أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد علي الشبيبي - 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 14















المزيد.....


4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 14


محمد علي الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 3438 - 2011 / 7 / 26 - 01:49
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


من (ذكريات معلم) للراحل علي محمد الشبيبي (1913 – 1997)



انقلاب 18 تشرين الثاني 1963

حلمٌ، وواقع وحدث ...
معي ولي سابق مع الأحلام. ومع هذا لا أستطيع أن أتشدق برأي من عندي حسبما صادفت من رؤى تحققت، وبأسرع ما أتصور. بعضها ليس لي علم عنه بسابقة، أو في نفسي حول من كان حلمي عنه. أيّ خاطرة، من توجس محذور، ولكن الحلم وكان رمزياً استطعت حله، وعراني كدر. وبعضها كان صريحا في دلالته، وهو يشير إلى ما نعانيه ويعانيه غيري. ولكن كيف جاء ما يشير إليه كما يهوى المتمنون؟
في الحلم ليلة 12/11/1963، أبي يملي عليّ -بعد أن أمرني بإحضار قرطاس وقلم-. قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وان محمدا رسول الله، واني احتكم إلى الله من حكومة "نوري" فهو الحكم الحق. ثم يطلب مني تقديمها بريديا إلى الحكومة. صباحا حين خرجت التقيت برجل من الأخيار، كان يحبني، وسبق أن ساعدني بقرض. صرت أقص عليه الحلم، وهو يصغي بانتباه. قال الرجل وهو عامي. أسم والدك الشيخ "محمد" وهو اسم النبي كما انه واعظ جليل، وهو الآن بجوار ربه الكريم، فظهوره لك في الحلم، يعني أن حلمك -سيتحقق-!.
اقتربنا من صيدلية -كربلاء- سكنت أصوات الراديو فجأة، ثم دوى صوت المذيع. بيان الحاكم العسكري! يمنع التجوال لأشعار آخر! بعد هذا أذيع إن الحكومة تمكنت من سحق المتآمرين. وإفشال ما كانوا يخططون له، وإلقاء القبض على قادتهم. لم نفهم من كل هذا شيئاً، إلى من يشير؟ صاحبي أستعجل وعلق: انه ليس حلما. أنه وحي -رحمك الله شيخ محمد-.
بعد ستة أيام في 18/11 أذيعت جملة بيانات. منها حل تشكيلات الحرس القومي، مع توجيه كثير من التهم لهم. ووجوب تسليم أسلحتهم للجيش أو الشرطة. وعلى الأثر سمعنا دوي الرصاص في كربلاء. حاول كثير من الحرس المقاومة والامتناع عن تسليم أسلحتهم.
وصدر أمر منع التجول في عموم العراق. وكذا أعلن: إن من يؤوي حرسا ومن يخفي سلاحا، يعاقب. وأغلقت المطارات والحدود، وأوقف القطار. وعاد الناس هم الناس الذين عرفناهم، صفقوا لهذا النبأ، وأعلنوا الفرح كما صفقوا لنبأ انقلاب 8 شباط 1963 وتظاهروا اليوم، كما تظاهروا بالأمس وتسابقوا في إرسال البرقيات فأذيعت متتالية تأييدا للسلطة الجديدة، ورجل الحكم الجديد عبد السلام عارف. كل هذا غير عجيب. والأسباب الحقيقية هو أن شعبنا لم يُعوَد على الحرية عن طريق الديمقراطية، وكانوا يرهبون كل حكم وحاكم فهم يتملقونه تستراً على حالهم ومن أجل سلامتهم. يعني أنهم علموه بتنافسهم هذا أن يكون منافقاً.
عبد السلام؟! باسمك -هؤلاء الذين قلبت لهم ظهر المجن- يهتفون في شوارع العاصمة (باسمك يا سجين نحقق الوحدة). لقد خنت الإخاء، وتنكرت للذين ولّوك قيادهم وأولوك اهتمامهم ولكنك ضربت ألغازا وأحاجي تشير إلى حقيقة نواياك، بينما الناس اعتبروها توافه من تافه (طاسه ابسط طاسه والبحر ركاسه!؟). ولقد منح نفسه صلاحيات واسعة لمدة عام. وقال الناس: إن كل ذلك تم بجهود حردان التكريتي!
والجدير بالذكر إن القاهرة لازمت الصمت! ثم أصدرت بيانا حددت موقفها. بينما أعلنت دمشق سخطها! وأصدر الحاكم العسكري بيانا يمنع تدخل المواطنين بالبحث عن المشبوهين من الحرس القومي!؟. ثم رفع منع التجول في 19/11. ولكن ماذا عن أمثالي وعني؟
أول الخير نالني من الحكم الجديد، هو أن معاون أمن كربلاء منعني من السفر إلى بعقوبة لأتسلم نصف الراتب، وحين أرسلت ابني نيابة عني انزله شرطي الأمن من السيارة وسلمه إلى مفوض الأمن عبد الجبار السيد علي هذا الذي قدمني إلى المعاون، وهو يمسك يدي بقبضته بقوة ويلهث: سيدي، إذا سقطت حجارة في بيت قول مِنْ هذا، إذا اجتمعوا شيوعيين قول في بيت هذا، إذا طلعت مظاهرة قول مِنْ هذا، ذوله كعبة الشيوعية، كل الشيوعيين أعترفوا إلا هذا!؟
هذا المعاون عليه سكينة وبين حاجبيه أثر السجود، ولكنه -كما يبدو لي- غبياً إلى أبعد الحدود. فهدد وشدد إن أنا حاولت السفر. فلم أجد بداً من محاولة مواجهة المتصرف -المحافظ- حسن حاج وادي واستطعت ذلك. انبسط الرجل، وأنا أقص عليه حكايتي التي ختمتها. إن عائلتي الآن تتألف من سبع بنات وولد، وأنا وأمهم، فأن أصر المعاون لا مانع لدي أن أتوجه بتظاهرة، أحمل لافتة، أكتب فيها: أحجرونا في موقف الشرطة أو أبنوا علينا بنيانا مادمتم تمنعون عنا أن يأتي أبونا بمورده الوحيد!؟ قال الرجل غداً في مثل هذا الوقت أعطيك نتيجة، سأكلمه. وتأوه وقال: المؤسف إن كل عهد نجد فيه السلطة تعتمد على هؤلاء، وهؤلاء صار بيدهم القدح والتنزيه، كل فئة تنتصر تنعم عليهم، فيزيدون تنكيلا بالخصوم، حتى يملأوا السجون والمواقف، ويشغلوا الحاكم، ويزيدوا العوائل تعاسة، والأطفال يتما، وذلة، وهم في مأمن في كل العهود! وحسن حاج وادي من أهالي الديوانية وكان شابا وقوراً متبسطاً.
وجئت ثانية بناء على ما أبلغني به مدير التحرير عن المتصرف. لكن المعاون -كما قيل- كان مشغولا بالتحقيق مع جعفر السوداني بتهمة مساعدته للمتهم ألحرسي الهارب كاظم الفرطوسي. وفي هذه الأثناء أنزل من سيارة الشرطة حسين الصافي الذي كان متصرفا في لواء الديوانية، دخل يقوده مفوض شرطة، كان ذليلا وقد سيطر الرعب عليه. حسين الصافي كان متصرفا في لواء الديوانية، ويروي بعضهم انه يشرف بنفسه على التعذيب والتحقيق وهو ابن أخ الشاعر أحمد الصافي النجفي الذي عاش في لبنان ومات نتيجة رصاصة طائشة من اشتباكات بين اللبنانيين.
كان الشرطي "هادي الكعبي" يأكل برتقالا، فرمى الصافي بالقشور وشتمه: شكول البين، أنت قحِف، أنت مال متصرف؟ وهادي الكعبي –قومي الميول- كان شرطيا بوظيفة كاتب، أوقف أيام كان جابر حسن الحداد متصرفا بدعوى محاولة اعتداء فحش على طالب في الثانوية. يبدو انه كان أثناءها كاتب طابعة في المدرسة.
وكم كان فرحي كبيراً حين قرأت تصريحاً لوزير الداخلية، والحاكم العسكري، إن الذين أطلق سراحهم بكفالة أوقفت التعقيبات القانونية بحقهم تلقائيا. لكني فوجئت بتبليغ من المجلس العرفي العسكري الأول، بموعد المحاكمة!؟

بين أمسي القريب ويومي!
زرت بعض المتهمين الذين أحيلوا قبلي إلى المجلس العرفي الأول بعد عودتهم بيوم. اثنان منهم خريجو كلية القانون، يشتغل أحدهم محامياً، أما الآخر فموظف. الأول "محسن النقيب" ترأس حركة أنصار السلام في كربلاء وكان شيوعياً. والثاني مسؤول في منظمة الشبيبة الديمقراطية "أحمد العلي" وكان شيوعيا أيضاً. أما الثالث فابن لثري يداوم في كلية القانون، وله متجر.
- ايه، حدثوني كيف لقيتم الجو؟ حار؟ أم هو بين بين؟
أجاب أحدهم: تريد الخلاصة، قرينه دعاء "الجلجلوتية"!. فآمن الثري على الجواب!.و"الجلجلوتية" تعبير عامي من ناحية اللفظ لا أصل لها، ويقصدون بهذا أن المخاطب تجاوب ولكن بلهجة مغرية وجذابة حتى وان دلّت على الضعف والاستعطاف. مسؤول حركة السلام قال في المحكمة: دخلت حركة السلام، فلما عرفت إنها وجه من وجوه الحزب الشيوعي، تخليت عنها!؟
يقول بعض الفقهاء يجوز الكذب لمن وليه كافر ظالم من أجل نجاته وسلامته، إن كان في ذلك خلاصه!؟ وكان ممكنا للسيد المحترم الذي استنكر من السيد عزيز شريف حين ظهر انه يجهل إن صاحبنا ممثل حركة السلام في كربلاء كان شيوعيا لكنهم اسندوا إليه حركة السلام، ومن الحق أن يقول: إن الحركة لم تكن مجال عمل شيوعي، إنها مجال نشاط من اجل السلام، ويعتبر الشيوعيون تزعم رفيقهم لها مفخرة ودعاية. وان لم يكن لي علم قبل نقده للأستاذ عزيز شريف في اعتقاده أني أنا لا هو من يمثلهم. أقول كان ممكنا أن يدعي انه نصير سلم حسب ولا داعي للكذب وهو لم يتخل عنها أبدا إلا بعد انقلاب 8 شباط . ولكن المسألة هنا تختلف.
حدث ذات مرة خلاف بين قادة حركة السلام هنا. فالطبيب من الحزب الوطني الديمقراطي "هادي الطويل" عضو الحركة يتهم الشيوعيين هم المسيطرون عليها! واشتد الخلاف. مما أضطر المسؤول عن الحركة الأستاذ عزيز شريف وزميل له الأستاذ مظهر العزاوي الحضور ودعوة عدد محدد هم كل من الطبيب والمسؤول الكربلائي عن الحركة المحامي "محسن النقيب" وأنا ومحام من جماعة محمد حديد، وتاجر معروف في الوسط الأدبي والسياسي هو السيد حسن عبد الأمير. وفتح الحديث الأستاذ عزيز شريف. تخلله جدل واتهامات، فنهض الأستاذ شريف، وأشار إليّ وإلى المسؤول "محسن النقيب" بعد أن انتحى بنا ناحية، قال موجها كلامه إليّ: أنت طبعا تمثل الشيوعيين، والمحامي يمثل المحامين!؟ قلت: لا سيدي أنا أمثل نفسي، وهو يعرف من يمثل!
وبعد أن تم بحث الخلاف، قال الأستاذ عزيز، أمام الجميع: إن حركة السلام لا تمثل حزبا معينا، وهي ليست حزبا، إنها حركة. لا تعتمد على نظام داخلي، ولا منهاج، ومن حق كل مواطن يدرك خطر الحرب والأسلحة النووية في الفناء التام للبشرية في الانتماء للحركة. من حق كل مواطن حتى الإقطاعي، والبدوي، أن يساهم بالاستنكار والاحتجاج ضد تطور السلاح النووي.
حين ودعناهم وعدنا، في الطريق قال المحامي "محسن النقيب" مسؤول الحركة: أبا كفاح أنت تمثل الشيوعيين وأنا –محسن النقيب- أمثل المحامين!؟ أعاد كلمة الأستاذ عزيز بنبرة امتعاض ومزيجة بسخرية!؟ مرحا لك اليوم يا أخي في الإجابة عن التهمة، أنا الأقرع الوحيد بينكم. المثل في الأصل من أمثال العامة، ويراد به إنهم كانوا يسخرون من الأقرع فيتهمونه بكل ما يفعلون ليضحكوا. لقد شهد جميع صحبي من مؤيدي حركة السلام، باني أكثر نشاطا من أكثرهم. حين طلب من المؤيدين عمل اقتراع من أجل منح أنشط المؤيدين -مدالية- خصصها المجلس الأعلى لحركة السلام، وقد حزت أكثر الأصوات، وتكرر الاقتراع مرتين!؟. وحين حضرنا اجتماعا دعينا إليه في مقر الحركة الخاص، أسرّ إليّ مسؤول الحركة "محسن النقيب"، وزميل آخر مستغربين رفض الممثل الأعلى الأستاذ عزيز شريف منحها لي!؟ وبعد جدل معه، ردهم بعذر لا صحة له: إن زملاءه شيوعيو النجف يقولون انه أعطى براءة!؟ أليس هذا مضحكاً ويتنافى مع ما أشار إليه يوم التحكيم!؟ أليست هذه ازدواجية في الموقف!؟ حيث قلت أمثل نفسي، بينما المسؤول الكربلائي أنفعل لأن الأستاذ عزيز شريف لا يعرف أن المسؤول شيوعي ويمثلهم. لكنه في المحكمة تنصل واتهم الحركة بأنها وجه من وجوه الحزب! ومسؤول حركة السلام في كربلاء السيد محسن النقيب، هو الذي جادل الأستاذ عزيز شريف باني الذي يستحق الميدالية. وهنا كان رده -عزيز- مناقضا لقوله: إن حركة السلام لا يهمها من المنتمي إليها أن يكون من أي حزب لأنها ليست حزبية!
ابلغنا بموعد المحاكمة. وفي 20/01/1964 توجهت إلى بغداد. هناك التقيت بالمتهمين الآخرين الذين أعرفهم من معلمين وبعض الكسبة كجيران. واقترح البعض أن نقضي فترة من الليلة في دار سينما عرفنا إنها تعرض فلما باسم "ثلاث فتيات مستهترات"، حين عارضت ساخراً أهي سلوى أن أشهد فلما عن مستهترات؟ ردّ عليّ آخر، يوغسلافيا بلد اشتراكي لا تعرض أفلاما سيئة كما تتصور. قلت في نفسي، صدق والله. وحان الوقت فذهبنا. كان الإقبال عظيما والزحام شديداً، وبدأ العرض. فشغلت عن كل أمر عدا الشاشة وما تمثل عليها.
فتيات: نعم ومستهترات، وبسبب الخراب الذي حلّ بالبلاد، واشتداد المجاعة، بسبب احتلال النازيين الغزاة البلاد. والأنصار يقاومون في الغابات، حيث يترصدونهم. أولئك الفتيات كنّ يهبن أنفسهن للغزاة من أجل لقمة العيش. لكنهن -وهذا أمر غريب- رفضن أن يهملن أمر الوطن. حين مرّ جيش غاز على الغابة، سارعن قبل وصولهم إلى تنبيه الأنصار، فتأهبوا وأبادوا وشتتوا شمل العدو بكمائنهم. كانت سهرة رائعة، حين انتهت كان حديثنا عن حب الوطن والذين لا يهمهم غير أن يعيشوا وكأن الخلود شراب وطعام، وضحك ومنام؟ وما سرَّ "خالد بن الوليد" أن يموت على فراشه، فصاح (لا نامت أعين الجبناء). وعلي بن أبي طالب، يدعو بعد كل فريضة (متى يخضب أشقاها هذه -ويشير إلى لحيته- من هذه ويشير إلى هامته؟) حيث خاض غمرات الحروب.
في صباح اليوم -21/01/1964- توجهنا نحو المجلس العرفي العسكري الأول. ننتظر حكم القدر. يتلفت المتهمون يمينا ويسارا. يتساءلون: أين المحامي؟ لقد وكله عدد لا بأس به منهم. أنا وأبناي منهم -بعد إلحاح من أحد الذين قرأوا الجلجلوتية- وانه اقنع المحامي أن يستوفي عني وعن ابنيَّ خمسين دينارا مقدمة، وخمسين بعد الخلاص، وكان الشرط أن لا يحرجنا بطلب -الجلجلوتية- أي البراءة. إنها اعتراف ضمني بالتهمة، وفاقد الشيء لا يعطيه، كما أنها إذلال لإنسانيتنا. ولاح المحامي المحترم. لم أكن قد رأيته قبل هذا، الوكالة تمت بواسطة زميل له، هو محام أيضا. وكان المتهمون -بعضهم- يعتقدون إن المحامي على أتفاق مع رئيس المحكمة لينتفع وينفع! فنجاحه أكيد، وعلينا أن نحترس من الزلة، وخيانة التعبير وزلة اللسان؟ كيف يزل لسان البريء؟ لا أدري!
وخرج إلينا المحامي "راسم بابان" مرتديا الروب الأسود، وألقى بهدوء كلمة مختصرة: إخوان، أرجوكم كونوا لبقين، راوغوا، وهادنوا، وكلمة بسيطة تتطلبها المحكمة منكم ستبقى في جو المحكمة لا أكثر، وتتلاشى!؟ يقصد بالكلمة -البراءة من الحزب الشيوعي-. وتناوشته الألسن. لكنه عاد إلى المجلس. ودنا منا معاون شرطة، كان كهلا، على شعر رأسه نثر أبيض. حسبته رجلا كيساً. ودنا مني يسألني: انتو من كربلاء؟ أجبت نعم.
- تعرفون حميد أسود، ذقتوا ايره!؟ ويشير بذراعه! يا للعار. من يره يحسب أن مظهره يجسد الطيبة والبراءة. ولست أدري وأنا لم يسبق لي أن سمعت بهذا الاسم الذي ذكره. فقلت له: أنت شايفه؟ فقد حضرته رزانته وانهال علينا سباً وإهانة ... سألت زملائي الكربلائيين عن حميد أسود، وكانوا قد غرقوا بالضحك من المعاون وبذاءته بشكل جنوني، قالوا: سافل من قوم لوط وقد هلك.
ثم جاء دور المنادي، ليدخل القاعة كل من ينادى باسمه ... هنا لون آخر من المهازل. كان يقرأ الأسماء محرفة تحريفا مهينا ومضحكا. لطيف العلمجي أي -لطيف المعملجي-، علاء الخشمي اي -علاء الهاشمي-، حسين شنع أي -حسين شبع-، علي الشبنتي أي -علي الشبيبي- ولم يسلم اسم من التحريف. لا بأس ليكن أي شيء، هذا هو قدرنا، ليس نحن فقط، بل -العدالة- أيضا. جبران خليل جبران يقول:
العدل في الأرض يبكي الجن لو سمعوا به
ويســـتضحك الأمــوات لــو نظــــــــــروا
نحن في ذمة الضمير الحي! فهل يتذكر أن لنا أطفال وأمهات وزوجات؟! وهل يتصور في الخيال أن يؤول أمره يوما إلى مثل موقفنا هذا؟
كان رئيس المجلس غائبا. قالوا انه يدعى "نافع بطة". تصدر المجلس نائبه "هاشم السامرائي". عن يساره هيأة المحكمة. قبالهم وقف نائب المدعي العام "صفاء"، وألقى كلمة عن المتهمين. كان عددنا خمسين متهما، واحدة منهم امرأة.
إلى هنا أجلت المرافعة إلى غد. وحين خرجنا استقبلنا رجل أمن. وأشار بالوقوف. قال: كل من اذكر اسمه عليه أن يركب في تلك السيارة. وأشار إليها. وتوجهت بنا السيارة إلى موقف السراي. وقد وجدناه يعج بالشباب وعدداً من الشيوخ بحيث لم يعد يتسع لمجموعنا. هكذا صرنا ضيوفهم، فوسعوا لنا. وقضينا النهار نسمع من كل من يدنو منا حكايته ... هذا أصيب بـ "الـتي بي"، وهذا شلت يده، وهذا أعجب، أيرَهُ صار خيطاً بالياً، فالتعذيب أكثر ما لقيه هو دون سائر أعضائه! وهلم جرا. فمتى يأتي صباح الغد لتقرير المصير؟ وان غدا لناظره قريب؟

الحاكم والعدل!
نحن صفوف منتظمة، بنفس القاعة، قفص الاتهام لم يسعنا. النوبة للشهود من الشرطة؟ كنت التقيت بالشرطي "راضي الياسري" في شارع العباس، وجادلته. بذمتك أنت شاهدتني أنا مع المتظاهرين!؟ فحول وجهه إلى حرم العباس، وصلب على صدره بذراعيه وقال: هذه كتافي للعباس إن كان لي عليك شهادة! لكنه قال في المحكمة: شاهدته واقفا على الرصيف!. والواقع إني لم أشاهد أية مظاهرة ولم أخرج من البيت.
الشرطي الآخر"عباس" قال: خطب في المظاهرة وقال (لِنَفقأ عيون أعداء الشيوعية). الحاكم هاشم السامرائي يعلق: ولك أبو شيبه خره بشيبتك؟ ولك كنت ترغم التلاميذ الصغار تريد تعلمهم الماركسية! ولك آني إجاني اسمك لفلسطين عام 1948!؟ الشرطي الأول عرف لدى كل الأوساط بأنه -يأخذ من الحافي نعل- ابتلى بمرض السكر بعد شهر من إفادته في المحكمة العرفية، بعد أن وجه كلامه للحاكم: سيدي أنا أعيش من الدولة وأريد احلل خبزتي بإفادتي!؟ والثاني "عباس" بعد عودته صدمته عربية النجاسة فمات في الحال. ربما كان سبب ما أصاب الأول تأنيب الضمير لأنه أقسم وأفاد إفادة كاذبة.
المتهم المعلم نعمة أمين الأطرقجي أنا أعرفه ومتأكد أيضا انه عضو في الحزب الوطني الديمقراطي، ولا علاقة له قط من قريب أو بعيد بالحزب الشيوعي. بل انه ضد الأفكار الشيوعية. أرسل حزبه المحامي عبد الله عباس للدفاع عنه. ادعى الشرطي عباس انه جاء مع المتظاهرين ليهاجم سراي الشرطة وهو شيوعي. رد المتهم: سيدي الحاكم أنا من مؤيدي الحزب الوطني الديمقراطي. صاح الحاكم السامرائي: بعد أنجسين!؟ وعقب الشرطي. سيدي صحيح هو منتمي للوطني الديمقراطي، الا الشيوعيين همّه دفعو حتى يصير جاسوس عليهم!. وحمل المحامي ملفته وخرج مقاطعا المجلس، دون أن يفوه بكلمة احتجاج على الحاكم من أجل كرامة حزبه، أو دفاعا عمن أوكله الحزب للدفاع عنه!
ثم أصدر الحاكم الأحكام (يجد القارئ أدناه صورة قرار المحكمة/ الناشر). بدون أية مناقشة، إنما مجرد سباب وشتائم. كانت حصتي السجن سنتين، ابني محمد خمس سنوات، وكفاح ستة أشهر مع وقف التنفيذ. وأطلق سراح عدد في مقدمتهم المرأة التي اتهمت مفوض الأمن لطيف الجبوري، انه كان يطالبني أن يأخذ مني البيض مجانا، ويوم المظاهرات كنت حيث أجلس كل يوم في السوق، لم تصل المظاهرة حيث أبيع البيض. ومن المضحك أن أخوين اثنين، الأصغر كان يوم انقلاب 8 شباط في مدينة أخرى كما أفاد وأعلن (انه يمكنكم استدعاء صاحب مقهى في مدينة البطحة ليدلي بشهادته، فقد بتُ في مقهاه ليلة 7-8 شباط بسبب عطب في السيارة حين خرجت من الناصرية). أجاب الحاكم -نصاً-: خلِّ أبطحك وروح أنت أثبت!؟ بينما أعفي أخوه الذي كان في كربلاء وشارك بالمظاهرة! لأن الشرطي عباس نزهه، وضَمنَ له وصول الخضرة والفاكهة فهو كاتب خان المخضرات!؟

قرار الحكم الصادر من المجلس العرفي العسكري الأول بحق مجموعة من المتظاهرين
-في كربلاء- ضد الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963
خرجنا نجر الأقدام، والشتائم تنهال على المحامي "راسم بابان" الذي لم يحضر جلسة المحاكمة نهائيا. فهرب وتبعه بعض أولياء المحكومين ليستعيدوا الخمسين ديناراً التي أستلمها من المحكومين الذين أوكلوه بشرط. إلا أنا فليس لي من يطالبه. وحضرت السيارات، فركبناها إلى سجن الحلة. أنا لا أستغرب أسلوب المحامي راسم بابان في مثل هذه الأيام وكثير ممن تخرجوا من كلية القانون هم مثله أما أن تخرج بالقدرة كما تعبر العجائز، أو هو من نمط اللصوص وإلا كيف يتركنا ويهرب. أن معظم أولياء الذين حكموا استرجعوا ما أخذه المحامي منهم، أما أنا فليس لي من يطالبه.
الناشر
محمد علي الشبيبي
السويد ‏25‏/07‏/2011



#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 13
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 12
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 11
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 10
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 9
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 8
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 7
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 6
- تصحيح معلومة حول تأريخ إعدام قادة الحزب!
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 5
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 4
- أطلقوا سراح الشباب الشجعان، واعتقلوا بدلهم المسؤولين الذين ب ...
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 3
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 2
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف /1
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 13
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 12
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 11
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 10
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 9


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد علي الشبيبي - 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 14