أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - كلمة شكرا















المزيد.....

كلمة شكرا


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3453 - 2011 / 8 / 11 - 11:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كان بإمكانها أن تقول لي شكرا.

بعض الكلمات مقرفات جدا.. وبعض الكلمات تجعلك تشعر بالملل وبالاكتئاب,وبعض الكلمات يجعلنكَ تشعر بأنك سخيف وبلا قيمة ولا تستحي على دمك ..وبعض الكلمات مطاطات مثل المطاط الذي يمط أضعاف حجمه الطبيعي وبعض الكلمات فيهن تهديد لحياتك ولسلامتك الشخصية وينذرنك بالخطر من قريب أو من بعيد ولا تحتملهن لا الأذن ولا العين, وبعض الكلمات لا نستطيع أن نستعملهن إلا بعد أن نفكر طويلا بهن حتى كلمة(الحب) نقولها بعد تفكير طويل وتتسبب لنا في أغلب الأحيان بالأذى إلا كلمة (شكرا) فلا نفكر فيها وفي غيرها من الكلمات قبل أن تخرج من الفم.. وبعض الكلمات المتكونة من حرفين أو ثلاثة أحرف تجعلنا نقف صامتين قبل النطق بهن لكي لا يفهمهن المستمع بالشكل الغلط فقبل أن ننطق بهن نعد للعشرة وأحيانا للمليون إلا كلمة شكرا نقولها كلنا ونحن مطمئنون دون أن نقلق ودون أن نخاف أو دون أن نخجل .

فهنالك كلمات في أي لغة من لغات العالم من النادر أن ننطق بهن أو من الصعب النطق بهن وأنا أو أنت لا يستطيع لساننا أن ينطق بهن إلا بعد تفكير طويل ومرير فكثيرةٌ هي الكلمات التي تسببت بجرحنا من الداخل جروحا من الصعب أن تشفى وأن تلتئم بعكس الجروح الخارجية التي تشفى نهائيا دون أن نتناول أحيانا أدوية لتلتئم , وبعض الكلمات تسببت بإشعال الحروب بين الأصدقاء وبين الأقرباء وبين الأزواج وحتى بين الدول إلا كلمة شكرا كانت وما زالت حلا لكثير من المعضلات والمشاكل وأحيانا كلمة صغيرة تتسبب لنا بتلبك حين نحتار في عملية تفسيرها وقد تقال لي ولك فنحتار طوال الليل ولا ننام منها فكم من الكلمات التي قيلت لي في حياتي قد تسببت بقلقي وبقلة النوم وبقلة الراحة وتسببت لنا جميعاً بمشاكل كثيرة ليس لها أول وليس لها آخر إلا كلمة شكرا فهي تستطيع أن تحل بها أكثر المشاكل تعقيدا في الحياة فكلمة شكرا تستطيع أن تستعملها في كل المناسبات ولمختلف الأجيال والأعمار, فتستطيع أن تقولها للمرأة الصبية بشكل رسمي وللصبي الذي يمشي على أربعة أرجل وللصبي الذي يمشي على اثنتين وللكهل الذي يمشي على ثلاثة أرجل وتستطيع أن تقولها للشاب البالغ وللمراهق حين تزعجك تصرفاته وحركاته الصبيانية وتستطيع أن تقولها لزوجتك ولأمك ولعشيقتك تعبيرا عن كثرة الصد واللوعة والهجران , وكلمة شكرا تجعلنا نفهم ما يقصده القاصد دون أن تفكر في كيفية استعمالها لأنها الكلمة الوحيدة الصالحة لكل زمانٍ ومكان ولكل الأجيال والأعمار وتستطيع أن تقولها دون أن تتسبب ببعض المشاكل لك أو لي, وكل شخص تقولها له يفهم منها فورا ما ترمي إليه سواء أكنا ترغب به أو لا ترغب, فأنا مثلا أقولها لكل الناس وأيضا كل الناس تقولها لي "شكرا لك" دون أن يفكروا في معناها لأنها لم تتسبب في أي يوم من الأيام في خلق المشاكل, وهي الكلمة الوحيدة التي توفر عليك كثرة الكلام وتريح القلب واللسان واليدين فبعض الكلمات تنطق بها أنتَ وأنت تحرك بيديك وتشوح بهن وتلوح بهن لكي يفهم المستمع عليك, وبعض الكلمات تحتاج إلى الغمز بالعينين أو للغمز بعين واحدة لكي يفهم المستمع عليك إلا كلمة شكرا تستطيع أن تقولها وأنت مغمض العينين وتستطيع أن تقولها وأنت متكأ على وسادتين وتستطيع أن تقولها وأنت مُكتف اليدين والرجلين أو وأنت تضع يديك في جيوبك, وتستطيع أن تقولها وأنت تقود بسيارتك وتستطيع أن تقولها للذي يقوم بتسليمك راتبك الشهري أو للذي يسدي لك في أي خدمة, وتقولها أيضا للجراح الذي يشق بطنك بالسكين تعبيرا منك عن امتنانك له, وتستطيع أن تقولها معبرا عن استيائك للذي يرفع في وجهك السكين ليؤذيك وتستطيع أن تقولها لجراح الأعصاب الذي يفتح رأسك بالمشرط, وتستطيع أن تقولها لماسح الأحذية وتستطيع قولها للحلاق الذي يحلق رأسك بعد أن تسمع منه كلمة(نعيماً), وتستطيع أن تقولها وأنت مستيقظ وتستطيع أن تقولها حتى وأنت نائم على الكرسي أو في الفراش وهي, وتستطيع أن تقولها للفقير وللغني وللوزير وللموظف البسيط , وهي الكلمة الوحيدة التي لا تقال لطبقة اجتماعية عن سائر الطبقات فالكل فيها سواسية, وهي التي تجعل صاحبك أو عدوك صامتا منها حين يسمعها خارجة من بين شفتيك , ولو قمنا بإجراء استطلاع عام على أكثر كلمة مستعملة ومتداولة بين الناس سواء أكان الاستطلاع في الشارع العام أو في المؤسسات الحكومية أو في داخل بيوتنا أو على أجهزة الاتصال وشبكة النت العنكبوتية لوجدنا أن أكثر كلمة مستعملة هي كلمة (شكرا) وهي تقريبا مساوية لكلمة(أنا) فكلمة أنا أيضا كثيرة الاستعمال ولكن كلمة شكرا تفوق عليها بالعدد وبالدلالات اللغوية ومعاني الدلالات حيث تتردد بالمليارات على ألسنة الناس, لأنها تقال وتستعمل في كل المناسبات المفرحة والمحزنة والمبكية جدا والمخجلة(الخجولة) وهي أيضا تستعمل من دون أي مناسبة فتستطيع أن تقول للذي يفسح لك الطريق (شكرا) وتستطيع أن تقولها للذي يضيق عليك الطريق وتستطيع أن تقولها لمن تعرفه ولمن لا تعرفه, وتستطيع أن تقولها لنفسك قبل أن تقولها للناس, وتستعمل كلمة شكرا للسخرية من بعض المواقف حين لا تجد أحدا مثل يقف معك أو يشاركك همك من الأصدقاء ففي مثل هذه الحالة تسخر من الجميع حين يسمعونك تقول لهم(شكرا يا جماعة) وتستعمل أيضا بعكس السخرية حين يشاركك مصيبتك أو حزنك أصحابك وأقربائك فتقول لهم (شكرا يا جماعة) معبرا بذلك لهم عن فرحتك بهم وتستطيع أن تقولها للذي تعرفه وللذي لا تعرفه وتستطيع أن تملأ بها فمك ليلا ونهارا, وتستطيع أن تقدم بها التعازي والأفراح في نفس الوقت, وهي الكلمة التي استعملها نزار قباني حين رثا زوجته بلقيس(شكراً لكم شكراً لكم فحبيبتي قتلت وقصيدتي اغتيلت)معبرا بذلك عن غضبه وعن توجيه التهمة للجمهور الحاضر وللجمهور الغائب بالتسبب بمقتل(بلقيس زوجته) فكان هنا نزار قباني ساخرا وليس مادحا وراثيا لحاله وحال الأمة العربية, وتستعمل كلمة شكرا للذي يساعدك فبعد أن ينتهي من مساعدتك تصافحه وتقول له(شكرا) معبرا عن احترامك له وتقديرا منك لجهوده وتستطيع أن تستعملها لرفض المساعدة فحين يريد أي شخص أن يقدم لك المساعدة وأنت مثلا لا ترغب بمساعدته تستطيع فعلا أن تمنعه من خلال رفع يدك له من بعيدٍ أو من قريب وأنت مبتسماً جداً أو عبوسا جداً قائلاً له (شكراً لك) فيفهم من هذه الكلمة أنه مستغني جدا عن خدماتك, وحين تبلغ السن القانوني للتقاعد عن العمل من المؤسسة أو الشركة أو الوزارة التي تعمل بها يعطونك في نهاية الخدمة كتاب شكر على ما قدمته من جهود في خدمة المؤسسة, وأنا شخصيا قبضت مئات رسائل الشكر من مؤسسات كثيرة على مشاركاتي الثقافية دون أن أقبض ولو فلساً أحمرا, فكلمة شكرا هنا تستعمل لتخفيض النفقات المالية فبدل أن تعطيني مكافأة مالية على جهودي تستطيع أن تعطيني كتاب شكر على ما قدمته وما أنجزته من أعمال وأنا أو أنت نتقبل هذا الكتاب بما فيه من تقريع ونفخر به ونفرح به في بعض الأحيان أكثر من فرحتنا بالدفع النقدي.

إن أكثر كلمة سمعتها في حياتي وما زلت أسمعها وسأسمعها لاحقاً هي كلمة(شكراً) فكلمة شكراً تغنيني وتغنيك عن كثرة الكلام ويقول علماء اللغة بأن كلمة شكراً تعويضا عن جملة طويلة مختصرة في كافة لغات العالم وتشترك مع شكرا في اللغة العربية كلمة(يومئذٍ) فحركة التنوين الإعرابية تكون هنا تعويضا عن جملة مفقودة,وكلمة شكراً في نهايتها تنوين نصب يفهمها القائل والمستمع معا وهي مشتركة في ذلك ومتشابكة مع كل لغات العالم وكلمة شكراً ليست فقط في اللغة العربية فهي في اللغة الإنكليزية وفي كافة لغات العالم أيضاً وفي كافة لغات العالم نجدها أفضل كلمة وأبسط كلمة وأسهل كلمة, وهي تغيض عدوك وبنفس الوقت تجعل صديقك مبسوطاً منك, حتى في تقديم التعازي إذا احترت في كيفية الرد على معزيك تستذكر فورا كلمة(شكرا) وفي الأفراح حين يهنيك المهنئون فتستعمل كلمة شكرا,وكلمة شكرا هي الكلمة الوحيدة في كل لغات العالم التي تستعمل في كافة المناسبات.


وأنا أستطيع أن أكتب عنها ليس مقالا بل كتابا متوسط الحجم من ألف صفحة وهي مناسبة جدا للأفراح وللأحزان وللتجارة وللتسوق وللمدح وللذم, فلو ذهبتُ أنا إلى أي محل تجاري وسألت عن بضاعة أبتاعها لقلت لصاحب المحل شكراً سواء وجدتُ ما أبحث عنه أو لم أجد وإذا واجهني في الطريق العام بائع متجول أقول له كلمة(شكرا) حين لا أريد أن أشتري منه وأقول له أيضا شكرا بعد أن أشتري منه,ولو شتمني أحد أستعمل معه كلمة(شكرا لك) أو (شكرا) لوحدها دون أن أزيد عليها حرفاً واحدا ودون أن أنتقص منها حرفاً واحداً معبرا بذلك عن ألمي وعن أسفي الشديدين, وهي سلسة جدا وتنساب جدا من اللسان إلى أذن المستمع, وتستطيع أن تشعرك بالدفء وببرادة الوجه حين تقال لك من شخص غضبان عليك,وتستطيع أن تشتم بها أي أحد حين يسيء لك فترد عليه بكلمة شكرا, عندها يتوجع قلب السامع لها ويأتيك معتذرا.

وشكرا لكم على القراءة.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دنيا ودين
- ذاكرتي تؤلمني
- يقتلون الرجل للدفاع عن الشرف
- المرأة تلعن والرجل يغضب
- لم يذكر القرآن المحامين والمحاكم
- أنا أسعد رجل في الحارة
- الدرس الخامس:مشاعري وأحاسيسي في رمضان
- لغة الحمير
- الدنيا تعاسه والموت سعاده
- الدرس الرابع:ثقيل الدم
- صديقي قاسم في ذمة ألله
- لله في خلقه شؤون
- الدرس الثالث:الكوميديا الاسلامية
- الدرس الثاني:فتح مكة
- دروس رمضانية, الدرس الأول.
- أنا أكثر من شخصية واحدة
- هل أنا عبد ألله أم ابن الله؟
- عربي يكره الحياة
- من حقي أن أشعر بالتغيير
- رحلتي مع الحوار المتمدن


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - كلمة شكرا