حمدى السعيد سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3460 - 2011 / 8 / 18 - 13:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من عجائب الاقدار ان الثائر على الظلم والظلمه وعلى الاستبداد والمستبد يتحول الى اعتى الطغاة , اقرأوا تاريخ الثوار بتمعن شديد سوف تجدون انهم اشد اجراما وظلما ممن قاموا بالثورة عليهم , اقرأوا كيف تحولوا من ثائرين على ظلم الطغاة الى مستبدين وطغاة , فى سعيهم الحثيث الى الانتقام من الظلمة ... اننى لا استطيع ان افهم الخمينى ابدا الا من هذه الزاوية . ففى اكتوبر 1971 كانت الذكرى 2500 على اقامة الامبراطورية الفارسية على الابواب , الشاه محمد رضا بهلوى ارسل دعوات الى العديد من الشخصيات الدولية والعربية لحضور الاحتفالات الاسطورية التى تقام بهذه المناسبة , المشهد الاكثر درامية هو انه فى الوقت الذى كان الشاه يزهو بسلطانه وسط ضيوفه كانت دولته على وشك الانهيار والافول , الى جانب ان مرض السرطان ينهش دولة جسده النحيل . وكان معارضوه يتحالفون عليه بليل . واستغل آيات الله انشغال الشاه بقمع الحركات المعارضة من مجاهدى خلق الى اليساريين , فى تقوية تأثيرهم على الشارع الايرانى واثارة الجماهير ضد الشاه مستغلين الازمات الاقتصادية الطاحنة المتتالية , وتحالفوا مع رجال ( البازار ) الذين ضاقوا بالضرائب التى كان الشاه يفرضها .
واستغلوا ايضا رفض اغلب النخبة المثقفة الايرانية افراط الشاه فى دعم علاقاته بالغرب واسرائيل , كما استغلوا رفض اغلب الشعب الايرانى للفساد الذى يضرب باطنابه فى جنبات الدولة والفكر النخبوى وتطلعات الشاه الاقليمية ورغبته فى لعب دور شرطى الخليج , الى جانب رفضهم لانفاقه العسكرى الضخم وعجزه عن استثمار عائدات النفط الضخمة فى بناء حضارة فارسية عظيمة كما وعد , ورفضهم لقمع اجهزته الامنية للمعارضين وبخاصة جهاز ( السافاك )- البوليس السرى - الذى اشتهر بدمويته وقسوته . لقد كانت ايران حبلى بالاضطرابات والغضب المسجون فى الصدور وجاءت علامات المخاض . وتوالت المظاهرات التى وصلت الى ذروتها فى نهاية عام 1978 وهى التى حدثت فى ميدان ( آزادى ) بطهران والشوارع المحيطة به , وفى يوم 16-11-1979 غادر الشاه واسرته ايران بناء على طلب رئيس وزرائه ( د. شابور بختيار ) الذى كان لفترة طويلة زعيما للمعارضة , وفى لحظات قليلة تم تدمير جميع رموز واثار عهد اسرة بهلوى . واعلن بختيار حل ( السافاك ) وافرج عن المعتقلين السياسيين ووعد باجراء انتخابات حرة , وامر الجيش بالسماح للمظاهرات الشعبية , وبعد عدة ايام سمح بعودة آية الله (الخمينى ) من منفاه فى فرنسا , بعد نجاحه فى قيادة ثورته ضد الشاه من خلال معاونيه وخطبه المسجلة على شرائط كاسيت كانت تملأ كل مكان فى ايران .
وبجرد عودة الخمينى الثائر على طغيان الشاه عمل على ابادة كل اعدائه والاطاحة بكل معارضيه , حيث صدرت احكام باعدام كبار قيادات الجيش وبعدها بشهرين اعدم كبار المسئولين فى عهد الشاه حتى لاينقلبوا عليه ولايشكلون اى خطر عليه . واجرى القاضى ( صادق خلخالى ) - احد رجال الخمينى - محاكمات شكلية سريعة لم يحصل المتهمون فيها على محاكمات عادلة او فرص للدفاع عن انفسهم . ومن بين الذين اعدموا بغير محاكمة تقريبا ( امير عباس هوفيدا ) رئيس الوزراء الاسبق .
وحتى الذين هربوا وفروا خارج ايران تم اغتيالهم مثل ( شابوربختيار ) وفى السنوات الاولى للثورة الخمينى لم يدخر جهدا او وسعا فى التخلص من معارضيه وهو ما حدث مع ( ابوالحسن بنى صدر ) اول رئيس منتخب لايران , والذى اراد ان ان يضفى مسحة ديمقراطية على مبادىء الثورة الاسلامية التى وضعها الخمينى , وهو ما اغضب الخمينى فاتهمه بالخيانة وتمت اقالته وفر الى فرنسا .. كما تعرض آية الله ( منتظرى ) - نائب الخمينى - لنفس المصير وارغم على الاستقالة لانه عارض رأى الخمينى فى قضية ولاية الفقيه وطالب بالحد من سلطاته الواسعة التى نص عليها الدستور , واعتبر ان ذلك عار على الثورة الاسلامية , وكانت القشة التى قسمت ظهر (منتظرى ) عندما عارض بشدة تأييد الخمينى فى عمليات اعدام جماعية شملت اكثر من ثلاثة ألاف سجين سياسى , عند ذلك غضب عليه الخمينى وارغمه على الاستقالة فى مارس 1989 . الخمينى كان مصرا على ان يكون الحكم والدولة والقيادة للمرجعيات الدينية . وان تكون سلطة الولى الفقيه اعلى من جميع سلطات الدولة , وعندما لم يوافقه الرأى أقرانه ومنهممن هو اكثر منه علما وفقها اطاح بهم , فيما يعتبر مذبحة سياسية ضد من يخالفه فى الرأى على وزن ( معى ولا ضدى ) ومن هؤلاء : ( ابو القاسم الخوئى .. وسريعتمدى .. وآية الله كولبيكانى .. وآية الله قسمى ... وخادمى ... وغيرهم ) .. الجدير بالذكر ان الخمينى استخدم اسلوبا رخيصا فى التخلص من معارضيه الا وهو اسلوب تكفير المعارض له او ما يعرف فى السياسة بالمكارثية السياسية , وهى سياسة قائمة على تشويه سمعة المعارض والاساءة اليه , وهى من الحرب النفسية على المعارض حتى يستجيب . وهو اسلوب يأتى ثماره مع المعارض الضعيف الحجة والبناء النفسى .
ما يثير الاهتمام ويحير العقول التناقض والغموض الذى يغطى شخصية الخمينى منذ نجاح ثورته , والدليل على ذلك ماحدث يوم 14-11-1979 بعد ايام من قيام الثورة فى ايران , حيث قام 400 طالب بالقفز فوق اسوار السفارة الامريكية فى طهران وانزلوا العلم الامريكى ورفعوا راية خضراء , واحتجزوا اعضاء البعثة الدبلوماسية الامريكية كرهائن لمدة 444 يوما , وبعد ان بدأ الخمينى فى شن هجوم على امريكا , فوجىء الجميع بعدها بسنوات بفضيحة ( ايران - كونترا جيت ) .. حيث عقد نائب الرئيس الامريكى ( جورج بوش ) الذى كان نائبا للرئيس ريجان اجتماعا برجل الخمينى فى ذلك الوقت ( ابو الحسن بنى صدر ) وكان يشغل منصب رئيس الوزراء , وحضره ايضا مندوب المخابرات الاسرائيلية ( آرى بن ميناشيه ) ... وتم الاتفاق على تزويد ايران بالاسلحة وتقوم اسرائيل بتوريدها , مقابل الافراج الافراج عن خمس رهائن امريكيين كانوا قد اختطفوا فى لبنان على ان تستخدم امريكا ثمن الصفقة فى تمويل حركات ( الكونترا ) المعادية للنظام الشيوعى فى نيكاراجوا ... حدث هذا فى الوقت الذى كان فيه الخمينى يملأ الدنيا ويصدعنا ليل نهار هجوما وتنديدا بامريكا التى تمثل من وجهة نظره الشيطان الاكبر . بنفس التناقض والغموض الذى نراه فى دولة الخمينى وشخصيته , طالب الخمينى بحقوق ايرانية فى شط العرب اغتصبتها العراق من وجهة نظره رغم وجود اتفاق بين البلدين فى هذا الشأن وقع عام 1975 فى الجزائر , وبذلك اشعل الخمينى نار الحرب العراقية الايرانية التى استمرت 8 سنوات وكلفت الشعب الايرانى 500 مليار دولار الى جانب مليون شخص مابين قتيل وجريح , ورغم كل هذا انتهت الحرب بالاتفاق على العودة الى اتفاقية الجزائر بلا تعديل يذكر .
وجه الغرابة والتناقض هنا ان الخمينى كان يتحدث دوما عن كراهية الحرب بين المسلم والمسلم وضرورة توحيد المسلمين لمواجهة الاستكبار الدولى . الخمينى الثائر على ظلم واستبداد الشاه اصبح اشد ظلما واستبدادا من الشاه . وحكمة التاريخ تقول : الحاكم المستبد هو الذى ينجح فى جعل القوى السياسية التى تعارضه اسوء منه .. كما تقول لنا : ان الثورة مثل القطة تأكل اولادها ... وهذا هو عين ما فعله الخمينى حيث جعل معارضيه اسوء منه , كما اكلت ثورته واغتالت كل من قامت على اكتافهم ... فقد تحول الثائر الخمينى الى طاغية مستبد ينافس اعتى الطغاه.....
#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟