أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جهاد علاونه - الحجم الطبيعي















المزيد.....

الحجم الطبيعي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3516 - 2011 / 10 / 14 - 11:47
المحور: حقوق الانسان
    


بعض الكُتاب يخدعون الناس وخصوصا القراء, وهذا شيء عادي, ولكنَّ الشيء غير العادي هو أن يخدع الكاتب نفسه ويغش ضميره حين يتوهم بأنه أسطورة وبأنه أكبر بكثير من حجمه الطبيعي.

علمتني الحياة بأن الذي يعظمني جدا هو كالذي يستهزأ بي جدا, فالذي يقول لي يا باشا هو كالذي يقول لي يا جربوع,لأنني أصلا لست باشا بل انسانا عاديا, والذي يقول لي يا عظيم هو كالذي يقول لي يا حقير,وبعض المعجبين يقولون لي (أنت مش عارف قيمة نفسك)أو (إنت مش شايف حالك إمليح) لازم اتشوف نفسك ولازم إتشوف حالك, ويصرون على أن أرى نفسي في المرآة لكي أعرف قيمة نفسي, وأسايرهم وأذهب إلى أي مرآة تصادفني فلا أشاهد إلا وجها أبيض حرقته الشمس قليلا فأصبح لونه قمحيا ورأسا حجمه طبيعيا وشعرا أسودا خالطه البياض, ولا أرى في نفسي شيئا أكثر من هذا, وإن قيل لي أنت دكتور في الفلسفة وعلم الاجتماع والآداب واللغويات فإنني آخذها مأخذا آخر وهو أن الذي قالها يستهزأ بي وهو ما يعرف في كل لغات العالم تحت مصطلح (المدح من أجل الذم) أي مدحاً ولغة مبطنة, هكذا نظرتي للأمور, ثم أنني قرأتُ كثيرا عن الشخصيات التاريخية المهمة والتي انتكست نتيجة إحساسها بأنها أكبر من حجمها الطبيعي, وكثيرون هم الكتاب الذين ينصتون وهم خاشعون إلى مديح الناس لهم فتكبر رؤوسهم وتصبح رؤوسهم وأجسامهم أكبر من حجما من الباب الذي يخرجون ويدخلون منه فإذا أرادوا الخروج يواجهون صعوبة ذلك بأن إحساسهم أصبح الوهم به أكبر حجما من الواقع الذي يعيشون به فلا يقدرون على الخروج أو على الدخول إلا إذا عادوا إلى طبيعتهم وحجمهم الطبيعي, وأنا حين استمع لعبارات المدح والثناء الكبيرة أقول لهم توقفوا.. توقفوا يا شباب (هسع بكبر راسي وبعدين ببطل أعرف كيف أطلع من باب الدار) ومن هذا المنطلق أحبُ أن أرى نفسي شيئا عاديا بل أقل من عاديٍ ولا أحب المبالغة في وصف غيري أو في وصفي أنا شخصياً فالذي يبالغ في مدحي هو كالذي يبالغ في شتمي وفي توجيه المسبات لي, وإن قيل لي أنت عبقري كبير جدا جدا فإنني فورا أشعر بالخوف من هذه الكلمة ذلك أن بين العبقرية والجنون شعرة بسيطة أو كما يقولون شحطة قصيرة, أنا إنسان عادي جدا في نومي وأكلي وشربي وتصرفاتي ولكن معظم أصدقائي يقولون عني بكل إصرار بأنني لا أعرف قيمة نفسي الحقيقية, لذلك أقف أحيانا عدة دقائق أمام المرآة بناءً على نصحهم وإرشادهم لي لأشاهد الإنسان الذي يتكلمون عنه فلا أرى إلا صورة عادية جدا جدا , وأحيانا أحتار جدا وأتوصل إلى نتيجة أخرى وهي أن طبيعتي العادية هي التي تجعل مني إنسانا عظيما كما يقولون فأنا لا أكذب ولا أجامل ولا أتصنع في الألفاظ وواقعي في وصف نفسي جدا وأرى نفسي بحجمي الطبيعي لا أكثر ولا أقل وهذه الأشياء التي ذكرتها غير موجودة عند 99% من الكُتاب اليوم الذين يرون أنفسهم أنهم شيئا عاديا يمشون فيختالون في مشيهم كما كان (البحتري), وعلى فكرة البحتري كان شديد الإعجاب بنفسه وكان كثير الخيلاء وكان وهو ينشد شعره يذهبا بجسمه يمينا ويسارا ومن ثم يمشي أمام الخليفة ويختال في مشيه...إلخ, علما أن المرآة التي أرى بها نفسي تعطيني إحساسا بأنني لست ملكا من ملوك الجمال أو الكتابة فأنا لا أرى ما يرونه الناسُ البسطاء بي ولا أستطيع أن أصدق ما يقولونه عني,أنا عبارة عن إنسان عادي جدا بل وأقل من عادي أنا عبارة عن كتلة لحمية وجلدية تغطي هيكلي العظمي الذي سيغدو في أي يوم من الأيام عبارة عن رماد ومكاحل للعيون, أنا لا أرى نفسي كما يراني الأصدقاء أو أنني لا أريد أن أقع ضحية نجاحي فلقد قرأت كثيرا عن الشخصيات التي سقطت نتيجة نجاحها فالنجاح العظيم مثله مثل الفشل العظيم, والأفضل لي أن لا أرى نفسي شيئا كبيرا أو عملاقا من عمالقة الأدب والكتابة وفنونها, أنا إنسان أقل من حاتم الطائي في كرمه وأنا إنسان أقل من (ول ديورانت) في قصة الحضارة,وأحيانا أرى نفسي شخصية مضحكة ومحزنة مثل (أحدب نوتردام) في رواية(أحدب نوتردام) وأنا أقل من كتاب(الغصن الذهبي) وأنا أقل بكثير من (كافكا) وأنا أصغر حجما من (سلامه موسى) وأنا أضعف بكثير من أن أعلن حربا على الكتاب الكبار المعاصرين لي فلكل إنسان حسب وجهات نظري له أسلوبه الخاص وله قراءه المعجبون به, وكما يقول المثل المصري(كل فوله ولها كيال), وبين الفينة والفينة وأنا أمر من أمام المغسلة العمودية خارج الحمام أتوقف في أغلب الأحيان كثيرا لأنظر في المرآة المعلقة فوق المغسلة وأود لو كان ما يقوله أصحابي عني بأن يكون حقيقة دامغة غير أني لا أرى الذي يقولونه, ومن الأفضل لأمثالي أن لا يرو أنفسهم كثيرا وكأنهم عمالقة أو حيتان في فن الكتابة,الأفضل أن يبقى جهاد العلاونه ذلك الإنسان البسيط الذي يكتب على سجيته بكل نقاء,نقاء من أجل النقاء,وصفاء من أجل الصفاء,وإبداع من أجل الإبداع وحب من أجل الحب,وحب من أول نظره لأجل أن يبقى الحب نقيا, أنا لا أستطيع أن أرى نفسي كما يراني الآخرون عملاقاً أو داهيةً من الدواهي أو كما يقولون عني(ياما تحت السواهي دواهي)أنا أفضل أن أكون طبيعيا جدا لكي لا أقع فريسة لتصورات وهمية غير حقيقية وبصراحة أنا مبسوط جدا جدا بشكلي وبفقري ولا أريد أن يكون في جيبي آلاف الدنانير لأن حياتي حتما ستتغير وعدد النساء المعجبات أو الكذابات سيزددن ولن أستطيع التمييز بين التي تحبني لشخصي أو للألوف المؤلفة من الدنانير أو الجنيهات أو الدولارات, أنا هكذا مبسوط بحجمي وبوزني وبطولي الذي يقارب 176 سنتم,أصدقائي يرونني عملاقا من عمالقة الكتابات الساخرة, وأنا أرى نفسي قزما بكل ما تحمله الكلمة من معنى فأين أنا من ذلك الكاتب أو تلك الكاتبة!!, ومعظمهم يقولون لي أنظر إلى نفسك في المرآة وشاهد فيها صورتك الحقيقية الجميلة أنت عبارة عن إنسان مذهل في كل شيء ومدهش جدا وأعظم الناس يتمنون أن يكونوا مثل نصفك أو حتى ربعك,وأنا أقول (ماشي يا عم سأقف أمام المرآة) وها أنا وقفت فما هو الذي سيحصل؟ هذه صورتي أنا عبارة عن إنسان عادي وحياتي عادية جدا ومظهري أقل مظهر في الحارة وشكلي أقل الأشكال قبولا وأريد أن أفهم هل فعلا أنا ذلك العملاق! فلو كنت عملاقا كما يقول عني الناس لَما اتسعت لي غرفة نومي ولَما اتسع لي مقعدي الذي أجلس عليه أمام الكمبيوتر, أنا عبارة عن جسم طبيعي وعقل طبيعي فما هو الشيء الذي يجعل مني عملاقا؟ ويجيب البعض بأنني عملاق كبير في مشاعري وأحاسيسي وفي ذوقي الرفيع في اختيار الأغاني التي أسمعها وفي اختياري لكلماتي وأنا أكتب عن النفس الإنسانية محاولا إبداء كافة المواصفات البشرية وكشف حقائق وألغاز, وأعود وأكرر أين هو الإنسان المدهش جدا؟ فيردون على سؤالي بقولهم(روح شوف حالك بالمرآة) فأذهب إلى المرآة وأقف أمامها وأنظر في نفسي فلا أرى في نفسي (أناتول فرانس) ولا (برناردشو) ولا أي كاتب من الكتاب العظام فأين هو ذلك العملاق؟ فلو صدقتهم بأنني عملاق لمت من الجوع كما حدث للغراب في قصة ظل الغراب الذي شاهد خياله الكبير فأعتقد بأن هذا هو حجمه الطبيعي علما أن حجمه حجما طبيعيا...إلخ, أنا لا أفهم كيف يعتبرونني عملاقا وأنا لا أقدر على شراء الخبز والأشياء الضرورية لبيته فكيف يرون إنسانا جائعا بأنه عملاقا كبيرا, أريد فقط أن أفهم هذه المقولة أو العبارة, فكيف أنا عملاق؟ ثم يرجعون لي ويقولون لي بأن حسك وعاطفتك ودموعك هي التي تجعل منك فنانا عظيما أذهب إلى المرآة وشاهد نفسك, فأذهب إلى المرآة لأشاهد نفسي فلا أرى إلا إنسانا قليل البخت والحظ وفقيرا جدا في مواردي فمواردي محدودة ويا دوب أقدر أدفع فاتورة النت والكهرباء والمياه التي معظم الأحيان أدفعها ليس مرة واحدة بل مرتين متتاليتين بفضل ما في الوطن من فساد وتلاعب, ثم يعاودون الكرة مرة أخرى فيقولون: أنت إنسان حساس جدا وحساسيتك الكبيرة هي التي تطغى على أسلوبك في الكتابة, وأرد عليهم وأقول(يفضح عرض الإحساس أي شو عامل لي إحساسي الكبير؟),لا شيء, مجرد إنسان محطم مثل المرايا المتكسرة أرى نفسي متشعبا ولست مدركا لحقيقة نفسي,أنا لا أريد أن أكذب على نفسي أي أنني لا أريد التصديق بأنني كاتب كبير أنا كاتب قزم جدا ويا دوب أعرف أفك الخط, دعوني هكذا لا أريد التصديق بأنني ذلك الساحر في الكتابة فلو أصدق ما تقولونه ستكون النتيجة والنهاية في مستشفى المجانين, ثم يعاود أحدهم فيرسل لي برسالة يقول فيها:انتهيت الآن من قراءة مقالكم وأود أن أتعلم الفلسفة مثلك فكيف تتفلسف قل لي؟ فأرد عليه بأنني لست هيغل ولا ماركس ولا آدم إسمث,ومن وجهت نظري أنني إنسان عادي وطبيعي جدا لا أرى نفسي كما يرونها ولو أنصت إليهم وإلى الذي يقولونه لو فعلا أصدقهم فإنني سأقف مبهورا بنفسي وعاشقا لنفسي وأنانيا أحب نفسي أكثر من حبي لهم, وكل أصدقائي يجعلون مني عملاقا كبيرا وفنانا متعدد المواهب في حين أنا أرى نفسي شيئا عاديا جدا وهذا هو سر نجاحي فلو أصدق ما يقولونه عني لمت من الجوع ومن الغرور.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هي البطلة؟
- الحشيشه الأصليه
- امرأة من سفر الأمثال
- مشكلتي مع الكتابة
- رواية العقل الباطن1
- السلطة فالمال فالمرأة
- ابن الرومي الحظ السيئ
- إلى الدكتورة وفاء سلطان2
- سرقنا الوقت
- الأنبياء وهم أم حقيقة؟
- قطرات الندى
- التاريخ مثل العروس المتعجرفة
- الجنس مع الكتابة
- إلى التي قالت لي كن جميلا
- المصاري مش كلشي
- دفتر مذكراتي
- اللعب مع الذئاب
- على الساكت
- لماذا أبكي؟
- الدنيا معكوسة


المزيد.....




- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...
- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...
- لافروف يعلق على اعتقال شخصين في ألمانيا بشبهة -التجسس- لصالح ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جهاد علاونه - الحجم الطبيعي