أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عذري مازغ - حول ثقافة المسخ















المزيد.....

حول ثقافة المسخ


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 3512 - 2011 / 10 / 10 - 16:32
المحور: كتابات ساخرة
    


ثمت حكاية يحكيهها الروس للسخرية على سذاجة الاوربيين من الغربيين حول الحيوان الأسترالي الأليف الكونغورو، وهي أن الغزاة عندما حلوا بأستراليا اثارهم وجود هذا الحيوان الغريب في هذه البلاد البعيدة جدا وسألوا أحد المارة من السكان المحليين عن اسم هذا الحيوان فاجابه بلهجته المحلية بأنه لا يفهم ما يقول، ومن ثم اطلق على هذا الحيوان الجميل اسم الكونغورو التي تعني محليا لا افهم ماذا تقول، بالطريقة ذاتها سمي الساحل الغربي للميكسيك عندما وصل إليه المستكشفون تساءلوا عن اسم المنطقة فأجابهم احدهم بأنه لم يفهم شيئا باللغة الهندية المحلية، فأطلق على الساحل كله اسم “يوكاتا ( Yukata)” التي تعني لم افهم شيئا، الشيء نفسه حصل مع اسم دولة البارغواي وبحيرتها الجميلة، لقد سأل أحدهم عن اسم البحيرة وهو يشير إلى سطح الماء فرد عليه احدهم: هذا ماء ياسيدي وتلفظ إيباكراي (Ypacarai) وعليها سميت دولة البارغواي نسبة إلى بحيرتها التي تسمى جهلا او إلحاحا في الجهل: هذا ماء ياسيدي، في المغرب عندنا كان ينتسب الفرد منا على الطريقة الغربية نفسها وربما أيضا على الطريقة العربية وهو اسم الشخص ووالده او والدته او هما معا أو ينتسب بالتعميم إلى قبيلته او منطقته، ومعنى هذا أن هوية الشخص عندنا كانت تحدد وفق معيار التعميم أو التحديد حسب البعد او القرب الجغرافي، فنحن مثلا غذا كنا بمنطقة بعيدة نقول باننا ننتمي إلى الإقليم الفلاني ثم نحدد المدينة إذا كان محاورك لم يزره قط إنما يعرفه بالتحديد الجهوي، وغذا كان من المنطقة او من زوارها فأنت ستحدد له المدينة أو القرية التي انت منها، اما إذا كان من نفس الجهة فأنت حتم ستحدد القبيلة والنسب وصولا إلى تحديد الأسرة نفسها، لكن لن تفهم اسما نسبيا كإسم احد عمومتي مثلا اسم “مصطفى أيوكو” وتعني ايوكو بالأمازيغية “الثور” وبالتالي يصبح اسم هذا العم “مصطفى الثور”، يبدوا مرحا مثل هذا الإسم بالصدفة فقط، فقد يوحي بثقافة مستلهمة من علم السترونومولجيا، أي يصبح مصطفى اسما كونيا ينتسب إلى مواليد الثور، لكن ليس الامر كذلك تماما،في الفترة الإستعمارية لفرنسا لمنطقتنا قبض على أحد أعمامي أثناء بداية أعمال التنقيب في مناجم جبل عوام، وكان يسمى محمد العربي (العربي نسبة إلى والده) كانت تهمته أنه منع المنقبين من حفر بئر منجمي بمزرعته،أثناء التحقيق، وتحت التعذيب في مخفر السلطات الفرنسية حينها والتي كانت بمنطقة أزرو البعيدة نسبا من منطقة جبل عوام،كان يعترف بنسبه القريب، محمد بن العربي بن كذا وكذا ليكتشف أنه يتحدث مع الغرباء وان وظيفة الترجمان الفرنسي لا تؤدي مهمة ترجمة الهوية كما يجب، أراد أن يعلن لهم عن هويته التعميمية، انتسابه القبلي الكبير، اراد ان يقول بأنه من منطقة أيت سكوكو، فتلعثم تحت التعذيب ليقتبس المترجم كلمة ايوكو الثور ليتوثق اسمه الهوياتي الجديد، ومن لحظتها سميت كل سلالته بعده بالثور،واكتسبت بذلك هوية جديدة، فمحمد هذا انتزعت مزرعته بالقوة كما انتزعت هويته أيضا، في إقليم اكادير بسوس وبمقاطعة تاراست تحديدا سنة 1989 عملت متطوعا بالوظيفة العمومية لعل وعسى بذلك، وكما فعل أحد أقاربي أن أحظى بالوظيفة بعد عمل تطوعي غزير، كنا نعد تسجيل المنتخبين للمشاركة في استفتاء لا اذكر بالتحديد حول ماذا لأنه لم يكن يهمني أصلا، وردت علينا مواطنة في بطاقة هويتها اسمها هذا: فاطمة حمار، تلعثمت خجلا أن أنطق اسم حمار عندما ناديتها، بعملية ذهنية، بذكاء أبله، حاولت أن أنصب وأرفع وأكسر وأجزم حرف الحاء وبالنتيجة بقي الحمار حمارا لا يتغير بهذه العمليات كلها، بل إن صاحبة البطاقة أخرجتني من حيرتي وخجلي ونطقتها بصراحة فجة وبصوت مرتفع أشبه بالإدانة: فاطمة حمار،
ـــ لكن فاطمة فقط...
ـــ فقط ماذا؟ هم من وضعوا هذا الإسم ونحن نعتز به ونثير به حقارتهم، ذكرني الأمر بظاهرة السود الأمريكيين حين يثيرونا بملابسهم المرقعة والممزقة ظروف التهميش أو بلغة سوسيولوجية، يثيرون هويتهم الإجتماعية في دولة أصبحت فيها الآن هذه الملابس موضة رائعة يلبسها حتى الأغنياء.
في المغرب الذي يثير غالبا موضوع الثوابت الهوياتية كما يثير الإعتزاز بها لم يضع ولو مرة، برنامجا اخلاقيا يعيد الإعتبار لهذه الهوية التي مسخها المستعمر الفرنسي، بل رسخها بوطأة ضاغطة من خلال المسطرة القضائية، بحيث أن تغيير بل قل إن حتى عملية تصحيح اسم يمر بالمسطرة القضائية المعقدة، والمثير حقا حين ترفض عندنا الأسماء الامازيغية، وبوقاحة كبيرة حين ترفض الأسماء التاريخية التي تعيد الإعتبار للتاريخ المغربي، بل أبقى على الأسماء الفرنسية التي تعبر عن الدونية والأسماء العربية ذاتها التي زورت الكثير من المعالم، نهر مربيع الذي اقتبس من اسمه من روافده في المنبع: أنهار ووديان صغيرة تسمى عندنا ماريغ أي مالحة، أصبح النهر الآن أما للربيع:”أم الربيع”، منطقة أضار ووشن (رجل الذئب) أصبحت أضاروش، القائد الامازيغي التاريخي الذي قتل عقبة بن نافع الفهري “إكس سك إيلان” التي تعني اختصارا غير منتخب، أصبح في كتب التاريخ “كسيلة”، هذا جرد صغير جدا من بحر عارم من المسخ الهوياتي في دولة تدعي الأمانة للهوية.
في الأسابيع الأخيرة نشرت في الفضاءات المفترضة بطاقة هوية لمواطنة من سلا تحمل عنوانها التالي، أي مقر سكناها: مراحيض سيدي احمد حجي، والبديهي في الأمر، ان الإدارة التي تمنح شواهد السكن والمعطيات التي توثق الهوية للمواطنين وهي أقسام تابعة للبلديات المحلية تقر عمليا بوجود مواطنين يسكنون المراحيض، وهو إقرار رسمي يعبر عن عنصرية فائقة المعالم، عنصرية مؤسساتية، فالأسماء الدونية كحمار وبغل وثور وبويسليخن (الجلود من الجلد) وبويماسن (المحراث) وهلم جرا لم تثر يوما ضجة كالتي تثيرها الأسماء الأمازيغية رغم جمالياتها ك”تيفاوت” (صباح) “تاوسيدانت” (نورة او ضياء) وتايناست (زهرة) وهلم جرا، كلها اسماء غير واردة في لائحة مكاتب الحالة المدنية، والذين اقترحوها لبناتهم وابنائهم، ناضلوا عليها النضال الصلب ليقر تسجيلهم بعد ذلك، فلكي تتحول إلى شخص مدني عليك ان تلبس اسما مدنيا على الشاكلة الغربية حتى وإن لم يقبلها المنطق الهوياتي المحلي، فجورج بوش مثلا قد يكون اسم شخص في الغرب وقد يكون أيضا اسم كلب ولا حرج في الهوية هناك، فأسماء الأشخاص تمدنت عمليا ولا يهم الإنتماء السلالي بقدر ما يهم الإنتماء إلى الوطن، فالكلب والحيوانات بشكل عام لهم أيضا هذه الحقوق من المواطنة، على الأقل لديهم سجلات عدلية مرقمة ومشفرة يستطيع أي باحث استخلاصها من اي موقع (1)، فإحصاء رؤوس المواشي والحيوانات عامة يأخذها المهتمون من هذه السجلات ليعلنوا الحالات الهامة فيما إذا كانت تتكاثر أو تتناقص، اما عندنا فالكل يعرف أن الإحصائيات الرسمية لعدد الحمير مثلا ليست حقيقية ولا هي تقريبية بل هي خرافات رقمية وأغلب المواشي المسجلة عندنا هي تلك التي تنتمي عادة إلى طبقة اجتماعية معينة والمحظوظة عمليا بالخدمات البيطرية التي توفرها الدولة للطبقات المحظوظة، أي أنها خضعت لعملية إحصاء استفادة من هذه الخدمات، ونعلم جيدا ما يشوب هذه الإحصائيات من ارقام مضخمة لاحتكار الخدمات من هؤلاء الحظوة، اما أولئك الرعاة الفقراء فلا هم معرفون ولا هي ما شيتهم معترف بوجودها،ونعرف بالنتيجة نفسها أن الإحصائيات في ميادين أخرى، كاغتصاب النساء والأطفال، ونسبة الفقر وما إلى ذلك ليست في الحقيقة سوى سجلات الشكايات المعلنة لأصحابها بتسجيل دعوة او تشكي، ويبرز عادة رقم صغير لهذه الكبائر المفجعة، وعليها يغرد كتاب المقالات الذين يحمدون لله صون مجتمعاتنا فرحا بعظمة الإسلام الذي يحفظ مثلا للمرأة عندنا فرجها من كيس النخالة الذي يدعونه حجاب، عندما يقارنون هذه الإحصائيات بالحالات والأرقام الإحصائية في الغرب،أما الحالات التى او كلت شكايتها لله لدرء الفضيحة فلايعلم أمرها إلا الله وحده حافظ المجتمع من الرذائل.هكذا تخدمنا ثقافة الإحصائيات وثقافة المسخ الهوياتي، دونية في كل شيء، في الأسماء، في الهوية، في الأرقام وفي كل شيء، لذلك لانستغرب كثيرا حين يصوت معنا في الإنتخابات مثلا كل الموت والمغيببن والمنسيين والمهمشين، يصبحون رقما فقط في هذه المناسبات.
(1) في أوربا مثلا تجد قطعان المواشي تحمل في أذانها قطعة معدنية مسجل فيها رقمها وهويتها وعمرها أي انها تحمل بطاقة هوية



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعنة الذكريات
- ذرائع قديمة،أو ثورة الملائكة
- آسفي: كارثة تشيرنوبيل بالمغرب
- أرض الله ضيقة
- إذا كنت في المغرب فلا تستغرب
- المغرب وسياسة تدبير الملهاة
- ليبيا وثورة التراويح: بالأحضان أيتها الإمبريالية المجيدة
- يوميات مغارة الموت (4): تحية لروح الشهيد أوجديد قسو
- 20 فبراير هي الضمير الوطني لجميع المغاربة
- القديس آمو
- الماركسية في تفكيك أمير الغندور، الغندور منتحلا شخثص الفاهم ...
- الماركسية في تفكيك امير الغندور: عودة إلى القياس الفقهي
- الماركسية في تفكيك الأستاذ أمير الغندور: في غياب السؤال المع ...
- الماركسية في تفكيك ألأستاذ امير الغندور: النزعة التلفيقية
- الماركسية في فقه الأستاذ أمير الغندور
- من حكايا العبور: سعيد الميركرودي
- عودة إلى الصراع الطبقي والماركسية
- لقاء مع بيكاسو: حي الجيتو
- حول الصراع الطبقي والماركسية
- حول الصراع الطبقي، رد على الزميلة مكارم


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عذري مازغ - حول ثقافة المسخ