أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثالثة














المزيد.....

العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثالثة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 3004 - 2010 / 5 / 14 - 16:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الإنتحار ليس ظاهرة جديدة اجتاحت المجتمعات المعاصرة فجأة نتيجة ظروف وشكل التركيبات الإجتماعية والإقتصادية الجديدة. فرغم عدم وجود معلومات دقيقة وغياب الإحصائيات المتعلقة بهذا الموضوع فيما يخص المجتمعات الإنسانية القديمة، فمما لا شك فيه أنه كانت توجد حالات إنتحار عديدة طوال تاريخ البشرية. الذي نعرفه اليوم هو النصوص العديدة التي تركتها هذه الحضارات فيما يتعلق بمشكلة الموت وما وراء الموت، والتي كانت أحد مصادر الأديان والأساطير التي كانت ردا على قلق الإنسان وحيرته أمام الصمت والهمود والبرودة الناتجة عن غياب الحياة عن الجسد الساكن المدد على الأرض بلا حركة. وهذا ما دفع جلجامش للقيام برحلته الطويلة لإيجاد الحل لهذه الكارثة لأنه كان يرفض أن يموت وأن يتحلل جسده حتى يخرج الدود من أنفه كما حدث لرفيقه انكيدو. فالموت مرتبط بالحياة إرتباطا عضويا وليس ظاهرة خارجية أو عرضية طارئة. الحياة والموت وجهان لظاهرة واحدة . والموت ليس نقيضا للحياة كما أن الحياة ليست نقيضا للموت. غير أنه على المستوى الفردي، الإنسان يعي وجوده ككائن حي قبل أن يعي كونه ملغم بالموت وأن جسده قنبلة موقوتة يجهل زمن انفجارها. الحياة سابقة للموت زمنيا وعلى المستوى الفردى، غير أنه لا يمكننا أن ندرك أو نحلل عقليا معنى الحياة دون إلقاء نظرة ولو جانبية على طبيعة الموت . ونحن هنا لا نتحدث عن الموت الجماعي وانما عن موت الإنسان الواحد والوحيد في قبره. وجملة ستالين القاتلة " موت إنسان واحد يعتبر مأساة وتراجيديا، موت آلاف البشر هو مجرد إحصائيات " ما تزال شديدة الصدق رغم قسوتها. والموت حاضر في كل لحظة وكل مكان، يمكن أن يلوح لك بيده من بعيد كما يمكن أن يقابلك وجها لوجه عند أول زقاق تنعطف نحوه... أو يجلس أمامك ويشاركك في إحتساء كأس الشاي أو البيرة في أي مقهى شعبي.. لا يفصلك عنه سوى مربع الطاولة الحديدية الأخضر . صدفة في غاية البساطة وفي غاية اللاضرورة. والعديد من المذاهب الفكرية التي انتشرت طوال القرون الماضية، لم تظهر الى الوجود الا وهي طافية فوق بحار الدم وأكوام الجثث. والموت كما يحلله عبدالرحمن بدوي: إشكالية ومشكلة. والإشكالية تطلق على كل ما يحتوي على تناقض في ذاته. والموت كومة من التناقضات. فعل فيه قضاء على كل فعل. وهو علم مطلق من حيث ضرورته وكونه لا بد واقع؛ وجهل مطلق من جهة زمنية وقوعه. وهو ايضا كلي مطلق وجزئي مطلق في آن واحد. فالموت حقيقة كلية يعانيها كل الأحياء بدون استثناء، غير أن كل فرد يموت وحيدا في جزيرته معزولا عن الآخرين. الموت إذا إشكالية من ناحية المعرفة بطبيعة تجربة الموت المستحيلة وموقعها في الزمان. كل ما نستطيع وصفه هو حالة الميت أو حالة انسان يموت، أما حالة الموت ذاته فلم يدركها احد قط، فكل الذين أدركوا هذه التجربة ماتوا وغابوا في الفراغ العدمي . الموت كإشكالية هو موضوع بحث نظري يتعلق بتحليل هذه الظاهرة فكريا وعقليا دون معايشتها وجوديا من الداخل، والموت يكون مشكلة حين يرتبط بالوعي، أي حين يعي الإنسان إشكالية الموت ويدرك بكل ذرة في جسده إمكانية سقوطه في العدم. فالموت لايكون مشكلة إلا في حالة الوعي بالحياة وعيا حاداوعميقا، أي ممارسة الذات لحريتها المطلقة في التفكير والفعل. دوستوييفسكي يبدو أنه أدرك بعمق معنى أ ن يكون الإنسان حيا يتنفس، يحب ويكره ويخاف ويتألم، ثم ينطفئ فجإة مثل عود الثقاب ووصف بإسهاب تفاصيل الحياة ومعنى أن يكون المرء واقفا ملتصقا بالأرض تلفح وجهه الرياح الباردة ثم يلف الظلام كل ما حوله وينطفئ النور وتختفئ الرؤية ويغيب إحساسه بالشمس ورائحة الأشجار والتراب لحظة وقوفه أمام المقصلة متحسسا بعنقة الحديد البارد بينما تمتد صحراء سيبيريا الثلجية أمام البصر حتى تعانق الأفق. أما ميرسو، غريب البير كامو فإنه بقي ساهرا طوال الليل أمام جسد أمه المسجى على السرير دون أن يتمكن من الإحساس لا بالألم ولا بأي نوع من الحزن، كما أنه لم يدر لماذا أخرج مسدسه وأطلق الرصاصة التي قتلت " العربي " الذي كان في قبالته. كان كمن ينتظر من والدته الميتة أن تستيقظ في صباح اليوم التالي كعادتها، ومن " العربي " أن ينهض وينفض تراب الشاطئ عن ملابسه ويواصل طريقه. ورغم حياة ميرسو المملة والخالية من المعنى، فإنه أدرك مقدار حبه والتصاقه بحياته التافهة وروعة أن يكون الإنسان حيا يقضي أماسيه في التدخين وقراءة الصحف، أدرك ذلك في نهاية الأمر، حين كان يتطلع إلى السماء من خلال فتحة ضيقة في جدار زنزانته المظلمة منتظرا خطوات الجلاد من لحظة لأخرى. الإنسان لا يعي وجوده ولا يكتشف قيمة الحياة وثرائها إلا في لحظات الوقوف مباشرة أمام الهاوية. وهذا ما يمكن تسميته بلحظات الوجود الكبرى أو الوجود المكثف والتي لا تظهر بكل قوتها وحرارتها إلا في مواجهة الموت. فالموت ليس موضوعا إضافيا للحياة ويغلفها من الخارج، بل هو كائن في اعماق الدقائق والتفاصيل اليومية المتكررة. وحين نكتشف ان الموت باطن في الحياة وملتصق بنا كجلودنا نبدأ في التساؤل: هل تستحق الحياة حقا أن تعاش؟ وهناك العديد ممن أعتبر الإجابة على هذا السؤال أو مجرد التفكير في محاولة طرحة هو البداية والمدخل لكل فلسفة حقيقية. ورغم عبثية السؤال ذاته وخلوه من الجدية فإن الإنتحار أو الموت الإرادي يمكن اعتباره ضمن المحاولات الإنسانية العديدة للإجابة على هذا التساؤل والتي تهدف الى الوصول الى قلب وصميم جوهر الحياة وعيش تجربة فريدة ومركزة ولو للحظات وجيزة ومعرفة مذاق الحياة الخالية من الملل والعبث. الموت الإرادي ليس رفضا للحياة، بل هو رغبة ملحة لحياة أكثر كثافة وأقل ضحالة. وفي نهاية الأمر الإجابة ب " نعم " . نعم الحياة تستحق أن تعاش وذلك لغياب البديل ولعدم وجود أي شئ آخر متعال على الحياة، فهي البداية وهي النهاية.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثانية
- العدمية وأسطورة الكينونة
- كوكا كولا... إشكالية المثقف
- سفر العدم والجنون
- الخيال
- الخطوة الأولى لفك الحصار... تسريح الجيوش
- الوعي المحاصر
- الله والشاعر والفيلسوف
- عن الأسرة والكراسي
- طبيعة الكارثة
- مناورات لفك الحصا ر


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثالثة