وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3488 - 2011 / 9 / 16 - 11:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الموضوع مأخوذ بتصرف من ( إنجيل المسيح يسوع حب البشير لوقا ) ( و كما عاينه القران و أئمة الإسلام ) , تحضير و تعليق الدكتور ابن مالك الجميل , 2004 .
تنتشر بين المسلمين عامة فكرة أن الكتاب المقدس ( التوراة و الإنجيل ) قد وقع عليه التحريف و التبديل . و لكننا في هذا العرض الموجز سنقدم أدلة مقنعة و إثباتات دامغة و قياسات لا تدحض و لا تقبل الجدل على صحة الكتاب المقدس . و أول سؤال يخطر على بال المسلم هو :
إن كان قد حصل تغيير في الكتاب المقدس , فهل حدث ذلك التغيير قبل أيام النبي العربي محمد أم بعدها ؟
1- لا يمكن أن يكون الكتاب المقدس قد تعرض للتحريف قبل أيام محمد و إلا لتهجم محمد عليه و كتب عن تغييره في القران ليوصي المسلمين و يحذر العالم اجمع كي لا يقراؤا كتابا قد تحرف . و لكن محمد أكرم الكتاب المقدس و شدد على أن كتاب الله المعطى لبني البشر كنور و هدى و رحمة للعالمين . و إن رسالته جاءت لتصادق على التوراة و الإنجيل , لذلك حثهم في القران على قراءته قائلا : ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة و الإنجيل ) المائدة 68 .
2- و إن كنت تعتقد أن الإنجيل قد تبدل بعد عهد محمد فسال نفسك هذا السؤال : إن كانت المسيحية قد انتشرت في أنحاء العالم قبل محمد و كانت متعددة الطوائف و الملل , لصالح أي من هذه الطوائف قد حرف الكتاب المقدس ؟ أكان التحريف لصالح الكاثوليك أم الأرثوذكس أم لصالح إحدى لطوائف المستقلة ؟ و هل كانت الطوائف المختلفة ترضى أن يحرف الكتاب المقدس لصالح طائفة معينة دون الطوائف الأخرى ؟
3- و هل من المعقول أن يحدث أي تواطؤ بين الملل المسيحية المتعددة على تغيير كتابهم الذي يحثهم على الصدق و الحق و الأمانة ؟ و كيف يمكنهم أن يحرفوه في حين إن إنذار الله فيه واضح جدا ! ( إن كان احد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب . و إن كان احد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة )( سفر الرؤيا (22 : 18 – 19 ) و بما أن الله وعد أن السماء و الأرض تزولان قبل أن يمس احد كتابه المقدس بتغيير أو تحريف فهو قد صدق بوعده و حفظ كتابه لأنه لو استطاع احد أن يحرفه لحرفته الكنائس التقليدية ( الطقسية , الرسولية ) و حذفت منه على الأقل الآية التي تقول : ( لا تصنع لك تمثالا منحوتا و لا صورة مما في السماء و ما في الماء من تحت الأرض . لا تسجد لهن و لا تعبدهن لاني أنا الرب إلهك ... ) ( خروج 20 : 4 – 5 ) . و لكن تلك الكنائس و الطوائف التقليدية مع عظمتها و سلطانها لم تستطع أن تحذف تلك الآية أو أية كلمة من كتاب الله .
4- و هل من المعقول أن ترضى الطوائف اليهودية بتغيير التوراة لصالح المسيحية ؟ لا ينبغي أن يفوتك بان اليهود في تلك الأجيال كانوا واقفين بالمرصاد للمسيحيين و كانوا مستعدين أن يشينوا عليهم لو أقدموا على أي تحريف أو تبديل في الكتاب المقدس و لا سيما أن اليهود كانوا متمسكين بتوراتهم و يغارون عليها غيرة شديدة لدرجة إنهم كانوا يعرفون عدد كلماته و عدد حروفه حتى ضرب المثل بموقفهم و حرصهم . لذلك كان من المتعذر جدا أن يحرف الكتاب المقدس .
5- إن كان الكتاب المقدس قد أصابه التغيير فلماذا لم يستطع المعترضون أن يقدموا لائحة بالآيات التي تغيرت و لائحة بأصلها و تعليلا للغاية من ووراء تغييرها ؟ لقد كان الكتاب المقدس متيسرا في زمان محمد و منشرا بين القبائل المسيحية في ذلك الوقت كقبائل حمير و غسان و ربيعة و أهل نجران و غيرها . كما كان بين يدي محمد ليقراه كما قراه الذين جاءوا من قبله ( يونس 94 ) , فلو حدث أي تغيير في الكتاب لحفظ المسلمون الاصل ليثبتوا دعوتهم وادعاءاتهم.
6- لقد كانت نسخ الكتاب المقدس في القرن السابع بعد الميلاد تعد بالآلاف بالغات الأصلية و الترجمات المختلفة منتشرة بين ايدي الطوائف المسيحية في كل بلد و امة . و لم توجد قوة عسكرية أو سلطة مدنية أو نفوذ ديني أو سلطات حكومية لها سلطان قانوني أو حتى حق شرعي يستطيع أن يمتد إلى جميع الأنحاء التي وجدت فيها نسخ الكتاب المقدس لكي تجمعها و تحرفها . فعملية جمع آلاف النسخ من أقاصي الأرض كانت و لا تزال من رابع المستحيلات . كما إن عددا كبيرا من هذه النسخ في اللغات الأصلية و الترجمات المختلفة , منها ما نقل قبل القرن السابع و منها ما نقل بعده , لا يزال محفوظا في عدد من المتاحف الكبرى . و لا عجب أن كل تلك النسخ توافق بعضها البعض موافقة كلية . علما بان الكتاب المقدس يتميز عن جميع الكتب الأخرى بان مخطوطاته الموجودة في المتاحف العامة و الخاصة هي أقدم المخطوطات في العالم . لذلك كل من يقول إن الكتاب المقدس قد حرف فهو ينكر التاريخ , و هذه علامة جهل مبين .
7- و قد دافع الفخر الرازي , احد مشاهير أئمة الإسلام ببسالة عن صحة الكتاب المقدس و سلامة نصه فقال في الجزء الثالث من كتابه و على الصفحة 327 : ( كيف يمكن التحريف في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه و كلماته مبلغ التواتر المشهورة في الشرق و الغرب ؟ ... و كيف يمكن إدخال التحريف في التوراة مع شهرتها العظيمة بين البشر ؟ ... إن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى تغيير اللفظ ) . فكل عاقل يرى إن تغيير الكتاب كان متعذرا لأنه كان متداولا بين أناس كثيرين مختلفي الملل و النحل . فكان في ايدي اليهود الذين كانوا مشتتين في أنحاء الدنيا . بل كان منتشرا بين المسيحيين في أقاصي الأرض . و هكذا نرى بحسب المنطق السليم و شهادة إمام أئمة المسلمين أن تحريف الكتاب المقدس أو تبديل أي جزء منه كان أمرا مستحيلا .
8- يشهد القران في العشرات من آياته على صحة التوراة و الإنجيل و لكننا للاختصار سنقتبس منه الآيات التالية : ... و عندهم التوراة فيها حكم الله ... إنا أنزلنا التوراة فيها هدى و نور يحكم بها النبيون ... و آتيناه الإنجيل فيه هدى و نور و مصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى و موعظة للمتقين ... و انزل التوراة و الإنجيل من قبل هدى للناس( المائدة 43 – 48 و آل عمران 3 ) . و يؤكد القران استحالة تزوير الكتاب المقدس : ( و لامبدل لكلمات الله ) ( الأنعام 34 و 115 , يونس 65 , الكهف 26 ) . ( و لن تجد لسنة الله تبديلا ) الفتح 23 . ثم يشدد القران على أن الكتاب المقدس وحده هو الذكر . ( الأنبياء 7 و 48 و 105 ) ثم يضيف قائلا : ( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ) الحجر 9 . إن كان الله يشدد على انه هو نفسه الذي أوحى بالذكر و انه هو لحافظه فكيف يتجرا الإنسان , مسلما كان أم مسيحيا , على أن يكذب على الله , و يتهمه بأنه لم يكن قادرا على أن يحفظ كلمته من التبديل و التغيير ؟
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟