وأجابني حينما سألته مازحا:
ماذا ستفعل الآن؟.

أنا طالع مصر طوالي.!!

***

عدنان وعرفان

بعد استشهاده على أيدي قوات (أوك) في معارك بشتاشان عام 1983، لقب الشهيد خدر كاكيل بـ (بطل اقتحام الربايا)، وذلك لأنه ابتكر ونفذ عمليات اقتحام جريئة وذكية لربايا عسكرية، يشكل نشاطها وأماكنها ضغطا وخطرا على نشاط وحياة الأنصار.

كان الهدف الأساس من بعض العلميات العسكرية التي يخطط لها الأنصار الشيوعيين هو تحييد القوات الحكومية غير الأمنية، أي القوات العسكرية التقليدية، التي تشغل الربايا العسكرية عادة، لكي لا تؤذي الأنصار، وقد استجابت الكثير من هذه القوات لهذا التكتيك، لكن بعضها رفض بسبب تعنت ضباطها مما عرضها لعمليات استهدفتها، ومن بينها العملية التي وقع أسيرا فيها الجنديان الاحتياط، من أهالي الديوانية، عدنان وعرفان.

أثناء الهجوم على الربية طالب المهاجمون الجنود بالاستسلام، وقد استجاب الجنود لهذا النداء، وأوقفوا المقاومة، لكن الضابط المسؤول عن الربية، قد أطلق على الجميع، بدون تمييز، أثناء هروبه من الربية، قنابل يدوية حملها في صندوق ذخيرة ليغطي عملية هروبه،( والحق يقال كان هذا الضابط الشاب رجلا شجاعا)، فتسبب بإصابة بعض الأنصار المهاجمين وأيضا بقتل وجرح بعض جنود الربية، وكان من بين الجرحى الأسيرين عدنان وعرفان.

اقتيد الأسيران إلى المقرات الخلفية، وتلقيا علاجا مناسبا، وبقيا في المقر برفقة مسؤول الإدارة المركزية، وهي بناية صغيرة معزولة تقع بالقرب من احد فصائل المقر العام. وكان الإداري المسؤول عن البناية وموادها وحيدا في مقره هذا، والأسيران صارا يعيشان معه ويساعدانه في عمله.

والملفت أن الإداري كان وحده في المقر، والأسيران لا يخضعان لأي حراسة، وينامان معه في مبنى الإدارة. وهما قادرين على استخدام السلاح، لكنهما لم يفعلا أي شيء ليس خوفا وإنما بسبب جو الثقة والمودة الذي شاع بينهم وبين الإداري وبقية الأنصار.

ولان الأسيرين كانا جنديين من أرياف الجنوب، فقد اعتادا على النهوض كلما رأوا احد الأنصار قادما إلى الإدارة، وكأنهما يهمان باداء التحية العسكرية له، فيضطر الإداري، أو النصير، إلى تنبيههما إلى أن هذا غير ضروري على الإطلاق، وأننا لسنا في نظام عسكري. وكانا أيضا كلما رأيا الأنصار يذهبون جماعات لجلب الحطب يشعران بالحرج ويهمان هما أيضا بالذهاب، فينبهان أيضا بان هذا غير إلزامي لهما، فالأنصار يجلبون الحطب لأنفسهم، وأنتما تعملان في الإدارة فقط.
وذات يوم كان الإداري يغسل ملابسه، فتقدم منه احدهما يريد أن يأخذ عنه المهمة، فرفض الإداري هذه المبادرة، وقال لهما:
إنها ملابسي، وأنا من يجب أن يغسلها.

فرد عليه الأسير:

ولكن احد الأنصار كان قد غسل لنا ملابسنا في قاعدة (روست)

أجابهم الإداري:

هذا لأنكما كنتما حينها جريحين، وعاجزين عن غسل ملابسكما، لهذا غسلها لكما النصير، أما أنا، فكما تريان، صاغ سليم ، ويمكنني أن اغسل ملابسي بنفسي.

بقي عدنان وعرفان في الحقيقة يعانيان من الشعور بالغربة والقلق. وكانا ينعزلان ويجلسان لوحدهما لساعات طويلة.

كانا فعلا نموذج لابن الريف المسكين، ابن الريف الفقير الذي أدمن الانكسار والخوف، حتى أنهما كان يتفاجآن لطيب معاملتهما، ولا يخفيان اندهاشهما منها.

ولم تطل معاناتهما كثيرا، فقد تقرر في ذات الصيف إطلاق سراحهما، وقد خيرا بين أن يعودا إلى العراق، عن طريق إحدى المفارز التي تؤمن وصولهما إلى اقرب المدن، أو أن يؤمن لهما الحزب الذهاب إلى إيران. فاختار عرفان العراق لان لديه أسرة ويخاف عليها، واختار عدنان إيران.

وبالتأكيد إن تجربة أسرهما شكلت منعطفا مهما في حياتهما وقد رسمت لهما مصيرهما.
لكن ماذا كان مصيرهما؟

***
هامش

مقاصات؛ هي مفردة ابتكرها احد كتاب الخمسينات العراقيين ( لا يحضرني اسمه الآن) وصف فيها قصص الراحل(ذو النون أيوب) الذي كانت قصصه تتسم بالمباشرة وبنمطية المضامين الاجتماعية، فكانت حسب هذا الكاتب لاهي قصص ولاهي مقالات فاسماها (مقاصات).



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (3)
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (2)
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (1)
- هل هناك تجربة اشتراكية ناجحة؟
- مشكلة الحجاب في المجتمعات الاوربية
- صفقة خاسرة
- أللاجئون في أوربا
- الانتخابات السويدية2
- انتخبابات السويد 1 انبعاث العقلانية
- احداث بشتاشان
- شيء من لوثة الايدلوجية
- تشاركوننا جرائمنا أو نشارككم براءتكم
- شبح التطرف في كردستان
- شهداء منسيون
- معوقات وحدة اليسار العراقي
- صناعة الخصوم
- معضلتان يساريتان
- تعرف الأشياء بأضدادها
- عبء التاريخ
- طرائف ديمقراطية


المزيد.....




- لماذا أصبح وصول المساعدات إلى شمال غزة صعباً؟
- بولندا تعلن بدء عملية تستهدف شبكة تجسس روسية
- مقتل -36 عسكريا سوريا- بغارة جوية إسرائيلية في حلب
- لليوم الثاني على التوالي... الجيش الأميركي يدمر مسيرات حوثية ...
- أميركا تمنح ولاية ماريلاند 60 مليون دولار لإعادة بناء جسر با ...
- ?? مباشر: رئيس الأركان الأمريكي يؤكد أن إسرائيل لم تحصل على ...
- فيتو روسي يوقف مراقبة عقوبات كوريا الشمالية ويغضب جارتها الج ...
- بينهم عناصر من حزب الله.. المرصد: عشرات القتلى بـ -غارة إسرا ...
- الرئيس الفرنسي يطالب مجموعة العشرين بالتوافق قبل دعوة بوتين ...
- سوريا: مقتل مدنيين وعسكريين في غارات إسرائيلية على حلب


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد صبيح - ‌أسرى في ضيافة الأنصار لشيوعيين