أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سعود سالم - ليبيا: الثورة المسروقة















المزيد.....

ليبيا: الثورة المسروقة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 3429 - 2011 / 7 / 17 - 21:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


1

منذ أكثر من أربعين عاما والليبيون ينتظرون هذه االحظات التاريخية ‫..‬ حيث يكسرون حاجز الخوف ويخرجون إلى الشارع ويهتفون ويصرخون بكل قوتهم رغبتهم وإرادتهم في انتزاع حريتهم من براثن الوحش السلطوي المتسلط ‫..‬ ولقد جاءت هذه اللحظة يوم 15 فبراير حيث خرجت النساء والرجال إلى الشارع للمطالبة بالعدالة والحرية والمطالبة بمعرفة الحقيقة عن مجزرة بوسليم‫.‬ غير أنهم قبل أن ينطقوا بالحرف الأول من مطالبهم واجهتهم السلطة وقواتها الجاهزة بكل ثقلها ‫..‬ هذا كان متوقعا ‫..‬ وكان من المتوقع أيضا أن لا يستسلم الليبيون لأول غارة من السلطة ‫..‬ كان متوقعا أن تخرج الجماهير الليبية في كل المدن والقرى رغم الرصاص والقناصة ورغم الدبابات والأسلحة الثقيلة ، فالحرية لا ثمن لها ‫..‬ ولكن للحرية سعر لا بد من دفعه ‫..‬ ومن لا يحرر نفسه بقوته الذاتية يظل عبدا لمن حرره ‫..‬ اللبيون وكل شعوب العالم تدرك هذه الحقيقة البسيطة ‫..‬ كما تدرك أن القذافي وسلطته لن تستطيع أن تقف في وجه المد الشعبي في الشوارع ‫..‬ حتى ولو لم يكن لهم من سلاح سوى صدورهم العارية وإرادتهم للحرية ‫..‬ كما لم يستطع النظام المصري والتونسي إلا أن يخضع لقوة الجماهير على الأقل في البداية ‫..‬غير أن هذا كان مجرد إحتمال ‫..‬ أما الواقع فهو أن الثورة أو الإنتفاضة خنقت وأجهضت وحوصرت وتم الإلتفاف عليها وهي ما زالت في مهدها وقبل أن تنطق بحرف واحد‫.‬ كان هناك رجال جاهزون وعلى أهبة الإستعداد لتسييرها والتخطيط لها وقيادتها ‫..‬ وكانت هناك عيون وآذان وعقول ومصالح ‫..‬ كان هناك من يخطط ويحسب ويعاود الحساب ثم يقرر ‫ماهي مصلحة الشعب الليبي .. حيث أنه من المتعارف عليه أن الشعوب هي آخر من يعرف ما يصلح لها.‬
ومنذ الأيام الأولى سقطت الإنتفاضة الشعبية في كمين نصبه القذافي نفسه ومن يعمل لصالحه .. كمين الإستلاء على السلاح وسراب إلتحام الجيش بالثورة ناسين أن القذافي ذاته هو نتاج لهذا الجيش .. ووجد القذافي العذر والذريعة التي تمكنه من سحق أية تظاهرة أو أي تحرك شعبي بحجة محاربة الإرهاب المسلح .‬
القذافي هو المسؤول الأول في تحويل الإنتفاضة الشعبية المسالمة إلى تمرد مسلح .. غير انه ليس وحده المسؤول فهناك من شاركه في هذه الجريمة بقصد أو بدون قصد.. هذه الحقيقة لا بد من أخذها في الإعتبار وبالذات لأن هذا التحول النوعي في طبيعة الإنتفاضة كان له نتائج في غاية الخطورة وأدى في النهاية إلى الموقف الذي نعيشه الآن .. أي موت اللبيين بالعشرات كل يوم من أجل مصالح فرنسا وأمريكا وبريطانيا وذلك منذ أكثر من خمسة أشهر.‬
ذلك أن تسليح الثوار منذ البداية أدى إلى إقصاء ومنع المواطن العادي من المساهمة في تحرير نفسه بنفسه وأقصى النساء من المساهمة في الإنتفاضة العامة .. الثورة أصبحت حربا بين رجال مسلحين رغم إختلاف نوعية وقوة السلاح .. أما بقية المواطنين فقد بقوا في بيوتهم يشاهدون محطة الجزيرة ويستمعون إلى النخبة البرجوازية الليبية - والتي يبدوا أنها تسكن في هذه المحطة - وهي تدفع بهم إلى المذبحة وتصرخ بكل أجهزتها الصوتية بأنها لن تستسلم حتى آخر ليبي.‬ غير أن الآلاف من اللبيين لم يصدقوا هذه النكتة المبكية وتوجهوا إلى مصر وإلى تونس لينقذوا أنفسهم وأطفالهم من هذه المعركة والتي سيكونون الخاسرون فيها في جميع الأحوال ( يوجد حاليا أكثر من سبعين ألف لاجئ ليبي داخل الحدود التونسية ).‬
والنتيجة السلبية الأخرى لتسليح الإنتفاضة الليبية هي إقصاء العمال من هذه الثورة وبالذات العمال المهاجرين‫.‬ حيث كان يتواجد في ليبيا قبل 15 فبراير أكثر من مليون ونصف عامل مصري وعدة آلاف من تونس والسودان والمغرب ومن دول أخرى ‫..‬ والذين لم يتمكنوا من المشاركة في إنتفاضة مصر أو تونس لكونهم خارج بلدانهم ‫..‬ هؤلاء العمال كانت لهم دواع للمشاركة في الثورة وتغيير النظام ربما أكثر من الليبيين أنفسهم ‫..‬ وهذا ما دعى القذافي منذ الأيام الأولى للإشارة إليهم وتعيينهم كسبب مباشر للثورة وأمر قواته العسكرية ولجانه الثورية بمطاردتهم ‫..‬ وتسليح الثورة وبدء المعارك بين قوات القذافي والثوار هو الذي دفع هؤلاء العمال للهروب بجلودهم تاركين ورائهم القليل مما يملكون لسنوات من العمل والشقاء في ظروف مزرية من الإستغلال والإذلال والعنصرية‫.‬
هذه كانت بوادر هزيمة الثورة الليبية ‫..‬ اما الضربة القاضية فكانت الهجوم العسكري الفرنسي ثم قوات الناتو والذي جعل ليبيا تصبح محمية أوربية وأمريكية ‫..‬ وحتى في حالة تنحي القذافي أو قتله أو إنتحارة ‫..‬ فإن ظرورة الثورة ما زالت قائمة ‫..‬ وعلى الشعب الليبي أن يبدأ من جديد‫.‬

2
مرارة الهزيمة لا يضاهيها إلا الإحساس بالفجيعة والخوف الكوني من الكارثة .. مرارة الهزيمة لا يضاهيها إلا هذا الإحساس بالعار والخجل من هذا العجز الميتافيزيقي الذي ينخر صدور آلاف المواطنين وراء الأبواب الموصدة يسترقون السمع إلى الأخبار من خلال صناديقهم التلفزيونية والإلكترونية ويراقبون كل هذه الوجوه القديمة والمغبرة .. هذه الوجوه التي لا تكف عن الكلام .. يراقبون هذه الشخصيات القديمة البالية في أدوارها الجديدة وهم يرتلون تحاليلهم السياسية وأناشيدهم الوطنية ويدفعون بالفقراء في ظهورهم إلى المذبحة.
مرارة الهزيمة لا يضاهيها إلا الإحساس باليأس من هذا الشعب الذي يبدو أنه فقد العقل والذاكرة .. فقد كل إحساس سياسي واجتماعي وتاريخي. ولكنه لابد من تجاوز هذا الإحباط الأولي .. فالإحساس بالمرارة والهزيمة هو إحساس فردي وخاص ويتعلق بوعي الفرد الذاتي .. أما الشعب كذات موضوعية وخالق للتاريخ فإنه لا يهزم ‫..‬ يمكن أن ينكسر ويتحطم ويتشتت ‫..‬ ولكنه يولد من رماده من جديد ويتكون وتتلاحم أجزاءه مرة أخرى في اللحظات التاريخية الحاسمة‫.‬ نحن هنا نتكلم عن الشعب الحقيقي والوحيد ‫..‬ أي الأغلبية العظمى من الفقراء والبسطاء المهمشين ‫..‬ الإنسان العادي والذي لا ينشد سوى الحياة الكريمة والحرية ‫..‬ الحياة الخالية من الجوع والفقر والخالية من الخوف والقهر والإذلال .. هذا الشعب دائم الوجود ولا يمكن هزيمته‫.‬
غير أنه هناك شعب آخر ‫..‬ شعب قليل العدد ويتكون من مصاصي العرق والدماء ‫..‬ أصحاب الوجوه المتخمة والبطون المليئة والمنتفخة ‫..‬ أصحاب البدلات الغالية والذين يركبون الطائرات ويملكون عدة جوازات سفر وعدة حسابات في مصارف مختلفة ‫..‬ هؤلاء الذين يمثلون الشعب ويتكلمون بإسمه ‫..‬ هذا هو الشعب الحاكم والمكون من السماسرة الذين يبيعون بالمزاد العلني ما لا يملكون ‫..‬ باعوا البلاد وما فيها لأول من يشتري وسرقوا ثورات الفقراء على مدى التاريخ ‫..‬ هؤلاء هم الخوازيق الذين لا يكفون عن التكاثر في اللحظات التاريخية الحرجة ‫..‬ ويخرجون من فيللاتهم وقصورهم ما أن تسنح لهم الفرصة ‫..‬ ويتزاحمون كالضباع الجائعة على جثة البلاد المذبوحة بسكاكين جزار معتوه‫.‬
هؤلاء الآن هم ما يسمى بالشعب الليبي الرسمي وصورة الشعب للعالم الخارجي ‫..‬ يتكلمون باسم الشعب الحقيقي الصامت أو الذي دفع به إلى جبهة القتال ‫..‬ يتكلمون باسمه يتفاوضون عليه ويوقعون الصكوك والإتفاقيات والمعاهدات ‫بإسمه دون أن نستشيره وبدون علمه. هؤلاء هم اللصوص وهم الطغاة وأسمائهم لا أهمية لها كما لا أهمية لوجوههم‬ ولا لإنتماءانهم الفكرية أو السياسية التي يغيرونها كما يغيرون قمصانهم وستراتهم وفقا للمناسبة
ولتسمية الأشياء بأسمائها ‫..‬ لا بد من القول بأن الشعب الليبي يرفض هذه الحرب التي فرضت عليه ‫..‬ الشعب الليبيي يرفض أن يموت من أجل القذافي ولكنه يرفض أيضا أن يموت من أجل هذه البرجوازية التي استولت على ثورته وتعمل جاهدة للإستلاء على ثروته ‫..‬ الشعب الليبي لا يريد أن يموت من أجل الذين يبيعون ليبيا لشراء العرش ليتمجلسوا طغاة محل الطاغية
الشعب الليبي لا يريد القذافي ولا يريد هذا المجلس الذي عين نفسه بنفسه ممثلا له والذي سرق الإنتفاضة الشعبية وحولها إلى إنقلاب عسكري مسلح يقوده الجناح اليميني لنظام العقيد ذاته.
الشعب الليبي لا يريد العلم السنوسي ولا الفرنسي ولا الإنجليزي ولا الأمريكي يرفرف في شوارع مدنه وقراه
الشعب الليبي يريد فقط علم الحرية‫.‬

3

لا يمكن إخفاء الشمس بغربال كما لا يمكن للحقيقة أن تختفي وراءالدخان إلى الأبد ولا يمكن لصوت العقل أن تغطيه أصوات الأبواق الرسمية والغير رسمية ولا أصوات إنفجار القنابل والصواريخ " الإنسانية ". لقد سقط القناع الشفاف الذي تختفي وراءه الوجوه الحقيقية لسارقي الثورة .. ثورة الفقراء والمهمشين .. ثورة الذين أرادوا أن يتنفسوا الحرية والكرامة الإنسانية .. سقط القناع وحان الوقت لهذه الوجوه الشمعية أن تواجه النور الساطع وتذوب تحت حرارة الشمس‫.‬

سعود سالم





#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوادر هزيمة الثورة اللبية
- العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثالثة
- العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثانية
- العدمية وأسطورة الكينونة
- كوكا كولا... إشكالية المثقف
- سفر العدم والجنون
- الخيال
- الخطوة الأولى لفك الحصار... تسريح الجيوش
- الوعي المحاصر
- الله والشاعر والفيلسوف
- عن الأسرة والكراسي
- طبيعة الكارثة
- مناورات لفك الحصا ر


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سعود سالم - ليبيا: الثورة المسروقة