الحكومة السورية الالكترونية التي لم نشعر بها ؟؟؟؟؟

عبد الرحمن تيشوري

الحوار المتمدن-العدد: 3411 - 2011 / 6 / 29 - 18:56
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

بعض الملاحظات على
مشروع تطوير وتحديث الخدمات الحكومية (الحكومة الالكترونية السورية التي لم نشعر بها حتى الان)
عبد الرحمن تيشوري
شهادة عليا بالادارة
1. مقدمة:
جاء في وثيقة استراتيجية الحكومة الالكترونية: "تهدف هذه الوثيقة إلى تطوير مسودة لإستراتيجية الحكومة الإلكترونية ....
ستمثل هذه الوثيقة أداةً لتبادل وتطوير الأفكار بين المعنيين وصناع القرار، حيث سيتم مراجعتها بناءً على مداخلات المعنيين للوصول إلى توافق حول النهج الذي سيتم تبنيه لتحقيق الاستراتيجية." نعرض فيما يلي بعض الملاحظات على أجزاء الوثيقة الثلاثة:
2. الجزء الأول: الأسس والمفاهيم العامة للحكومة الالكترونية
يعالج الجزء الأول الأسس والمفاهيم العامة المتعلقة بالحكومة الإلكترونية، وهو نتيجة استقصاء قام به فريق العمل لمجموعة من الدراسات والتقارير المتعلقة بالحكومة الإلكترونية، وبعد الإطلاع على التجارب المختلفة المتعلقة بالحكومة الإلكترونية.
يقدم هذا الجزء معلومات نظرية مرجعية تساهم في توحيد المفاهيم والمصطلحات والمنطلقات التي سيتم البناء عليها، وذلك فيما يتعلق بأهمية مبادرة الحكومة الإلكترونية ومراحل تنفيذها وطرق تصنيفها، كما يبين الممارسات الجيدة في كل مرحلة من المراحل، كما يقدم شرحاً موجزاً عن بعض المفاهيم المرتبطة بالحكومة الإلكترونية مثل بنيان الحكومة الإلكترونية ومعايير التخاطب بين الجهات الحكومية.
بعض الملاحظات على الجزء الأول:
• ورد في هذا الجزء أن مراحل الحكومة الالكترونية تبدأ بمرحلة النشر (أي نشر المعلومات الحكومية على الخط). إن هذه المرحلة وإن كانت الأولى في البلدان المتقدمة، لا يمكن البدء بها في دولة كسوريا، فإن نشر المعلومات في مجتمع لا يملك ثقافة معلوماتية ولا يملك بنية تحتية تكنولوجية ملائمة لن يكون له أثر فعال، فالمرحلة الأولى يجب أن تركز على تقوية البنية التحتية الخاصة بالخدمات الالكترونية إضافة إلى العمل للتحرر من الأمية المعلوماتية.
• تم في هذا الجزء أيضاً تعداد العوامل الأساسية لنجاح الحكومة الالكترونية، لكنه غفل عن ذكر التسويق أو الترويج الجيد للتغلب على عامل مقاومة التغيير، حيث أن مقاومة التغيير بسبب الخوف من التغيير وتغيّر مراكز القوة، أومخافة فقد السيطرة، هي من أكثر الأمور التي تؤدي إلى فشل أي مشروع إن لم يتم التسويق الجيد له للحد من هذه المقاومة.

3. الجزء الثاني: استراتيجية الحكومة الالكترونية في سورية (التوجهات)
يغطي الجزء الثاني من الوثيقة نتائج تحليل الواقع الحالي ( نقاط القوة – نقاط الضعف – التهديدات – الفرص) ، كما تقترح الوثيقة مقاربة لمبادرة الحكومة الإلكترونية في سورية تعالج الأطر التنظيمية والزمنية والفنية للمبادرة، كما تضع أهدافاً للمراحل المختلفة للمبادرة.
بعض الملاحظات على الجزء الثاني:
• ورد في هذا الجزء تحت عنوان استراتيجية تقانات المعلومات والاتصالات في سوريا " وقد تضمنت استراتيجية تقانات المعلومات والاتصالات في سورية المبادرة الوطنية للإدارة الحكومية الإلكترونية، والتي تهدف إلى النهوض بأتمتة المؤسسات الحكومية في نطاق برنامج شامل للإصلاح الإداري". هنا السؤال: هل تم تحقيق هذه المبادرة وهل تمت أتمتة المؤسسات الحكومية؟ بالرغم من أن تلك المبادرة أسهل بكثير من المبادرة الجديدة (مبادرة الحكومة الالكترونية) إلا أنها لم تنجز بعد، وبما أن المبادرة الجديدة تعتمد في نجاحها على إنجاز الأولى، كان من الأحرى العمل على تقييم ما تم إنجازه من المبادرة الأولى وتحليل المشكلات والصعوبات والعمل على حلها قبل الدخول في مبادرة جديدة.
• ورد في هذا الجزء أيضاً دعوة إلى تحرير قطاع الاتصالات، وهذا الأمر يطرح علامات استفهام حول هذه الدعوة، لأن هذا القطاع حساس جداً ويتعلق بأمن البلد. وبالرغم من أن المؤسسة العامة للاتصالات تمتلك حالياً الحق الحصري لتقديم خدمات الاتصالات في الجمهورية العربية السورية، إلا أن القانون يسمح لها بتوقيع عقود استثمار مع جهات خاصة لتقديم خدمات محددة، فعلى سبيل المثال، وقعت المؤسسة العامة للاتصالات عقداً لتقديم خدمات الاتصالات الخلوية في عام 2001، وبالتالي لا حاجة لتحرير هذا القطاع، أو على الأقل فإن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسة.
• نلاحظ أيضاً في تحليل نقاط القوة والضعف في بند الشروط الثقافية والبشرية أنه تم الحديث عن الجانب الحكومي فقط ولم يتم التطرق إلى المواطن متلقي الخدمة وهو المحدد الأول لنجاح أو فشل هذه المبادرة.
• ورد أيضاً في هذا الجزء تحت عنوان معالم الواقع الحالي " تدير كل وزارة البيانات التي تمتلكها، وتحتفظ بمعظم هذه البيانات في سجلاتها الداخلية، التي تستخدمها في تقديم خدماتها للعملاء. ومن الصعب الطلب من الوزارات المشاركة بالبيانات والخدمات في مرحلة مبكرة من عملية التحول، ومن الأفضل وضع المعايير الناظمة لذلك، ووسائل لتقييم الخدمات المقدمة ولتحفيز الانتقال وفقاً للمعايير الجديدة ". يبدو من خلال هذا الكلام أنه لم يتم التعرف بدقة إلى واقع الوزارات الحقيقي، فمعظم الوزارات لا تكون البيانات فيها متاحة حتى للعاملين في الوزارة، فالموروث الثقافي المتبع في الوزارات والجهات العامة أن يحاول كل طرف احتكار المعلومات وعدم مشاركتها مع أحد للحفاظ على موقعه وأهميته، وهنا تكمن أهمية تغيير هذه الثقافة قبل أي شيء آخر، فوضع المعايير والأنظمة لا يمكن أن ينجح في هكذا مناخ.
• تمت الإشارة في فقرة الإطار الزمني والمراحل إلى أن الاستراتيجية ستتم عبر ثلاث مراحل، المرحلة الأولى 2009-2010 وسيتم في هذه المرحلة "تهيئة ونشر المعلومات المتعلقة بالخدمات الحكومية، استكمال البنية التحتية التشريعية والتقنية، وما يرتبط بها من معايير، استكمال بنوك المعلومات الوطنية ( قدر الإمكان)، استكمال الوزارات لمشاريعها الحالية المتعلقة بالحكومة الالكترونية، ونشر خدماتها للعموم بمستوى الجاهزية المتاح لديها على بوابة الحكومة الالكترونية، إطلاق بعض الخدمات الرئيسية ذات الأولوية المرتفعة، تهيئة البيئة التمكينية، وتفعيل الأقنية المختلفة لتقديم الخدمات للمواطنين ( الهاتف الثابت، الهاتف الخلوي، مراكز خدمة المواطن، الإنترنت...)، بعض إجراءات بناء الثقة مع العملاء حول الخدمات الالكترونية." ومن خلال الاطلاع على الأعمال والأهداف المتوقع إنجازها في هذه المرحلة نجد أن الفترة الزمنية غير كافية لتحقيق تلك الأهداف وخاصة أن هذه المرحلة هي الأهم وعليها يتوقف إتمام المراحل الأخرى.
• الملاحظة الأخيرة على هذا الجزء هو كيفية اختيار أعضاء اللجنة التوجيهية والفريق التنفيذي، حيث أن نجاح الاستراتيجية وإمكانية تنفيذها يتوقف على مشاركة جميع الوزارات والهيئات الأساسية في الدولة في اللجنة التوجيهية والفريق التنفيذي، على أن يكون أعضاء الفريق التنفيذي من أهل الاختصاص في هذا المجال.

4. الجزء الثالث: استراتيجية الحكومة الالكترونية في سورية (خطة العمل)
يطرح الجزء الثالث التدخلات اللازمة لتتمكن إستراتيجية الحكومة الإلكترونية من تحقيق أهدافها، كما يضع خطة العمل التفصيلية التي تقترح البرامج التي يجب تنفيذها في كل من المحاور الإستراتيجية التي تم تحديدها سابقاً، مع الأهداف المتوخاة لكل برنامج. كما يقدم تصوراً لنموذج الأعمال القادر على تنفيذ الإستراتيجية.
بعض الملاحظات على الجزء الثالث:
• تبدأ خطة العمل من التدخلات اللازمة لتتمكن استراتيجية الحكومة الالكترونية من تحقيق أهدافها، وهنا نلاحظ انه لا بد من مرحلة سابقة لذلك على مستوى الحكومة وهو أتمتة جميع الوزارات والمؤسسات العامة، فمن ينطلق نحو حكومة الكترونية لا توجد في معظم وزاراتها شبكة ربط داخلية (انترانت)، وتعاني من أمية معلوماتية، كمن يبني سطحاً دون أعمدة.
• ورد في فقرة خطة عمل الحكومة الالكترونية " تمنح الخطة المقترحة أولوية مرتفعة لمشاريع البنية التحتية ومشاريع الخدمات المشتركة، أما بالنسبة للخدمات الإلكترونية الرائدة، فقد تم تطوير إطار عمل لتحديد الأولويات لكي يستخدم من الوزارات وباقي الجهات الحكومية، عند تحديد خُططها السنوية. ولهذا، فستُغطّي المرحلة الأولى من هذه الإستراتيجية الخدمات ذات الأولوية المرتفعة، في حين سيتم تحديد وتطوير الخدمات التجريبية للمرحلة الثانية بناءً على تقدم العمل في خدمات المرحلة الأولى، وطبعاً بأخذ توافر الموارد في كل جهة حكومية بعين الاعتبار". إن هذا الكلام هو كلام عام وكان من الأفضل لو تم تحديد الأولويات بدقة، فعلى سبيل المثال أياً كان الانجاز ومستوياته في بناء الحكومة الالكترونية، فإن ثمة أولوية للقطاعات التالية:
- البيانات والوثائق، تعريف الشخصية، سجلات الأحوال الشخصية.
- التعليم، البيانات الأكاديمية والتعليم على الخط.
- الخدمات الاجتماعية، الرعاية الصحية، السلامة العامة والأمن.
- خدمات الأعمال، الضرائب، الخدمات المالية والمصرفية.
5. واقع وزارة الإدارة المحلية ومدى جاهزيتها للمشروع:
من خلال الاطلاع على واقع الوزارة من ناحية البنية التحتية التكنولوجية، والتعرف على الكادر البشري العامل بها، يمكن تحديد نقاط القوة والضعف لكل منهما كما يلي:
A. الكادر البشري:
1) نقاط القوة: فيما يخص الكادر البشري توجد بعض نقاط القوة، أهمها:
 يوجد في مديرية المعلوماتية كادر مختص ومؤهل في مجال المعلوماتية، وتؤمن الوزارة لهذا الكادر الدورات التدريبية المطلوبة.
 يمتلك بعض العاملين في المديريات الأخرى مهارات في استخدام الحاسب تمكنّهم من القيام بدور إيجابي في هذا المشروع.
2) نقاط الضعف: على الرغم مما سبق، توجد بعض السلبيات المتعلقة بالكادر البشري، منها:
- يوجد نقص في الكادر العامل في مديرية المعلوماتية وخاصة الكوادر الخبيرة أو عالية التأهيل في مجال المعلوماتية، والقادرة على التعامل بحرفية مع الأنظمة المعلوماتية والشبكات.
- تعاني الوزارة من تسرب العاملين المهرة في مجال المعلوماتية بسبب ضعف الحوافز، والإغراءات التي يقدمها القطاع الخاص.
- يرفض بعض العاملين التعامل مع التقنية الجديدة ولا يريد تعلمها، حيث أن قسم منهم اقترب من سن التقاعد، وقسم آخر يرى أن ذلك لن يعود عليه بالنفع وخاصة النفع المادي، والقسم الثالث يخاف من التقنية بسبب جهله بها أو يخاف من أي تغيير أو تجديد مهما كان.
B. البنية التحتية التكنولوجية:
1) نقاط القوة: يمكن الإشارة إلى بعض نقاط القوة في هذا المجال كما يلي:
 يوجد تجهيزات حاسوبية مقبولة في معظم المكاتب، كما يوجد مخدّم وشبكة داخلية في بعض المديريات.
 للوزارة موقع الكتروني تتم إدارته بشكل مقبول، ويمكن من خلاله الاطلاع على نشاطات الوزارة والقوانين والقرارات المتعلقة بها.
2) نقاط الضعف: من أهم نقاط الضعف لدى الوزارة ما يلي:
- عدم وجود مرجعية محددة واحدة لأمور التقانة والمعلوماتية.
- لا يوجد في الوزارة قاعدة بيانات الكترونية شاملة، حيث أن الكثير من البيانات ما زال بالشكل الورقي.
- عدم وجود ربط شبكي مع المحافظات، مع العلم أن المحافظات هي من يقدم الخدمة للمواطنين وليس الوزارة.
6. مقترحات وتوصيات عامة:
ما زالت الإدارات الحكومية في سوريا ترزح تحت وطأة الروتين والبيروقراطية، والتعقيدات الإدارية في تقديمها للخدمات الحكومية، فعلى الرغم من عمليات تبسيط الإجراءات التي تم القيام بها، ما زالت تشترط الكثير من الأوراق والمستندات التي يمكن الاستغناء عنها بكل بساطة، وبناء على ذلك فإنه يجب:
• إعطاء الأولوية لإعداد وتطوير البنية التحتية التكنولوجية اللازمة للتحول إلى الحكومة الالكترونية، والتركيز على إنشاء وعي جماهيري مساند للتحول إلى الحكومة الالكترونية، إضافة إلى الاهتمام بكل ما يخدم عملية التحول واستمراره على المدى الطويل، وذلك بتطوير نظام التعليم منذ المراحل الأولى، لإعداد الأجيال الجديدة بشكل يؤهلهم للتعامل بنجاح مع التطورات العلمية التكنولوجية، إيماناً بأن التحول للحكومة الإلكترونية حالياً، سيتبعه عاجلاً أم آجلاً تحولات جديدة.
• البدء بتطبيق نظام الإدارة العامة الالكترونية في مجال الإدارة المحلية (على مستوى المحافظات) على سبيل التجربة قبل تطبيقه على مستوى الحكومة ككل، لاكتساب الخبرة والاستفادة من أخطاء التطبيق.
• أن يتم الإعداد العلمي المسبق لعملية التحول إلى الحكومة الالكترونية، ويشمل ذلك دراسة تفصيلية للأجهزة الحكومية وخدماتها وما يمكن تنفيذه الكترونياً.
• أن يتم هذا التحول على مراحل مخطط لها تخطيطاً جيداً، فلا يمكن أن يتم الانتقال كلياً وبسرعة من نظام قديم ورقي تقليدي إلى نظام إلكتروني حديث مرة واحدة.
• يجب القيام بعمليات إصلاح إدارية حقيقية للإدارات الحكومية، قبل الانتقال إلى الحكومة الالكترونية، تقوم على أسس علمية وعلى معايير موضوعية مجردة.
• الاهتمام بالناحية التشريعية والإصلاح التشريعي، لما للأنظمة والتشريعات من دور في عملية التحول إلى الحكومة الالكترونية.
• استخدام المصطلحات القانونية والعلمية الدقيقة في مجال الحكومة الالكترونية، وتحقيق التنسيق والتواصل مع التجارب العربية.
• معالجة بعض الآثار السلبية المترتبة على التحول إلى نظام الحكومة الإلكترونية، أو الإدارة المحلية الإلكترونية، كالاستغناء عن بعض الموظفين وخاصة في المستويات الوسطى والدنيا، وإيجاد حلول لها.
7. خاتمة:
يمكن القول في النهاية إن مبادرة الحكومة الالكترونية هي مشروع رائد يقصد به خير المواطن، وحتى يمكن تحقيق هذا الهدف، فإنه من الأفضل العمل على حل المشكلات الموجودة في الواقع الحقيقي قبل الانتقال إلى البنية الالكترونية، فالانتقال من الواقع الحالي التقليدي بمشكلاته وثغراته من دون إصلاح إلى واقع يتم فيه تقديم خدمات حكومية الكترونية سوف يؤدي إلى تفاقم المشكلات وتعقيد الأمور على المواطن بدلاً من تسهيلها.

#عبد_الرحمن_تيشوري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات