حكايات من شنكال 23

مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)

الحوار المتمدن-العدد: 3461 - 2011 / 8 / 19 - 13:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

حكايات من شنكال (23)
(23) طوب رمضان .
عندما كنا صغارا ( وكان ذلك قبل 1975 أي قبل أن تنقسم ذاكرتنا إلى جزءين ـ قبل الترحيل ـ وبعد الترحيل ) ويأتي رمضان كان موعدنا نحن الأطفال وكذلك العديد من الكبار الصائمين منا والمفطرين ــ حيث كان المجتمع الشنكالي حينذاك في رمضان أيام زمان ينقسم إلى قسمين صائم ومفطر والصائم لايقول للمفطر لماذا لاتصوم والمفطر لايقول للصائم لست مسلما لأصوم ــ كنا نلتقي عند ميلان الشمس للغروب في الفسحة المطلة على البساتين الواقعة شرق شارع المنارة تلك التي كان ينصب فيها الطوب ... نتفرج على الطوبجي بانبهار وهو يحشي الطوب الأسود العملاق بالخرق والأسمال ثم يدكها دكا بعصا غليظة مخصصة لذلك وكنا نتسابق في جلب الخرق وأكياس الحبوب الفارغة المهترئة والعديمة الفائدة من بيوتنا وكان الطوبجي يحتفظ بالزائد منها لأستعمالها في يوم آخر ولم يقل يوما إن أسمال بيت مراد أوحجي أو بركات ... أيزيدية وبيضاء وهي حرام شرعا وإن أكياس حنطتهم الممزقة مليئة بالقمل والطوب لن يسمع له صوتا بل سينفجرفي وجوه الصائمين المؤمنين ولم يقل الأمام في خطبته مرة إن خرق بيت رائد أو جورج ... لايجوز حشيها في الطوب المخصص باعلان نهاية يوم كامل من صيامنا لأنها أي الخرق من بيوت مسيحية وكذلك لم يفضّل أحد خرق بيت كفاح أو شهاب أو فاضل لأنها زرقاء ولأناس مسلمين ... كان الطوبجي يقول ( عفية ) للجميع ونحن أنفسنا لم نعرف ولم نشعر ولم نرغب بان يكون هناك فرقا بيننا كانت أعيننا البريئة تراقب مأذنة الجامع إلى أن يحين وقت الآذان فتضيء مصابيح المأذنة ونصيح بأعلى أصواتنا ( علق ... علق ) أي المصابيح الكهربائية أضيئت من قبل المؤذن فيشعل الطوبجي البارود الزائد على الثقب المخصص للفتيلة و... بوم ... نسد آذاننا ثم نتقافز ونتصايح ... و... الله اكبر ... الله أكبر ... يوم آخر مضى وهنيئا الفطور بالتين المجفف أو التمر أوقطعة من البقلاوة من دكان محمد المصلاوي قبل الذهاب للبيت ... تلك أيام مضت ولاأظنها ستعود ثانية ليستمتع به أولادنا لأن طوب رمضان فقد وفقدت معه البراءة والنقاوة ... وربما سرق الطوب فمن يدري أو وضع في متحف ما ... المهم أختفى طوبنا الأثري ولكن ذكرياتها لاتزال عالقة باذهاننا.!
ولنعد الى رمضان شهر الحب والوئام في ذلك الزمان والذي كنا ننقسم فيه إلى مجموعات وكل مجموعة تتكون من ثلاثة أشخاص على الأقل ، نجمع مصروفنا اليومي خلال الشهر ونسلمه في النهاية لمن هوأكثر خبرة فينا ليكون هو المحاسب وهو الذي يصرف علينا ويوجهنا ويضع برنامجنا لخبرته السابقة عندما نذهب إلى الموصل ثاني أو ثالث أيام العيد لأن اليوم الأول مخصص للتهنئة والزيارات ولا أحد يرغب أن يكون غائبا عن البيت والمحلة وبالتالي يعاتبه فلان لعدم ذهابه إلى بيته لتهنئته بالعيد أما في اليوم الثاني فنتوجه الى الكراج في الصباح الباكر في أول (أستيشن ) للذهاب إلى الموصل وندخل دور السينما العديدة في الدواسة ونختار أفلام طرزان وزورو وهرقل ... ثم نشتري صور عدنان القيسي وراج كابور وجوليانوجيما من باب الطوب ونأكل الفلافل والعنبة من أقرب عربة تبيع الأطعمة المكشوفة ثم نذهب بعد ذلك سيرا على الأقدام عبر الجسر القديم الى مدينة الألعاب الواقعة في الجانب الأيسر ونعود عصرا لكراج شنكال للعودة الى البيت ثم نعاود الكرّة في اليوم التالي الى ان نصرف آخر فلس جمعناه ... كانت متعة مابعدها متعة وكانت مغامرة العمر للذي يزورالمدينة الكبيرة لأول مرة .
وينتهي شهر رمضان ويمضي عيده ولكن تأبى ذكرياته أن تفارق الذهن نذكر تفاصيل المغامرة الكاملة لمن هم أصغر سنا منا فيفغرون افواههم دهشة ... ودائما كانت أكتافنا متلاصقة ونحن نذهب إلى المدرسة مدرسة سنجار الأبتدائية الأولى أو الثانية ... أو مدرسة سنجار الثانوية لنقص للذين سيكونون رفاق مغامراتنا العام المقبل وكيف سنهتم بهم جيدا نظرا للخبرة التي أكتسبناها وأي من دور السينما لاتسقطع وتسرق لقطات من أفلامها ... وهكذا كانت أيامنا تمضي ... نتواعد لنغير على بساتين التين ... أو نشكل جيشا في القلعة الرومانية القديمة ... أو نلعب كرة قدم وساحة وميدان ودائما الموعد كان عند المنارة ندور حولها ونجلس في ظلها ثم نقرر المكان الذي سنذهب اليه اليوم أي جزء من البساتين أو أي من (القراجات) أو أي جزء من الجبل وأية لعبة سنلعبها ومن سيلعب وبعد أن يهدنا التعب والصراخ نجلس ليحكي أحدنا حكاية افتراضية مليئة بالمبالغات عن الجان والعفاريت ونتعمد أن نخيف مستمعينا ونروعهم باختيار المواقف المرعبة ... بعد أن ملّ الجميع من تفاصيل الأفلام التي شاهدناها في العيد ... ولم يقل لنا أحد يوما ما من تلك الأيام الجميلة هذا أزرق وهذا أبيض ولم نفكر أن نقوله لبعضنا البعض ... سلامي لأصدقاء الطفولة في الداخل وفي الخارج للراحلين وللباقين وكل رمضان والجميع بخير فلاتزال قلوبنا تقطر حبا لكم وخواطرنا تفيض بذكرياتكم المطعمة بعيد رمضان أبدا .

#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)       Murad_Hakrash#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات