أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - وقائع التاريخ وأزمة إسرائيل الوجودية















المزيد.....

وقائع التاريخ وأزمة إسرائيل الوجودية


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 3405 - 2011 / 6 / 23 - 19:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يزعج اليمين الفاشي في إسرائيل المعارضة التي انبرت لنهج نتنياهو. بعض المعارضة عبر عنها شمعون بيريس رئيس الدولة لزواره في الذكرى الرابعة لتسلمه المنصب، ونشرتها الصحف الإسرائيلية على نطاق واسع . من أقواله التي نقلتها الصحف: " قد تتعرض إسرائيل للمقاطعات الاقتصادية وللعقوبات؛ يكفي أن توقف الموانئ في أوروبا أو كندا تحميل الشحنات المصدرة إلى إسرائيل. ليست المسألة ما يحدث في أيلول ؛ إنما ما يحدث قبل ذلك التاريخ وبعده". ثم تصريحات مائير داغان والبيان الصادر عن رهط من جنرالات الجيش والمخابرات والسياسيين المخضرمين. بيريز، القلق والمرتبك بدا في زمن مضى متحمسا للحرب التي كانت تعد ضد الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية في مطلع القرن، بعد مؤتمر كامب ديفيد في خريف2001، والذي فشل في تركيع السلطة الفلسطينية برئاسة عرفات. شرع حكام إسرائيل يمهدون لشن حملة عسكرية تقوم بالمهمة ذاتها. وضمن التحضيرات للحملة العسكرية قام بيريز بجولة في دول جنوب شرقي آسيا يحرض ضد عرفات الذي "يرفض السلام مع إسرائيل" . روج شمعون بيريز أكاذيب إيهود باراك بصدد العرض السخي، وغياب شريك فلسطيني للسلام ، تلك الأكاذيب التي اتكأ عليها مشروع تهويد الضفة بكاملها وتفريغها من سكانها العرب. استثمروا الهوس الفلسطيني بالعنف المسلح واستدرجوه إلى الصدام العسكري، حيث وجهت طائرات الفانتوم والأباتشي صواريخها ومقذوفاتها إلى الأحياء العربية. ونمعن في تزييف الوقائع فنطلق تسمية "الانتفاضة الثانية" على الكوارث وأعمال التنكيل التي أنزلها الجيش الإسرائيلي بالمقاومة الفلسطينية ورافقها تشييد الجدار وتوسيع الاستيطان.
أمعن المعسكر الصهيوني في اضطهاد الفلسطينيين وحاول على مدى عقود اقتلاعهم من أرض وطنهم، و التنكر لمعاناتهم، فلم يحصد غير أزمة وجودية لكيانه. لا يستطيع تجاهل أزمته الوجودية التي تعتبر الامتداد المنطقي للعقيدة الصهيونية، فنقرأ لشمعون بيريز إقراره: " نحن نعدو بأقصى السرعة إلى حالة تكف إسرائيل عن أن تكون دولة يهودية" ؛ وحذر من " أننا على وشك الارتطام بالحائط". يدرك شمعون بيريز تداعيات تصليب موقف قيادة السلطة الفلسطينية في المناخات العربية الجديدة؛ بينما القيادة تغفلها او تجهلها ، لا فرق.

كيف يسعى نتنياهو لإسكات المعارضة؟ بنزعته الفاشية وحنكته في إدارة العلاقات العامة وخوض غمار الحروب النفسية يصطاد نتنياهو، باندفاعته الهوجاء، عصفورين بحجر : يمارس التهويل على الطرف الفلسطيني كي يوهمه أن طريقه مسدودة، فيذعن لقدره الذي لا راد له؛ وبذلك يسقط حجج المعارضة الداخلية؛ وهذا هو دأب الفاشية؛ بعد أن تضمن لنفسها الأغلبية داخل البرلمان وفي الحكومة تقمع المعارضة المحلية من خلال حرب نفسية تخرس كل صوت يرتفع لإيقاظ المخدرين بدعايتها .
أقام بنيامين نتنياهو علاقة غريبة مع الرئيس الأميركي ، بموجبها يتوجب على أوباما دعم نتنياهو؛ بينما لا يلتزم نتنياهو بدعم أوباما. لا بد أن خلف هذه العلاقة الغرائبية مرجعية ما فرضت المعادلة ، يطلق عليها البعض الحكومة العالمية المكونة من مندوبين من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان. وإذ يشترك اوباما ونتنياهو في ممارسة الضغوط المصحوبة بتهديدات إنزال العقوبة ، فإنهما يدركان أن لغة التهديد تلقى الأذن الصاغية من جانب أولئك الذين يتحاشون تحريك المقاومة الشعبية وتصعيدها، ويتهيبون من مجابهة الامبريالية الأميركية، إذ يعتقدون أن ائتلاف أميركا ـ إسرائيل كلي القدرة. ورغم خطأ وخطورة الاستهانة بالنفوذ الدولي للولايات المتحدة واليمين العالمي المنقاد خلف غلاة المحافظين الأميركيين، فإن هذا الائتلاف الدولي يعجز عن تامين دعم كاف في الهيئة الدولية لممارسات إسرائيل الفاشية . وليس من شان التردد أمام التهديدات وتجميد الاحتياطي الاستراتيجي الكامن في الحركة الشعبية متصلة الحلقات بالهبات الشعبية العربية، ليس من شان ذلك إلا أن يزيد الائتلاف المعادي صلافة وغطرسة. إن التردد في تشكيل حكومة موحدة للسلطة الفلسطينية ، والتصريحات التي تصدر تباعا بصدد تفضيل التفاوض على التوجه إلى الجمعية العمومية لابد وأن تعزز مواقف المستوطنين وقوى الفاشية الأخرى، الذين يشكلون القوة المهيمنة داخل الكنيست والحكومة في إسرائيل، وتدعم حججهم ضد معارضيهم المحليين، ممن يحذرون من أزمة وجودية تحاصر دولة إسرائيل.

أمسك بالأزمة الوجودية الروائي اليهودي غيلاد عتصمون، الذي هاجر من إسرائيل ليعيش في بريطانيا، وذلك في معرض انتقاد الكاتب برنباع الرافض لعودة اللاجئين الفلسطينيين. التقط عتصمون البعد القومي لقضية الشعب الفلسطيني، الذي تجلى عقب انتفاضات الجماهير العربية، ف "باتت تحكمها أشواق الحرية والعدالة . وغدت إسرائيل محاطة بجدار من المقاومة الضارية ... وهي ماضية للنضال بلا أمل ضد المنطقة بأسرها...وفيما يتعلق بالدولة اليهودية فقد بدأ العد التنازلي،... بات معروفا على نطاق عام أن إسرائيل تشكل الخطر الأكبر على السلام العالمي". ويجهر كاتب آخر هو ناتان زاخ بالقلق من أن "تتوقف هذه الدولة عن الوجود بعد خمسين عاماً إن لم يكن قبل هذا، وفي هذه الأثناء ستندلع حرب وراء حرب".
يشارك الروائي عتصمون تقييمه لمناخات الربيع العربي على القضية الفلسطينية المؤرخ إيلان بابه. فقد رأى آفاقا جديدة واعدة للشعب الفلسطيني تكمن خلف منعطف قريب.
ومن أشكال المعارضة التي يود نتنياهو إسكاتها صحيفة هآرتس. تعرضت الصحيفة لحملات تخللتها المطالبة بإغلاقها بسبب كشفها لجرائم الحرب ضد غزة. و في مقال هيئة تحريرها يوم 22 حزيران / يونيو، حمّلت نتنياهو مسئولية الحرب المستدامة في المنطقة بادعائه أن التناقض تناحري بين العرب واليهود. يضع نتنياهو في مركز الصراع يهودية الدولة وليس الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية ومصادرة حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
ويعارض اليمينَ الفاشيَ في إسرائيل الكاتب الإسرائيلي شلومو افنيري في معرض الرد على مقالة محمود عباس في صحيفة نيويورك تايمز. كتب في صحيفة هآرتس يطالب ب "عدم تجاهل معاناة الغير". تجنب ذكر معاناة الفلسطينيين، وهو يقارب الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني؛ بينما دعاهم إلى تذكر " حقائق التاريخ". المعسكر الصهيوني، عسكريين وكتابا ومثقفين وسياسيين ـ يستنكف عن ذكر اسم فلسطين والفلسطينيين، ويرفض تحمل مسئولية ما دعاه المؤرخ البروفيسور إيلان بابه " التطهير العرقي في فلسطين" واضطر بسبب ذلك للبحث عن وظيفة أكاديمية خارج إسرائيل.
شلومو أفنيري يتشبث ب "حقائق التاريخ"، بينما حقائق التاريخ الموثقة تنسف ادعاءات إسرائيل القومية والدينية . فقد تهاو ت الأعمدة النظرية للعنصرية، إذ تمردت عليها الأبحاث التاريخية العلمية فلم يبق منها غير تخيلات وتلفيقات استشراقية. يشير أفنيري إلى طرد السكان الفلسطينيين على أيدي القوات الإسرائيلية؛ وركز على وجوب أن يدفع المبادر للحرب ـ يقصد الفلسطينيين ـ الثمن؛ موردا مثال هجوم اليابان على ميناء بيرل هاربر الأميركي، والذي انطلاقا منه أعلن الرئيس الأميركي روزفيلت، الحرب على دول المحور ـ ألمانيا واليابان وإيطاليا، وانتهت بإلقاء قنبلتين نوويتين على الأراضي اليابانية. ومثال آخر أورده شلومو أفنيري هو غزو هتلر لبولندا ، حيث كانت الشرارة التي أشعلت الحرب العالمية الثانية وانتهت بترحيل ألمان من بولندا.
المنتصر هو الذي يوزع عادة مسئوليات اندلاع الصراع المسلح، وجرائم الحرب؛ وهو الذي يطلق الأسماء والنعوت ويقرر النتائج. ومن هذا المنطلق يتصرف معسكر الصهيونيين تجاه النكبة والتهجير. غير أن المقدمات لا تجيز الأعمال الهمجية، ودليل ذلك إقرار مؤتمر دولي عام 1949 ، أي بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، مبدأ عدم جواز تحميل المدنيين وزر اندلاع الحروب. في ضوء اتفاقيات جنيف بصدد حماية المدنيين أثناء الحروب يعتبر إلقاء قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما وأخرى على ناغازاكي جريمة حرب، وإن لم يصدر قرار التجريم عن منبر حقوقي دولي؛ وكذلك ترحيل الألمان من مناطق سكنهم .
يردد شلومو أفنيري أن طرد العرب من ديارهم نتيجة طبيعية لحرب أشعلها العرب، يريد أن يفهم قراءه أن فكرة التطهير العرقي لم تكن جزءا عضويا من نظرية الصهيونية. نبتت في مخيلة الحركة الصهيونية كإحدى ضرورات الحرب . لم يورد شهادة، ولو من داخل الحركة الصهيونية، تثبت أن مسئولي الحركة في فلسطين بذلوا أقصى الجهود، ولا أدناها، لتجنب الصدام المسلح؛ بل إن المؤرخ إيلان بابه أكد أن ديفيد بن غوريون كان يدرك أن بمقدور جيشه الاستيلاء على فلسطين كاملة ومع هذا لم يكف عن التحريض على ارتكاب المجازر الجماعية بذريعة تجنب محرقة جديدة في أرض الميعاد. والمحرقة حدثت ؛ لكن ضد الشعب الفلسطيني. سجل بابه وقائع عديدة للمحرقة، حيث تعمد الطرف الصهيوني دفع الصراع إلى مستوى العنف المسلح. ربما نجح الدهاء السياسي والتفكير الاستراتيجي في استفزاز الجانب العربي لدرجة إطلاق تهديدات الحرب؛ فالتقسيم تضمن الجور على حقوق الشعب الفلسطيني ؛ وقرار التقسيم لم يستند إلى القانون الدولي ولم يطلب مشورة محكمة العدل العليا. ومع هذا فالطرف الصهيوني كان المبادر لاستخدام السلاح ، في حرب 1948، كي يفوز بدولة موسعة ونقية. والدليل على النوايا المسبقة امتناع إسرائيل عن إعادة اللاجئين بحجة الخطر الديمغرافي. شرع بن غوريون تنظيم المجازر في تشرين ثاني 1947، وكذلك في كل الحروب التالية. "وقائع التاريخ" التي يستند إليها معسكر الصهاينة ووردت في رد الكاتب شلومو أفنيري ، تحفظ إعداد الجيش الأقوى من كل الجيوش العربية لسنوات خلت قبل صدور قرار التقسيم؛ تحفظ وقائع التاريخ إعداد ملفات القرى منذ عقد الثلاثينات، وشملت دراسات ميدانية عن القرى العربية تسهل عمليات احتلالها، حوت حتى أسماء المناضلين في ثورة 1936 كي تعدمهم لما احتلت قراهم عام 1949. ومن حقائق التاريخ تشييد المستعمرات اليهودية في حقبة الانتداب طبقا لاعتبارات " الحرب المحتمة مع العرب " كما كتب ييغئال ألون في كتابه " إنشاء الجيش الإسرائيلي"؛ وتتضمن وقائع التاريخ أيضا مذكرات يوسف فايتس مسئول دائرة الاستيطان في الوكالة اليهودية حول وجوب تصفية الوجود العربي في فلسطين. أما البدايات فتؤكد من خلال مذكرات وينستون تشرشل أن الصهاينة مصرون على ترحيل العرب من فلسطين.
عندما تعرج وقائع التاريخ على بريطانيا تغرف شهادات برسوم وخرائط والتقاط صور لمعالم مدينة القدس خالية من البشر. أولى الخرائط رسمها كاتروود عام 1838 واستبدل الأقصى وقبة الصخرة ب "جبل الهيكل"، الذي شرع "صندوق اكتشاف فلسطين" في البحث عنه عام 1867 ، ولم يعثر له على أثر حتى الآن. ووقائع التاريخ بالذات تحفظ وثيقة أهداف ما سمي عام 1838 " صندوق اكتشاف فلسطين" إنه "جمعية تستهدف الدراسة الدقيقة والمنهجية لآثار فلسطين وطبوغرافيتها وجيولوجيتها وجغرافيتها العينية وطبائع وعادات الأرض المقدسة بغرض تصوير الكتاب المقدس"، تقصد الإنجيل في حينه ؛ لكن المشروع أخضع لتخيلات التوراة ، فذلك أسهل على مهمة التزوير. وتحفظ وثائق التاريخ دعوة لورد شافتسبري(1801 ـ 1885) في ثلاثينات القرن التاسع عشر، اليهود للهجرة إلى فلسطين، وهو الذي صاغ الشعار " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، قبل ستين عاما من المؤتمر الصهيوني الأول.استرشد اللورد قائد السياسة البريطانية في حينه بمقولات، "اللاهوت الأصولي"، أو "لاهوت ما قبل الألفية السعيدة" الذي يحوي نبوءات خرافية مزعومة عن حروب وكوارث تتزامن مع تجميع اليهود داخل " أرض الآباء" وإقامة دولة إسرائيل ثانية وتشييد الهيكل للمرة الثالثة ، وذلك تمهيدا لنزول المسيح وإبادة اليهود وأعداء المسيحية، كي يستهل ألف عام سعيدة يختتم بها العالم. لاهوت ما قبل الفية ، الذي تدين به المسيحية الأصولية وكتل اليمين العالمي ، يدعو لإبادة اليهود ومع ذلك تتعاون الصهيونية مع دعاته لأنها تدرك طابعه الخرافي. وتحفظ وقائع التاريخ أيضا ما يفضح الوظيفة السياسية للاهوت ما قبل الألفية، في خطاب ألقاه اللورد بلفور عام 1919 في لندن مدافعا عن وعده، حيث قال : "إن نظرية ما قبل الألفية تتجذر في تقاليد عديدة وفي حاجات الزمن الراهن وآمال المستقبل. وهي أهم بكثير من سبعمائة ألف عربي يعيشون على هذه الأرض العتيقة". فما هي منطويات "حاجات الزمن الراهن وآمال المستقبل" ؟ إنها الهيمنة الامبريالية على مقدرات المنطقة العربية بمساعدة دولة تقيمها الحركة الصهيونية.
البدايات في الحقيقة ترجع إلى أكثر من قرن من الزمان وربما قرنين. تبدأ المسألة عمليا منذ أن قدم الفكر الاستشراقي روايته المزيفة وإسقاطه التعسفي لوقائع التوراة على الفضاء الفلسطيني . حتى ترجمته للتوراة تحمل التزوير التعسفي لعبارات ، أهمها " من النيل إلى الفرات" امتدت دولة اليهود القديمة. كشفت التنقيبات الأثرية زيوف الفكر الاستشراقي وخرافة الدولة اليهودية القديمة في فلسطين ، وخرافة هيكل الملك العظيم وقصور الملك العظيم وإمبراطورية الملك العظيم الممتدة ما بين النيل والفرات.
الفكر الاستشراقي قدم رؤيته مرة واحدة وإلى الأبد، خلافا لتقاليد القراءات المتعددة للنصوص القديمة، كما لاحظ الراحل الدكتور إدوارد سعيد، الذي لفت الانتباه لزيوف الفكر الاستشراقي فيما يتعلق بالشرق تاريخا وفولكلورا وثقافة ودراسات اجتماعية ، ودعا المثقفين العرب ومثقفي الشعوب الأخرى للقيام بدراسات نقدية للفكر الاستشراقي والشروع في دراسات استغرابية مقابلة. استفاد من نصيحة صاحب الاستشراق مثقفون من الهند وإفريقيا وإيرلندا ولم يلتفت المثقفون العرب للنصيحة، الأمر الذي أثار الاستياء. حمّل صاحب الاستشراق الاستبداد والفساد مسئولية تجميد دور الثقافة والبحوث الفكرية في العالم العربي. وكان من نتائج الاستبداد أن أغفل الجانب الثقافي في الصراع الفلسطيني ـ الصهيوني ، فعرضت الرواية الفلسطينية منقوصة وهزيلة عبر جميع مراحل الصراع. وبعد ان ثارت الشعوب على الاستبداد وأنظمته وهياكله الفكرية يتوقع أن تنشط الجبهة الثقافية في الصراع.
تزييف وقائع التاريخ القديم والحديث نهج مضت عليه الصهيونية ، لكنه أوصلها إلى أزمتها التي تسعى للخلاص منها عن طريق ممارسة الضغوط والتهديدات بمشاركة الامبريالية الأميركية داعية السلطة الفلسطينية إلى التفاوض. ان فساد السياسات الأميركية وارتهانها للمال السياسي يضعها رهينة نهج العولمة اليميني المتطرف، الذي يستجيب لمصالح الاحتكارات الأميركية متعدية الجنسية، ويشكل بالتالي عقبة كأداء بوجه تمرير قرار إقامة الدولة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي. بذل الائتلاف المعادي للحقوق الفلسطينية، و يبذل الجهود المكثفة لحشر الطرف الفلسطيني داخل دوامة مدمرة للحقوق الفلسطينية، دوامة المفاوضات المباشرة ومواصلة التوسع الاستيطاني في آن معا. يريد الائتلاف اليميني الدولي الإبقاء على عزلة الطرف الفلسطيني والتحاور معه دون التوصل إلى تسوية عادلة، تفاوض وتحاور يغطي على عملية الاستيطان والضم لمعظم أجزاء الضفة الغربية بما في ذلك القدس. ناهض هذا الائتلاف المصالحة الوطنية ومبدأ الاحتكام للشرعية الدولية داخل منظمة الأمم المتحدة.
في ضوء هذا الواقع ووقائع سابقة كيف يرد المتحمسون لانعطافة عباس الأخيرة على استخلاصات المراقبين ، من أنصار القضية الفلسطينية و خصومها أن هذا التراجع المفاجئ خضوع لتهديدات بنيامين نتنياهو وباراك اوباما الموجهة لإجهاض استراتيجية إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؟ لماذا لا تفلت منظمة التحرير من الشرك وتقتحم المنظمة الدولية ولو من أجل تعرية تلك التي تتجسد في مواقف الإدارات الأميركية حتى تسير المظاهرات المليونية تندد بهذه السياسات في ساحات المدن العربية؟! ما الذي يغري قيادة السلطة كي تستجيب لدعوة التفاوض دون أن تأخذ الوقائع القديمة والمستجدة بنظر الاعتبار؟ أي مغريات أنستها واجب استشارة شركائها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؟ وهل أبقت بتراجعها أحادي الجانب على هيبة لمنظمة التحرير الفلسطينية ولجنتها التنفيذية ؟ ألم تفرط في الاستهانة بشركائها في اللجنة التنفيذية وبكل الفصائل والقيادات التي تدور حول السلطة؟ الم تتضح أمام أعينها بعد كل ما جرى غاية الإصرار على بديل التفاوض؟
من حق سلام فياض أن ينزعج من ادعاءات البعض أنه مرشح لرئاسة حكومة السلطة من قبل جهات معادية. فهو جزء عضوي من نسيج المجتمع الفلسطيني ودوره مشهود في الحد من الفساد الإداري وفوضى الأمن. هناك اعتراضات موضوعية على سياساته الاقتصادية ، لاسيما الضريبية منها والتنموية ؛ غير أن الإصرار على فرض فياض كمرشح أوحد لرئاسة حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني يعدّ تراجعا ليس فقط عن اتفاقين تم التوصل إليهما في القاهرة بين فتح وحماس، بل تراجعا خطيرا أمام ضغوط اليمين الفاشي في إسرائيل يسانده اليمين الأميركي والدولي.

وقائع التاريخ كثيرة ومترابطة الحلقات تشهد على المؤامرة التي حيكت خيوطها ونفذت مراحلها في غفلة من الشعب الفلسطيني. يحتفظ بأهميته في هذه الأيام المراوحة البندولية للتمنع والإقبال في مقاربة إدارة السلطة الفلسطينية، وإدارة محمود عباس بوجه خاص، لطروحات الإدارات الأميركية، الأمر الذي أبقى الباب مواربا حيال الخطط الأميركية المتساوقة مع مشروع اليمين الفاشي في إسرائيل. طوال سنوات التفاوض المزعوم لم تحظ السلطة الفلسطينية بمعاملة تتسم بالندية والاحترام . كانت العملية مجرد محاولات إملاء، تفشل تارة وتارة تنجح . ولم تتردد حكومات إسرائيل في اللجوء إلى السلاح الفتاك. في عام 1996شن بيريز، وكان رئيسا للحكومة، حرب عناقيد الغضب على لبنان ضمن محاولة لتحسين حظوظه في الانتخابات التي كانت حملتها تجري ، لكنها دفعت جمهور الناخبين إلى معسكر خصمه نتنياهو . وفي عام 1999 استطاع نتنياهو تحت التهديد ثني السلطة عن إعلان الدولة بموجب اتفاق اوسلو. وفي آذار 2002 نفذ شارون تهديدات نتنياهو واجتاح الضفة الغربية بأسرها . دمر اتفاق اوسلو، مبقيا للسلطة سيادة وهمية على أراض " حررتها" من الاحتلال مقابل أراض صادرتها إسرائيل فعلا وحولتها جزءا من إسرائيل، إذ شيدت عليها المستوطنات الجديدة . فكم هي عجيبة هذه المفاوضات!



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خلف دخان التفاوض إسرائيل وحلفاؤها يجسدون الحلم الصهيوني
- استنهاض الحركة الشعبية (3من3)
- استنهاض الحركة الشعبية(2من3)
- استنهاض الحركة الشعبية (1من3)
- الامبراطور أوباما عاريا
- رضاعة النازية مراجعة نقدية لمسيرة بائسة (2من2)
- رضاعة النازية .. مراجعة نقدية لمسيرة بائسة
- أمية الدين أداة هدم وتدمير بيد الثورة المضادة
- تحفات القاضي المصري والبحث التاريخي
- مع رواية - قمر في الظهيرة- لبشرى أبو شرار:بشرى تستشرف ثورة ا ...
- من سيقرر مصائر الثورات العربية
- مع كتاب إيلان بابه التطهير العرقي في فلسطين 2
- التطهير العرقي في فلسطين / إيلان بابه (الحلقة الأولى)
- لموطن الأصلي للتوراة 3
- ردة غولدستون
- الموطن الأصلي للتوراة(2من)3
- الموطن الأصلي للتوراة
- مع شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي
- يسفهون الرواية الصهيونية
- مع البروفيسور شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي حلقة ...


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - وقائع التاريخ وأزمة إسرائيل الوجودية