حمدى السعيد سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3456 - 2011 / 8 / 14 - 07:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اننا شعوب تعيش وتقتات على الدين فى كل شىء, بل فى كل شئون حياتنا , سواء كان فهمنا للدين فهما صحيحا او سقيما .. فمعتقداتنا وقناعاتنا الدينية تنعكس بشكل واضح لاغموض فيه على جميع افكارنا سواء كانت افكار سياسية او اقتصادية او اجتماعية او علمية او فكرية او غيرها من الافكار ... وبما ان جذور افكارنا الدينية الأم هى مجموعة من المتناقضات والاضطرابات والخيالات والاهواء والاختلافات والاستقطابات الفكرية الدينية , فلابد وحتما ان تنعكس وتتضح فى كافة افكارنا وافعالنا وسلوكياتنا الاخرى ...لذلك خرج علينا دعاة الدين الذين يتكلمون باسم الرب يلعبون على مشاعر البسطاء المتعلقين بالدين ..لذلك خرجت مظاهرات قبطية فى مارينا واعتصامات داخل الكنائس فى اسيوط والمحلة وغيرها , وخرجت مظاهرات اسلامية فى الاسكندرية على خلفية موضوع كاميليا شحاته ووفاء قسطنطين , وتراشق فى الصحف والمجلات حول تنصير شاب مسلم ... كل هذه المشاهد وغيرها يجمع بينها انها تتعلق بالعلاقة بين اضلاع المثلث المصرى , الاقباط والمسلمين والحكومة , كل هذه المشاهد خطورتها انها كلها تحتوى على ابتزاز دينى للحكومة , وابتزاز عاطفى لمشاعر البسطاء المتعلقين بالدين ..
لذلك ليس غريبا ان تقرأ ان مشايخ يطالبون بتطبيق حد الردة على تاركى الاسلام الى أديان اخرى , متجاهلين عن عمد فتاوى تؤكد عدم وجود حد الردة فى الاسلام , ومخالفين دستور مصر الذى يحمى حرية العقيدة . وليس غريبا ايضا ان رجل دين مسيحيا يهدد بان سفراء دول اجنبية يناصرون قضيته فى ملكية الكنيسة لقطعة ارض مجاورة لها , هذا الابتزاز المتواصل من القطاع الدينى فى مصر سواء مشائخ او قساوسة يقابل من الحكومة المصرية بالاستجابة للمطالب سواء كانت عادلة ام جائرة !! وتغض الحكومة الطرف , وتضع رأسها فى الرمال , وتلجأ الى الجلسات العرفية وتهدئة الخواطر بدلا من البحث عن الحلول الحقيقية للمشاكل التى ادت الى هذا الاحتقان والشحن الطائفى .
وفى ظل استجابة الحكومة الى مطالب الابتزاز الدينى من كلى الطرفين يجد اصحاب المواقف المبتزة مردودا كبيرا فى اوساط المسلمين والاقباط . حيث ينظرون اليهم على انهم حملة لواء الدفاع عن بيضة الدين والعقيدة عند كل طرف فى مواجهة حكومة باطشة تحارب الاسلام وتضطهد الاقباط . واصحاب المواقف المبتزة من الاقباط يسيطر عليهم فكرة ان الحكومة المصرية تمتنع عن اعطاء الحقوق للاقباط الا بالتدخل الخارجى او التهديد به , اما اصحاب المواقف المبتزة من المسلمين فتسيطر عليهم فكرة ان الحكومة المصرية حكومة تبطش بالاسلام وتحاربه وتخشى من الغرب المسيحى ..
كل هذه الامواج المتلاطمة الابتزازية من الافكار الدينية سواء كانت اسلامية او مسيحية حققت نجاحا مبهرا فى ابتزاز حكومة ضعيفة , تستجيب على الفور امام الابتزاز الدينى , وما زاد الطين بلة ان الابتزاز و التهديد والاستقواء بالخارج اصبح سافرا وعلنيا ما دام القانون معطلا والحكومة نائمة فى العسل وغير منتبهة لخطورة الامر او متجاهلة له عن قصد , لذلك لا تستغرب اذا تكرر الابتزاز الدينى كثيرا بل سيتصاعد الابتزاز الدينى من الطرفين الاسلامى والمسيحى . انظر معى الى مشهد البابا شنودة مع الرئيس الراحل السادات على خلفية اسلام اخت الانبا بيشوى , التى كانت طبيبة مسيحية واحبت زميلها المسلم - اخو ابراهيم نافع رئيس تحرير اهرام الاسبق - وتركت زوجها المسيحى واطفالها الثلاثة وتزوجت حبيب القلب , البابا شنودة حاول ان يصور الموضوع على انه خطف وطالب السادات باعادة الطبيبة المختطفة , وقام بالتظاهر ومنع اقامة قداس العيد ووضع العربة امام الحصان , فى تصعيد خطير لموضوع بسيط , انتهى بكارثة عرضت الاقباط لمخاطر عام 1981 , بل عرضت مصر كلها لمحنة دينية لم تنتهى آثارها الى يومنا هذا . مثل هذه القصص كثير جدا . فكل يوم نسمع او نقرأ ان هناك فتاة قبطية هربت بارادتها من اسرتها لاسباب مختلفة , ولكن الاسرة المطعونة فى كبريائها ترفض الاعتراف بهروب ابنتهم وترى ان الاعلان عن اختطافها افضل من عار هروبها , خاصة اذا كان الامر متعلقا بعلاقة بين الفتاة الهاربة وشاب مسلم ..
ونظرا للحساسية الدينية والاجتماعية تجد الاسرة القبطية من يساندها من الشباب المتعصب حيث يسارعون الى المظاهرات والاعتصامات فى الكنائس ورفع اللافتات التى تشعل الموقف الملتهب بين الاقباط والمسلمين , ويزداد الامر اشتعالا عندما يشجع بعض القساوسة هذه الافعال . وفى كل الاحوال اذا ظهرت الفتاة الهاربة من اسرتها واعلنت انها لم تختطف , فان بعض المحامين الاقباط والمتظاهرين بقيادة بعض القساوسة يغيرون من عريضة الاتهام ويبدلون الشعارات من الاختطاف الى المطالبة بعودة الفتاة لانها قاصر !!وغالبا تعود الفتاة بواسطة الامن اذا لم تكن قد تزوجت بالشاب المسلم . فى واقعة (وفاء قسطنطين) زوجة قسيس بالبحيرةالتى تركت منزلها واختفت , وقيل انها اسلمت . فجأة احتشد الشباب القبطى داخل الكاتدرائية بالعباسية مدعين انها خطفت واجبرت على الاسلام , ودعم هؤلاء الشباب بعض القساوسة والاساقفة , واعلن البابا انه سيعتكف فى الدير , واستجابت الحكومة للابتزاز الدينى واعادت وفاء قسطنطين الى الكنيسة , وتم الاعلان انها عادت الى المسيحية بعدما تبين انها لم تختطف , ولكن الابتزاز الدينى استمر من قبل المشائخ ايضا حيث طالبوا الحكومة باعادتها الى المسلمين لانها مسلمة واجبرت على العودة الى الكنيسة , بل اقام بعض من يصطاد فى الماء العكر من اصحاب المصالح من المؤلفة جيوبهم دعوى امام القضاء الادارى يطالب فيها بالكشف عن مكان اقامة وفاء وانها يجب ان تقر امام المحكمة بحقيقة دينها .
هذه الاجواء فى مثل هذه المواقف هو مايمثل ابتزازا للحكومة المصرية ودغدغة لمشاعر بسطاء المسلمين , وبغض النظر عن معتقد وفاء او غيرها لان هذه الواقعة التى حدثت منذ سنوات اصبحت هى النموذج فى الحوادث المشابهة , وساعد على ذلك ان الحكومة لم تحاول تطبيق القانون فى مثل هذه الحالات المشابهة ايضا , بل تلجأ الى الحلول العرفية وتهدئة الاجواء والافراج عن المتظاهرين من كلا الطرفين , ارضاءا للجميع .
الابتزاز باسم الدين الذى حدث فى كل المرات السابقة والحالات المشابهة واستجابت له الحكومة المصرية , شجع على تكرار الامر مرات ومرات . الخطير هنا ان الحكومة نفسها هى التى تعطل القانون الذى يجب ان يحسم مثل هذه الامور .فمن يتقدم ببلاغ كاذب عن اختطاف ابنته مثلا , يجب ان يحقق معه حتى لايتكرر نفس الادعاء . واذا كانت هناك واقعة اختطاف حقيقية بالفعل فيجب بذل الجهد للقبض على الجانى وتقديمه لمحاكمة عاجلة حتى يكون عبرة لغيره . اما المتظاهرون بلا داع والمرددون لشعارات تهدد الوحدة الوطنية وخاصة اذا اعتدوا على الممتلكات العامة للدولة وتجاوزوا فيجب تطبيق القانون عليهم بدون رحمة , والفتاة الهاربة اذا كانت قاصرا فالالتزام باحكام القانون اولى وعودتها الى اهلها ضرورة , اما اذا تزوجت فهنا تجب معاقبة الشخص الذى قام بعقد قران فتاة قاصر بالمخالفة للقانون .
الجدير بالذكر ان مشاهد الاحتقان الدينى ستتكرر مادام هناك شعور لدى الجميع بغياب القانون وهيبة الدولة .وهو ما تكرسه الحكومة بتغاضيها عن تطبيق القانون . لذلك الحل فى مشاكل الفتنة الطائفية والاحتقان الدينى هو تطبيق القوانين بلا اى استثناءات ودون ترضية للخواطر سواء كان الفاعل مسلم او مسيحى . كما يجب الاسراع باعداد قانون بناء دور العبادة واصدار قانون منع التمييز الدينى او الجنسى او الاجتماعى ومعاقبة من يخالفه . الى جانب تسريع رتم العدالة الناجزة التى تعطى المواطن دون تمييز بسبب الدين او الجنس حقه بالقانون . عندها لن يستطيع احد ان يبتز الحكومة ولا اللعب على المشاعر الدينية للبسطاء .
#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟