أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - مواقف من ثورة تونس















المزيد.....

مواقف من ثورة تونس


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 3262 - 2011 / 1 / 30 - 17:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لن تكتمل الثورة التونسية وتجسد فرادتها وسماتها الخاصة ما لم تنتصر الثورة الشعبية القائمة في مصر الآن.

الترابط بين الفعلين الكبيرين طبيعي وضروري لأسباب تاريخية واجتماعية وسياسية وثقافية ونفسية أيضا. واتساع رقعة الثورة وانتشار عدواها إلى مجتمعات عربية محيطة ومتشابهة في تكوينها يعزز قيمة الانجاز التونسي ( والمصري لاحقا) تاريخيا ويعززه سياسيا ويجعل أمر الالتفاف عليه أو السعي للقضاء عليه أمرا مستحيلا.
لقد وضعت الثورة التونسية فرادة تاريخية بانجازها ليس على مستوى المنطقة وإنما على المستوى العالمي أيضا. لان ما انجزته في جوهره وأشكال تجسده كان مختلفا عن كل التجارب السابقة عليه والمعاصرة له.

السمة الأساسية التي جسدت هذه الفرادة هي الطابع الشعبي المطلق للثورة وعفوية انطلاقها واندفاعها. فقد تفوق الشعب التونسي بفعله على النظام الحاكم وعلى المعارضة السياسية في نفس الوقت بل والأكثر حتى على نخبه. وقد فاجأ الجميع بقدرته على الانجاز. والملفت أن هذا الشعب قد قام بفعله البطولي هذا معيدا الاعتبار، إن لم نقل انه قد أسس، لدور جديد وقوي للجماهير وللرأي العام، لقد قام الشعب التونسي بفعله بطريقة مختلفة وجديدة بعدم اعتماده على أي قوى خارجية ولا حتى داخلية لتغذي صراعه مع نظام الحكم. حيث أدار الصراع أيام الانتفاضة، ونظم عمليات ما بعد سقوط النظام وهروب الرئيس بنفسه وبجهوده وبوعي وحس وطني جيد جدا. وهذا يؤكد تميزه عن تجارب أخرى اعتد بها الإعلام العالمي وبعض الحكومات كالثورة البرتقالية في اوكراينا التي رحب بها العالم وروج لها كثيرا، وما عرفناه عن هذه الانتفاضة، أنها كانت، رغم طابعها الشعبي، تصفية حسابات بين نخب سياسية وطغم مالية متصارعة على السلطة والنفوذ والثروات في المجتمع، فقد مولت المعارضة لحكومة (فيكتور يوشيشينكو) على سبيل المثال، المحتجين المعتصمين في الساحات العامة بمبالغ كبيرة( 150) مليون دولار لدعم فعالياتها( خيام وأطعمة وفرق موسيقية وغيره). وقد تكررت نفس الدوافع والأساليب مع حوادث أخرى مشابهة في بلدان ماسمي بالمعسكر الشرقي نزلت فيها الجماهير إلى الشارع لإسقاط أنظمتها أو حكوماتها. لكن ما اجترحه الشعب التونسي وما يقوم به الشعب المصري الآن هو إن هذه التحركات لا تتبع لأي قوى لا محلية ولا خارجية وفي هذا بالضبط يكمن سبب غضب الكثيرين عليهما عدم ارتياح البعض لما أنجزاه.

لانقول جديدا بان الأنظمة العربية جميعها غاضبة وغير راضية عما جرى في تونس (وما يحدث الآن في مصر) حتى تلك التي تدعي لنفسها شرعية مفترضة فقط لأنها أنظمة غير انقلابية( ملكية قروسطية متكلسة كالسعودية) وسر نقمتها ليس فقط ما يخيفها من احتمال انتقال العدوى إلى مجتمعاتها، وإنما لارتفاع صوت الجماهير الذي سيفرض عليها، صاغرة، الإصغاء بشكل وبآخر إلى هذا الصوت ليعبر عن رأيه في شؤون البلد، هذا إذا لم يرتفع هذا الصوت ويجذر طموحاته لحد نقل التجربة التونسية والمطالبة بتغيير جذري، وهو أمر ممكن ومستحق على جميع الأنظمة العربية بدون استثناء.

عدا ألقذافي الذي أعلن برعونته المعهودة راية بصراحة في سقوط نظام بن علي فان الآخرين صاروا يلجأون إلى وسائل اقل صراحة ولكنها لا تقل فظاظة ووقاحة عن تصريح عميد الانقلابيين العرب. وخير وسيلة لمعرفة هذه المواقف هو سلوك وسائل الإعلام في هذه البلدان وطريقة تغطيتها للنبأ التونسي ولاحقا للأكبر والأخطر واعني به الحدث المصري.

بشكل عام أخذت وسائل الإعلام الرسمية للأنظمة ذات الحساسية مما جرى في تونس، مثل سوريا والأردن واليمن، تحاول تجاهل الأحداث ولا توليها أية أهمية للحد الذي أبعدتها عن نشراتها الإخبارية وشريط الأنباء ألتلفازي، بالمقابل، ولاستكمال الدور وتعزيز الصورة، أخذت هذه الوسائل بإخراج فزاعاتها التقليدية الخاصة لصرف نظر مواطنيها عن متابعة الأحداث. فابرز التلفزيون السوري، على وجه الخصوص، إلى الواجهة أحداث ووقائع الأرض المحتلة وما تقوم به سلطات الاحتلال الاسرائيلي هناك. وإسرائيل،كما القوى الإسلامية( الإخوان المسلمون) لدى الإعلام المصري، هما خصم رسمي محدد المعالم وكامل التعريف، لذا يسهل إلقاء تبعات أي كوارث قادمة وسابقة عليه، ولهذا اخذ الإعلام السوري يكرس أخبار إسرائيل ويضخم من طبيعة الأزمة اللبنانية إخباريا، بل والأكثر مدعاة للسخرية انه اخذ يميل إلى تكثيف برامج الترفيه، وصار ينقل أخبار مباريات كرة القدم بإلحاح ملحوظ. وكذلك حذى الإعلام الأردني فيما يتعلق بهذا الجانب،حذو شقيقه وغريمه السوري فكرس ساعات طويلة للبث التلفزيوني للتعبير عن فرحة عارمة في فوز منتخب الأردن بمباراة كروية، وعلى الضفة الأخرى من جزيرة العرب، تحول التلفزيون اليماني فجأة إلى قناة ترفيهية تبث بكثافة الأغاني والمسلسلات. صار المهم لدى هذه القنوات هو بث أي شيء إلا ما حدث ويحدث في تونس ومصر.

وليس خارج هذا السياق مقال لـ(رياض نعسان الاغا) الوزير السوري المقال نشره في صحيفة الاتحاد الإماراتية كان يفترض أن يكون موضوعه الثورة التونسية، كما أوحى السطر الأول منه، لكننا نكتشف انه يصعد وينزل ليذكرنا أن العدو الأول للعرب هو إسرائيل، وان الصراع الحقيقي في المنطقة هو بين العرب وإسرائيل، وطبعا لاينسى تذكيرنا بالوجه الثاني لهذه المعادلة الفقيرة بان النظام السوري هو الحامي للمقاومين لمشاريع إسرائيل والغرب في المنطقة، وانه المتصدي منفردا لمخططات إسرائيل، ولا داع هنا لتحليل أبعاد ومناسبة هذا الكلام فالمقصود منه واضح جدا؛ وهو أن على الشعوب العربية، وبالذات السوري، أن تفكر في الصراع العربي الإسرائيلي وليس في صراعها مع أنظمة الحكم عندها.

يبدو إن حساسية الوزير الثقافية والوطنية لم تعنه على استبصار كنه العصر العربي الجديد الذي افتتح قبل أسابيع فقط.

ومن جانب آخر ضايقت الثورة التونسية قوى متعددة في الغرب استقبلتها بفتور وتحفظ واضحين، مثل فرنسا والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، وما اقلق هذه القوى ليس وقع الثورة التونسية المجلجل والمفاجئ فحسب، وإنما ماصار مدركا بالبديهة من القلق من خطر أن تنتقل عدواها إلى أماكن عربية أخرى تحظى بأهمية إستراتيجية لدى الغرب مثل مصر، وهي التي وقعت فيها فعلا الخطوة الكبيرة الثانية للثورة.

غير أن مواقف الغرب الفكرية والسياسية الحقيقية، وكما جرت العادة، لا يعبر عنها عبر التصريحات الرسمية والمواقف المعلنة للحكومات والمسؤولين، وإنما أيضا عبر قنوات الرأي بالصحف ووسائل الإعلام الأخرى. والإعلام الغربي إعلام ذكي لا يتناول المواضيع ولا يطلق المخاوف بصورة مباشرة وحادة وإنما عبر الإشارات والتلميحات الموحية. والفكرة الأساسية التي أراد أن يعيد تقديمها الموقف الغربي هي أن العرب كشعوب، غير قادرين، بالفطرة والتكوين، على بناء مؤسسات دولة حديثة ومجتمع منفتح وديمقراطي، أو بتعبير آخر مجتمع حداثي. ولهذا ذهب أمير طاهري،، على سبيل المثال، في مقال نشرته جريدة الشرق الأوسط(28/1/2011) تناول فيه التجربة التونسية، إلى أن الاستبداد كامن في داخل كل شخص عربي، أو تونسي في مثاله الذي عالجه في مقاله، وكأن الاستبداد حالة أزلية ومكون تركيبي في الشخصية العربية، وان الفرد العربي، حاكما ومحكوما، يعيد إنتاج الاستبداد بشكل حتمي في كل الأزمنة والظروف وانه، أي الاستبداد، ليس نتاجا لواقع اجتماعي تاريخي، وهذا الموقف والرؤية هما نتاج مباشر للفكر الكولنيالي الذي نسجه خطاب الاستشراق وبرر من خلاله الهيمنة الغربية على العالم. ورغم تهافت هذا المنطق وذلك الخطاب عبر الدلائل التي قدمتها مسيرة التاريخ، ناهيك عن تهافته المنهجي والعلمي بحكم النظرة السكونية للتاريخ التي تحكمه، فانه لايزال، مع بعض التعديلات والتنويعات، هو جوهر الخطاب الغربي الذي يتعامل وفق حساباته ومقاييسه مع العالم العربي. ولاتزال واحدة من استهدافاته هي الهيمنة، فقد جرى الترويج بعد أحداث سبتمبر وإسقاط النظام العراقي في 2003، إلى أن الأنظمة العربية المستبدة قدر حتمي ولا يمكن إسقاطها بقوى مجتمعاتها الذاتية بسبب خلل بنيوي متأصل في هذه الشعوب وعجز مطلق لديها على قيادة نفسها بنفسها، وليستخلص بعد ذلك من أن سقوط الأنظمة ونيل الشعوب العربية لحرياتها لا يتم إلا عبر التدخل الخارجي، سواء العسكري المباشر أو غير المباشر، وهذا شكل للاستعمار والهيمنة جديد، طوعي ومطلوب ذاتيا وداخليا تسعى إليه الشعوب بنفسها للتخلص من نير واستبداد أنظمتها المتخلفة والجامدة والقمعية. وقد جرت لتكريس هذه الصورة محاولة لتعميم التجربة العراقية وجعلها رغم كل كوارثها، نموذجا قابل للتطبيق في أماكن أخرى، مع تبرير أن ما جرى من تداعيات لهذه التجربة نابع هو أيضا من طبيعة هذه الشعوب وليس من شكل التغيير. لهذا فان هؤلاء قد أغضبتهم الثورة التونسية لأنها حطمت هذه المقولة وهذا التصور الذي جرى تكريسه بصورة ملحة عبر التأكيد المستمر على أن أسباب التخلف عضوية وبنيوية، تارة بسبب العقيدة الدينية( الإسلام) وتارة بسبب العرق( عرب). وقد نسج على هذا المنوال الكثير من اللبراليين العرب الذين تبنوا الخطاب الغربي وعربوه واخذوا يكرسون مفرداته وصيغه ويعممون استنتاجاته بتطرف، وجعلوا من أفكاره قدرا محتما لامفر منه. وصاروا يلحون على ذات المقولات حتى في متابعتهم للثورة التونسية التي قلبت المعادلات وغيرت في صيغها، وكانوا يكررون، بلا مواربة، من أن هذه الثورة، وان نجحت في انطلاقتها، إلا أنها سوف لن تنجح وتستمر في انجاز تحويل اجتماعي وسياسي شامل ونوعي في المجتمع،ولذات الأسباب التي روجها الخطاب الغربي، وهي تخلف مجتمعاتنا وعجزها عن إنتاج بديل. ولم ينسوا، لا هم ولا أصحاب الخطاب الغربي أنفسهم، ولغرض خلط الأوراق وتكريس الصورة النمطية، من رفع فزاعة البديل الإسلامي ألظلامي الواقف عند الباب للانقضاض على أي انجاز حضاري قد تستطيع أن تنجزه الشعوب العربية بغفلة من الزمن الحداثي الغربي.

ماجرى ويجري في تونس ومصر قد غير الكثير من النظرات السطحية المفتعلة والمقولبة للواقع، وسيفرض بالضرورة إعادة نظر جذرية في الكثير من المقولات والمفاهيم السياسية وغير السياسية، ولا يمكن بعد الآن التعامل مع الواقع العربي بذات المفاهيم والصور القسرية التي صورته عبر خطابات تشكلت بمنظورات سكونية متهافتة.

هناك واقع جديد نوعي يتشكل أمام أعيننا. وعلينا النظر إليه بطريقة تناسبه.



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احذروا التقليد
- الى الشارع سر!
- كومونة تونس
- التعليقات في الحوار المتمدن
- لمحة قصيرة عن النقد عند اليسار العربي
- العنصرية ضد الذات
- ‌أسرى في ضيافة الأنصار لشيوعيين
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (3)
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (2)
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (1)
- هل هناك تجربة اشتراكية ناجحة؟
- مشكلة الحجاب في المجتمعات الاوربية
- صفقة خاسرة
- أللاجئون في أوربا
- الانتخابات السويدية2
- انتخبابات السويد 1 انبعاث العقلانية
- احداث بشتاشان
- شيء من لوثة الايدلوجية
- تشاركوننا جرائمنا أو نشارككم براءتكم
- شبح التطرف في كردستان


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - مواقف من ثورة تونس