أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر بن مدلول - طائرٌ بين حلمين.. ساكنٌ بين جرحين!3














المزيد.....

طائرٌ بين حلمين.. ساكنٌ بين جرحين!3


مزهر بن مدلول

الحوار المتمدن-العدد: 3527 - 2011 / 10 / 26 - 19:26
المحور: الادب والفن
    




السجين رقم 10

مجرد صدفة، فالشرطي الذي كان معنيا بالتعداد الصباحي ابتدأ من الطرف الاخر وانتهى حيث اقف انا، وطبعا كنت السجين العراقي رقم 10..
وبالرغم من اني قضيت ثلاثين يوما في هذه الغرفة المدفونة تحت الارض، وتفيض فيها المجاري، وكان دمي مباحا للبعوض والقارص، وعلى جسدي زحفتْ اسراب من الديدان البيضاء ( السلابيح ) التي تطفو مع مياه المراحيض، لكن ذلك كان اقل وطأة من السخرية الدراماتيكية التي عشتها داخل الكوخ الرملي!..
احلامي، التي كانت تئن تحت مقصلة الكوخ، ذلك المكان المثيولوجي، الماورائي العجيب، الذي كان خلاصي منه اشبه بمعجزة، قد تحررتْ الان!، وعادت الى رأسي كأنها تلاوات وثنية تناجي الغيب، فجردتني من هموم المكان وضيق المساحة، واصبحتْ هي منفاي الداخلي الذي اعيش فيه، وهي بستاني الذي اقتطفُ منه ثمار تمردي!..
في هذا السجن، الذي لاتدخلهُ الشمس، استطعتُ ان احصل ولاول مرة بعد اشهر طويلة على وجبات طعام فيها رائحة لحم الظأن، وفي السجن ايضا، تمكنتُ من النظر في وجهي وتذكرتُ تلك العجوز الفاشلة التي اكتشفتْ انوثتها المنسية حين رأت شواربي!!..
لكن، ورغم كل هذا التحول، فأن الكوخ الذي تبدلتْ فيه وظائف حواسي!، مازالت صورته تتفجر اشباحا في ذاكرتي، وترغمني على اتّباع ايقاع الشك والذهول، كلما استرجعتُ الطريقة المعجزة التي أُختطفت بها من ذلك المكان..

احقا اني نجوت!، وكيف؟!!..

من مسافة بعيدة شاهدت زوبعة غبار قادمة، زوبعة تكتسح الفراغ.. فسمعتُ لهاث قلبي، واجتاحتني رغبة للتحليق في السماء!..
وقفت سيارة صغيرة على حافة غدير الماء.. رجل قصير القامة، حيّاني بلهجة بدوية.. وحين رويت له حكايتي، تنفس عميقا وطفرتْ دمعتان من محجريهما.. واصرّ ان اكون ضيفه هذه الليلة!..
ياشفيع!!..
( ياشافي الصدور من غل السل )!..
هذا وجه النبي نوح!!..
فمن اي الاقوام انت ايها النبي!، من ايّ رحمٍ رؤوفٍ نزلت، ومن اي المنحدرات هبطت، من قال لك اني منفيٌ هنا واتيت لتنقذني من الطوفان القادم!..
فغرتُ فاها من هول دهشتي.. أُستفزت يقضتي.. فانا مجرد ركنٌ منسيٌّ في زاوية لم يعرفها العالم، انا الجدار الذي عُلقت عليه جميع خيبات اهلي وخسائرالوطن..
الوطن الجميل الذي ضعتُ فيه.. وطني الذي عشقتهُ.. وطني.. امي، وارجوحتي، وليلاي، ووادي الغناء والظلال الدافئة..
انطلقت سيارة البدوي متحدية العواصف، وانطلق قمرٌ من ابتسامتي!!.. قطعنا مسافة غير قليلة في عمق الصحراء، قبل ان تغرق عجلاتها في باطن الارض!.. قبل ان تغوص في الاوحال!.. قبل ان ارى اسراب الطيور غافية على اسطح البحيرات!..
انا عاثر الحظ!.. ليس الان.. من زماااان! انا عاثر الحظ!.. واللة العظيم!، انا عاثرُ الحظِ ومسلوب المكان.. وقُدّر لي ان اعيش في عالم ابديّ الخراب.. في ليلٍ عميق الحزن ودائم السواد!، وفي عاصفةٍ تصفعُ وجهي رمالها كأنها سياطا، كلما حاولتُ الاقتراب من الضوء!!..
في عيون صاحبي، رأيتُ شتائما كثيرة.. شتائمٌ تقفزُ من نظراتهِ، وتلعنُ تلك الساعة التي التقى فيها بهذا الرجل الذي يشبه الغراب!..
جميع المحاولات كانت فاشلة، والليلُ بدأ يعمُّ الأرجاء، وانا اشعر بأنّ عظامي تكسرت وانا احاول رفع العجلة من الحفرة التي سقطتْ فيها.. خارتْ قوانا، ثم اغلقنا النوافذ باحكام، لأنهم قالوا: انّ الذئاب قادرة على تحطيمها، وراح صاحبي يومئ بضوء السيارة طالبا الاستغاثة..
مرتْ ساعات ونحن نأكل اصابعنا، حتى اقتربتْ منا دورية حراسة لحماية حدود الصحراء من المشردين!.. طوقتنا الشرطة بالبنادق، فتحدث معهم الرجل، وانتشلوا سيارتنا من الوحل، ثم اصطحبونا الى مزرعة مأهولة بالاشجار والماء والبشر..
في الصباح قدمتُ للبدويًّ امتناني، وودعتهُ حتى توارى عن النظر، وبقيتُ هناك، مع العاملين في المزرعة، افكر بمحطاتي التي ليس لها مسافات تنتهي اليها!..
وفي منتصف احد النهارات، ولهيب الشمس يكاد يحرق الكوكب برمته، جاء احد المهربين ووضعنا نحن الاربعة في شنطة سيارته الصغيرة بعد ان استولى على ذخيرتنا من المال!..
وفي ذلك المكان الضيق الخالي من الهواء، وبين الاسلاك التي صهرتها حرارة الشمس، كنا نعاني سكرات الموت!!..
هناك.. بدأ العرق يسيل على الجبين، يدخل العيون ويحرق الاجفان.. بدأتْ مياه الجسد بالجفاف.. بدأ الاعياء والغثيان..
وهناك ايضا، توقفت عربتنا اضطرارا امام حاجز للتفتيش.. وفتح الشرطيُّ الشنطة، فكنتُ.. انا عاثر الحظ !، السجين رقم 10 !!..

يتبع



#مزهر_بن_مدلول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طائرٌ بين حلمين.. ساكنٌ بين جرحين! 2
- طائرٌ بين حلمين.. ساكنٌ بين جرحين
- عشٌ من الثلجِ! في بيت شعر!..
- انا وابو الفوز وبقايا امرأة
- كيف تكتب نصا قصصيا قصيرا..!
- ليلتان....... وموقد نار!
- رمانة.. في الحي القصديري!
- لو كان لي........ ان استرد قبلاتي!!
- لااحدٌ.. لاشئ.
- على اعناد طلفاح بغداد!!
- كَلبي عليه ملتاع...........
- بشت ئاشان مؤثثة بالنجوم
- پشتاشان .. ياذاك الألق
- هروب سنبلة
- بين جسدي والقصيدة
- كل عام وانتم بخير
- ليلة قاسية البرد عميقة الحلم شديدة الخوف
- رطانة حتمية
- الابله قيد الهذيان
- ذلك المساء ..تلك العينين


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر بن مدلول - طائرٌ بين حلمين.. ساكنٌ بين جرحين!3