أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد علي الشبيبي - 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 8















المزيد.....

4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 8


محمد علي الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 3410 - 2011 / 6 / 28 - 23:10
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


من (ذكريات معلم) للراحل علي محمد الشبيبي (1913 – 1997)

هذا العام
أنا في هذا العام -1962- أحوالي في مهاب رياح. أحداث على بساطتها، بلبلت أفكاري، لأنها تتطلب مني جهودا أو مالاً. في الوقت الذي أنا جديد عهد، بسبب ما خلفه الإبعاد، والإقامة بعيدا عن أهلي، وراتبي كما يقولون بعض الأدباء (كحلم الأعزب لا يصبح منه إلا على قذارة الثوب ونجاسة البدن!).
فقد أوقف ولدي محمد بتهمة حيازة منشور سري! مما أستوجب أن أزوره لأستطلع حقيقة الأمر. بدا لي منهكا، على وجهه صفرة شديدة وآثار كدمات. استوضحت منه ما إذا لقي من شرطة الأمن مداعبة!؟ وجادلته أريد أن يعترف بالواقع. فأصر: إن الشرطي السري المدعو "ناصر الأسود" قد قبض علي بباب البريد، وقد جئت لأرمي رسالة إليك. وأثناء تفتيشي عثروا على نداء يطالب رئيس الجمهورية بوقف الحرب ضد الأكراد مع بيان للحزب الشيوعي في طيات منديلي. وقد أدعيت أني عثرت على البيان في الطريق، ودفعني حب الإطلاع للاحتفاظ به. أما عن النداء فأكدت أني أؤمن بالحل السلمي وأكره الحروب لأنها تجلب البلاء للشعوب. ثم أخذني هو وزميله بالدفع والضرب. وبعد عرضي على معاون الأمن "محمد جواد" الذي أهانني، وسب وشتم أهلي كلهم بأقذر الشتائم، ثم أمر بتوقيفي. سألته عما إذا كانوا قد استعملوا معك الضرب. فأجاب: اعتداء وضرب لليلتين متتاليتين، وتهديد لا أخلاقي يتناسب مع أخلاقهم المنحطة، وكنت حينها معزولا عن بقية الزملاء؟
وأحيل إلى المجلس العرفي الثاني. وكنت قد كلمت الشيخ الشبيبي فأرسل إلى شمس الدين عبد الله الحاكم في هذا المجلس: بأن هذا طفل، ربما خدعه أحد وهو لا يعلم معنى ما كلف به. فوعده أنه سيسامحه. وحضرت يوم السبت 26/5/1962 إلى المجلس العرفي الثاني ونودي على محمد. وتراجعت عن الباب لأقضي حاجة، لم يستغرق وقتها أكثر من دقيقتين، خرج محمد مع شرطي، وأخبرني: إنه حكم بالسجن ستة شهور يقضيها في سجن الكوت.
شمس الدين هذا مجلسه خاص ضد المتهمين بالشيوعية. وهناك مجلس آخر برئاسة "المهداوي" لمحاكمة المتآمرين. طبعا هذا من عبقرية الزعيم وهو ذو هدف -إن صح- ليشدد في الحزازات والعداء بين أبناء الشعب الذين رحبوا بتموز. ووجدوا أن هذا العهد يبشر بالحرية بظل المنظمات الوطنية. لكن الصراع في هذا العهد الذي هللنا له وكبرنا تغير، واعتقدنا إن ما اندثر لن يعود والأغرب من كل هذا إن الفئات السياسية التي تنتظر منها أن تقود الجماهير إلى أوضح السبل لتحقيق وحدتها في نظام امن ورفاه، كانت تلك الفئات تثير النعرات، وتدفع الغوغاء في التوغل بمسلك إثارة الحزازات.
قصدت ذات يوم الشهيد ماجد محمد أمين لأكلفه في أمر ولدي محمد، ولم أكن أعرف أن شمس الدين عبد الله ليس كحاكم فقط وإنما هو ذو انتماء يعتبر ماجد نقيضا له. في هذه الأثناء حضر "المهداوي" فحكى له ماجد عما جئت من أجله. فأجاب بانفعال: إن سيادة الزعيم تعمد وجود محكمتين عسكريتين، فيحال من هو محسوب على الشيوعيين إلى شمس الدين عبد الله، ومن هو على الفئة الأخرى إلى المهداوي. الله يعلم ماذا سنجني من هذه السياسة!؟ الرجل قال هذا وزفر بعدها زفرة حادة.
وأعود إلى مدرستي، وبلا تبجح إني مثابر وملتزم بالمحافظة على الوقت للدوام وما يلزم. أنا لا أكابر ولا أدعي إن قلت، إني أعشق مهنتي، وطلابي يحبونني وأنا الغريب الجديد عليهم. حتى أن أحد طلبتي، حدثني بأسف عن حقد أبيه وأخيه عليّ. وذكر لي انه يحدثهم عني فيزجرونه زجرا شديدا. إنهم يخيفونه، ويحذرونه أن ينزلق وينجر وينخدع، فهذا المعلم عدو للدين والوطن!؟
مدير المدرسة رجل يريد أن لا يتهم بأنه متساهل وغير واع. طبعا مأتى خوفه هذا ليس من أولي الأمر مباشرة، وإنما خوفه من المسيطرين في هذا القضاء البائس بالدعاية وبث التهم والإشاعات ضد كل من لا يشايعهم. بينما فاتهم إن أهم هدف للسياسي أن يعمل من أجل الجميع، وأن لا يعتمد على سمعه وحده، بل وأن لا يتلقى من الذيول، وما أشد فقر تلك الذيول في المفاهيم الوطنية والسياسية القويمة.
الشاب "عدنان عناد" حدثني بعضهم عن ماضيه؟ هذا يسمعني كلمات نابية، ويعدني بيوم يريني فيه ما أستحقه. وأنا لو تهيأ لي مجال لقلت لـِ "قادته ومنظميه" إن كان حقا جُنِّد ليكون عضوا نافعا، أجل لقلت لهم ليكن همكم قبل كل شيء أن يتعلم كيف يتخلص من جهله، وهذبوا أخلاقه ليكون عضوا نافعا ومدركا، لا أن يكون لا يعرف غير أن يهدد بالتدمير والهلاك.
أحد زملائي يدعى "خليل الدباغ" من الأعظمية لا يقيم في الخالص، فهو بغدادي من الأعظمية، لذا هو يكثر من التغيب، وترك المدرسة بعد الدرس -قبل الأخير-. أحيانا يخبر المدير ويطلب أن يسمح له بمغادرة المدرسة وليعفيه من الدرسين الأخيرين فإذا أمتنع المدير، خرج بدون علمه!
لكن هذا المدير حاسبني ذات يوم بلهجة مَن أكتشف مخالفة مني ذات أهمية. تلك هي إني بعد تعب الدرس، استرحت على كرسي لأشرف على حركات الطلبة أثناء الفرصة، وباعتباري مراقبا عليّ أن أتجول بينهم لا أن أستريح.
لا بأس أنا واثق أن الرجل طيب لكنه جبان وهو يعرف جيدا ما وراء الكواليس، والفئة التي ينتمي إليها ذاك المعلم الذي لم يحاسبه على تغيبه ومغادرته المدرسة مع وجود دروس بعهدته!
ولقد أصابني ذات صباح حمى شديدة مع صداع أليم، فكلفت من يوصل إلى الإدارة عني ما أنا فيه، فلم أجد منهم جميعا لفتة تعاطف. كلهم يعتقدون أن الجو يزداد اكفهرارا بسبب سوء تصرف ربان السفينة الذي لا يفكر بغير التشدد على مسك الزمام، انه واهم. حين صرخ في أحدى خطبه "القطار يسير"! فعلقت أنا هامسا بأذن صديق إلى جانبي: انه خرف يتغافل إن القطار قد ينقلب فجأة وفي المستقبل القريب على السائق والركاب، ليس المهم أنه يسير ولكن كيف وبأي إتجاه!
وذات يوم عند انتهاء الدوام، قال لي المعلم خليل: أود اليوم أن أكون ضيفك عند الغداء. أجبته لهذا مع الشكر. كنت دائما أحضر الادام عصرا فأتعشى منه مع الخبز، وابقي منه لغداء اليوم الثاني، وحين أعود من المدرسة أطبخ الرز. وكان ما لدي يكفي لضيافة صاحبي. سألته: لماذا لا تقيم هنا وتتخلص من متاعب الرواح والمجيء من بغداد إلى هنا؟ أجاب: إني جديد عهد بالزواج ، وزوجتي معلمة ترفض الانتقال إلى هذا البلد. ثم علق: بربك، هل هذا القضاء بلد صالح للسكن!؟ قلت على الفور وبدون حرج: أعتقد أنك تعلم جيدا أن واجبك كسياسي قومي، أن تقيم هنا وتحمل المؤازرين والمنتمين ليطالبوا الجهات المختصة بالإجراءات اللازمة من عمرانية وصحية، واقتصادية لهذا البلد الذي يكثر فيه مؤيدوا الحزب الذي تنتمي إليه. أجاب مستغربا، ومن أين أدركت إني حزبي، وأي حزب هذا الذي تعنيه؟
قلت يا عزيزي، ثق أني غير منتمي لأي حزب، في حين وجدتك، وبعض زملائي المعلمين يعتقدون وبإصرار إني شخصية ذات كيان في حزب يساري، مع العلم إني أحتك بهم جيدا، وإنهم يتجنبون الجلوس معي في المقهى، حتى الذي يحبني منهم، والذين أشير إليهم أيضا لا يبغضونني.
قال: وهل تعرفني تماما؟
- أبدا، إنما نظراتك إليّ وتعليقك على بعض أحاديثي، واستغرابك إني أعطيت أبياتا من الشعر في تمجيد العرب والفخر بهم. وكأنك متأكد -وهذا جهل- إني لا أعتز بقومي وعروبتي لاعتبارك إني أنتمي إلى فئة سياسية تدين بوحدة البشرية، وتدعو إلى عدم تسلط بعضها على بعض. هذا يا صديقي ليس معناه إني -كما تجزمون- عضوا في حزب. أو ليس القرآن وهو رسالة النبي العربي يقول: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم؟
ابتسم صاحبي وفاجأني: كيف حال شقيقتك "وسيلة"، منذ اعدم ابن خالتي لم نعد نراها! قلت وتعرف أختي؟ وكيف؟. قال أن زكي محمد بسيم "حازم" الذي أعدم مع أخيك حسين هو ابن خالتي وقد كنت أجدها أحيانا في بيت خالتي؟
- ولكنك لم تجدني؟
- أجل ولم أسمع من شقيقتك عنك.
تناولنا الغداء ونحن مستمرون بالحديث. وختمت حديث الخوض بهذا الحديث بقولي: ثق إني أكره الحقد، وأحب مهنتي واخلص لها لا على إني أدين بمعتقد سياسي، بل لحبي لأمتي وشعبي ولنفسي أيضا، ولست أنكر لو وجدت سلوك الأحزاب الوطنية خالصا من التحديات على أساس المبالغة في معاداة الأفكار الأخرى، لما امتنعت من الانتماء. ولكنهم ينشغلون عن حرب الاستعمار وأفكاره وعملائه في الداخل إلى محاربة إخوانهم ومتهمين حزبهم خارج على الوطن ويرمونه بشتى التهم؟ وفي هذا ما فيه من فائدة لصالح الاستعمار! أنا أرى أن على الأحزاب الوطنية بمختلف مناهجها يجب أن تهدف حاليا وضمن جبهة وطنية بكل جهدها أن تحاول تقويم -عبد الكريم- وإرغامه على الأخذ برأي الجبهة وسن الدستور الدائم، وتطبيقه تطبيقا صارما من أجل أن يصبح العراق يدا واحدة ضد الاستعمار، ومحاولاته الآثمة ضد تقدم الشعوب واستقلالها. وإن لم ينصع فالعمل لإسقاطه بعمل موحد ضده. بعد تناول الشاي ودعني وانصرف.
معلم آخر في المدرسة هذه، عهد إليه تدريس العربي في الصف الرابع، كان ذا هندام أنيق وهو في ريعان الشباب، أبوه ملاك صغير، عمه الحاج محمد له وكالة أحذية باتا، إنه من جماعة فاضل الجمالي وسبق أن أنتخب عضوا في مجلس النواب، وكانت نيابته هذه الأولى والأخيرة. كان هذا الشاب أيضا ينظرني بعين حانق بلا سبب سابق.
في 15/10/1961 جاء المفتش الأستاذ صالح السامرائي فوجدني في الصف الثاني. وصالح السامرائي كان مديرا لمديرية تربية بابل، حُوّل إلى مفتش، طبعا تبعا لصهره الدكتور فيصل السامر لتحول ميل قاسم عنه. كان الدرس -قراءة- أخذ يلاحظ، إني أكتب كلمات ذات حروف كبيرة مثل فردوس، وسلسبيل، وديمقراطية في أعلى السبورة. أرسم خطا عموديا على السبورة، وارسم حروف إحدى هذه الكلمات منفردة. وأطلب من التلاميذ تأليف كلمات من هذه الحروف. طبعا غرضي من هذا أن يتصرف الطالب ويعمل فكره ليؤلف كلمة واسأله عن معناها. أعجب المفتش بهذا لأن هذا يحفز الطلبة على استعمال تفكيرهم وبهذا أيضا يتعرفون على معاني كلمات عربية جديدة.
ثم مرّ على الصف السادس بدرس آخر. فوجد إني استمع منهم قطعة شعر لأديب تقي الدين، بعنوان "سائل التأريخ" فأعجب بها، ومنها هذه الأبيات:
سائل التــأريخ عاما ثم عامـا أي يوم خفر العــرب الذماما
المــروءات هدى أعمـــالهـم والوفاء الدين الذي فيهم أقاما
عبدوا الأصنـــام لكن عبـدوا قبلها العرض فصانوه كراما
أنا لــو كنت إمرءَ القيس بهم لأجدت القــول فيهم والكلاما
وقفـــا نبك حبيبــــــا لم أقــل بل قفــا نبــك إتحــادا ووئاما
ولم يدخل إلى الصف. حين انتهى من زيارة الصفوف جمعنا لإبداء ملاحظاته. سأل أحد المعلمين عن عمره. أجاب 27 عاما. قال المفتش: المعلم علي الشبيبي عمره خمسون عاما. لذلك أرجو منك وأنت زميله أن تلاحظ أناقته وتنظيم هندامه من الرباط إلى السترة السبورت، بينما وهذا يسوءني أن أنبهك إلى أكتاف سترتك ووسخها وإلى رباطك البالي جدا.
ثم توجه إلى"صباح محمود" معلم الصف الرابع وقال: باعتبارك عربي، ألا يجدر بك أن تنتخب قصيدة قصيرة عن العرب كالتي سمعتها من طلاب الصف السادس باختيار معلمهم الشبيبي!؟ وبدا على المعلم انفعال. ومنذ ذاك أخذ يكثر من الهمز واللمز ليسمعني، وأشار عن المفتش بأنه شيوعي. فهو من أقارب الشيوعي فيصل السامر. الواقع إني لا علم لي إن كان الدكتور شيوعيا أم لا، وقد ذكرتها على اعتبارات تسمية القوميين له.
وبادرت في اليوم الثاني فأعطيته بويتات لأبي فراس الحمداني عنونتها "نحن العرب" وقلت: هذه الأبيات تناسب طلبة الصف الرابع. أخذها مع شكر خافت.
بعد أيام كنت أنوي زيارة أهلي في ليلة جمعة. فدنا مني راجيا أن أجلب له عطر يناسب مولودا جديدا سيرزق به، وان عاداتنا أن نطيب بعطر، ألرازقي أو العنبر. وفعلا جلبت له ذلك ورفضت أن آخذ ثمنه. وجاء في اليوم الثاني يبلغني شكر زوجته وهي تبالغ بنوعية العطر. لقد أصبح صديقا وأحبني كثيرا.
وألح علي المعلم عبد الحميد كاظم، أن أكتب عريضة إلى -قاسم- بواسطة سكرتيره جاسم العزاوي شقيق عبد الحميد. وقد كتبتها رغم إني لم أثق أبدا انه سينجز المرجو في تلك العريضة خصوصا إني لم استعمل أسلوب أو لهجة استجداء. بعد أيام أخبرني عبد الحميد أن أخاه السكرتير قال: لو بقي في مكانه أحسن إذ ربما نقله إلى أبعد!؟

الغرفة
لأني أعرف تتابعني عيون الشرطة الخاصة، فأنا أحدد تحركاتي كيلا أسبب لنفسي بعض الأذى. وأسمع أهل القضاء يتساءلون "الغرفة جمشت"، يريدون هل نالها مطر غزير بحيث أصبح بالإمكان نثر بذور الحنطة فيها. فقلت لبعض من أعرف: إذا قصدتم الغرفة فانا معكم أريد أن أراها.
إنها واسعة جدا. وإذا روتها السيول زارها البط الوحشي فقصدها الصيادون. سكان الخالص من هواة الصيد، يقتنون الكلاب الخاصة والصقور. وأحيانا يأتون بصقورهم إلى المقهى متباهين بها، أو لغرض بيعها.
هناك مررت على النهر المعروف "النهروان" الذي حدثت قربه معركة الإمام علي مع الخوارج وانتهت بفرارهم. وهناك في الخالص محلة تدعى "عليبات" لم أفهم معناها وحين استفهمت قالوا: إن أصل الكلمة علي بات، أي إن الإمام أيام معركته مع الخوارج بات هنا. القرويون يحرفون كثير من الأسماء على لهجتهم الخاصة. فمثلا هم يقسمون -وحـگ سيد تركان- وهو قبر يزورونه ويقدمون له النذور. واستفسرت من الدكتور مصطفى جواد، فأجاب: انه تتري ولاه التتار الذين احتلوا العراق هذه المنطقة وكان عادلا وطيبا فأحبوه واسمه "طورخان" فحرفوها إلى تركان. وهذا الاسم مشهور عند القرويين.
كانت الغرفة قاحلة ما فيها إلا بناء قديم قريب من البلد. قالوا انه قصر المعتصم العباسي كمصطاف. كما أن عبد الإله كان يأتي هنا في بعض المواسم لصيد ابن آوى.
تفرق صحبي يجمعون عشب "الخباز" أما أنا فقد أبصرت ربوة عالية، وكومة تراب عليها سعفة يابسة يداعبها الريح فاسمع لها خشخشة. وسألت عن هذا فقيل هو قبر بدوي مات فدفنوه ومضوا واسم المكان "تل السويس". وأعطاني صحبي شيئا من عشب الخباز، فطبخته كما نطبخ نحن النجفيين الادام المعروف بالسبزي "السبانغ". ولما أطعمتهم منه أعجبوا به، وقالوا من حسن الحظ أن لم نطعمك من طبختنا له فشتان بين لذة هذا ومطبوخنا، وعلمتهم كيف يفعلون.
تبدي النقابة بمختلف فئاتها المتنافسة في أمر الدعاية لخوضها. وقد انسحبت القائمة الجمهورية. والأسباب واضحة، أما المهنية الموحدة فان لم تنسحب من الآن فسوف تنسحب حتما. ولقد توجهنا إلى أهالينا على أمل أن نعود يوم تجري الانتخابات. بودي أن لا أشارك، فما معنى هذا التشريع، إذا كانت إحدى القوائم، جادة، وبكل إصرار على أن تسيطر بالقوة، ومن لم يرضخ سيتلقى جزاءه.
اتفقت وزميلي المعلم "جليل السهروردي" أن نتوجه سوية، لكني لم أجده في الوقت المحدد. بعد وصولي بغداد، توجهت إلى موقف السيارات لأتوجه إلى قضاء الخالص. حين قاربت السيارة المفرق ويسمى القاطون ألتفت السائق إلى الركاب وقال: يا جماعة إذا سألوكم، وين تريدون قولوا للخالص تره الحديده حارة!؟
وما أن اقتربنا تماما حتى لاحت الهراوات الغليظة مشرعة كالرماح. وشاهدت جماعة قد انهالوا على واحد لم نتبين من أمره، غير أن عصيا وهراوات ترتفع وتهوى عليه، وآخرين يحاولون تخليصه!؟
مرحى، مرحى. إنها لديمقراطية قومية عربية، تجسد معنى الحرية، والكرامة المصونة لمعلمي الناشئة؟ ولكن هذا ما يريده قاسم. أن يفسح المجال لمثل هذا السلوك، معتقدا أن الذين تنتمي القائمة التي تعتمد هذا السلوك ستصافي معه. أو أنه يبغي من وراء هذا أن يكشف الفئات الوطنية بما يلطخ سمعتها بما يشين فيدينها. ولكن لا، إنها ستكشف موقفه هو. بتخليه عن حفظ الأمن، خصوصا أمن أهم فئة التزمت مناصرته -خاطئة- وكانت كالنعامة إذ تخبئ رأسها في الرمال كيلا يراها الصياد.
هناك في الخالص، لامني بعض المعلمين على مجيئي، واعتذرت: إني لم أصدق أبدا إن فئة مهمتها إعداد الناشئة على المحبة والوحدة، تمارس هذا اللون من التحدي الذي لا يليق إلا بالمتوحشين.
قبيل الساعة الثانية عشر، جاء أحد زملائي من معلمي مدرستي، وهمس في أذني وصية من الشرطي "صاحب" كلفه أن يحذرني من الوصول إلى بعقوبة فإن ابن العلوَجي الأعور قد حضر خصيصا ليرشد -المحاربين الأشداء- على شخصك، وقد أقسموا أنهم سيمزقوك بالمدى والخناجر!؟
لكن رسولا آخر جاء من قبل رأس القائمة المهنية، يعلن: أنْ قاطعنا الانتخاب الذي يراد له أن يتم بدماء تجري، وأرواح تزهق. إذن ماذا عليه ستكون انتخابات المجلس النيابي؟ قلت وداعا يا تموز، ليتك لا جئت ولا عرفناك!
دعوت على عمرو فلما فقدته بليت بأقوام بكيت على عمرو
وبعد الساعة الثانية والنصف عدت إلى كربلاء والتقيت بالسهروردي، الذي حدثني انه كان قاب قوسين أو أدنى من الموت. لو لم يقفل أبواب السيارة عليه، لكنهم أشبعوه من وراء الزجاجة بالبصاق والشتائم، وان وجها من وجوههم البارزة تطوع "مشكورا" بدفع المهاجمين، وأخذ هوية السهروردي وزميل آخر معه، ليكونا صوتين من أصوات معلمي مدرستهما، ورافقهم إلى الكراج حيث عادا بسلام.

الناشر
محمد علي الشبيبي
السويد ‏28‏/06‏/2011



#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 7
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 6
- تصحيح معلومة حول تأريخ إعدام قادة الحزب!
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 5
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 4
- أطلقوا سراح الشباب الشجعان، واعتقلوا بدلهم المسؤولين الذين ب ...
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 3
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 2
- 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف /1
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 13
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 12
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 11
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 10
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 9
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 8
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 7
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 6
- 3- عودة ومصائب وعواصف / 5
- 3- عودة ومصائب وعواصف/ 4
- نداء إلى رواد التيار الديمقراطي أينما كان


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد علي الشبيبي - 4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 8