أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أبو الحسن سلام - عرس الدم من لوركا إلى ميدان التحرير















المزيد.....



عرس الدم من لوركا إلى ميدان التحرير


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 3424 - 2011 / 7 / 12 - 22:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أولا: عرس التحرير :
ما أشبه ثورة 25 يناير بمسرحية عرس الدم التي أبدعتها عبقرية لوركا الشعرية ، وما أشبه ثوار ميدان التحرير في تلك الليلة العبقرية بعريس مسرحية لوركا ، الذي تنقر أمه في رأسه ليل نهار من أجل أن يأخذ بثأر أبيه من قاتله المتجبر ، وفي الوقت نفسه تحضه على العناية بعمله في المزرعة التي ورثها عن أبيه ، فهي تدفعه نحو الثأر وتدفعه نحو العناية بعمله في المزرعة . وفي ظني أن ثوار مصر في 25 يناير مدفوعين بوطنيتهم ( التي هي بمثابة المعادل الرمزي لشخصية الأم في مسرحية لوركا) مدفوعين نحو الأخذ بثأر الوطن ( الذي هو معادل رمزي لشخصية الأب في المسرحية نفسها ) وهم مدفوعين في الوقت نفسه نحو الحفاظ على اقتصاد مصر ، على العمل ميراثهم التاريخي والشرعي . وما بين الاندفاع الثوري نحو المطالبة بثأر الوطن من قتلته (المريض السيكوباتي وعصبته الإجرامية) والحرص على اقتصاد الوطن ( ميراثه التاريخي ) يقع المطالب ثوار 25 يناير في حيرة ؛ تماما كما وقع بطل مسرحية لوركا في حيرة ، ما العمل ؟! الأخذ بالثأر أم تشغيل دولاب العمل في المصانع والمزارع والمؤسسات . الاحتفال بليلة العرس (الانتصار على رؤوس النظام المحبوسين مابين المستشفيات تمارضا والسجون استجماما ) ولعل وضع قتلة الوطن تمارضا واستجماما استثار حمية الثوار فأحسوا بأن ثورتهم كانت بمثابة عرس كان كل واحد منهم عريس ليلتها الدامية ؛ لم تتحقق لأي منهم بعد فرحة العرسان في ليلة الدخلة ؛ بسبب الولاية ( المتمثلة في المجلس العسكري الذي هو بمثابة المعادل الرمزي للجارة الحشرية في مسرحية عرس الدم ، التي تبلبل بمونولوجاتها المتتالية الأم ، فيما بين استعدادها لإتمام عرس ابنها ، والنية بالأخذ بثأر الأب ؛ مما يترتب عليه التقاعس في إتمام العرس وفي الأخذ بالثأر )
إن تصوير المجلس العسكري لدوره أمام الرأي العام بأنه مجرد دور ثانوي انتقالي وسيط وحيادي بين مطالب الثوار على اختلاف فئاتهم وضرورات الحفاظ على كيان البلاد ؛ يعطي صورة على غير الحقيقة ؛ فكم من الأدوار الثانوية تبدو هامشية في الظاهر بينما هي في الواقع تشكل المحور الخفي المحرك الرئيسي للأحداث ؛ بما يشكل خطورة شديدة في عمليات التحول المفصلي وربما التاريخي .
ويبدو لي دور المجلس العسكري كدور (الجارة ) في مسرحية العرس الدامي ، التي تتسلل بنعومة ، وتلعب في رأس أم العريس لتشككها ، وتبلبلها في اتخاذ القرار المناسب وتشككها في جدوى العرس (الثورة) وفي جدوى الثأر من قاتل الأب/الوطن ( مبارك وعصابته ) فلا يكون هناك احتفال بعرس أو بثأر.
إن دور المجلس العسكري من ثورة الشعب المصري ، دور محوري محرك للأحداث مهما يبدو للعيان بأنه استثنائي انتقالي وثانوي ، لذا أرى أن تحليل دوره الحقيقي في تحريك الأحداث خلال الفترة مابين 25 يناير ويوم 8 يوليو يحتاج تحليلا دقيقا وأمينا ، فكم من الأدوار التي تبدو في ظاهرها ثانوية وهي في الحقيقة شديدة الأثر في تحريك الأحداث .
ناضورجي الثورة: من أمثلة البطولة لمن نعتقد خطأ أنهم ثانويين وهامشيين ذلك الدور الذي لعبه الشاب الاخوانجى ، الذي صعد إلى أعلى عامود من أعمدة ميدان التحرير ، ، ويظن من يتطلع إلى فعله بأنه هامشي وثانوي ، ونوع من الفذلكة الشبابية الطائشة بينما كان دوره من أنبل الأدوار وأكثرها ثورية ؛ فقد صعد مخاطرا بحياته ليقوم بدور الناضورجي ، حيث يراقب مداخل الميدان ، وينبه الثوار على الأرض بكل محاولة تسلل البلطجية رؤوس الحزب الوطني ، فيدق دقة واحدة فيعرف الثوار أن التسلل من ناحية شارع القصر العيني أو يدق دقتين فيسرع الثوار لمواجهة تسلل آخر من ناحية شارع قصر النيل ، وهكذا ،كان دوره دورا محوريا في توجيه حائط الصد لزحف البلاطجة من رجال الأمن المتخفيين وراء أزيائهم المدنية المتسللين من الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب . لقد كان هذا البطل عرضة لرصاصة قناص عميل من زبانية النظام الفاسد . ومع ذلك لم تسلط فضائية واحدة أو صحيفة واحدة الضوء على بطولته ، لماذا ؟ لظنهم بأن دوره دور ثانوي ، هامشي . يخطئ السياسيون والإعلاميون في تهميش الأدوار الثانوية التي تمثل الشرارة التي تشعل فتيل الثورة ؛ فقد كان إشعال البائع التونسي المتجول ( بوعزيزى) النار في جسده اعتراضا على إهانة الشرطية له ، الفتيل الذي أشعل الثورة التونسية ، وكذلك كان قتل مخبري شرطة سيدي جابر بالإسكندرية للشاب "خالد سعيد " والتمثيل بجثته شرارة أشعلت وقود ثورة الشعب المصري، وكذلك كان مقتل الطفل السوري خالد والتمثيل بجثته فيل إشعال ثورة الشعب السوري العظيم ، وكانت ثورة شعب اليمن وثورة الشعب الليبي من مستصغر الشرر.
ثانيا: عرس لوركا :
يخطئ من يظن أن الدراما فحسب هي التي تترسم خطى الشخصيات الثانوية والهامشية ، ويخطئ النقاد في النظر دون مبالاة إلى الشخصية الثانوية في دراما المسرح والشاشة ؛ فلو أن نظرتهم إليها كانت نظرة تحليلية ؛ لتبين لهم أن من الشخصيات الثانوية ما كان دوره دورا محوريا في تحريك الأحداث وإشعال الصراع ؛ نأخذ مثلا شخصية ( الجارة) في مسرحية (عرس الدم)





تحليل دور مسرحي
دور الجارة في مسرحية ( الزفاف الدامي )
لفردريكو جارثيا لوركا
لا تحظي الأدوار الثانوية عادة باهتمام المخرج المسرحي أو السينمائي إلا فيمـا قـل أو ندر ، مع العلم بأن تمكن ممثلة/ممثلة الدور من تحليله تحليـلا أدائيـا يجعـله مالـكا لزمام مسيرة النقلات الشعورية ، المقيدة بالعاطفة الحاكمة للدور ، وهذا ما يفرق بين ممثل موهوب دارس ، وممثل/ممثلة مكتف بموهبته الفطرية . ولأن الأدوار الثانويــة لا تحظى باهتمام المخرجين ؛ لـــذا أطرح نموذجا اقترح على ممثلى/ ممثلات الأدوار الثانوية أن يحتذونه، وهو دور( الجارة الثرثارة) في مسرحية لوركا(الزفاف الدامي)
أسلوب النص: أسلوب الطبيعية الذي تأسس على عنصري الوراثة والبيئئة
أسلوب الأداء التمثيلي : ويقابله من حيث أسلوب الأداء التمثيلي أسلوب الأداء وفق نظام ستانيسلافسكي ، الذي يقوم على مزاوجة الممثل في أدائه بين الصفات الداخلية للشخصية والصفات الخارجية المحيطة بها والمتفاعلة معها . وهو أسلوب يتخذ المنهج النفسي في تحليل الأداء ، وفق نظرية الباعث ، إذ إن لكل فعل باعث أو دافع . وهنا يكون على الممثل أن يمسك بالعاطفة الحاكمة للدور الذي يقوم بتمثيله ، أيا كان ذلك الدور ؛ بحيث يمثله بمشاعر دافئة أو بقلب دافئ وعقل بارد – كما يقول ستانيسلافسكي-
تحليل دور ( الجارة )
مواصفات الدور: هو دور أقرب إلى أن يكون دورا ثانويا من حبث مساحته الزمنية في خط الجدث الدرامي ، لكنه في إطار تطور الحدث على طول خط الصراع يعد دورا محركا للأحداث ، إذ إنه بزرع بذرة الشك منذ البداية في داخل أم العريس بما تلقيه في روعها من مخاوف خول العروس المرشحة زوجا لابنها الوحيد . فضلا على تشكيكها في حدوث الزواج من أساسه ، وكأنها تلمح إلى الفكرة التي تطن دوما في رأس الأم حول حتمية أن بأخذ ابنها ( العريس) بثأر أبيه من قاتله في عائلة فيليكس، إذ كيف يمكن الجمع بين فكرة تزويج الأم لابنها مع فكرة أكثر إلحاحا لديها بحضه على الأخذ بالثأر وهو وحيدها الوارث الأوحد لمزرعة أبيه !! فالجارة إذن لها دور فاعل منذ البداية ، إذ تكشف للمتلقي عن بذرة التناقض الرئيسية في الحدث الدرامي ، وتشكل نواة الصدمة الدرامية الأولي على خط الصراع الدرامي بالمفارقة الدرامية التي تفجرها في وجه الأم .
الصفات الخارجية لدور دورالجارة : هي جارة كأي جارة من جيران الريف أو أخد الأحياء الشعبية ، لديها فراغ في الوقت ، لا حساب للوقت لديها ، حشرية تدس أنفها في شؤون جيرانها ، تنقل الأخبار دون تمحيص كعادة أو هواية ، تمضية للوقت ونوعا من الثرثرة التي تدعى العلم ببواطن الأمور وبأسرار جيرانها ، ولا ننسى أن الحدث الدرامي يدور في جنوب أسبانيا أي في صعيدها ، ومعلوم أن أهل الجنوب ( في صعيد كل دولة من الدول ) يتصف بحدة الطبع وعادة تناقل الأخبار وانتشار الشائعات ، تبعا لطبيعة التلاحم و الحميمية بين الجيران في تلك المجتمعات الصغيرة النائية المحرومة من تدفق التحديثات والمخترعات ومستحدثات الأمور تبعا لبعدها عن العاصمة والمدن الكبرى . هكذا رسم لوركا شخصية الجارة صورة تكاد تكون طبيعية من واقع مجتمعات الريف بمحدودية تفاعلاته الثقافية مع العالم الخارجي ، مجتمعا مغلقا أو يكاد الجارة إذن سيدة عجوز في سن متقاربة من سن الأم ، وكلتاهما فقدت زوجها ، من هنا فلديها فراغ من الوقت ، بخاصة إن لكل منهما ابن شاب في مقتبل عمره يسعي في الرزق في حقله أو ورشته . غير أن الجارة ثرثارة ، حشرية ، بينما الأم متحفظة ، أي أن كل منهما على نقيض الأخرى ، وتلك سمة صراعية ، تتميز بها الشخصية الدرامية ؛ لذا ترى الأم متحفظة معها في الحديث ، تحدثها بكلمات هي مجرد ردود على اقتحام الجارة لعالم الأم ، وإن كانت تتلذذ بالإنصات إلى ثرثرتها الناقلة لأخبار غيرها من الجيران . هكذا تتعامل أم العريس مع الجارة ، لكن الجارة لا تبالي بهذه البرودة من قبل الأم ، وإنما تواصل ثرثرتها والخوض في أعراض الناس
ولا يختلف دور الجارة ودور الأم هنا في هذا النص المعد إعدادا دراماتورجيا عن لوركا عن دور كل منهما في نص لوركا الأصلي الذي يتعرض لفكرة الميراث والثأر أيهما الأحق بالأخذ به ؟ هل يأخذ الابن بثأر أبيه فتضيع الأرض إذا ما ضاع هو وهو الوارث الوحيد بصفته الابن الأوحد لأبيه القتيل ، أم ينسى فكرة الثأر ويسعى للحياة وإعمار أرضه وحفظ ميراثه ؟ يقع كل من الابن العريس والأم في حيرة بين الفكرتين ، على الرغم من تنقر في رأس ابنها ليل نهار ليأخذ بثأر أبيه ، وعلى الرغم من كراهيتها للسلاح وعلى الأخص السكين ، فبمثلها قتل زوجها إلا أنها تنقر في رأسه من ناحية أخرى برعاية حقل العنب وتسعي لتزويجه ، وبين الأمرين تتشكل خيرتها في كل لحظة . وهنا تستغل الجارة تلك الحيرة وتنقر في رأس الأم ، لتشككها في العروش ، فبينما تقول عنه أمها إنها كانت قديسة إذا بها تطعن عليها وتتهمها وهي الميتة ، دون الاكتفاء بذكر حسنات الموتى – بأنها لم تكن تحب زوجها والد العروس المرشحة زوجة لابنها . الجارة إذن فوق كونها ثرثارة وحشرية ، غير منصفة ولا تحفظ حق الجار ، ولا حرمة الأموات. وكعادة الجارات في المجتمعات المنعزلة أو الريفية المهمشة تتسلل الجارة ، في الصباح فور خروج الزوج أو الابن إلى عمله ، قاصدة منازل جاراتها بيتا ، بيتا ، بدءا من البيت الذي يكون محتملا عند صاحبته الاستجابة لما تنقله تلك الجارة ، وهنا تبدأ الجارة ببيت الأم لأنها أضعف الحلقات ، فهي متأرجحة فيما بين قرار تزويج ابنها وما يترتب علي ذلك من استقرار وسلام ، يباعد بينه والأخذ بثأر أبيه ، وفكرة الثأر من قاتل أبيه – زوجها - فتلك الحيرة بين القرارين بشكل نقطة ضعف الأم التي تثب منها الجارة وتتسلل إلى ضمير الأم لتزرع بذرة الشك ، دون أن تجنى تلك الجارة من وراء ذلك شيئا غير ممارسة هوايتها في تحريك ضمائر الآخرين ، ومعلوم أن الدراما فعل تعبيري شديد الأهمية في تغيير الضمائر والمصائر . في بداية العرض ، فور خروج الابن بعد مناقشة حادة مع أمه ، حول الموضوع نفسه ، موضوع الثأر ، وموضوع الاهتمام بالمزرعة تتسلل الجارة ، مجاملة بمدخل ناعم في بداية الحديث سريعا ما ينقلب إلى ثرثرة اغتياب في جارة أخرى :
الصفات الداخلية لدور الجارة :
تتمثل الصفات الداخلية للدور المسرح ي في قدرة الممثلة على الإمساك باللحظة الشعورية في كل نقلة شعورية تتبدل فيها دوافع الشخصية ، وهذا يتطلب تحليل الدور تحليلا أدائيا :
" الجارة: كيف حالك ؟
غير أن الأم تبدو متبرمة ، حذرة لأنها تعرف عادة تلك الجارة الحشرية التي تدس أنفها في غير شؤونها؛ لذا يأتي ردها مقتضبا:
" الأم: كما ترين ؟ "
لم تجب بشيء ، ولأن الجارة حشرية لذا تتمتع بقدر كبير من برودة الأعصاب والتناحة ، فهي لا تضيع وقتا بل تدخل في الموضوع مباشرة ، نقل الخبر الذي قصدت إشاعته ، دون أن يطلب منها أخد ذلك، ولكن بعد جملة مجاملة مختصرة بمثابة تخلص درامي من خالة الخزي التي أصابتها بها الأم بردها غير الودي
" الجارة: أنت في حالة جيدة "
الباعث الأدائي : كأنها تحسدها على كونها بصحة جيدة
ويأتي رد الأم مختزلا ، تعبيرا عن عدم رغبتها في الاستماع إلى تلك الجارة أو عدم الترحيب بوجودها
الباعث الأدائي: تبدي الجارة عدم لا مبالاة ببرودة عاطفة الأم نحوها وكأن ( أذن من طين وأخرى من عجين ) ،تدخل في موضوع نقل الخبر مباشرة : " الجارة: منذ يومين جاءوا برفائيل وقد قطعت الآلة ذراعيه "
الباعث على الأداء : التصور بأن هذا العبر يستحق أن ينصت إليه ، هي معجبة بأنها تنقل خبرا كما لو أن أحدا غيرها لا يعرفه ؛ على أمل أن يؤدي هذا إلى ثرثرة طويلة بينها وأم العريس ، وأن القعدة ستطول ، وتطال أمورا وشؤونا أخرى تتعلق بسيرة الجيران وتمس أسرار البيوت . تمضية للفراغ وتسلية للوقت الطويل في أثناء غياب الأبناء في أشغالهم.. فماذا وراء الأرامل والعجائز غير الثرثرة وتمضية النهار دورانا على بيوت جاراتهن للتسلي أو الارتزاق أو الشكوى والسلوان ونفض متاعب ليلة طويلة مضت. تفهم الأم الخبيرة ذلك ؛ لذا يأتي سؤالها مبتسرا ، مواسيا
" الأم: ابن جارنا ؟ "
وهنا ينتقل أداء الجارة من حالة التمهيد للقعدة النسوية ، إلى موضوع جديد للحديث ، تنفيسا عن مرارة الوحدة ، وزرعا لبذرة الشك ؛ فينتقل الأداء نقلة شعورية مختلفة ، بعد أن اطمأنت إلى استجابة الأم /المضيفة لها وإن كانت على مضض – كارهة - فتقلب على الأم مواجعها، وتثير مخاوفها ، وهي تعلم أن لابنها ثأر واجب من قتلة أبيه
" الجارة : أجل . فكرت كثيرا بأن ابنك وابني في وضع أفضل .. إنهما ينامان مطمئنين .. ليسا معوقين "
الباعث على الأداء : تبدي الجارة شعورا يبدو وكأنها تستكثر على العريس أن يكون معا سليما ، وكأنها تقول للأم ( اشكري الله ) وفي ذلك ما يشبه اتهامها للأم بعدم الرضا عما هي فيه من نعمة ميراث وأبن قادر على العمل ومسعى حثيث لتزويجه ، وهي من طرف خفي تشير عليها بعدم تحريض ابنها العريس على فكرة الأخذ بثأره من ( ليوناردو) ابن عائلة فيليكس ، وهو ما يتعارض مع رغبة الأم التي تعرف الجارة أنها متحيرة بين الأمرين وكليهما مر !
يجيء رد الأم قاطعا وحازما ، بإغلاق الحديث في ذلك الموضوع:
" الأم: اسكتي . "
الباعث على الأداء : تنتقل الجارة نقلة شعورية مغايرة فيها استدراج للأم بدافع تشكيكها في مصداقية ابنها ، ووجهة خروجه.
" الجارة : أبن ابنك ؟
الأم: خرج "
تتسلل الجارة من جديد في نقلة شعورية مستدرجة بسؤال استنكاري ، خبيث :
" الجارة : سيتزوج ؟ "
الباعث على الأداء: الضرب على الوتر الحساس ، حيث تناقض القرار بين الرغبتين تزويج الأم لابنها والنقر في رأسه ليأخذ بثأر أبيه . هنا تضرب الجارة على الوتر الحساس في ضمير الأم .. فهو وحيدها الذي تتمنى له حياة سعيدة مديدة وبفقده تضيع الأرض ، وتثكل بفقد الابن بعد ترملها في الزوج !! فلئن أخذ بثأره ، سيطالب بثأر في عنقه ، ويضيع كل شيء ، ولئن تزوج واستقر وعاش مسالما ، متناسيا ثأره فهب مهانة في عرف التقاليد والعادات . هكذا نجحت الجارة الخبيثة في إثارة مشاعر الأم والنقر على ضميرها ، ختى تتدبر في مصير ابنها الوحيد ، لقد نجحت في استمالة الأم ، لذا تقترب منها الأم وتأنس لها :
"الأم: ( تتنبه ، تقرب كرسيها من كرسي الجارة) اسمعي .."
الباعث الأدائي: تنشرح الجارة وتشعر بسعادة داخلية ، وهنا تنتقل الممثلة نقلة شعورية أخرى ، حيث يبدو عليها الارتياح ، والشعور بالابتهاج الداخلي ؛ لأنها وجدت استجابة من الأم في نهاية الأمر . ، فلقد تغير وجه الأم من خالة العبوس والتزمت لحضور الجارة إلى حالة التهيؤ لسماعها في حديث الأسرار لذا تبدي الجارة اهتماما ملحوظا ومبالغا فيه وتسأل بتلهف وشوق ، إذ تشعر إنها أصبحت محل ثقة الأم المتزمتة ، ويظهر ذلك في تصدير أذنها ناحية فم الأم ؛ باعتبار ما ستقوله الأم محله خزينة الأسرار :
" الجارة : ماذا ؟
الأم: هل تعرفين خطيبة ابني ؟ "
الباعث الأدائي : وكأنها تنتظر مثل ذلك السؤال ؛ فتجيب إجابة فورية وحذرة ، حتى لا تغضب الأم :
" الجارة : فتاة طيبة ............ "
لكنها تردف بما لا يؤكد قولها السابق ؛ فلتحق رأيها الأول بما ينقضه :
" .. لكن من يعرف ما في نفسها ؟ لا أحد ، تعيش وحيدة مع والدها هناك بعيدا جدا.. "
ولكن الجارة سريعا ما تعود مرة أخرى إلى إغلاق القوس بالجملة التي بدأت بها وصف الفتاة : " ... لكنها طيبة "
هكذا تبدأ الجارة حديثها المتناقض عن سيرة العروس بداية فيها تعميم " فتاة طيبة " وتنهي حديثها غير الموثوق ممن يتأمله بالجملة نفسها : " لكنها طيبة " وفيما بين البداية والنهاية المتوحدة لفظا ومضمونا يأتي كلامها تخصيصا قصد به بلبلة فكر الأم وتشكيكها في سمعة العروس ؛ وهنا يتخذ أداؤها البنية الدرامية المعروفة بدائرية الأسلوب ؛ حيث بداية الصياغة هي نفسها نهايتها. فالتعميم ب ( فتاة طيبة) هدفه طمأنة الأم والدة العريس ، أما التخصيص ( ذم صفات العروس بعد ذلك في العبارة نفسها ) فهدفه زعزعة ثقة الأم في عروس ابنها المرشحة له زوجة .
ولأن الأم تؤمن ككل أم من أصول ريفية أو مجتمع ثقافته ثقافة قبلية بأن عنصر الوراثة ينتقل من الآباء والأمهات إلى الأبناء والأحفاد ، لذا تسأل عن أم خطيبة ابنها:
" الأم: وأمها ؟
ولكن الجارة لا تذكر حسنات الأم الميتة ، كيف يمكنها ذلك وهي الشخصية المحركة للأحداث ، فكلامها يترك انطباعا قوثا في نفس الأم ، ويحدد علاقتها بعروس ابنها القادمة ؛ لذلك تبدأ الجارة بالطريقة الملتوية نفسها ، تعميم في البداية سريعا ما ينقلب إلى الدخول في الخصوصية ، التعميم تلطيفي ، أشبه بغلاف جميل يخفي بداخله معنا نقيضا وبغيضا :
" الجارة : ماتت . كانت جميلة .. كان وجهها يضيء مثل قديسة ........ "
هذا الوصف أشبه بالعسل الذي يخفي تحته السم ، فبقية كلامها في وصف أم العروس هو السم في العسل :
" .......... لكنها لم تعجبني ...... " إلى هنا ؛ وهذا مقبول منها ، فهذا رأيها وهي حرة في بالتعبير عن شعورها تجاه المرأة ، لكن جوهر ما تريد التعبير عنه وجوهر ما تشعر به وتريد إبلاغه لأم العريس هو جملتها الأخيرة ، التي بدونها لا يتحقق جوهرالحوارالدرامي : " ........ لم تكن تحب زوجها "
الباعث على الأداء : إلقاء حجر في البحيرة الساكنة ، أو التي تبدو مياهها ساكنة !!
الجارة هنا تضع النقط فوق الحروف وتتوج عاطفتها الحاكمة بأداء ممثلة الدور بصدمة الأم صدمة درامية ؛ حيث تتفجر المفارقة الدرامية . ، حانت لحظة تفجير الموقف برمته ، إفشال الزيجة المقترحة أو مشروع الخطوبة ؟
وهنا يجب على ممثلة الدور أن تتساءل : ما هو دافعها إلى ما فعلت ؟!
المؤلف لم يبين ذلك في حوار النص وعلاقات الأحداث والأشخاص ، وهنا يكون على الممثلة ، بمساعدة المخرج توظيف ( لو / إذا .. السحرية) – بتعبير المعلم ستانيسلافسكي – بحثا عن باعث افتراضي متخيل ؛ يمكّن الممثلة من تجسيد حالة متفردة في تعبيرها الناقل لشعورها الدفين الممسك باللحظة الدرامية ، المجسدة للعاطفة الحاكمة لدورها كله . وهي اللحظة التي توقف بها الأم المتغطرسة ، المتزمتة ، غير العشرية ، وقفة تشكك وزعزعة ؛ بعبارتها الملتبسة التي يضرب فيها التناقض بمعول نقضها : كيف تكون أم العروس : جميلة وقديسة وتكون غير محبة لزوجها ؟ ! ذلك وارد في سلوك البشر ، لكنه يولد حيرة جديدة وشكوكا لدى أم العريس :
" الأم : ما أكثر ما يعرفه الناس ! " الأم لم تكذب أو تتشكك فيما ذكرته الجارة النمامة لكنها تعاتب عتابا لينا حول ما يجب أن يقال وما لا يجب قوله عن الآخرين في غيبتهم بخاصة في مثل ذلك الظرف الحساس .
الباعث على الأداء : يبدو أنها كانت حاقدة على أم العروس أيضا ، كما هي حاسدة لأم العريس ، فهي لا تستطيع السيطرة على مشاعرها بالكراهية لمن هم أفضل منها حالا ومعاشا ، إنها لم تستطع كبح جماح شعورها بالكراهية لمن هن أفضل حالا ، لذا تواصل دون لياقة ؛ ذم أم العروس المتوفاة :
" الجارة : كانت متعجرفة "
ولأن شخصية الأم قوية ومتماسكة وخبيرة بما يدور في النفوس من غيرة أو حسد محتمل ؛ لذا تنقل الحديث بمهارة عبر تقنية التخلص الدرامي إلى ما هو أهم ، دلالة على إدراكها لما في كلام الجارة من تناقض يسقط مصداقية شهادتها عن أم العروس:
" الأم: قيل لي إنه كان للفتاة خطيب "
الباعث الأدائي: الشماتة .. هنا تقتنص الجارة فرصة ذهبية فتنبري في الثرثرة تصريحا شامتا بوضوح وحماسة زائدة :
" الجارة : نعم .. تزوّج منذ عامين .. من ابنة عمه .. اسمه ليوناردو
الأم: من ليوناردو ؟ "
نصل هما إلى الصدمة الدرامي القاتلة ( المفارقة الدرامية ) التي تشكل العاطفة الحاكمة في أداء الجارة ( باعثها ) على الفعل :
" الجارة : ليوناردو .. من .. عائلة فيليكس
الأم: (تنتفض ) فيليكس ؟!
ونلاحظ تردد الجارة في نطق اسم فيليكس وهي تقول : " ليوناردو من ... ثم
تصمت برهة لتكمل " من عائلة فيليكس " فهي تلقي بالقنبلة عن إدراك خبيث بما سيحدثه ذكر اسم عائلة فيليكس ، عائلة الخطيب الأول لعروس الابن ، هذه القنبلة التي ستنهي مشروع خطوبة الابن ؛ لذلك يبدو ارتباط سؤال الجارة الأول في بداية حواريتها مع الأم ( سيتزوج ؟) بداية استنكارية تشكيكية ، ومفتاحا يستهدف الإمساك بنهاية طرف الخيط في البنية الصراعية للمسرحية . وهكذا تشكل الصدمة الدرامية الثانية المفارقة الدرامية الأقوى أثرا ، والأكثر إعمالا لتقنية التشويق والتوتر الدرامي التي تشكل جمالية الصورة الدرامية في هذه الحوارية .
نستطيع أن نجد عشرات النماذج التي تبدو من حيث مظهرها ثانوية وهامشية ؛ غير أنها في الواقع تتمتع بطاقة كامنة قادرة على تحريك الأحداث ، وإشعال فتيل الثورة أو المواجهة ، ونرى أن الإعلام والمحللين السياسيين مقصرين في نظرتهم غير التحليلية لتلك الشخصيات ، وأن نظرة الحركة النقدية قاصرة عن تقييم الأدوار التي تقوم بها الشخصيات الثانوية في الأعمال الدرامية كما أن إهمال مخرجي الدراما للشخصية الثانوية جعلتهم يحجمون عن تناولها بالتحليل الأدائي ، يدخل في نسيج رؤية إخراجية للنص الدرامي مسرحيا أو تليفزيونيا .



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليل دور ( الجارة في مسرحية : الزفاف الدامي ) للوركا
- تحليل دور مسرحي (أنتيجوني)
- مفاهيمية بيكاسو ودراما التشكيل المسرحي بالكلمات
- حيرة الكاتب المسرحي
- عروض مسرحية عربية - قراءة نقدية -
- إشكالية الأداء في المسرح الشعري بين التمثيل والغناء
- حسن عبد السلام مخرجا مسرحيا
- الرفيق الخيالي ومسرح الطفل في عصر العولمة
- على هامش ثورة التحرير
- هوامش التحرير - دردشة سياسية -
- سينوجرافيا المسرح (1) بين التمحل والتأصيل المنهجي
- وماذا بعد
- دردشة سياسية على الطريقة المصرية
- ما قبل الإسكندر
- دردشة را/قدت ..مدينة الإسكندر
- نقاب فرويد
- المثقف والموقف
- الممثل وجماليات التعبير بالجسد
- تمثيل دور مسرحي وفق منهجين
- فنون المسرح بين الهواية والاحتراف


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أبو الحسن سلام - عرس الدم من لوركا إلى ميدان التحرير