احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1029 - 2004 / 11 / 26 - 09:28
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
بدعوة من النظام المصري، وبتنسيق مسبق مع الادارة الامريكية وحكومة العلاوي العراقية المؤقتة التي نصّبها المحتل الامريكي على العراق، عقد في منتجع شرم الشيخ المصري، وخلال يومي امس وامس الاول، الثلاثاء والاثنين، وعلى مرحلتين المؤتمر "الدولي" بخصوص العراق. وما جرى الاعلان عنه ان هدف المؤتمر يتمحور حول "احتياجات الشعب العراقي ودعم جهود الحكومة المؤقتة لاستكمال العملية السياسية بما في ذلك اجراء الانتخابات العامة التي حدد لها يوم الثلاثين من يناير/ كانون الثاني موعدًا لاجرائها"!!
فهل يا ترى ما تمخض عن هذا المؤتمر من مداولات وبيان ختامي يخدم احتياجات الشعب العراقي الحقيقية التي في مركزها التخلص من نير الاحتلال الانجلوامريكي الهمجي ومن جرائمه ضد الانسانية والشعب العراقي، ام جاء لخدمة، شرعنة وتثبيت اقدام الوضع الاحتلالي القائم من خلال حكومة دمى تنتخب انتقائيا وتبصم بالعشرة على الولاء في بيت الطاعة للاحتلال الانجلوامريكي.
كان بودنا، ومن منطلق تضامننا التام مع الشعب العراقي الشقيق، ان يكون هذا المؤتمر رافعة جدية وحقيقية تنقذ الشعب العراقي من براثن الاحتلال الانجلوامريكي وتضمن له حقه الشرعي بالتحرر والاستقلال الوطني، ولكن للاسف، الواقع ومعطياته في مؤتمر شرم الشيخ غير ذلك، فرغم المشاركة الدولية الواسعة فلم يتمخض عن المؤتمر سوى الفأر الامريكي، قرارات تنسجم مع الاستراتيجية الامريكية واهدافها العدوانية في العراق والمنطقة.
فتحت مكابس الضغط الامريكية عقد يوم الاثنين اجتماع وزراء خارجية دول الجوار العراقي وهي ايران والكويت والسعودية وسوريا وتركيا والاردن، اضافة الى مصر الدولة المضيفة. ونحن ندرك ان لكل دولة من هذه الدول مصالحها الخاصة وروابطها وعلاقاتها الخاصة مع فئات من الداخل العراقي. فايران لها علاقاتها مع اوساط من الشيعة في العراق ولها مصالحها ومطامعها الخاصة في الخليج الفارسي العربي. للسعودية مصالحها الخاصة وارتباطاتها مع بعض اوساط السنة في العراق. لتركيا وسوريا تخوفات من اقامة دولة كردية مستقلة في الشمال العراقي قد تؤجج قضية الاكراد في بلديهما. وبالنسبة للاردن فعدم الاستقرار في العراق يؤثر على وضع الاستقرار فيه. بمعنى انه توجد تناقضات مصالح في تحديد الموقف، من العراق ومصير شعبه.
والسؤال ماذا كانت مهمة اجتماع وزراء خارجية دول الجوار العراقي، وهل وضع على جدول اعمالهم الخروج من الاجتماع ببيان يعرض وجهة نظرهم وموقفهم على المؤتمر الدولي في اليوم التالي، الثلاثاء؟
بأمر من الادارة الامريكية، متفق عليه مسبقا، لم تكن لاجتماع هذه المجموعة اية صلاحية باصدار بيان ختامي، انما القضية الاساسية التي أمليت على جدول اعمالهم هي تعزيز الرقابة على حدود كل دولة منهم لمنع تسلل المقاتلين الى العراق!! ما طلب منهم ابداء وجهة نظرهم من البيان الختامي الذي اعد سلفا في المطبخ الامريكي والذي جرت تلاوته في المؤتمر الدولي امس. ففي عهد الارهاب الامريكي تحولت الانظمة المجاورة للعراق، التي يهدد الاحتلال الامريكي للعراق، امنها القومي الى ارانب مذعورة ومذهولة ومستعدة للرضوخ للاملاءات الامريكية. فلم تتجرأ هذه الانظمة على ادانة جرائم الحرب والمجازر التي يرتكبها همج جنود المحتلين الامريكيين ضد الشعب العراقي والتي تعيد الى الاذهان جرائم النازية الوحشية ضد البلدان المحتلة في الحرب العالمية الثانية. لم تتجرأ الوقوف الى جانب احتياجات الشعب العراقي، التي تتطلب اولا وقبل كل شيء مطالبة المحتل الانجلوامريكي بالجلاء عن ارض العراق وتمكين شعبه من تذوق طعم الحرية والاستقلال وبناء العراق الحضاري والدمقراطي.
لم ننتظر المفاجآت او ما يدعو الى التفاؤل في المؤتمر الدولي، الذي عقد امس الثلاثاء في شرم الشيخ بحضور الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان ووزراء خارجية مجموعة الثماني – الولايات المتحدة وروسيا واليابان والمانيا وكندا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا – اضافة الى الصين وماليزيا باعتبارها رئيسة منظمة المؤتمر الاسلامي وهولندا باعتبارها الرئيس الحالي للاتحاد الاوروبي، وبالطبع مشاركة الدول المجاورة للعراق وممثلين عن حكومة العلاوي العراقية المؤقتة.
لم ننتظر المفاجآت لان البيان الختامي اعد مسبقا وجرت صياغته على مقاس الطلب الامريكي وحكومة العلاوي العميلة. وقد برزت التناقضات في الموقف في اثناء اعداده بين ادارة عولمة الارهاب والجرائم الامريكية وبين فرنسا وسوريا وايران. فقد طالبت فرنسا ان يتضمن البيان الختامي وضع برنامج زمني محدد لانسحاب الاحتلال الانجلوامريكي والقوات متعددة الجنسيات المساندة لها من العراق.
كما طالبت بمشاركة قوى المعارضة العراقية في مؤتمر شرم الشيخ. ولكن الادارة الامريكية وحكومة العلاوي رفضتا هذين الطلبين. وقد تضمن البيان الختامي حلا وسطا يخدم في نهاية المطاف مصلحة الاحتلال الامريكي للعراق. فلم ينص مشروع القرار الختامي على جدول زمني محدد لانسحاب قوات الاحتلال من العراق، وانما يؤكد ان وجودها ليس الى اجل مسمى!! يعني انتظر يا كديش تيطلع الحشيش.
ومندوب حكومة العراق المؤقتة المنصبة من المحتل، سمير الصميدعي يشرعن بقاء قوات الاحتلال الامريكي اذ صرح مساء امس الاثنين "ان الوقت لا يزال مبكرا جدا لبحث انسحاب القوات الامريكية من العراق، واكد ان الحكومة العراقية المؤقتة تمتلك الحق في الدعوة الى مثل هذا الانسحاب بمقتضى قرار مجلس الامن 1546"!! ومصيبة شعب العراق ان الحكومة العراقية المؤقتة الخادم المطيع لاستراتيجية الهيمنة الامريكية في العراق ولمشاريع الهيمنة الامريكية المبرمجة في المنطقة. كما تضمن بيان "الحل الوسط" دعوة الى تنظيم مؤتمر لكل القوى العراقية داخل العراق في اقرب وقت ممكن لضمان مشاركة كل القوى العراقية في العملية السياسية. وحسب الطلب الامريكي واملاءاته ان لا تكون هذه القوى "ضالعة في الارهاب"! وهذا يعني من حيث المدلول السياسي مصادرة حق قوى عديدة في الانتخابات المقبلة لضمان فوز المدجنين امريكيا.
وما يثير السخرية والاشمئزاز ما جاء في مشروع البيان الختامي انه "يرحب بجميع الخطوات التي اتخذت حتى الآن لتحقيق الدمقراطية في العراق ولتشجيع الحكومة العراقية المؤقتة على مواصلة العملية السياسية باجراء الانتخابات العامة في نهاية نياير/ كانون الثاني المقبل"!!
اية دمقراطية هذه في ظل وتحت حراب الاحتلال حيث يستباح وطن بأكمله، وتحول مدنه الى ارض محروقة، تدمر حضارته وبنيته التحتية وترتكب المجازر الجماعية يوميا بحق المدنيين في المدن والقرى العراقية. انها دمقراطية شريعة الغاب المعادية للانسانية وللشعب العراقي المجيد. البيان الختامي يدين "الارهاب" ويدعو الى وقف فوري لعمليات الاختطاف والاغتيالات والهجمات على المدنيين!! اننا في هذا المجال لا نتأتىء في الموقف. دنّا وندين دائما العمليات الارهابية ضد المدنيين من الناس الابرياء، ندين جرائم قطع الرؤوس وغيرها من الاعمال الوحشية التي لا يمكن تبرير ارتكابها، ولكن من يستحق الادانة اولا وقبل كل شيء هو الارهاب الامريكي المنظم المخضب بدماء عشرات الوف الناس الابرياء من الشعب العراقي الذي يمارسه جند هولاكو الاحتلال الامريكي. الارهاب الذي يستحق الادانة اولا هو ارهاب الاحتلال الامريكي الذي يعيث فسادا وخرابا بتدمير المنشئات العراقية والاحياء السكنية العراقية واماكن الحضارة العراقية والاماكن المقدسة العراقية من مساجد ومقابر وغيرها. هذا الارهاب المنظم الامريكي لم تجر ادانته في البيان الختامي.
نعود ونؤكد ان مؤتمر شرم الشيخ لن يحقق لشعب العراق طموحاته بالامن والاستقرار والاستقلال لانه تجاهل قضيته الاساسية وهي التخلص من كابوس الاحتلال الاجرامي. وان هدف هذا المؤتمر في نهاية المطاف هو دعم مصداقية وشرعنة الاحتلال الانجلوامريكي وحكومة الدمى العميلة. فما دام الاحتلال قائما فلا امن ولا استقرار ولا مفر من مقاومته. وتفعل مختلف القوى الوطنية العراقية اكبر خدمة لشعبها ولنضاله ولتطلعاته الشرعية بالتحرر والاستقلال الوطني، العمل على التوصل الى صياغة وفاق وطني فيما بينها، يرص صفوف وحدتها الوطنية، وفاق مبني على برنامج وطني متفق عليه، يكون في مركزه المطلب الاولي بالتخلص من نير الاحتلال. برنامج يجري تجنيد مختلف القوى العالمية، من هيئة الامم المتحدة الى الجامعة العربية الى الاتحاد الاوروبي الى المؤتمر الاسلامي لانجازه والضغط على المحتل الانجلوامريكي للانسحاب من العراق.
فمصلحة الشعب العراقي الاساسية تستدعي وحدة مختلف القوى التي يهمها فعلا مصلحة العراق الموحد والدمقراطي والحر والمستقل الذي ينفض عنه غبار الاحتلال ودنس المحتلين.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟