أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - الطفولة، العائلة، الصداقة في أشعار علي الشباني-1















المزيد.....

الطفولة، العائلة، الصداقة في أشعار علي الشباني-1


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 13:44
المحور: الادب والفن
    



تشكل الطفولة منبع الإلهام الأدبي للفنان. فهي من ناحية مرحلة تنطبع بالذاكرة إلى لحظة الممات كونها فردوساً ضائعاً، مستحيل إعادته، وبذلك تتساوى الطفولة مع أساطير طفولة الإنسانية في بعدها الديني، "الإنسان كان نزيل جنة خلد وطرد منها عندما وسوس له إبليس كي يأكل الفاكهة المحرمة ففقد بذلك البراءة". والطفولة من هذا المنظور هي معادل لبراءة الإنسان في الجنة قبل أن يكتشف الرغبة. فما أن يبلغ الإنسان سن الحلم حتى يختلف كل شيء، جسده وهو يفعم بالرغبة الجنسية مثل أدم بعد قضم التفاحة.. وما تجره عليه تلك الشهوات من مأزق تبدأ من العائلة إلى المجتمع. وبمقدار ما يكون المجتمع منغلقاً من ناحية قيمه ومفاهيمه بمقدار ما تتحول حياة المراهق إلى جحيم يجعله يختزن تلك البراءة وبساطة العلاقات والحياة في مرحلة الطفولة في أعماق نفسه، فيبقى في المخيلة وأحلام اليقظة والأحلام والتذكر وعندما يشتد المأزق يحن بشوق جارف إلى تلك الأيام والأمكنة المستحيلة. وهو ذات حلم البشرية بالعودة إلى طفولتها بعد يوم الحساب. الشباني يرصد هذه اللحظة المفصلية في حياة الإنسان أينما كان، لكن في بيئة عراقية شديدة الصرامة يتحول البلوغ بكل مدلولات معانيه، الفيزيقية والاجتماعية من حيث كونه مغادرة زمن البراءة ومواجهة منظومة العادات والتقاليد، والفكرية كونه تلك اللحظة التي يعتقد فيها المراهق بأنه قادر على تغيير الأوضاع القائمة، وما يجره عليه ذلك الوعي من أهوال في ظل مجتمع منغلق بقيمه المتسقة مع طبيعة السلطات المتحكمة. يرصد تلك اللحظة الفيزيقية، الفكرية، الأسطورية، وكأنه صوت آدم المتأسف على زمن البراءة في الجنة، الطفولة إذ يغيب الفرح إلى الأبد في مدلول يغور أعمق في الطبيعة البشرية ليعبر عن ذلك الأسف العظيم على طفولة الإنسان. وبعيني ومخيلة طفل ينسج الشباني صورته الشعرية قبل أن يخلص إلى حكمة الإنسان الأبدية:
ألبد بروحي نجم.. يسبح لذاك الصوب
ألبد بروحي زغر، والكيش حد الثوب
ليتحول من عيني الطفل وحسه بموجودات الطبيعة من نجوم في السماء تختل في جسده وهو يسبح في نهر المدينة. ثم الاختباء في مسافة الطفولة ـ الجنة في شطر البيت الأول في بعدٍ رمزي ليقرنه بصورة مكانية للطفل الذي أختبئ في روحه، وهو يخاف عبور النهر فيظل في مخاضته الضحلة. يتحول إلى ذلك المصطلي بجحيم الذاكرة، المعذب.. الصامت قسراً:
أسكت.. جزيره الحجي.. وبراسي يلعب سيل
يتعمق رصد تلك اللحظة المفصلية في حياة الإنسان في بيت الشباني الشعري الذي يغور في روح الأم الباكية ذهاب براءة ابنها والذي سوف يستحيل عليها التمتع بلمس وتقليب جسده الذي طلع من أحشائها عند البلوغ. ذلك يوجعها ويبكيها في كل غبش كما تقول قصيدة الشباني وهي تتأمل الطفولة والبراءة الأولى:
من تكعد إمي بجي.. وتغسل البيت الصبح
يابس حجينه الصبح
والوحشه طيره تنوح
والفرح من صيد أمس، حد للزغر مذبوح
مع سن البلوغ في البيئة العراقية المغلقة، وخصوصاً في مدن الفرات الأوسط، يحتدم الصراع في العائلة بين المراهق والأب، في صراعٍ لا حل وسط فيه في الغالب، فأما الاستكانة والالتزام بصرامة القيم والعادات القامعة خنوعاً أو تمثيلاً، وأما التمرد وذلك ما يجرّ على المراهق لعنة العائلة التي هي من أشدّ اللعنات قسوة. إذ يحول الأب والأم البيت إلى جحيم لا فكاك من العودة إليه للمبيت. وهذا كان قدر الشاعر وكاتب هذي السطور، وكل من تمرد وأفصح عن أراءه في وقت مبكرٍ من عمره. إذ يبالغ الأب العراقي أو من يحل محله كالأخ الأكبر في سطوته وهو يحاول إعادة الابن إلى بيت الطاعة، فيتحول إلى رمز للقمع تشبه القدر عندما يحيل الصبي إلى رماد، ولا سيما عندما تأتي إلى البيت متأخراً فلا يفتح لك الباب، أو يفتح لك الباب ليقول لك:
ـ هذا بيت لو فندق. شوفلك مكان تبات بيه!.
ويصفعك الباب وهو ينطبق على وقفتك الذليلة في ليل الشارع الخاوي، فتلتفت إلى ذاكرتك باحثاً عن مكان ما، فتكتشف أن كل أصدقائك وهنا أعني "المتمردين" يعانون من نفس المعضلة. ذلك ما كان يحدث معي وكنتُ محظوظاً، فلدي عمة أرملة ألجأ إليها في عمق الليالي عندما يقف في باب بيت أهلي أبي جداراً.
خطورة القيم العقلية المنغلقة كونها تتصف بالجمود فمع تشبث الصبي المتمرد بعالمه الجديد المكتشف يتجلد موقف العائلة أو رب العائلة، رغم بلوغ الصبي سن الرشد، وهنا أذكر قصتين طريفتين تكشفان هول وضيق وصرامة وقسوة أعرافنا وتقاليدنا التي تحارب بضراوة كل من فكر بشكلٍ حر. الأولى..كنت أستلقي على سريري في حديقة البيت. وكان الوقت صيفاً والعائلة تنام على السطح. كنت أفضل النوم في الحديقة بعدما ملتّ مني العائلة وعادت لا تسأل عني لكثرة مبيتي في بيوت أخرى. وكنا في جلسة شرب جميلة في نادي موظفي الديوانية وكان عزيز السماوي المرحوم القادم من بغداد ملاكاً نتشجر حوله، نحكي، ونتحاور، ونختلق النكات، ونخوض في شؤون الإنسان، في الجلسة تلك كان الصديق "كريم عبد" يحوص على كرسيه جواري، فسألته عن سبب قلقه فهمس لي بأن أخوه "وكان أباه ميتاً" شرط عليه إذ تأخر بعد الثانية عشر ليلاً فسوف لا يفتح له الباب. ظننت انه يمزح فوقتها كنت قد تجاوزت العائلة بدليل عدم سؤالها عني، ومن ناحية أخرى كنا قد بلغنا من العمر " الثامنة عشره" ما يجعل عدم فتح الباب لكريم شيئاً غير معقول، لا سيما أن أخاه المرحوم "عبد الأمير" كان مهندساً ومن شخصيات المدينة الاجتماعية المعروفة. وأخذته السهرة وعسل الأحاديث والقصائد والتي تتحول إلى غناء حيث يصدح صوت عزيز في لازمته الشهيرة "يا مسهرني" تفرقنا في حدود الثانية بعد منتصف الليل. وكنت قد نلت كما ذكرت مساحة حريتي الضيقة بعدم السؤال عني، كنت لا أطرق الباب بل أتسلق السياج الواطئ وأنام على السرير الذي وضبته أمي. كنت أستلقي عندما سمعت أحداً ينادي بأسمي ماداً رأسه من خلف السياج. كان "كريم عبد" أخبرني أن أخاه رفض فتح باب البيت، فلم يجد غيري. طلبت منه أن يخفض صوته. صحيح أنني نلتُ شيئاً من حريتي، لكن كان ذلك شراً لابد منه بالنسبة للعائلة، فكيف بيّ وأنا أجلب صديق من نمطي. تسللت بحذر كي أجلب له فراشاً. وشرطت عليه أن يستيقظ باكراً كي يخرج قبل استيقاظ أحد، وذلك ما جرى بالضبط. سردت ذلك كي يدرك القارئ فداحة قيم وأعراف البيئة المغلقة. والثانية محرضة الشاهد الشعري الذي سوف أورده.. حكى لنا الشباني مرة عن مأزق وضعه الاجتماعي حينما خرج من السجن عام 1967 إذ تشكلت لديه علاقات جديدة في السجن وتشكلت معها شخصيته الثقافية، لكن أبيه لم يكن يفهم ذلك، وكان يعتبر علي شاذاً في توريط نفسه مع الدولة والحكومة، فكان يهرب الخمرة من شباك غرفة الضيوف المفتوح على الزقاق قبل قدوم الأصدقاء كي يحيون جلسة ثقافية كانت تزعج العائلة، فعمد أبوه إلى طرده من البيت بطريقة قاسية، فكان لا يفتح له الباب ليلاً. تلك اللحظة التي ينسحق فيها الصبي والتي مرت بكل متمرد عراقي ضاق بقيد القيم والأعراف يرصدها الشاعر بكثافة تخفي خلفها عدداً غير متناه من القصص والحكايات المشابهة للتي سردتها، لنسمع:
والباب.. علمني المعاند..
والنده الينزل جمر بالروح
الباب.. علمني أبوي أشلون يوكف حايط بروحي..
وأطكـ من المذلة تراب
يكثف الشباني حيرة المتمرد في مواجهة العائلة التي يخسرها باكراً حقاً كموطنٍ للدفء ومأوى في البرد ووقت الشدة. يندفع ذلك الصبي في دروب السياسية والفكر والأسئلة التي لا يجد لها حلاً، رحلة عاشها الشباني جسداً وهو يغيب في السجن أكثر من خمسة أعوام في سنين الستينات السهلة مقارنة بمرحلة الطاغية. وهنا في القصيدة يكثف تلك التجربة المريرة شعراً مثقلاً برموز الفكر والفلسفة:
والمفتاح حزن أول وكت
والناس كلها تموت.. ويظل ضايع المفتاح
والبيبان من تكثر علامة خوف للإنسان
الأسئلة والتمرد جعله يبحث في الفكر والمعاني بديلا للبيت الجحيم:
وبروحي نزعت البيت
وتغربت بولايات ما تندل وجه بنادم
لمن رديت
كالولي..
كتلهم نزعت البيت
كالولـ..
كتلهم نزعت البيت..
وتغربت..
كل الدنيا وحشه بعيني لو حنيت
تتميز علاقة الابن بالأم في المجتمع العراقي بفرادة تميز كل مجتمع شرقي رجولي، فالأم ربة البيت متواجدة على مدار الساعة في البيت ترعى شؤونه بعيني لبوه، شديدة الحرص. تلك حاضرة بسطوع في قصيدة الشباني فتمزج بأشياء البيت، لا بل تكون روحه:
ـ من تكعد أمي بجي
وتغسل البيت الصبح
الأم في مجتمعاتنا عكس الأب أو بعبارة أصح هي المرجع الذي تجد فيه الأسرة توازنها. فهي تخفف من قسوة الأب، وتحافظ على الولد بالحنان والحماية. وهي الأقرب إلى روح الابن المتمرد، العارفة في مصب حياته ومتاعبها القادمة. وشاهد الشباني الذي سأورده يذكرني بعلاقتي مع أمي وهي تراقب سهري في غرفتي وأنا أقرأ حتى مطلع الفجر:
يكبر بروحي الحرف، خنجر وأطيحن جرح
وأمشي بسواجي الكتب غركان
كل ليلة كانت تفتح باب الغرفة قائلة:
ـ يمه.. راح يكتلك السهر.. ما تكلي شتقره.. وشراح تحصل..
كنتُ ألزم الصمت، فتردف:
ـ تره كل من يقره يموت على الحصيره.. فقر!.
كانت تعبر عن شدة قلقلها عليّ وهي تتخيلني جنيناً في رحمها. الصورة والحس الفيزيقي الذي لا تستطيع الأم التفكير بالابن دونه. وكنت منذوراً لقدري. أتذكر مشهد قلق أمي في مطلع فجر المدينة التي حرمت منها قرابة عشرين عاماً مقروناً بهذا البيت الشعري لعلي الشباني وهو يستقرأ غياب الابن.. غيابي.. غياب كل مقاوم أو مهاجر:
أمي حرز للخبز.. كتبتني جوع المدن
طشت الغيبة بخت، حركت الشيله شمس
والجيله بيدي عمت
كالت عمر مبخوت
أنت ورد للحزن وبلايه سكه تموت.



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكسور خاطر
- رسائل المرحوم الشاعر عزيز السماوي إلى الروائي سلام إبراهيم
- رسائل الشاعر – علي الشباني – إلى الروائي سلام إبراهيم2 أليست ...
- رسائل الشاعر علي الشباني إلى الروائي سلام إبراهيم
- نجمة البتاوين رواية العراقي شاكر الأنباري - سجل يوثق فنياً ا ...
- جُمهورْ، وما أبقى هنا، وتطوير الثورة العالمية!.
- في باطن الجحيم – رواية -
- تتبع جذور النص
- يوميات العراق والمنفى – 5 - ظهر – هذا التراب المر.. حبيبي –* ...
- يوميات العراق والمنفى -3 – عشيقة علي الشباني، والكآبة، والمد ...
- يوميات العراق والمنفى 2- ميم – الداعر واللذة والحرب والتوبة ...
- يوميات العراق - الموت والصدفة والضجيج -
- الصحفيون، والمثقفون والكتاب والفنانون قاطعوا صحافة الأحزاب ا ...
- أخوض بلا
- عن رواية - الحياة لحظة - لسلام إبراهيم _ حوار خالد بيومي – ا ...
- موواويل ودراميات وأبوذيات للشاعر علي الشباني
- حب، خاطر مكسور، وذرة ضائعة
- رسائل حب
- لا معنى للتفاصيل والغمر
- ماذا والجنة


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - الطفولة، العائلة، الصداقة في أشعار علي الشباني-1