عبدالله الداخل
الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 6 - 23:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
11
إذا شعرتَ بسعادةٍ غامرة لتحررك من الخوف ومن الحزن والفوضى الفكرية بعد انحسار الدين من رأسك فهذا التحرر الفردي غير كافٍ للوصول إلى السعادة "الغامرة" الحقيقية. إن سعادتك هذه سعادة ٌ خاصة جداً، سرّية في الغالب، ومؤقتة. لأن السعادة الغامرة الحقيقية هي في تحرر الكوميُنِتي: وتحرر الكوميُنِتي لا يعني فقط تحرر الأفراد من الدين بل تحرر المجموعات البشرية من حماة الدين الطبقيين: الرأسمالية الغربية وأنظمة الدول الدائرة في فلكها في الشرق. فتحرر الفرد من الدين، قبل التحرر الإقتصادي والسياسي للمجتمع، يعود للنشاط الفكري الخادع لبعض المفكرين الذين يصح جداً إعتبار أن نتاجهم يقع ضمن العلمزيف بسبب الإخلال بأولويات العصر.
12
إذن فالعلمزيف له وظيفة أخرى، إضافية، تميّزه كبديل للدين: إنه صمام الأمان المفضل للضغط المجحف الذي يسببه الدين.
13
إن الفوضى الرأسمالية المتفاقمة سوف تتوسع دائرتـُها كلما أسرعت الرأسمالية بالبشرية نحو الهاوية، وكلما ازدادت الدائرة اتساعاً ازدادت سرعة الدوامة. الرأسمالية الغربية تحقق أقصى الأرباح من رأس المال المالي وبكل صنوف السرقات العلنية في وضح النهار خاصة من الشعوب الفقيرة بالاضافة الى شعوب بلدانها وذلك في أقصى ظروف البؤس لمعظم البشرية وخاصة في البلدان المتخلفة وسط تضاعف سكان العالم . إنها تفتح صمامات الأمان هنا وهناك حسب الضرورة ووقتما تشاء كبار المؤسسات الرأسمالية في الدول الرأسمالية الكبرى أو حليفاتـُها الإقطاعيات أو البورجوازيات المتعفنة، الحاكمة في الدول المتخلفة.
العلمزيف هو أحد هذه الصمامات.
لكن سوف يأتي اليوم الذي لن ينفع فيه فتح جميع الصمامات حتى ولو في وقت واحد.
هذا هو أكبر الأخطار القادمة التي تحيق بمستقبل البشرية القريب.
14
يصح القول أن معظم العلمزيف هو مجموعة الأوهام التي التي تبثها الرأسمالية ومستخدَموها في العالم كله بشكلٍ سري بواسطة منظمات غفيرة، دينية وسياسية وغيرها، وبشكل علني من خلال وسائل الاعلام، وهو ذو صفتين: الأولى طبقية، حيث يتم خداع الطبقات الفقيرة عموماً، والثانية علمية: حيث يتم التركيز اليائس، المتهوّر، على محاولات تفنيد نظرية النشوء والارتقاء والتصدي لمسيرة العلم التي لن تتوقف والتي تلتقي بكل تأكيد بالعملية الحتمية للعدل المجتمعي التي ستتطور بدورها إلى المساواة المطلقة في بعض نهاياتها المنظورة.
15
لا يحاول العلم متعمّداً إثبات عدم وجود الله، إلاّ إذا كان هناك سؤالٌ واضح ومباشر يتم توجيهه إلى أحد العلماء، حيث يكون عادة على نطاق ضيق جداً، فتلاقي الإجابة عنه إهمالاً واضحاً.
لكن العلمزيف يعمد دائماً وبشكل مفتعل، بتخطيط دقيق وميزانيات مالية هائلة، وعلى جميع مساحات الإعلام الطبقي، الرأسمالي-الإقطاعي، وبمناسبة وبدونها، وباستفزاز ووقاحة ومختلف أساليب الغش والافتراء على الواقع، الذكية منها والغبية، بضمنها استخدام الحقائق العلمية في الفيزياء والرياضيات والأحياء وغيرها، والتي أصبحت بديهياتٍ بعد أن عجز الدين عن تشويهها أو إيقافها بالاضطهاد (مضافاً إلى ذلك محاولات غفيرة جداً في القصة والأدب والفن عموماً أيضاً، وما يجري من "تثقيف" في الكنائس والجوامع و"المعابد" الأخرى) - يعمد إلى خلق عالم في منتهى الغرابة واللاواقع كانت الأديان قد بدأت رسمه في مرحلة الطفولة البشرية ثم جاء العلمزيف مؤخراً ليضع الرتوش الضرورية، المناسبة له حضارياً!
16
يبدو لي أن كثيراً من مقالات العلمزيف تـُكتب في الكنائس بعد انتهاء صلاة الأحد!
17
يُعطـَى العلمزيف للجمهور على شكل جرعات مدروسة يتم توقيتها على ضوء إحصائيات تتناول مقاطع عرضية لمجموعات السكان المختلفة تقوم بها جهاتٌ دينية لمعرفة نسب "الإيمان" Faith، أي تماماً كما يحدث قبل وأثناء الإنتخابات "الديمقراطية"!
18
تنصب محاولات العلمزيف "العلمية" في الفيزياء على وصف الكون باستخدام حقائق علمية ثابتة لا سبيل إلى إنكارها؛ مثلاً كروية الأرض ومعلومات عن المجموعة الشمسية ووصف درب التبانة والمجرّات المجاورة، وبهذا تتحقق تنسية الناس لحقائق تأريخية منها أن الذي كان يقول بكروية الأرض كان يتم حرقه من قبل رجال الدين، وأمام حشود من الناس يُجبرون على الحضور والمشاهدة "لكي يتعظوا"، أي بقصد الإرهاب.
اليوم تـُربَط هذه الحقائق بـ"الخالق" حيث يتم تفسير الكون على أنه معجزة miracle من الله، تضم معجزات صغيرة لا تحصى.
19
ليس الله المشكلة الكبرى التي تواجه البشرية في عصرنا، ولا العلمزيف ولا الدين. هذا ما يبدو على السطح. هذه أشياء مترابطة وتكاد تكون واحدة، أداة واحدة بيد من يمتلكها: الرأسمالية التي ورثت الله والدين من الإقطاع وطورت العلمزيف لمنافسة العلوم الحقيقية التي تقوم بشكل ثابت ومتواصل بنقل العقل البشري نحو الحقائق المطلقة في كوكبنا والمبنية على التجريب.
20
يقول ملخص كتاب كرس موني (بقلم كاتب هذه الملاحظات)
Chris Mooney, the Republican War on Science, Basic Books, 2006
يقول ما يلي
يتعرض العلم في الولايات المتحدة الأميركية الى ما يلي: (باختصار)
1- الإضعاف والتشويه، والادعاء بأن الداروينيات والتطور البيولوجي هي "مجرد نظرية" ، بالمفهوم العامي لكلمة "نظرية"، ويشترك في هذا الهجوم الساسة وعلماء "نظرية الخليقة" ووسائل الاعلام ورجال الدين.
2- القمع، ويتمثل بالغاء التقارير العلمية او تشويهها لأغراض سياسية وهذا يسئ الى سمعة العلم اساءة جدية.
3- استهداف العلماء كأفراد بحجة شؤون أمنية.
4- التلاعب بالعملية العلمية: من خلال ممثلي السلطة، حشر مؤيديهم السياسيين في اللجان الاستشارية، تغيير القوانين وغيرها.
5- التغليط وتحريف الحقائق وتشويه الاعمال العلمية.
6- تضخيم الشك العلمي (مبدأ الريبة ومواصلة الإثبات) وتزييف معناه النبيل، وذلك لجعل الشك ذاتهِ يشمل اموراً أنفق العلماء سنين طويلة لإثبات صحتها، كمسألة النشوء والإرتقاء وتطور الأجناس، وهذا قد سبب ويسبب الأذى والإساءة الى العلم.
7- استحداث وتوطيد "العلم" النقيض : يتمثل بجهود بعض الصناعات (كشركات التبوغ) والفئات السياسية والدينية لتوليد "العلم البديل" لخدمة اغراضها، ويتجلى ذلك بالانفاق بسخاء على كتابة مقالات مزيفة ذات طابع علمي ونشرها في الادبيات العلمية الدورية. ان غزارتها ومظاهرها العلمية جعلت فلاسفة العلم يجدون صعوبة في رسم خط واضح بين العلم الحقيقي من ناحية وبين العلم المزيف والشعوذة والدجل من ناحية اخرى.
(إنتهى ملخص الكتاب، راجع مقال "ثنائية العلم والدين في فكر الإنسان المعاصر" في الحوار المتمدن بتأريخ 28-8-2007)
لا بد من التساؤل:
هل أن العلم في الولايات المتحدة يتعرض إلى هذا الإرهاب أثناء حكم الجمهوريين فقط أم أنها سياسة عامة للحزبين اللذين يتناوبان الإدارة الأميركية؟
إذن نحن بحاجة إلى معرفة كافة تفاصيل إضطهاد العلم في الولايات المتحدة والعالم، الذي يتم على أسس طبقية من قبل الرأسمالية الأميركية وما يدور في فلكها في الدول المتخلفة.
#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
