صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein)
الحوار المتمدن-العدد: 3529 - 2011 / 10 / 28 - 11:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فوجئت منذ يومين بقراءة اسم الكاتب والأديب والصحفي الكبير " أنيس منصور" مسبوقا ب : الكاتب الراحل ...
رحت أبحث في الانترنت . عن : متي وكيف رحل ؟! اذ كان رحيله مفاجأة لي .
ككل شباب جيلي – المحبون للقراءة - قرأت كثيرا لأنيس منصور . في مستهل حياتي الثقافية ؟ وخاصة كتبه التي كان ينشرها في شكل حلقات بالصحف المصرية . بالاضافة لمقالاته اليومية . فالشباب في أكثر من جيل أقبلوا علي القراءة لأنيس منصور , لأسلوبه السهل السلس .
وفي تقديري انه لم يتعلم هذا الأسلوب السهل . من أستاذه الذي طالما تغني باعجابه به , بعدما واظب علي حضور صالونه الأدبي . ثم كتب عنه أحد أهم كتبه – ان لم يكن أهمها – " في صالون العقاد , كانت لنا أيام " . فالعقاد . كان معروفا بأسلوبه الصعب .. ولا تعلمه من طه حسين .. و أراه قد تعلمه من " قاسم أمين " . الذي اندهشت جدا. عندما قرأت له متأخرا – منتصف الثمانينيات من القرن الماضي - كتابيه . اللذين صدرا بين أعوام 1898 : 1901 . " تحرير المرأة " , المرأة الجديدة " أسلوب سهل , سلس , عذب جميل , بليغ . في مثل ذاك الزمن البعيد .. ! حيث كان غالبية الكتاب يهتمون بتدسيم لغتهم بالالفاظ الجامدة والعبارات المركبة , لفخامتها . . وأرجح أن أنيس منصور . الذي ولد عام 1924 . بعد ربع قرن , من صدور كتابي " قاسم امين . قد تعلم منه هذا الأسلوب .
لعل المثقفين المصريين – الملتزمون – بشكل عام . يتحفظون كثيرا عند ذكر اسم الراحل الكبير " انيس منصور " . بسبب تقلبات آرائه , الكثيرة . والتي تمس أمانة وشرف الكلمة عند الكاتب والمفكر .
ولكن هل من الأمانة ان نجحد ما له , ولا نتذكر سوي ما علي الرجل فقط ؟!
لقد كان لأنيس منصور . آراء صائبة . لا يجرؤ علي طرحها أكثر الكتاب و المفكرين اليساريين , والليبرالين , والمناضلين السياسين . سواء في العلم او في الدين , أو الجنس , أو في السياسة ..
وكذلك كانت له آراء أخري , تبلغ درجة الخيانة ..! – خيانة للوطن وللشعب , وللتاريخ , وللفكر , وللقلم - ! .
وبعض كتاباته كانت تفصح بوضوح , عن كيف انها لا يمكن أن تأتي الا من قلم علي صلة – وتعاون مع – الأجهزة الخاصة للسلطة .
كنت قد فكرت في عمل كتاب حول ذلك , ووضعت له عنوان " أعجب الأدباء في التاريخ " ( لأنيس .. كتاب شهير عنوانه " أعجب الرحلات في التاريخ " ).. وجمعت بعض المواد من آرائه المتناقضة . ولكن المادة راحت .. في الهجمة الأمنية .علي مسكني , في شهر مارس عام 2000 . حيث نزحوا الكثير مما كان عندي من الكتابات والكتب . ومن ضمنها مادة مشروع ذاك الكتاب -. وكذلك مسودة مسرحية بعنوان " ا
أؤمر يا قمر " -.
في عام 1990 حدثت مراشقات بالمقالات بين الصحفيين الراحلين الأستاذ " انيس منصور " , والاستاذ صلاح حافظ " – أحد الصحفيين العظماء الذين تولوا رئاسة تحرير اكبر مجلة سياسية في الشرق الاوسط " روز اليوسف " . والذي كان له مقال أسبوعي في جريدة أخبار اليوم – المصرية – وقتذاك . . بسبب قضية سياسية اختلفا حولها .وطالت بينهما المراشقات . وكنت واحدا ممن ساهموا بالرأي . في الخلاف الدائر . مؤيدا لرأي " صلاح حافظ " . وهو ما نشره بجريدة اخبار اليوم في 7-7-1990 : ومن ضمن ما قلته – بعدما عددت اختلافاتي مع أنيس منصور - .. انه ليس من الأمانة انكار أن لحم اكتافي – كمثقف – هو مما أكلته علي مائدة أنيس منصور – الثقافية - . ولكنني كنت أعرف كيف انتقي السمين والثمين , من بين الغث الكثير ".
في سن الصبا . المرة الأولي التي احتملت فيها قراءة كتاب كامل . كان هذا الكتاب من مؤلفات انيس منصور " قالوا " . والكتاب التالي له . كان للكاتب الساخر محمود السعدني . اذ حثني علي قراءتهما جار شاب – كان يعمل موظفا - . وأعارني اياهما . ويبدو أن طريقة الكاتبين في الكتابة – منصور , و السعدني - , قد تركت لها بصمات . علي أسلوبي عندما بدأت أكتب – كما قال لي بعض معارفي - .
وأول كتاب ألفته . ضاع عند انيس منصور . حوالي عام 1972 ..
ولم تكن لدي نسخة اضافية ولا حتي مسودة .! سلمته لسكرتيره . بجريدة الأخبار . وطلب من العودة بعد شهر لمعرفة رأي الأستاذ . وبعد شهر . راجعته , فقال لي انه لا يتذكر ان كان الأستاذ قد قرأه أم لا ..! , طلبت اعادته , فرد : كيف أعيده لك من بين آلاف من الكتب تصلني من أمثالك ..؟...! .
والكتاب المفقود كان عنوانه " نبضات الانسانية تهتف . اخلعوا أحذية التعصب " . وكان عبارة عن تقديم – وبعض التعليقات - كتبته لمقتطقات اخترتها من شعر عدد من الشعراء الكبار . مما قالوه حول الأديان .. من بين هؤلاء الشعراء : جبران خليل جبران , وأبي العلاء المعري , وأبي القاسم الشابي , وغيرهم .
.
وقتما كنت سجينا وراء القضبان عام 2000 . في قضية رأي وفكر . قام تليفزيون الخليج – الاعلامي " محمد سعيد محفوظ " أظنه يعمل الآن مذيعا في بي بي سي - . بعمل لقاء مع عدد من الأدباء والكتاب من قيادات اتحاد كتاب مصر . ومع الأستاذ أنيس منصور . الذي سأله التليفزيون . عن رأيه في في قضية اعتقالي . فلم يقف " أنيس " مدافعا عن حرية الرأي والتعبير . وهو الأديب الكبير سنا ومكانة . وانما مال برأسه ليتفادي احتكاك جهاز الأمن به .! وقال بالحرف الواحد " احنا الصحفيين موش فوق القانون " ! . يعني حاكموه ..
ولكنني أقر بأن : أغلب الكتب الهامة التي قرأتها في شبابي . كانت انطلاقا مما كتبه عنها أنيس منصور . بعاموده اليومي . بالصحف المصرية . والذي استمر ينشره لعشرات السنين . – مثل كتاب " في الشعر الجاهلي . لطه حسين " , وكتاب " الاسلام وأصول الحكم " للشيخ علي عبد الرازق – وكلا الكتابين أحدثا ضجة سياسية وثقافيه وفكرية .عقائدية كبري ابان صدورهما عامي 1926 : 1927 - . وكتب كثيرة أخري غيرها . كنت أبحث عنها لأقرأها , عندما يتناولها " أنيس منصور " في مقالاته .
في عهد " عبد الناصر" . تم وقف أنيس منصور . عن العمل . ككاتب وصحفي .. بسبب مقاله " حمار الشيخ عبد السلام " .. بعدها يبدو انه قد تعلم الدرس . ففي اوج معاناة الشعب المصري من سياسات الرئيس الراحل " السادات " ووصول كراهيتهم له الي حدها الأقصي . حتي تم اغتياله . كان الأستاذ أنيس منصور . هو الصديق الدائم . الأقرب والأوفي . للرئيس السادات ... وكذلك كان نديما وسميرا لبعض أمراء الخليج .
وظل أنيس منصور . مخلصا للرئيس السادات . بعد وفاته . اذ دافع عن أرملته " السيدة جيهان السادات " بكتاب كامل . نشره في البداية كسلسلة مقالات . ردا علي ما كتبه الصحفي ابراهيم سعدة – رئيس مجلس ادارة ورئيس تحرير مؤسسة أخبار اليوم . الصحفية . ولوح فيه " سعدة " الي السلوك الشخصي لأرملة السادات . بخارج مصر . وطالب أولادها بالتدخل , حرصا علي اسم الرئيس الراحل . فرد عليه انيس منصور بكتاب كامل – بدون ذكر اسم جيهان السادات ., وبدون اشارة لمقال ابراهيم سعدة . ولكن من يقرأ ما جاء في الكتاب ( الذي بدأ أنيس . في نشر حلقاته عقب مقال سعدة . مباشرة ) سيقول : ان السيدة المصرية الأولي , السابقة " جيهان السادات " . ما هي الا قديسة . ملاك . بالنسبة للسيدات الأوليات بباقي العالم .. ..
فالكتاب – أو سلسلة حلقاته - عنوانه " السيدة الأولي وغيرها " .وفيه أورد قصص غراميات وخيانات , وعبثيات وفضائح زوجات لرؤساء أمريكان سابقون . و ملكات وأميرات وزوجات رؤساء وزراء أوربيات كثيرات ... ... وهكذا دافع , خير دفاع .عن أرملة صديقه الرئيس السادات .
حقا لقد كان الأديب الكبير مخلصا ووفيا لأنور السادات . بقدر ما كان السادات مخلصا ووفيا لشاه ايران , وللسلطان قابوس . وللشيخ زايد آل نهيان .
يوجد الآن تمثال لانيس منصور . في مدينة المنصورة – عاصمة المحافظة المصرية التي ولد فيها .- حسبما جاء في الموسوعة الحرة : وكيبيديا - . ( وأم كلثوم . أيضا . من نفس المحافظة , وكذلك عدد كبير من أكبر الشعراء والأدباء والفنانين . وأنا عشت 12 سنة . من سن الطفولة والصبا . باحدي مدن هذه المحافظة . مع العائلة . حيث كان ميلاد أبي وأمي , واثنين من أشقائي . باحدي قري هذه المحافظة ) .
ولا أدري ان كان يوجد تمثال , مثلما لأنيس منصور , لأستاذ الجيل وأبو الليبرالية المصرية، أحمد لطفي السيد باشا . المفكر العظيم , والفيلسوف والسياسي والصحفي .. وأول مدير لأول جامعة مصرية – جامعة القاهرة الآن – فؤاد الأول سابقا- ..؟
فلطفي السيد . هو أيضا من مواليد محافظة المنصورة . وهو رائد من رواد حركة النهضة والتنوير في مصر. عمل وزيرا للمعارف ثم وزيرا للخارجية ثم نائبا لرئيس الوزراء في وزارة إسماعيل صدقي ونائبا في مجلس الشيوخ المصري،[2] ورئيسا لمجمع اللغة العربية – عن موسوعة ويكيبيديا - , وقد صفه "عباس العقاد "بأنه بحق " أفلاطون " الأدب العربي , . وكتب أحمد شوقي . قصيدته " أرسطوطاليس " يحييه فيها . لترجمته لأرسطو . وعمل مديرا لدار الكتب , ووزيرا للداخلية في العهد الملكي . كما أسس عددا من المجامع اللغوية والجمعيات العلمية.- من مؤسسي مجمع اللغة العربية - , وأسس حزب الأمة . . ورفض عرض ضباط 23 يوليو 1952 لأن يكون رئيسا لمصر..
فان كان للطفي السيد . تمثالا بمدينة المنصورة .أيضا , كما لأنيس منصور . . فهكذا يكون أهل تلك المحافظة قد ساووا مقام " أنيس منصور " ( صديق الرئيس السادات , وصديق أصحاب السمو أمراء الخليج ) . بمقام " أحمد لطفي السيد " ( صديق مصر , وصديق العلم , والفلسفة , والسياسة الاستقلالية التحررية , وصديق أفلاطون وأرسطو ) .
وللحق : لقد كان انيس منصور . رادارا . ومرصدا ثقافيا . ينقل للقاريء المصري وللمصريين . اخبار الطقس الثقافي العالمي . الذي لم نكن نشعر به نحن المصريون . رغم انه يخصنا . فقد كان هو أول من نقل لنا عن :
1 - عالم مصري تحمله أمريكا وأوربا فوق الاعناق وبرقصون به . – في نهايات القرن الماضي - ويعتبرونه " أينشتاين القرن الواحد والعشرين " . وبعدها حصل هذا العالم علي جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 . انه " أحمد زويل " .
2 - كان يذكر القراء كثيرا بأديبة وشاعرة : ولدت ودرست بالقاهرة عام 1921، ثم أكملت دراستها بالخارج , واستقرت في فرنسا , وكتبت روائعها بالفرنسية . وتحب مصر وكتبت كثيرا عن مصر . وورد اسمها مع المتفوقات في كتاب "نساء القرن العشرين" . هي " أندريه شديد " ( اللبنانية الأصل ).
3 – وكذلك كان " أنيس منصور " هو أول من كتب للقاريء عن اديبة مصرية تكتب بالانجليزية وتجد كتاباتها تقديرا في الثقافة الانجليزية . في لندن – حيث تقيم – هي : أهداف سويف
4 – وكذلك كان اول من كتب .عن مثقف مصري . يقيم بالخارج . كان مرشحا لرئاسة أكبر هيئة دولية للثقافة " اليونسكو " يجيد عدة لغات . وهو مثقف عالمي ., دكتور مهندس , وقال انه يمكنه أن يلقي محاضرة بالانجليزية يقارن فيها بين المتنبي , وبين شكسبير ..! – ولم يكن المصريون يدرون عنه شيئا - فعرفوا اسمه لاول مرة . وعندما أنشئت مكتبة الاسكندرية العالمية الجديدة . تم اختياره مديرا لها , انه : اسماعيل سراج الدين .
وعندما زار مصر . الفيلسوف الوجودي الفرنسي , والعالمي " جان بول سارتر" . وصديقته الاديبة " سيمون دي بفوار " . في مارس 1967 . واستقبلهما جمال عبد الناصر . وأجري معهما حوارا طويلا . سجل في محضر . كان يرافقهما في ¬¬أيام الزيارة . أديب الفلسفة الوجودية في مصر : أنيس منصور .
مهما اختلف المثقفون حول أنيس منصور . فهو أديب الأجيال . من لم يقرأ له في أدب الرحلات . قرأ له عن الأشباح والأرواح . ومن لم يقرأ له عن الذين هبطوا من السماء . قرأ له " الذين عادوا من السماء " : .. ومن لم يقرأ له " وكانت الصحة هي الثمن " قرأ له " لعنة الفراعنة " , ومن لم تعجبه مسرحية " حلمك يا شيخ علام " , فربما أعجبته التمثلية التجارية الشعبوية الطائفية " من الذي لا يحب فاطمة " التي كتبها منصور , وأنتجها وعرضها التليفزيون المصري .. ومن لم يقرأ أيا من كتبه الكثيرة . أو المقالات اليومية . فقد قرأ محبوه ومبغضوه . وأشادوا بكتابه " في صالون ألعقاد . كانت لنا أيام " .
فنقول :
وداعا .. أنيس منصور ....
**************
#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)
Salah_El_Din_Mohssein#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟