أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - - النموذج - التركي و تناقضاته.















المزيد.....


- النموذج - التركي و تناقضاته.


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3535 - 2011 / 11 / 3 - 14:56
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


" النموذج " التركي و تناقضاته.
================
(فيما يلى مساهمة من م. أيدين فى نقاش كيف ننظر للنظام التركي و دوره فى العالم–أخبار " عالم نربحه" ، 17 أكتوبر 2011)
صار الدور الذى رسم لتركيا و شجعت على النهوض به أكثر بداهة فى تعاطيها مع سوريا أين تحتجّ الجماهير لأشهر الآن. و ذهب قادة تركيا حتى إلى مطالبة رئيس الدولة السورية ، بشّار الأسد، بالتنحى. و ما إنفكّت تركيا تحاول أن تنمّى تأثيرها فى سوريا بقبولها إستقبال الفارين من قمع النظام و كذلك بفرض حضر على شحن الأسلحة. و قال الوزير الأوّل ، الطيب أردوغان :" إن وجدت طائرات تحمل أسلحة أو وجدت شحنات أسلحة عن طريق الأرض ، فإنّنا سنوقفها و نصادرها".( النيويورك تايمز، 23 سبتمبر 2011). و بلغ الأمر حدّ تحدّى إيران وهو بلد كانت علاقات تركيا معه فى الماضي جيدة وهو أحد أهمّ داعمي النظام السوري. ووفق ذات تقرير النيويورك تايمز" إعترضت تركيا شحنة أسلحة من إيران إلى سوريا فى أوت و صادرت شحنة طائرة إيرانية متوجّهة لسوريا فى مارس".
لكن نشاط تركيا المتجدّد فى المنطقة لم يقتصر على الجارة سوريا. فلا يمكن ان يستهان بجولة أردوغان فى الشهر الأخير التى شملت تونس و مصر و ليبيا التى زارها كأوّل وزير اوّل يحطّ الرحال فيها ؛ و هي البلدان العربية الثلاثة التى عرفت أنظمتها تغييرات هذه السنة ، لا يمكن أن يستهان بها على انّها زيارات دبلوماسية روتينية.
فى الواقع ، لاحظ العديد من المراقبين هذا الدور و يردّونه إلى ذكاء القيادة التركية و حسن إختيارها للجانب الصحيح فى الإنتفاضات العربية لتصبح تركيا أكثر إحتراما و تأثيرا فى المنطقة. يُقال إنّ لتركيا رؤية و فهم جيّدين لكيف تجرى الأمور و أكثر من ذلك أنّها تمثّل حلاّ أو جزء مفتاحا من الحلّ لعدم الإستقرار فى المنطقة.
و جاء فى مقال آخر فى " النيويورك تايمز" :
" فى العالم العربي حيث تبدو الولايات المتحدة فى تراجع و البلدان الأوروبية لا تأثير لها و قوى مثل إسرائيل و إيران غير مستقرّة و غير ثابتة ، قدّم موظّفون موثوق بهم مرّات رؤية لما قد يفرزه الإضطراب عبر قارتين قد يسقط فرضيات إتبعت لعقود."( 26 سبتمبر 2011).
خلال السنتين الماضيتين ، سعت تركيا كذلك إلى التأثير على العالم العربي بالإبتعاد العلني عن إسرائيل و التعبير عن التعاطف مع الفلسطينيين.
و الحقيقة هي أنّ تركيا لم تتخذ الجانب الصحيح فى الوقت المناسب. لمدّة طويلة و خاصّة فى التسعينات ، مثّلت تركيا الحليف الإستراتيجي لإسرائيل فى المنطقة. و لم تكن خافية علاقات صداقتهما السياسية و أيضا تعاونهما العسكري و الأمني، مثلما هو واقع أنّ ذلك كان جزءا من التعاون مع الولايات المتحدة و إمبرياليون غربيون آخرون فى هيمنتهم على شعوب الشرق الأوسط. وفى محاولة للتأثير على الشرق الأوسط ، بذلت تركيا جهودا كبيرة لشراء صداقة ليبيا معمّر القذّافي و سوريا بشّار الأسد و كذلك لتطوير علاقات جيدة مع جمهورية إيران الإسلامية. وقد أرسلت آلاف المهاجرين للعمل فى ليبيا. و كانت علاقات تركيا بليبيا متطوّرة بحيث أنّها كعضو فى الناتو ، عارضت تدخّله فيها.
و من الواضح أنّ تركيا تلعب دورا أهمّ فى الشرق الأوسط و تبذل جهدها لتعزّز من نفوذها فى المنطقة، و أتت التطورات الجديدة فى المنطقة لتشجّع هذه الطموحات التى من المهمّ تفحّص مصادرها و مضمونها.
تركيا و الساحة العالمية :
لا شكّ فى أنّ طموحات تركيا لا يمكن فصلها عن الساحة العالمية و النظام الإمبريالي العالمي الجديد الذى تشكّل فى جزء منه أو على الأقلّ الذى تسعى الإمبريالية إلى تشكيله.
فاز حزب أردوغان ، حزب العدالة و التنمية ، فى إنتخابات جوان الأخيرة بغالبية عريضة للمرّة الثالثة على التوالي بمشاركة 87 بالمائة . و مثّل هذا الإنتصار تطوّرا جديدا لدى الطبقة الحاكمة التركية و علاقاتها بالناتو و الإمبرياليين الغربيين. و المظهر الأهمّ لهذا هو أنّ بعض العناصر الكمالية ( إسمها مشتقّ من مصطفى كمال آتاتورك، مؤسس الدولة التركية الحديثة ) فى الهيكلة السياسية للطبقة الحاكمة لتركيا تفقد لونها السياسي التقليدي و شكلا جديدا من الهيكلة السياسية بصدد النشوء. و الهدف الأساسي لهذا الإصلاح السياسي هو إرساء حكم أقوى و أكثر إستقرارا حتى يتسنّى لتركيا أن تضطلع بدور إستراتيجي فى الشرق الأوسط فى إنسجام مع المصالح الإمبريالية الغربية و كذلك مصالحها هي . و تأثرت هذه الإصلاحات بجملة من التطوّرات الكبرى للهيكلة الإجتماعية – الإقتصادية لتركيا ،على غرار مزيد التطوّر الرأسمالي ، و تشكّل برجوازية كردية قويّة نسبيّا.
صعد حزب العدالة و التنمية إلى سدّة الحكم أوّل مرّة فى 2003 بمساندة الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبي. و قد خطّط لإطلاق برنامج واسع من الخصخصة، والشروع فى إدماج البرجوازية الكردية فى الهيكلة السياسية و المساعدة على تطبيق المخطّطات الغربية فى الشرق الأوسط.
و لمزيد فهم ضرورة تغييرات من هذا القبيل لدى الطبقات الحاكمة التركية و مسانديها الإمبرياليين ، من الضروري ، أن نتناول بالبحث ولو بإقتضاب تطوّر هيكلة السلطة السياسية التركية من أفق عالمي.
بعض الخلفية :
أنشأت الدولة التركية فى ظلّ كمال آتاتورك سنة 1923 ، إثر إنهيار الإمبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى. و كان ذلك جزءا من النظام السياسي للشرق الأوسط الذى تشكّل عقب الحرب. و إثر الحرب العالمية الثانية و خاصة فى الخمسينات ، نهضت تركيا بدور كبير ضمن الكتلة الإمبريالية التى تترأسها الولايات المتحدة لمناهضة الشيوعية و الإتحاد السوفياتي الذى ظلّ أهمّ منافس للولايات المتحدة حتى بعدما تحوّل من مجتمع إشتراكي إلى مجتمع رأسمالي فى شكل دولة " إشتراكية" مزيفة.
لكن الهيكلة السياسية التى أنشأت حينها لم تعد تتوافق مع النظام الإمبريالي العالمي اليوم وهي تتطلّب بعض التغييرات. و بالمعنى الإقتصادي ، لا سيما خلال العقود القليلة الأخيرة ، شهدت تركيا تطوّرا كبيرا و غدا إقتصادها حتى أكثر إندماجا فى النظام الرأسمالي المعولم. و التطوّر الهام الآخر هو تشكّل برجوازية كرديّة قويّة نسبيّا تبحث عن نصيب أكبر فى تقاسم السلطة فى البلاد.
دُفع الأتراك ضد الأكراد المضطهَدين و كان إستعمال الفكر القومي التركي لتوحيد مختلف كتل الطبقات الحاكمة على الدوام جزء هاما من الكمالية. لكن وُجد ضغط متصاعد من أجل توسيع نوعي لدور البرجوازية الكردية فى هيكلة السلطة. مثلا ، وضع الإتحاد الأوروبي شرطا أساسيا لقبول تركيا ضمن إتحاده أن " تعالج القضية الكردية ". و لم يكن القيام بمثل هذه الإصلاحات سهلا بالنسبة لهيكلة السلطة التركية، لكن رفض القيام بذلك لم يكن سهلا أيضا.
وبالفعل ، نظرا للوضع الحالي ، باتت هذه الإصلاحات ضرورية. و قد وعد أردوغان بإدخال تعديلات على الدستور التركي بشأن موقع الأكراد.
و فى التسعينات ، خلق إنهيار الكتلة السوفياتية مجالا لمزيد إدماج تركيا حتى بصفة أعمق فى النظام الرأسمالي العالمي و إصلاح الخلل الأهمّ بهدف أن يتسنّى لها لعب دور إستراتيجي فى المنطقة. و جعلت " الحرب على الإرهاب" فى بداية هذا القرن ذلك مسألة ملحّة بالنسبة للإمبرياليين.
و قد إنطلق الإصلاح الإقتصادي لإعادة هيكلة الإقتصاد التركي و إدماجه بصفة أعمق فى الإقتصاد الإمبريالي العالمي ، قبل ذلك ، إثر الإنقلاب العسكري سنة 1981حيث أخذ ترغت أوزال الذى صار رئيسا فى 1983 ، يطبّق الإصلاحات التى رسمها لتركيا صندوق النقد الدولي و البنك العالمي. فقام بتغييرات إقتصادية هائلة و سرّعت أزمة إقتصادية فى نزوح واسع من الريف و فى نشأة الأحياء الفقيرة حول المدن الكبرى، و فى تضخّم مالي جامح و بطالة على نطاق واسع.
و إقترح صندوق النقد الدولي جولة أخرى من الإصلاحات على تركيا سنة 2001. و إلى حينها كانت تركيا قد تلقّت 31 بليون دولار من صندوق النقد الدولي. و كانت إعادة خلاص هذه القروض و فوائدها تلتهم نصف الدخل القومي الخام للبلاد. و فقدت عملة البلاد، الليرة، نصف قيمتها و بسرعة خسر الناس مقدرتهم الشرائية و مدّخراتهم.
و حين جاء حزب العدالة و التنمية إلى السلطة ، شرع فى بيع كافة المؤسسات المملوكة للدولة بما فى ذلك المواني و الطرقات و سمح للمؤسسات الأجنبية بالإستثمار فى جميع القطاعات بإستثناء النفط.
و وفق الإحصائيّات الأخيرة ، ينمو الإقتصاد التركي بحوالي 9 بالمائة و دخل الفرد ضِعف ما كان عليه فى 2002 ، أي حوالي 10 آلاف دولار لكن البطالة تبلغ 11.5 بالمائة و إقتصاد تركيا يعانى من معضلة عدم التوازن الذى قسّم البلاد إلى مدن كبرى غنيّة و مناطق نائية ، فقيرة و متخلّفة. و البون بين مختلف المناطق شاسع. ذلك أن بعض المدن الكبرى مثل إسطنبول و أنقرة و أزمير و آدانا تحصل على حوالي 49 بالمائة من الدخل القومي الخام ، بينما تنال مناطق مثل جنوب و شرق الأناظول 4 بالمائة لا غير. و يعدّ هذا التطوّر غير المتكافئ مشكل جدّي بالنسبة للإقتصاد التركي و قد يتسبّب فى إفلاس كلّ المخطّط التركي.
صعود حزب إسلامي :
لعب الجيش دورا هاما فى بناء الهيكلة السياسية الحالية. كان الهدف الأساسي من إنقلاب 1980 و تشكيل حكومة عسكرية هو إجتثاث التيارات الشيوعية و الثورية من تركيا ، لا سيما بعد أن أطاحت الثورة فى إيران بنظام الشاه. و من أجل إيقاف نموّ الشيوعيين ، شرع الجيش فى تشجيع الفكر الإسلامي. و مذّاك تواصل الترويج و الدعاية للإيديلوجيا الدينية اللذان بدآ حينها إلى اليوم .
و قد جعل الجنرالات فى السلطة تدريس الدين فى المدارس إجباريّا. و كان لهذا تأثيرعلى النظام التعليمي حيث صار التاريخ يدرّس من وجهة نظر دينية و تأثّر تدريس البيولوجيا و العلوم الأخرى بالعقائد الدينية. مستعملين كتب الأصوليين المسيحيين كنماذج ، أعادوا كتابة صريحة لأسس نظرية " الخلق" ( إدّعاء أنّ الكائنات الحيةّ لا تتطوّر بل خلقها إلاه) . و مثّلت ولادة جوّ عام مناهض لفكر التطوّر جزءا من برنامج تشجيع الدين ( أنظروا " إستنساخ فكر الخلق فى تركيا " ، المركز الوطني لعلوم التربية ، آديس تانر 1999 ، ص 30-35).
و بالفعل لدور الدين فى الدولة جذوره التى تمتدّ إلى الإمبراطورية العثمانية و لم يقلّص أبدا هذا الدور. فقد أسّس قسم الشؤون الدينية منذ البدايات الأولى للجمهورية التركية، فى مارس 1924، يوم إلغاء الخلافة. وكان عمل هذا القسم يتمثّل فى المساعدة على توحيد الطبقة الحاكمة . و قد كلّفه القانون بإدارة شؤون الإسلام ، وضمّن القسم فى الدستور منذ الإنقلاب العسكري الأوّل فى 1961 ،و مع الدستور الحالي الجديد الموروث عن إنقلاب 1982، جرى تكليفه تكليفا صريحا بمهمّة" مزيد تعميق الوحدة الوطنية ". ( نيويورك تايمز 28 سبتمبر 2011). وقد تعمّق حتى أكثر تسويق الدولة للفكر الإسلامي مع توسّع الكفاح المسلّح للحزب القومي الكردي ( حزب العمّال الكردستاني ) فى نهاية الثمانينات.
إثر تفاقم الفقر فى المناطق النائية و إحتداد الحرب فى كردستان ، كان الجيش يواجه تحدّيين إثنين : حزب العمّال الكردستاني من جهة و تنامي الأصولية من جهة أخرى. عندها وظّف الجيش القوي الإسلامية ضد حزب العمّال الكردستاني و القوى اليسارية الأخرى، بينما كان فى نفس الوقت يمارس ضغوطات على بعض القوى الإسلامية، بما فى ذلك تلك الموجودة ضمن جهاز الدولة مثل حزب الرفاه الإسلامي. و عندما منع هذا الحزب من النشاط السياسي فى 1998 ، هرب أردوغان، و كان أحد قادةذلك الحزب، إلى الولايات المتحدة و أرسى علاقات وثيقة مع الساسة الأمريكان. و فى النهاية " رأى" ، قال ، ضرورة " التحالف الإستراتيجي للقوى الإسلامية التركية مع الولايات المتحدة ". و لمّا عاد إلى تركيا أسّس حزب العدالة و التنمية. و كسب الحزب إنتخابات 2002 بمساعدة من الولايات المتحدة و على الأقلّ بعض جنرالات الجيش التركي. و سيطر حزب العدالة و التنمية على البرلمان. و كان بول وولفو ويتس حينذاك مساعد سكرتير دفاع الولايات المتحدة يراقب عن كثب و حتى يشرف على السيرورة.
يحاجج بعض الناس أنّ الجيش التركي عارض هذه السيرورة لأنّ الجيش يدعو إلى العلمانية. وفى الواقع لم ينادي الجيش أبدا بالعلمانية ، و لم يعارض الإسلاميون الذين يسيّرون الحكومة حكم الجيش. و فى الحقيقة إنّهما معا يشكّلان آلة دولة قائمة على إحتكار العنف " الشرعي" وعلى ضمان أمن الطبقة الحاكمة كهدف مركزي. وقد جلب حزب العدالة و التنمية قاعدة جماهيرية أكبر للدولة التركية مّما كان يحلم به الجيش. و يستخدم النظام التركي ككلّ هذه القاعدة الجماهيرية أو " الشرعية " ليوقف و يسجن و يعاقب القوى المعارضة و العمّال و الصحفيين وهو يستعمل جيشه لقمع الشعب الكردي و المناطق. إنّ الدور الذى لعبته " الكمالية " فى السابق ، إلى جانب الجيش ، تلعبه اليوم إيديولوجيا إسلامية " معصرنة " و " مغربنة "، بمعية الجيش ( مع تواصل دور كبير للشوفينية التركية ). لقد كان الجيش و لا يزال القاعدة الأساسية للنظام السياسي للطبقة الحاكمة التركية المرتبطة بعمق بالإمبريالية.
هذا هو السرّ المعروف ب " النموذج التركي " فى الشرق الأوسط اليوم.
تركيا ك" نموذج" :
و فى نفس الوقت، من المهمّ التمييز بين الدور الجديد الذى أوكل لتركيا لتلعبه فى المنطقة ، من جهة ، و " النموذج" الذى يقال إنّها توفّره لغيرها من بلدان الشرق الأوسط.
لما يناهز العقد، كانت الولايات المتحدة مشجّعة تركيا و راعيتها فى المنطقة. و إستمرّ أوباما فى سلوك هذه السياسة. و بالفعل إعتبرت الولايات المتحدة ما يسمّى ب" دمقرطة " الهيكلة السياسية الكردية و وسمها بميسم إسلام معاصر لإرساء نظام سياسي مستقرّ و قوي نسبيّا ، كشيئ مفيد لمصالح أمريكا الإمبريالية لأنّها تقوّى قدرة تركيا على لعب هذا الدور لفائدة الولايات المتحدة الأمريكية.
و بعد كسب إنتخابات جوان ، صرّح أردوغان قائلا لم يكن ذلك فوزا لتركيا فحسب بل فوزا يمتدّ من تركيا إلى البوسنا و بيروت و دمشق و راملاّ ونابلس و جنين و القدس ، عبر شمال أفريقيا. و غالبية هذه المنطقة التى تريد تركيا التأثير عليها كانت فى السابق تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية.
و قد إتخذت تركيا بعدُ بعض الخطوات لترفع من شأنها و هيبتها فى المنطقة. فمثلا حاولت المساعدة على معالجة النزاع النووي بين الغرب و إيران و التدخّل فى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي و التأثير على الباكستان. و كانت مساعيها إلى كسب منافذ إلى الشرق الأوسط بإرساء علاقات جيدة مع ليبيا و سوريا تتنزّل فى ذلك الإطار.
و مع ذلك، بداية الإنتفاضة فى تونس و مصر و إنتشارها السريع عبر الشرق الأوسط ، و نوايا الولايات المتحدة و قوى إمبريالية غربية أخرى للتأثير على هذه الإنتفاضات و التحكّم فيها، خلقت فرصا جديدة لتركيا. ينظر الأمريكان لتركيا كوكيل إسلامي فى المنطقة. و كون تركيا يحكمها حزب إسلامي يمكن أن يساعدها على تسويق نفسها بإعتبارها قوّة " تنتمى إلى المنطقة ". و مثّل تراجع التعاون العسكري مع إسرائيل عقب هجوم الصهاينة على البواخر التى كانت تتجه نحو غزّة حركة تهدف بالذات لذلك ، رغم أنّ تركيا كانت حذرة فى تحديد مدى معارضتها لإسرائيل. و مثال ذلك أنها سحبت ما فى مرمارا من أسطول المساعدة فى المدّة الأخيرة. و بما أنّه كان من المفروض أن تكون الباخرة التركية أهمّ البواخر ، مثّل ذلك عاملا من أهمّ العوامل فى تخريب البعثة و فى تجنّب تركيا للمواجهة مع إسرائيل.
و يمكن أن يكون لتركيا دور النموذج الذى يسوّق له الإمبرياليون بطرق معيّنة. إلاّ أن ما يقدّمونه للبلدان الأخرى فى الشرق الأوسط هو أنّه بإمكانهم مزج التبعيّة للرأسمالية – الإمبريالية العالمية مع الإسلام. و لعلّ الدور الذى ينهض به الجيش التركي ليس فقط كمحور الدولة و إنّما كمشرف أخير على الحكومة يمكن أن يستنسخ فى بعض البلدان بأشكال متنوّعة.إلاّ أنّ الدور الموكول لتركيا كراعية لمصالح الولايات المتحدة فى المنطقة لا يمكن أن يتوفّر لبلدان أخرى فى الشرق الأوسط.
حدود هذا المخطّط :
يعاني النظام التركي من نقاط ضعف جدّية للغاية قدرة تركيا على معالجتها من عدمها ليست بعدُ واضحة و ترتهن بعديد العوامل المختلفة و بطريقة تطوّرها.
و القضية الكردية عامل من هذه العوامل. من الصحيح أنّ المسائل الهامّة التى يريد أردوغان التعاطي معها فى المراجعة الحالية للدستور هي موقع الأكراد. و يمكن لهذا الإصلاح أن يدمج جزءا من البرجوازية الكردية فى جهاز الدولة ، لكن حتى إن مرّ ذلك بسلاسة و قلّص مؤقتا شيئا من التناقضات ، فإنّ التناقض الجوهري – كون الأكراد أمّة مضطهَدَة- سيظلّ قائما و التمييز ضدّهم و ضد أقلّيات قومية أخرى لن ينتهي. سيتواصل إضطهاد الجماهير الكردية و قمعها ما سيجعل التناقض يحتدّ عاجلا أم آجلا.
فى بدايات شهر اكتوبر الجاري ، أوقفت الشرطة التركية أكثر من 140 ناشطا سياسيا مواليا للأكراد فى عمليّات منسّقة عبر تركيا كافة. و حسب تقارير منبعها صفوف الذين وقع إيقافهم ، يوجد عدد من العمد المنتخبين فى المناطق الكردية جنوب شرقي تركيا. و هذا إضافة لمئات الناشطين السياسيين الموالين الأكراد الموجودين بعدُ فى السجون. و زيادة على ذلك ، إثر الإنتصار الإنتخابي لأردوغان فى جوان ، شنّت حكومته عمليّات عسكرية قويّة بالطائرات و المدافع ضد المتمرّدين الأكراد ما يبيّن نوع الإصلاح الذى ينزع إليه أردوغان.
و مظهر آخر من السلطة الحاكمة الجديدة هو جانبها الإسلامي – من الصحيح أنّ نوع الفكر الإسلامي الذى يتبنّاه أردوغان مقبول حاليّا من قبل الولايات المتحدة و إمبرياليون آخرون و قد تحوّل إلى ميزة للطبقة الحاكمة لتركيا. بيد أنّ ذلك لا يلغى كون الدولة التركية دولة نوعا ما دينية. و حتى فى أوج " الكمالية " ورثت الدولة التركية هذا المظهر من الإمبراطورية العثمانية، هذا المظهر الذى تعزّز بحزب إسلامي فى السلطة.
" قسم الشؤون الدينية ، بميزانيته 1.5 بليون دولار ، و بخدمة أخباره الخاصة و نقابته الخاصة ... يشغّل أزيد من 106 ألف موظّف مدني و منهم 60 ألف إمام و 10 آلاف مؤذّن ، و جميعهم ،درّبتهم و كوّنتهم الدولة...و يبثّ رجال الدين الذين درّبتهم الدولة أحاديث الرسول محمّد فى الكتاتيب و يصدرون الأحكام الدينية فى شكل فتاوى... كما يكتب قسم الشؤون الدينية خطابات صلاة الجمعة فى الجوامع عبر البلاد و كذلك كتب التربية الإسلامية الإجبارية فى المدارس. و ينشر الكتب و الجرائد بشتى اللغات و منها التاتارية و المنغولية و ومنبّهات لأوقات الصلاة "iphone الأيغوا... و يصدر تسجيلات لآيات قرآنية ل"آيفون"
( النيويورك تايمز/ 28 سبتمبر 2011).
المسألة هي أنّ هذا المزج بين الدولة و الدين يمكن أن يختلف عن الموجود فى إيران أو أفغانستان لكن فى ظروف إقتصادية سريعة التغيّر يمكن أن تظهر تناقضات مثلما يمكن أن يظهر تمييز ضد ديانات الأقليات. و عاجلا أم آجلا ، قد ينتهى شهر العسل مع الفكر الإسلامي و يتسبّب فى مشاكل لكلّ من الطبقة الحاكمة التركية و لمسانديها الإمبرياليين. قد يعرف المخطّط بأسره تحوّلا إلى نقيضه.
و ثمّة مسائل هامة أخرى قد تثير مشاكلا خطيرة أمام المخطّطات الحالية لتركيا.
إنّ الإقتصاد التركي ينمو على أساس ضعيف، على غرار البون الشاسع بين المدن الكبرى و القرى النائية ؛ و التعويل على القروض الإمبريالية و الإستثمارات القصيرة المدى، ما من شأنه أن يجعل الإقتصاد فى غاية الإضطراب و فى حال حدوث إنتكاسة رأسمالية- إمبريالية سيؤول الإقتصاد إلى كارثة.
و حتى مفترضين أن بمقدور تركيا أن تتجاوز نزاعها مع اليونان حول قبرص، وهو موضوع قادر على توجيه ضربة شديدة لطموحات تركيا ، فإنّ الدور الجديد لتركيا قد يفرض مزيد إحتداد هذه التناقضات السياسية الأخرى ما قد يكسر ظهر أردوغان و المخطّطات الإمبريالية .





#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الباب الثالث من دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أ ...
- الباب الرابع من دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أ ...
- الباب الأوّل من دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أ ...
- الباب الثاني من دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أ ...
- دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا (مشروع مقت ...
- بصدد إستراتيجيا الثورة - بيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايا ...
- قراءة في شريط – العدو على الأبواب - ستالينغراد (Enemy at th ...
- الحرب العالمية الثانية: من هزم هتلر؟ المقاتلون الحمر بستالين ...
- رسالة مفتوحة إلى الشيوعيين الثوريين و كلّ شخص يفكّر جدّيا فى ...
- إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية : ما هي الخلاصة الجديدة لبوب آ ...
- الشيوعية كعلم- RCP,SA
- حول القادة و القيادة RCP,SA
- القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأم ...
- من أجل تحرير النساء و تحرير الإنسانية جمعاءRCP ,SA
- الثورة التى نحتاج ...و القيادة التى لدينا – رسالة و نداء من ...
- الشيوعية : بداية مرحلة جديدة بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الو ...
- الماوية : نظرية و ممارسة - 9 -المعرفة الأساسية لخطّ الحزب ال ...
- غيفارا ، دوبريه و التحريفية المسلّحة_ ليني وولف
- الإمبريالية و السيدا / الأيدز فى أفريقيا( مقتطف من كتاب - عا ...
- بيع النساء : تجارة البشر العالمية ( مقتطف من كتاب - عالم آخر ...


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - - النموذج - التركي و تناقضاته.