أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أبو شرخ - الصهيونية (15).. الشراكة مع النازية















المزيد.....



الصهيونية (15).. الشراكة مع النازية


خالد أبو شرخ

الحوار المتمدن-العدد: 3453 - 2011 / 8 / 11 - 20:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أبدت كلا من الصهيونية والنازية, تفهماً كلا منهما للأخرى, فقد إستفادت الصهيونية من ممارسات النازية, واستفادت النازية من مزاعم الصهيونية وإفتراضاتها, ففي المناطق التي سيطر عليها النازيون في أوروبا, كان شعارهم هو " ليخرج اليهود إلى فلسطين", وانطلقت كلتا الأيدولوجيتين من فكرة وحدة اليهود, التي تتجاوز الحدود السياسية, وأن اليهود مجرد كيان منعزل, يمكن نقله في أي وقت, وكما وصفتهم النازية " أجانب موضوعين تحت الحماية, يمكن السماح لهم بالعمل مؤقتا, طالما أنهم في طريقهم إلى وطنهم القومي".
ويمكن فهم العلاقة النازية الصهيونية على أنها علاقة مركبه, وتعود على عدة عوامل, فعلاوة على الإشتراك في الأهداف, وهي رفض إندماج اليهود بشعوبهم, ونقلهم إلى فلسطين, يوجد الكثير من المنطلقات والمرتكزات المشتركة, والتي ارتكزتا عليها الأيدولوجيتان, منها :
الأصول الألمانية للزعامات الصهيونية مثل هرتزل ونوردو, اللذان كانا لا يتكلمان ولا يكتبان إلا بالألمانية, ويكنان الإعجاب للحضارة الألمانية, أما رواد الصهيونية من شرق أوروبا, فلغتهم كانت اليدشية, وهي رطانة ألمانيه أساسا, وكان اليهود يحترمون الحضارة البروسية النوردية او الآرية, ولا يكون إحتراما للحضارة السلافية, فعندما دخلت الجيوش الألمانية روسيا أثناء الحرب العالمية الأولى, خف اليهود الروس لإستقبالها, بوصفها محررة ومنقذة لليهود.ولم يكن من قبيل الصدفة أن تكون لغة المؤتمرات الصهيونية الأولى, هي اللغة الألمانية, وكانت تمثل التحدي الحقيقي للعبرية, حينما نوقشت لغة الوطن القومي, كما نشبت ما تسمى حرب اللغات, في المستوطنات الصهيونية في فلسطين.

تأثر الفكر الصهيونية بالفكر الرومانتيكي الألماني, فثمة مصادر مشتركه بين الفكرين, مثل أساطير العهد القديم, وتحويلها من أساطير دينية إلى عقائد سياسية, والنظريات العرقية, وفكرة الشعب المختار (الفولك), الفكر الإمبريالي, ولعل ما يميز الأفكار السياسية في الفكر الألماني الرومانتيكي, هو رفضها للعقل الإنساني, حيث تحل الرومانتيكية والخيال والحدس والماضي المشترك والجماعات العضوية محل التحليل الواقعي .
والصهيونية جزء من هذه الحركة الرومانتيكية اللاعقلانية, فالكتابات الصهيونية تموج بالإشارات التي تغلب العاطفة على العقل, واللاوعي على الوعي, والمطلقات الصوفية على الظواهر التاريخية.
وتعبر اللاعقلانية عن نفسها, في أشكال كثيرة وطرق عديدة, إهمها فكرة " الفولك " أي الشعب وروابط الدم والتراب العضوية, و"الفولك" كيان عضوي متكامل, وأبدي ونتاج لنمو السمات الفطرية, والحركة الصهيوينة بدأت تاريخها مع إكتشافها لليهود "كفولك", أي شعب له كيان جماعي, وله تاريخه الخاص, المتميز وسماته البيولوجية الخاصه به.
وقد إستفاد "مارتن بوبر" إستفادة كبيرة, من هذا المفهوم, وأعاد صياغة التراث اليهودي, من منظوره ونسب لليهود كل السمات الصوفية كالانفصال والتفوق, تلك الصفات التي ينسبها الرومانتيكيون الأوربيون لأممهم.

يفترض التصور الرومانتيكي, أن اليهود والألمان هم يهود وألمان, بغض النظر عن الزمان والمكان, وعن الحدود والكيانات السياسية التي يتواجدون بها, لأن إنتماء الإنسان السياسي ليس مهما, في وجهة نظر هذا التصور, فعلاقة الإنسان بالفولك شيء يعلو على المؤسسات السياسية, والإرادة والوعي الفرديين, لذا فجيمع الأشخاص المنحدرين من العرق الألماني, يجب أن يصبحوا مواطنين في الدولة الألمانية, بغض النظر عن أماكن تواجدهم,أي أن هوية الشخص تصبح (نازي – آري – ألماني ), حيث أن حقيقتهم الأساسية هي الألمانية, وتقابلها الفكرة الصهيونية في مسألة ولاء اليهودي يجب أن يكون لوطنه اليهودي فقط, وهويته ( صهيوني – يهودي – إسرائيلي ).

آمنت النازية بوجود "دياسبورا ألمانية", أي "شتات ألماني", تربطها روابط عضوية بالأرض الألمانية, وأعضاء هذا الشتات الألماني, مثل أعضاء الشتات اليهودي, تماما يجب أن يعملوا من أجل الوطن الأم, وبما أن العودة للوطن الأم أمر عسير, كما هو الحال مع الصهيونية, إقترح النازيون ما يشبه نازية الشتات, مثل يهودية الشتات, وكان للنازية ما يشبه المنظمة النازية العالمية, التي كانت لها صلاحيات, تشبه صلاحيات المنظمة الصهيونية العالمية, ولها مكانة في ألمانيا, تشبه إلى حد بعيد مكانة المنظمة الصهيونية العالمية.

عمقت كلا من النازية والصهيونية, الإعتزاز بالخصوصية القومية, وكره الغير, كما أكدتا البناء العنصري كتعبير عن البعد عن "الأغيار", وقد حولت الصهيونية "النبي عزرا" إلى بطل قومي, بعد أن جردته من ثوبه الديني, لأنه كان يعادي الزواج المختلط, فأصبح بطلا صهيونيا, يدافع عن التراث القومي, وقد أشار المنظر النازي ستراينجز أثناء محاكمته, إلى هذا التصور الصهيوني للنبي "عزرا" :" لقد أكدت دائما حقيقة, أن اليهود يجب أن يكونوا النموذج, الذي يجب أن تحتذيه كل الأجناس, لقد خلقوا قانونا عنصريا لأنفسهم, قانون عزرا الذي يقول ‘ إذا دخلت بلدا أجنبيا فلا تتزوجن من نساء أجنبيات ‘ " .

ويعبر "الفولك" في شكل أساسي هو الدولة القومية "للفولك", فالدولة ليست نتاج تعاقد بين الأفراد, كما هو التصور الفرنسي الليبرالي, وإنما يسبق الدولة وجود الأفراد, وسيطرت فكرة الدولة "الهيجلية" على النازية والصهيونية, "فهرتزل" كان معجبا بالدولة البروسية نموذج "هيجل" الشهير, وتقديس الدولة بالمعنى الحرفي, تيار أساسي في الفكر الصهيوني. فالدولة هي القيمة العظمى, وترفع إلى مصاف القيم المطلقة, وهذا مثال على تداخل المطلق بالنسبي والمقدس بالقومي في الفكر الصهيوني.

فكرة "الفولك" تتضمن وجود علاقة عضوية, بين الدم والتراب, أو بين الإنسان والأرض, وهذا يعني عدم إحترام الحدود السياسية, وضرورة التعامل مع الواقع, من منظور المجال الحيوي, وهذا يعني بطبيعة الحال, أن الحدود التاريخية أو المقدسة تحل محل الحدود السياسية.

ثمة موضوعات أخرى مشتركة بين النازية والصهيونية, تعود جذورها "للرومانتيكية الألمانية" و"فكرة الفولك", فقد اكدت النازية على أهمية التراث والأساطير الشعبية, وتحويلها إلى نوع من الدين, ومصدرا للقيم المطلقة, والتعبير عن خصوصية الشعب, ونظرت الصهيونية لليهودية بوصفها فلكلورا شعبيا, وتعبيرا عن العبقرية القومية للشعب اليهودي, وليست كمصدر للقيم الأخلاقية, ففكرة العهد بين الله والشعب المختار, والذي منح بموجبها الله أرض فلسطين لليهود, كانت الأسطورة الشعبية المفضله "لبن غوريون", التي يستخلص منها برنامجا سياسيا, ويقرر حدود دولته, مسترشدا بمفاهيم "العهد القديم", حيث كان يتصوره مصدرا للقيم المطلقة, بالرغم من أنه كان ملحدا.

وتشارك الصهيونية النازية فكرة "النبي", الذي يجسد المطلق القومي, وصورة "النبي العسكري" ( بن غوريون, الفوهرر), تسيطر على الوجدان الصهيوني والنازي, ومن الموضوعات المشتركه أيضا, فكرة "الشعب المختار", فعندما سئل "هتلر", عن سبب معاداته لليهود كانت إجابته :" لا يمكن أن يكون هناك شعبان مختاران, ونحن وحدنا شعب الله المختار, هل هذه اجابة شافية على السؤال؟".

أخذت العلاقة التعاونية الصهيونية النازية عدة مستويات وأشكال, منها الشكل الغير مقصود, مثل التصريحات الصهيونية, التي يستفيد منها النازيون, أو اللقاء العفوي في منتصف الطريق, مثل النشاط الصهيوني الذي يشجعه النازيون, إلى التعاون الواعي, الذي يفضي إلى مفاوضات, وعقد إتفاقيات, وصولا على شراكه كاملة في بعض النشاطات, علاوة على التعاون الفردي بين قيادي الحركتين.
فعلى صعيد الشكل غير المقصود, الذي استفادت منه النازية, مثل التصريحات والأفكار الصهيونية, فجميع هذه الأفكار والغيبيات والتصريحات الصهيونية, والداعية إلى الإنعزال, وعدم الإندماج, والتفوق العرقي, والتميز القومي, خدمت النازية في حملة الكراهية ضد اليهود, إذ قام النازيون بطباعة التصريحات والكتيبات الصهيونية, والتي كانت تشكل الأساس الفكري, التي تسلحت بها النازية, في الهجمات على اليهود, وقال "الفرد روزنبرغ" أهم منظري النازية, إنه جمع الكثير من أرائه, من الأدبيات الصهيونية, ومن المؤرخين الصهاينة, وأشار إلى دعوة "بوبر" لليهود أن يعودوا إلى أحضان آسيا.

ومن أشكال العلاقة بين الصهيونية والنازية, والتي تمت بشكل عفوي وفي منتصف الطريق لنشاط الجهتين, أن الصهيونية لم تهتم ولم تكترث, بأي شكل من أشكال المقاومه ضد النازية, بل وجهت جهودها إلى الإستيطان في فلسطين, في وقت كان يتقرر مصير اليهود في أوروبا, وأشار "كاوتسكي" إلى أن الملايين من اليهود في شرق أوروبا, الذين لم يكن ممكن تهجيرهم إلى فلسطين, وبدلا من تنظيمهم وتوجيه طاقاتهم, حتى يكونوا مهيئين للدفاع عن أنفسهم, فإن القيادات الصهيونية, ركزت على تهجير بضع مئات منهم, إلى أرض الميعاد.
بل أن المسألة تتخطى, مجرد عدم الإكتراث بمصير اليهود, إذ تبدو أن الصهيونية إكتشفت, أثناء الإرهاب النازي ضد اليهود, ذلك التناقض العميق بين فكرة الدولة اليهودية, ومحاولة إنقاذ اليهود في أوروبا, ففي حديث" إسحق جرينباوم" رئيس لجنة الإنقاذ بالوكالة اليهودية, للجنة التنفيذية لمنظمة الصهيونية العالمية, في 8 فبراير 1943م:" لو سئلت عما إذا كان من الممكن التبرع ببعض أموال النداء اليهودي الموحد لإنقاذ اليهود, فإن إجابتي ستكون قطعا كلا ثم كلا... إنقاذ اليهود يجعل النشاط الصهيوني في الدرجة الثانية....إن بقرة واحدة في فلسطين, أثمن من كل اليهود في بولندا".

وقد كشفت وثائق نازية صادرة في الثلاثينيات, من القرن الماضي, مدى التفاهم والإنسجام, ما بين الحركة الصهيونية والحكومة النازية, ومن هذه الوثائق توجيهات من الشرطة النازية, في 28 يناير 1935م وتحمل رقم (35420/18134), صادرة من الشرطة السياسية في "بافاريا", وخاصة بمنظمات الشباب اليهودي, وجاء فيها :"إن إعادة بعث المنظمات الصهيونية التي تدرب اليهود تدريبا زراعيا مهنيا قبل هجرتهم إلى فلسطين هو أمر في صالح الدولة النازية".
وجاء في توجيه آخر يحمل رقم (17186/18135), بتاريخ 20 فبراير ,1935 :" يجب حل المنظمات اليهودية التي تدعو إلى إبقاء اليهود في ألمانيا وقد منع مواطن صهيوني إسمه ‘جورج ليوبنسكر‘, من إلقاء الخطب عن طريق الخطر ولكن التوجيه الصادر برقم (19150/11351) يصحح هذه الخطأ, إذ صدر أمر بالسماح له بممارسة نشاطه لانه مدافع بليغ عن الصهيونية.... وتعهد بان يساعد على هجرة اليهود في المستقبل دون عوائق".

أشكال التعاون بين النازيين والصهاينة, لم تقف عند الشكل الغير مقصود, مثل التصريحات الصهيونية التي يتسفيد منها النازيون, أو اللقاء العفوي في منتصف الطريق, مثل النشاط الصهيوني الذي يشجعه النازيون, ولكن التعاون وصل على حد التعاون الواعي, الذي يتم عن طريق المفاوضات, وينتهي بعقد أتفاقية بين الطرفين تسمى إتفاقية "الهعفراة" عام 1933م, وهي كلمة عبرية تعني " النقل ", أي نقل السكان اليهود من ألمانيا إلى فلسطين, وهو الهدف المشترك و المثل الأعلى للنازيه والصهيونيه معا.
وبمقتضى هذه الإتفاقية, يصرح النازيون لليهود الألمان بالهجرة إلى فلسطين, وتفرج الحكومة النازية, عن أموال اليهود المحتجزة في ألمانيا, على أن توضع في احد بنوك ألمانيا, عن طريق شراء بضائع وآلات ألمانية, للمستوطنات الصهيونية في فلسطين, وذلك لكسر الحصار الإقتصادي الذي فرضه يهود العالم على البضائع الألمانية.
وكان من نتائج هذه الإتفاقية
• إستيراد خيرة الفنيين اليهود الألمان, والآلات الألمانية, التي كانت تحتاجها المستوطنات الصهيونية .
• إزدياد الصادرات الألمانية إلى فلسطين ثلاثة أضعاف, من عام 1932م إلى 1937م, من 11 مليون مارك إلى 32 مليون مارك.
• عند نشوب الحرب العالمية الثانية, كان يتبع "الهعفراة" 12 الف حساب مصرفي, وتتعامل مع 160 بنك, وقامت بنصف مليون عملية مالية, وبلغ ما حولته ما يعادل 140 مليون مارك.
• أنعشت "الهعفراة" إقتصاديات المستوطنات الصهيونية, ويقال أن هذه الفترة, هي التي تدعم فيها الأساس الإقتصادي للمستوطنات, وأدت إلى إفساد البناء الإقتصادي للمجتمع الفلسطيني, وليس من قبيل المصادفة أن تندلع تورة 1936-1939 في أعقاب تنفيذ إتفاقية "الهعفراة".
• كان لتنفيذ الإتفاقية, إنعاكسات طيبة, على الإقتصاد النازي, أيضا حيث نجحت في كسر الحصار اليهودي, على السلع النازية.
• هاجر إلى فلسطين بمقتضى معاهدة "الهعفراة", اكثر من 60الف يهودي, ما بين أعوام 1933-1939.

وبلغ التعاون الصهيوني النازي ذروته, ووصل إلى درجة الشراكة الكاملة, في الهجرة الصهيونية, فقد ساهم "الجستابو" وفرق "الأس أس" في عمليات الهجرة الصهيونية, وذلك على النحو التالي: حين حددت سلطات الانتداب البريطاني, عدد اليهود المسموح لهم بدخول فلسطين, ساهمت وزارة الإقتصاد النازية في عملية الهجرة على النحو التالي:
• تودع أموال المواطنين اليهود, الراغبين في الهجرة, في أحد البنوك.
• تقوم المنظمة الصهيونية / الوكالة اليهودية, بشراء بضائع ألمانية بقيمة هذه الأموال.
• تقوم المنظمة الصهيونية, بدفع مبلغ من المال للمهاجر اليهودي, مما يجعل من السهل تصنيفه, على انه رأسمالي, الأمر الذي ييسر له دخول فلسطين, تحت فئة الرأسماليين, إذا كانت نسب الفئات الأخرى لا تسمح له بذلك.

وإلى جانب التعاون التنظيمي المعلن, توجد حالات من التعاون الفردي غير المعلن, مثل حالة "رودولف كاستز" (1906-1957) احد زعماء الحركة الصهيونية, في رومانيا والمجر, والقيادي في حزب "الماباي" في إسرائيل.
فقد كان مسؤولا عن إنقاذ المهاجرين اليهود, في بولندا وتشيكوسلوفاكيا, وارتبط بعلاقات مباشرة مع القيادي النازي "إيخمان", حيث نتج عن هذه العلاقة, إرسال ‘1386‘ يهوديا من معسكرات الإبادة إلى فلسطين, ( يهود من أفضل المواد البيولوجية على حد تعبير "إيخمان") وذلك من أجل أن يسود الهدوء, بين اليهود المرحلين إلى معسكرات الإبادة, حيث تنتظرهم أفران الغاز, ويبدو أن "كاستز" قد نفذ ما يخصه من الصفقة, حين أقنع اليهود, الذين تم نقلهم بالقطارات إلى معسكرات الإبادة, بأنهم ذاهبون إلى أماكن أخرى يستقرون بها, وثمة نظرية تقول أنه كان من المستحيل, على النازي شحن هذه الألاف المؤلفة, من اليهود دون تعاون القيادات الصهيونية.
إستوطن "كاستز" في إسرائيل, وأصبح محررا لإحدى صحف حزب "ماباي" اليساري الحاكم في إسرائيل, ولكن في العام 1953م, تم توزيع منشورا يبين تعاون "كاستز" مع النازيين, ودفاعه عن احد الضباط النازيين أثناء محاكمة "نورمبرغ", وعلى الرغم من دفاع "الماباي" عن "كاستز" إلا أن المحكمة أقرت بصحة المنشور, وانتهت حياة "كاستز" برصاصه في رأسه, في أحد شوارع تل أبيب لتدفن إسرائيل وحزب "الماباي" قصته مع جثته.

ومن أشهر حالات التعاون الفردي, بين النازية والصهيونية, أيضا حالة " الفريد نوسيج" (1864-1943) وهو فنان نمساوي, من أوائل الدعاة للصهيونية, وكان عضوا في المؤتمر الصهيوني الأول (1897), وكان متشربا بالثقافة الألمانية, ومتحمسا لها, كما هو الحال في معظم الزعماء الصهاينة.
عمل جاسوسا للألمان, أثناء الحرب العالمية الثانية, ووضع خطة لإبادة اليهود المسنين والفقراء, وعند إحتلال بولندا, تم تعيينه في قسم الشؤون اليهودية, ورئيسا لشعبة الفنون اليهودية, واكتشفت المقاومة البولندية, تعاونه مع النازيين, وانه عضوا في "الجستابو" فاطلقت النار عليه عام 1943م.

ربما تجريدية الأيدولوجيا الصهيونية, وتجردها الكامل من الأخلاق والقيم الإنسانية, أدى لسلوك قادتها سلوكا تجاه بني جلدتهم, يتوافق تماما ويتسق إتساقا كاملا ومخيفا, مع منطق الإسطورة الصهيونية, وموضوع الشراكة الصهيونية النازية, ليستحق الدراسة بعمق اكثر, لانه لا يلقي الضوء على الحركة الصهيونية وممارساتها وحسب, إنما على الأيدولوجيا النازية ايضا, وعلى الثقافات والحضارات الرأسمالية كلها.

يتبع

أبدت كلا من الصهيونية والنازية, تفهماً كلا منهما للأخرى, فقد إستفادت الصهيونية من ممارسات النازية, واستفادت النازية من مزاعم الصهيونية وإفتراضاتها, ففي المناطق التي سيطر عليها النازيون في أوروبا, كان شعارهم هو " ليخرج اليهود إلى فلسطين", وانطلقت كلتا الأيدولوجيتين من فكرة وحدة اليهود, التي تتجاوز الحدود السياسية, وأن اليهود مجرد كيان منعزل, يمكن نقله في أي وقت, وكما وصفتهم النازية " أجانب موضوعين تحت الحماية, يمكن السماح لهم بالعمل مؤقتا, طالما أنهم في طريقهم إلى وطنهم القومي".
ويمكن فهم العلاقة النازية الصهيونية على أنها علاقة مركبه, وتعود على عدة عوامل, فعلاوة على الإشتراك في الأهداف, وهي رفض إندماج اليهود بشعوبهم, ونقلهم إلى فلسطين, يوجد الكثير من المنطلقات والمرتكزات المشتركة, والتي ارتكزتا عليها الأيدولوجيتان, منها :
الأصول الألمانية للزعامات الصهيونية مثل هرتزل ونوردو, اللذان كانا لا يتكلمان ولا يكتبان إلا بالألمانية, ويكنان الإعجاب للحضارة الألمانية, أما رواد الصهيونية من شرق أوروبا, فلغتهم كانت اليدشية, وهي رطانة ألمانيه أساسا, وكان اليهود يحترمون الحضارة البروسية النوردية او الآرية, ولا يكون إحتراما للحضارة السلافية, فعندما دخلت الجيوش الألمانية روسيا أثناء الحرب العالمية الأولى, خف اليهود الروس لإستقبالها, بوصفها محررة ومنقذة لليهود.ولم يكن من قبيل الصدفة أن تكون لغة المؤتمرات الصهيونية الأولى, هي اللغة الألمانية, وكانت تمثل التحدي الحقيقي للعبرية, حينما نوقشت لغة الوطن القومي, كما نشبت ما تسمى حرب اللغات, في المستوطنات الصهيونية في فلسطين.

تأثر الفكر الصهيونية بالفكر الرومانتيكي الألماني, فثمة مصادر مشتركه بين الفكرين, مثل أساطير العهد القديم, وتحويلها من أساطير دينية إلى عقائد سياسية, والنظريات العرقية, وفكرة الشعب المختار (الفولك), الفكر الإمبريالي, ولعل ما يميز الأفكار السياسية في الفكر الألماني الرومانتيكي, هو رفضها للعقل الإنساني, حيث تحل الرومانتيكية والخيال والحدس والماضي المشترك والجماعات العضوية محل التحليل الواقعي .
والصهيونية جزء من هذه الحركة الرومانتيكية اللاعقلانية, فالكتابات الصهيونية تموج بالإشارات التي تغلب العاطفة على العقل, واللاوعي على الوعي, والمطلقات الصوفية على الظواهر التاريخية.
وتعبر اللاعقلانية عن نفسها, في أشكال كثيرة وطرق عديدة, إهمها فكرة " الفولك " أي الشعب وروابط الدم والتراب العضوية, و"الفولك" كيان عضوي متكامل, وأبدي ونتاج لنمو السمات الفطرية, والحركة الصهيوينة بدأت تاريخها مع إكتشافها لليهود "كفولك", أي شعب له كيان جماعي, وله تاريخه الخاص, المتميز وسماته البيولوجية الخاصه به.
وقد إستفاد "مارتن بوبر" إستفادة كبيرة, من هذا المفهوم, وأعاد صياغة التراث اليهودي, من منظوره ونسب لليهود كل السمات الصوفية كالانفصال والتفوق, تلك الصفات التي ينسبها الرومانتيكيون الأوربيون لأممهم.

يفترض التصور الرومانتيكي, أن اليهود والألمان هم يهود وألمان, بغض النظر عن الزمان والمكان, وعن الحدود والكيانات السياسية التي يتواجدون بها, لأن إنتماء الإنسان السياسي ليس مهما, في وجهة نظر هذا التصور, فعلاقة الإنسان بالفولك شيء يعلو على المؤسسات السياسية, والإرادة والوعي الفرديين, لذا فجيمع الأشخاص المنحدرين من العرق الألماني, يجب أن يصبحوا مواطنين في الدولة الألمانية, بغض النظر عن أماكن تواجدهم,أي أن هوية الشخص تصبح (نازي – آري – ألماني ), حيث أن حقيقتهم الأساسية هي الألمانية, وتقابلها الفكرة الصهيونية في مسألة ولاء اليهودي يجب أن يكون لوطنه اليهودي فقط, وهويته ( صهيوني – يهودي – إسرائيلي ).

آمنت النازية بوجود "دياسبورا ألمانية", أي "شتات ألماني", تربطها روابط عضوية بالأرض الألمانية, وأعضاء هذا الشتات الألماني, مثل أعضاء الشتات اليهودي, تماما يجب أن يعملوا من أجل الوطن الأم, وبما أن العودة للوطن الأم أمر عسير, كما هو الحال مع الصهيونية, إقترح النازيون ما يشبه نازية الشتات, مثل يهودية الشتات, وكان للنازية ما يشبه المنظمة النازية العالمية, التي كانت لها صلاحيات, تشبه صلاحيات المنظمة الصهيونية العالمية, ولها مكانة في ألمانيا, تشبه إلى حد بعيد مكانة المنظمة الصهيونية العالمية.

عمقت كلا من النازية والصهيونية, الإعتزاز بالخصوصية القومية, وكره الغير, كما أكدتا البناء العنصري كتعبير عن البعد عن "الأغيار", وقد حولت الصهيونية "النبي عزرا" إلى بطل قومي, بعد أن جردته من ثوبه الديني, لأنه كان يعادي الزواج المختلط, فأصبح بطلا صهيونيا, يدافع عن التراث القومي, وقد أشار المنظر النازي ستراينجز أثناء محاكمته, إلى هذا التصور الصهيوني للنبي "عزرا" :" لقد أكدت دائما حقيقة, أن اليهود يجب أن يكونوا النموذج, الذي يجب أن تحتذيه كل الأجناس, لقد خلقوا قانونا عنصريا لأنفسهم, قانون عزرا الذي يقول ‘ إذا دخلت بلدا أجنبيا فلا تتزوجن من نساء أجنبيات ‘ " .

ويعبر "الفولك" في شكل أساسي هو الدولة القومية "للفولك", فالدولة ليست نتاج تعاقد بين الأفراد, كما هو التصور الفرنسي الليبرالي, وإنما يسبق الدولة وجود الأفراد, وسيطرت فكرة الدولة "الهيجلية" على النازية والصهيونية, "فهرتزل" كان معجبا بالدولة البروسية نموذج "هيجل" الشهير, وتقديس الدولة بالمعنى الحرفي, تيار أساسي في الفكر الصهيوني. فالدولة هي القيمة العظمى, وترفع إلى مصاف القيم المطلقة, وهذا مثال على تداخل المطلق بالنسبي والمقدس بالقومي في الفكر الصهيوني.

فكرة "الفولك" تتضمن وجود علاقة عضوية, بين الدم والتراب, أو بين الإنسان والأرض, وهذا يعني عدم إحترام الحدود السياسية, وضرورة التعامل مع الواقع, من منظور المجال الحيوي, وهذا يعني بطبيعة الحال, أن الحدود التاريخية أو المقدسة تحل محل الحدود السياسية.

ثمة موضوعات أخرى مشتركة بين النازية والصهيونية, تعود جذورها "للرومانتيكية الألمانية" و"فكرة الفولك", فقد اكدت النازية على أهمية التراث والأساطير الشعبية, وتحويلها إلى نوع من الدين, ومصدرا للقيم المطلقة, والتعبير عن خصوصية الشعب, ونظرت الصهيونية لليهودية بوصفها فلكلورا شعبيا, وتعبيرا عن العبقرية القومية للشعب اليهودي, وليست كمصدر للقيم الأخلاقية, ففكرة العهد بين الله والشعب المختار, والذي منح بموجبها الله أرض فلسطين لليهود, كانت الأسطورة الشعبية المفضله "لبن غوريون", التي يستخلص منها برنامجا سياسيا, ويقرر حدود دولته, مسترشدا بمفاهيم "العهد القديم", حيث كان يتصوره مصدرا للقيم المطلقة, بالرغم من أنه كان ملحدا.

وتشارك الصهيونية النازية فكرة "النبي", الذي يجسد المطلق القومي, وصورة "النبي العسكري" ( بن غوريون, الفوهرر), تسيطر على الوجدان الصهيوني والنازي, ومن الموضوعات المشتركه أيضا, فكرة "الشعب المختار", فعندما سئل "هتلر", عن سبب معاداته لليهود كانت إجابته :" لا يمكن أن يكون هناك شعبان مختاران, ونحن وحدنا شعب الله المختار, هل هذه اجابة شافية على السؤال؟".

أخذت العلاقة التعاونية الصهيونية النازية عدة مستويات وأشكال, منها الشكل الغير مقصود, مثل التصريحات الصهيونية, التي يستفيد منها النازيون, أو اللقاء العفوي في منتصف الطريق, مثل النشاط الصهيوني الذي يشجعه النازيون, إلى التعاون الواعي, الذي يفضي إلى مفاوضات, وعقد إتفاقيات, وصولا على شراكه كاملة في بعض النشاطات, علاوة على التعاون الفردي بين قيادي الحركتين.
فعلى صعيد الشكل غير المقصود, الذي استفادت منه النازية, مثل التصريحات والأفكار الصهيونية, فجميع هذه الأفكار والغيبيات والتصريحات الصهيونية, والداعية إلى الإنعزال, وعدم الإندماج, والتفوق العرقي, والتميز القومي, خدمت النازية في حملة الكراهية ضد اليهود, إذ قام النازيون بطباعة التصريحات والكتيبات الصهيونية, والتي كانت تشكل الأساس الفكري, التي تسلحت بها النازية, في الهجمات على اليهود, وقال "الفرد روزنبرغ" أهم منظري النازية, إنه جمع الكثير من أرائه, من الأدبيات الصهيونية, ومن المؤرخين الصهاينة, وأشار إلى دعوة "بوبر" لليهود أن يعودوا إلى أحضان آسيا.

ومن أشكال العلاقة بين الصهيونية والنازية, والتي تمت بشكل عفوي وفي منتصف الطريق لنشاط الجهتين, أن الصهيونية لم تهتم ولم تكترث, بأي شكل من أشكال المقاومه ضد النازية, بل وجهت جهودها إلى الإستيطان في فلسطين, في وقت كان يتقرر مصير اليهود في أوروبا, وأشار "كاوتسكي" إلى أن الملايين من اليهود في شرق أوروبا, الذين لم يكن ممكن تهجيرهم إلى فلسطين, وبدلا من تنظيمهم وتوجيه طاقاتهم, حتى يكونوا مهيئين للدفاع عن أنفسهم, فإن القيادات الصهيونية, ركزت على تهجير بضع مئات منهم, إلى أرض الميعاد.
بل أن المسألة تتخطى, مجرد عدم الإكتراث بمصير اليهود, إذ تبدو أن الصهيونية إكتشفت, أثناء الإرهاب النازي ضد اليهود, ذلك التناقض العميق بين فكرة الدولة اليهودية, ومحاولة إنقاذ اليهود في أوروبا, ففي حديث" إسحق جرينباوم" رئيس لجنة الإنقاذ بالوكالة اليهودية, للجنة التنفيذية لمنظمة الصهيونية العالمية, في 8 فبراير 1943م:" لو سئلت عما إذا كان من الممكن التبرع ببعض أموال النداء اليهودي الموحد لإنقاذ اليهود, فإن إجابتي ستكون قطعا كلا ثم كلا... إنقاذ اليهود يجعل النشاط الصهيوني في الدرجة الثانية....إن بقرة واحدة في فلسطين, أثمن من كل اليهود في بولندا".

وقد كشفت وثائق نازية صادرة في الثلاثينيات, من القرن الماضي, مدى التفاهم والإنسجام, ما بين الحركة الصهيونية والحكومة النازية, ومن هذه الوثائق توجيهات من الشرطة النازية, في 28 يناير 1935م وتحمل رقم (35420/18134), صادرة من الشرطة السياسية في "بافاريا", وخاصة بمنظمات الشباب اليهودي, وجاء فيها :"إن إعادة بعث المنظمات الصهيونية التي تدرب اليهود تدريبا زراعيا مهنيا قبل هجرتهم إلى فلسطين هو أمر في صالح الدولة النازية".
وجاء في توجيه آخر يحمل رقم (17186/18135), بتاريخ 20 فبراير ,1935 :" يجب حل المنظمات اليهودية التي تدعو إلى إبقاء اليهود في ألمانيا وقد منع مواطن صهيوني إسمه ‘جورج ليوبنسكر‘, من إلقاء الخطب عن طريق الخطر ولكن التوجيه الصادر برقم (19150/11351) يصحح هذه الخطأ, إذ صدر أمر بالسماح له بممارسة نشاطه لانه مدافع بليغ عن الصهيونية.... وتعهد بان يساعد على هجرة اليهود في المستقبل دون عوائق".

أشكال التعاون بين النازيين والصهاينة, لم تقف عند الشكل الغير مقصود, مثل التصريحات الصهيونية التي يتسفيد منها النازيون, أو اللقاء العفوي في منتصف الطريق, مثل النشاط الصهيوني الذي يشجعه النازيون, ولكن التعاون وصل على حد التعاون الواعي, الذي يتم عن طريق المفاوضات, وينتهي بعقد أتفاقية بين الطرفين تسمى إتفاقية "الهعفراة" عام 1933م, وهي كلمة عبرية تعني " النقل ", أي نقل السكان اليهود من ألمانيا إلى فلسطين, وهو الهدف المشترك و المثل الأعلى للنازيه والصهيونيه معا.
وبمقتضى هذه الإتفاقية, يصرح النازيون لليهود الألمان بالهجرة إلى فلسطين, وتفرج الحكومة النازية, عن أموال اليهود المحتجزة في ألمانيا, على أن توضع في احد بنوك ألمانيا, عن طريق شراء بضائع وآلات ألمانية, للمستوطنات الصهيونية في فلسطين, وذلك لكسر الحصار الإقتصادي الذي فرضه يهود العالم على البضائع الألمانية.
وكان من نتائج هذه الإتفاقية
• إستيراد خيرة الفنيين اليهود الألمان, والآلات الألمانية, التي كانت تحتاجها المستوطنات الصهيونية .
• إزدياد الصادرات الألمانية إلى فلسطين ثلاثة أضعاف, من عام 1932م إلى 1937م, من 11 مليون مارك إلى 32 مليون مارك.
• عند نشوب الحرب العالمية الثانية, كان يتبع "الهعفراة" 12 الف حساب مصرفي, وتتعامل مع 160 بنك, وقامت بنصف مليون عملية مالية, وبلغ ما حولته ما يعادل 140 مليون مارك.
• أنعشت "الهعفراة" إقتصاديات المستوطنات الصهيونية, ويقال أن هذه الفترة, هي التي تدعم فيها الأساس الإقتصادي للمستوطنات, وأدت إلى إفساد البناء الإقتصادي للمجتمع الفلسطيني, وليس من قبيل المصادفة أن تندلع تورة 1936-1939 في أعقاب تنفيذ إتفاقية "الهعفراة".
• كان لتنفيذ الإتفاقية, إنعاكسات طيبة, على الإقتصاد النازي, أيضا حيث نجحت في كسر الحصار اليهودي, على السلع النازية.
• هاجر إلى فلسطين بمقتضى معاهدة "الهعفراة", اكثر من 60الف يهودي, ما بين أعوام 1933-1939.

وبلغ التعاون الصهيوني النازي ذروته, ووصل إلى درجة الشراكة الكاملة, في الهجرة الصهيونية, فقد ساهم "الجستابو" وفرق "الأس أس" في عمليات الهجرة الصهيونية, وذلك على النحو التالي: حين حددت سلطات الانتداب البريطاني, عدد اليهود المسموح لهم بدخول فلسطين, ساهمت وزارة الإقتصاد النازية في عملية الهجرة على النحو التالي:
• تودع أموال المواطنين اليهود, الراغبين في الهجرة, في أحد البنوك.
• تقوم المنظمة الصهيونية / الوكالة اليهودية, بشراء بضائع ألمانية بقيمة هذه الأموال.
• تقوم المنظمة الصهيونية, بدفع مبلغ من المال للمهاجر اليهودي, مما يجعل من السهل تصنيفه, على انه رأسمالي, الأمر الذي ييسر له دخول فلسطين, تحت فئة الرأسماليين, إذا كانت نسب الفئات الأخرى لا تسمح له بذلك.

وإلى جانب التعاون التنظيمي المعلن, توجد حالات من التعاون الفردي غير المعلن, مثل حالة "رودولف كاستز" (1906-1957) احد زعماء الحركة الصهيونية, في رومانيا والمجر, والقيادي في حزب "الماباي" في إسرائيل.
فقد كان مسؤولا عن إنقاذ المهاجرين اليهود, في بولندا وتشيكوسلوفاكيا, وارتبط بعلاقات مباشرة مع القيادي النازي "إيخمان", حيث نتج عن هذه العلاقة, إرسال ‘1386‘ يهوديا من معسكرات الإبادة إلى فلسطين, ( يهود من أفضل المواد البيولوجية على حد تعبير "إيخمان") وذلك من أجل أن يسود الهدوء, بين اليهود المرحلين إلى معسكرات الإبادة, حيث تنتظرهم أفران الغاز, ويبدو أن "كاستز" قد نفذ ما يخصه من الصفقة, حين أقنع اليهود, الذين تم نقلهم بالقطارات إلى معسكرات الإبادة, بأنهم ذاهبون إلى أماكن أخرى يستقرون بها, وثمة نظرية تقول أنه كان من المستحيل, على النازي شحن هذه الألاف المؤلفة, من اليهود دون تعاون القيادات الصهيونية.
إستوطن "كاستز" في إسرائيل, وأصبح محررا لإحدى صحف حزب "ماباي" اليساري الحاكم في إسرائيل, ولكن في العام 1953م, تم توزيع منشورا يبين تعاون "كاستز" مع النازيين, ودفاعه عن احد الضباط النازيين أثناء محاكمة "نورمبرغ", وعلى الرغم من دفاع "الماباي" عن "كاستز" إلا أن المحكمة أقرت بصحة المنشور, وانتهت حياة "كاستز" برصاصه في رأسه, في أحد شوارع تل أبيب لتدفن إسرائيل وحزب "الماباي" قصته مع جثته.

ومن أشهر حالات التعاون الفردي, بين النازية والصهيونية, أيضا حالة " الفريد نوسيج" (1864-1943) وهو فنان نمساوي, من أوائل الدعاة للصهيونية, وكان عضوا في المؤتمر الصهيوني الأول (1897), وكان متشربا بالثقافة الألمانية, ومتحمسا لها, كما هو الحال في معظم الزعماء الصهاينة.
عمل جاسوسا للألمان, أثناء الحرب العالمية الثانية, ووضع خطة لإبادة اليهود المسنين والفقراء, وعند إحتلال بولندا, تم تعيينه في قسم الشؤون اليهودية, ورئيسا لشعبة الفنون اليهودية, واكتشفت المقاومة البولندية, تعاونه مع النازيين, وانه عضوا في "الجستابو" فاطلقت النار عليه عام 1943م.

ربما تجريدية الأيدولوجيا الصهيونية, وتجردها الكامل من الأخلاق والقيم الإنسانية, أدى لسلوك قادتها سلوكا تجاه بني جلدتهم, يتوافق تماما ويتسق إتساقا كاملا ومخيفا, مع منطق الإسطورة الصهيونية, وموضوع الشراكة الصهيونية النازية, ليستحق الدراسة بعمق اكثر, لانه لا يلقي الضوء على الحركة الصهيونية وممارساتها وحسب, إنما على الأيدولوجيا النازية ايضا, وعلى الثقافات والحضارات الرأسمالية كلها.

يتبع



#خالد_أبو_شرخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصهيونية (14).. وجه آخر للاسامية
- الصهيونية (13).. العلاقة مع الدين اليهودي
- الصهيونية (12).. تغييب العربي عامة والفلسطيني خاصة
- الصهيونية (11).. اليهودي النقي
- الصهيونية (10).. رؤى عنصرية
- تعقيباً على الإبراهامي والحافظ
- الصهيونية (9).. السمات الإستعمارية
- الصهيونية (8) .. أيدولوجية أم حركة تحرر قومي
- الصهيونية (7) .. وليدة الإمبريالية
- الصهيونية (6)..هزيمة العقل التنويري اليهودي
- الصهيونية (5) .. حركة التنوير - الهسكلاة -
- فيتوريو إبن فلسطين, فلترحلوا يا إرهابيين
- من حجارة فلسطين وياسمين تونس إلى مصر البهية
- الصهيونية (4) .. الإضطهاد والمساواة
- دولة القانون بدون قانون
- الصهيونية (3) .. الدين اليهودي
- الصهيونية (2) .. الجيتو
- صخب هاديء مع يعقوب إبراهامي
- الصهيونية (1)..نشوء المسألة اليهودية
- من الذي تغير؟,, نحن أم الصهيونية؟


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أبو شرخ - الصهيونية (15).. الشراكة مع النازية