أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - خلف دخان التفاوض إسرائيل وحلفاؤها يجسدون الحلم الصهيوني















المزيد.....

خلف دخان التفاوض إسرائيل وحلفاؤها يجسدون الحلم الصهيوني


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 3399 - 2011 / 6 / 17 - 14:39
المحور: القضية الفلسطينية
    


جميع حكومات إسرائيل دفعت المجتمع عبر خطوات محسوبة باتجاه التعصب العنصري فالفاشية. ولم تبدر من أي حكومة تعاقبت على الحكم منذ اتفاق أوسلو مبادرة حسن نية تخفف العداء العنصري وتسحب فتيل الصدامات المسلحة فوق أرض فلسطين وعلى أطرافها، أو توقف زحف الفاشية على سياسات دولة إسرائيل. جرائم حرب هزت العالم كله، مزيد من مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني ، المزيد من هدم البيوت والاعتقالات ، التغاضي عن جرائم المستوطنين والجيش والعفو عن جرائم اغتيال الوطنيين والمواطنين ، تضييق الحصار حول مدينة القدس والهجمات والاستعراضات الاستفزازية في منطقة الحرم الأقصى . باختصار شهدت الحقبة منذ اوسلو، حيث يزعم التحول إلى السلام ، اتجاها متصاعدا للتطرف والعنصرية وسن القوانين الفاشية بهدف تضييق الخناق على الجماهير الفلسطينية على جانبي الخط الأخضر. لم يكن احتمال التسوية السلمية للصراع الدائر منذ حوالي قرن من الزمن أضعف ما هو عليه هذه الأيام.
انسداد طريق التسوية

حكومة نتنياهو تضع كل العراقيل في طريق التفاهم مع ممثلي الشعب الفلسطيني والقبول بدولة فلسطينية ذات سيادة غربي نهر الأردن . وهي تنفذ مشاريع التهويد والضم لأراضي الضفة . والإدارة الأميركية، ومعها القوى الفاعلة في الاتحاد الأوروبي، منحازة بالكامل إلى جانب إسرائيل. وواضح أن إدارة باراك أوباما تسير على خطى إدارة بوش في انحيازها المطلق للمشروع الصهيوني للاستحواذ على كامل فلسطين التاريخية ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة . تتعاطف إدارة اوباما مع إسرائيل ، إذ يقلقها مخاطر إقامة دولتين لشعبين يتنازعان أرضا واحدة. ولم يتحفظ أوباما في الإقرار بأن فلسطين وطن قومي لليهود، وإسرائيل التاريخية حلم توراتي لجمع يهود العالم بين الفرات والنيل، وكذلك مساندة حق إسرائيل بأن تكون دولة يهودية. ولا مجال في نظر عتاة الحركة الصهيونية للمساومة على أرض إسرائيل التاريخية. وبالتالي، فالخيار الوحيد المتاح أمام العرب هو تقديم المزيد من التنازلات المجانية لإسرائيل وفق صيغة تلزم العرب بالدخول في مفاوضات عبثية على قاعدة «المفاوضات للمفاوضات». بحيث يضيع حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بحرية على أرضهم.

الولايات المتحدة تمضي في رفع نفقات العسكرة وخوض الحروب العدوانية ، لا تقيم وزنا للجماهير والقيادات العربية، ولا تحترم تطلعات الشعوب لحرية تقرير المصير والديمقراطية والتنمية. اما فاشية إسرائيل فتخدم استراتيجيتها في المنطقة والعالم؛ تسدر في صفاقة الادعاء بالوصاية على انتفاضات الجماهير العربية بهدف تحويل مسارها باتجاه الخضوع للهيمنة الامبريالية الأميركية. وقد تنبه الشباب الثوريون في مصر وتونس للمسعى الأميركي حين رفضوا الالتقاء مع وزيرة الخارجية ، كلينتون. وكلما أبدت حكومة في أوروبا الغربية أو كلها مجتمعة موقفا انتقاديا لمشاريع إسرائيل وإجراءاتها نكتشف ضغوطا تمارس من خلف الستار من جانب الإدارة الأميركية تتجلى في العلن تراجعا أوروبيا باتجاه مساندة صريحة للمواقف الأميركية . واضح ان الولايات المتحدة والدول الأوروبية المساندة لها تخطط لشرق أوسط جديد تلعب فيه إسرائيل دورا مركزيا يخدم استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة والعالم ، الأمر الذي يثير قلق روسيا والصين ودول أخرى ويدفعها لمعارضة تغليب مصلحة إسرائيل فقط على مصالح الشعوب العربية. ونفاجأ بالإدارة الأميركية تضيف إلى الشروط الصهيونية التعجيزية حق إسرائيل في الدفاع عن حدودها المغتصبة، وإعدام أي فلسطيني او عربي يقترب من حدود الأراضي التي تحتلها منذ العام 1967، وترفض الانسحاب منها رغم القرارات الدولية المعلنة في هذا المجال.
ماذا يتمخض عن مواقف الدعم بلا تحفظ للمشروع الصهيوني في فلسطين ؟ يتضح من استطلاعات الرأي داخل إسرائيل وخارجها عدم استعداد الجمهور اليهودي تحمل أعباء وعواقب النهج المدمر الذي تمضي فيه إسرائيل. ولا يخفى على الجمهور اليهودي أن المشروع الصهيوني يخدم الأهداف الامبريالية وليس مصالح اليهود؛ ولذلك فهي تعلن بصورة جماعية انسحابها من دور التضحية المجانية من أجل المصالح الكونية للامبريالية العالمية. ودليل ذلك الهجرة الجماعية من إسرائيل. قال اليهود المستطلعة آراؤهم ، ممن تركوا إسرائيل أنهم هاجروا لأسباب اقتصادية؛ اما لورنس دافيدسون أستاذ التاريخ بجامعة ويست تشيستر فيؤكد أن المستجوبين أخفوا الدافع السياسي للهجرة لأنه يعتبر خطيئة في نظر الصهيونية .
كتب الأستاذ دافيدسون مقالة في مجلة كاونتر بانش تحت عنوان "تغير الوضع الديمغرافي بإسرائيل"، حاول فيها استكناه العواقب الكارثية على يهود العالم ، إلى جانب الشعب الفلسطيني ، جراء استمرار السياسات الراهنة. والكاتب يهودي استهل المقال بتسجيل "فشل مشروع الصهيونية في تقديم ملاذ آمن لليهود في وطن قومي. وسبب الفشل يكمن في اعتراف عدد يتزايد باضطراد من اليهود داخل إسرائيل بذلك" . فهناك دراسات تجرى داخل إسرائيل وخارجها أظهرت أن " عددا يبلغ نصف اليهود ممن يعيشون داخل إسرائيل سوف ينظرون في أمر مغادرة البلاد ... إذا ما تواصلت الاتجاهات السياسية والاقتصادية خلال السنوات القليلة القادمة . وتفيد أرقام مكتب الإحصاءات في إسرائيل أن 650 آلف يهودي قد هاجروا من إسرائيل منذ العام 2005 ولم يعودوا. من بين هؤلاء مائتا ألف عادوا إلى روسيا معلنين خيبة الأمل من الفكرة الصهيونية .
وقبل التفصيل في عواقب انكشاف أكذوبة الملاذ الآمن يجدر إلقاء نظرة مراجعة تتتبع النهج المناقض للأمن والسلام في ايتعداء إسرائيل لجماهير الشعب الفلسطيني والبلدان المحيطة. يمكن ببساطة أيجاد تماثل بين الاستيطان اليهودي في الضفة واستيطان البيض في المناطق الغربية في الولايات المتحدة. كانت حكومة الولايات المتحدة تقدم للمستوطن الأبيض الدعم المشجع، بينما أبقت السكان الأصليين محاصرين في معازل ، في ظروف حياة صعبة ، تقذفهم بالأمراض الفتاكة تارة، وتنظم مجازر جماعية على فترات. وليس إلا عام 1924 اعترف فيه لسكان البلاد الأصليين بحق المواطنة !!! وفي أنحاء الضفة يحصل المستوطنون على بيوت مدعومة بأموال الحكومة تخدمها بنى تحتية ومياه وكهرباء ومعفاة من الضرائب. معظم المستوطنين بالضفة يحملون جوازات سفر أميركية. ولو ألزمتهم حكومة الولايات المتحدة بالاختيار بين الضفة أو فقدان جواز السفر فإنهم سوف ينتقلون بسرعة إلى نيويورك. ولكن الحكومة الأميركية تظهر عمليا تأييدها لمواصلة الاستيطان.
الاستيطان يخدم أكثر من غاية. فهو، إذ يعطل التسوية، يترك إسرائيل دولة مهيأة للحروب وتشحن الأذهان دوما بالكراهية العرقية والتهيؤ لخوض غمار الحروب، وهو ما أثار الملل العام داخل إسرائيل دون أن يبرئ الملل ضحاياه من الكراهية العنصرية.
استعرض أبراهام بورغ ، الرئيس الأسبق لمجلس الكنيست ورئيس الوكالة اليهودية سابقا ، في مراجعته النقدية لمسيرة إسرائيل، مجمل السياسات التعليمية والسياسية والاقتصادية الموجهة لتحويل إسرائيل ثكنة عسكرية مجهزة لحروب متواصلة، وذلك في كتاب أصدره العام الفائت يحمل العنوان " لنتحرر من هتلر". والعنوان بليغ الدلالة. في بداية نشاط دولة إسرائيل هيئت الأذهان لتقبل أخبار المحرقة ـ جرائم الإبادة الهتلرية ـ والتي شملت خمسين مليون إنسان من مختلف الديانات والقوميات منهم سبعة عشر مليون سوفييتي، على أنها محنة خاصة باليهود . أريد للمأساة اليهودية أن تعلو على مآسي الآخرين مهما أنزلت بهم من كوارث وجرائم، حتى لو اقترفتها إسرائيل." وليست لنا أي فكرة وأية رغبة سوى إعطاء القوة فرصة للتحدث و ’دعوا الجيش ينتصر‘. وفي نهاية المطاف حدث لنا ما يحدث مع كل عنيفي العالم وزعرانه : حولنا الكآبة إلى نظرية ومفهوم ، ونحن لا نفهم بأنفسنا أي شيء غير لغة القوة" [بورغ 56] .
أدخلت المحرقة في المنهاج الدراسي ، وتمت مقاربتها بالتفصيل في الصفين الأخيرين من الدراسة الثانوية ـ قبيل الالتحاق بالخدمة العسكرية ـ حيث والكلام لأبراهام بورغ " حول جهاز التعليم الإسرائيلي المحرقة إلى تجربة الحياة المبلورة المركزية في جهاز تعليم أولادنا "[46] . بهذه التعبئة المكثفة والمتواترة للفتيان في سنتي الدراسة الثانوية الأخيرتين، قبيل الالتحاق بالخدمة العسكرية ، بات "الماضي المحرقي، وهذا الماضي على عكس جميع الأزمان الماضية الأخرى ليس ماضيا يبتعد فحسب ، وإنما هو ماض يقترب منا طوال الوقت ، حاضر أكثر ، موضب أكثر ،مضبوط أكثر مسموع وله تمثيل اكبر بكثير. إنه ماض أصبح جزءا لا يتجزأ من الحاضر الإشكالي لدينا جميعا."[ بورغ :48].
لم يعد هذا كافيا، شأن المدمنين على المخدر، ينبغي زيادة الجرعة باستمرار. جاءت حصيلة دراسة بحثية نشرت أوائل إبريل 2011 أجرى على الأحداث في إسرائيل تتراوح أعمارهم بين 15و18 عاما أن اتجاه الشباب الإسرائيلي مناهض للديمقراطية والحقوق المدنية. ستون بالمائة يرون القادة " الأقوياء" أهم من حكم القانون. ويعتقد سبعون بالمائة أن أمن الدولة يجب أن يقدم على قيم الديمقراطية في حال تعارضهما . علاوة على أن 46% من المستطلعة آراؤهم يرون وجوب عدم السماح للعرب بالعمل في الكنيست ، وخمسين بالمائة قالوا أنهم يعارضون سكن العرب في جوارهم. استخلص المشرفون على الاستطلاع أن الاتجاه الرئيس يبرز تنامي جاذبية القيم القومية ، وتضاؤل جاذبية قيم الديمقراطية، الأمر الذي يستدعى بذل الاهتمام بتدريس قيم الديمقراطية؛ غير أن توجه الإدارة التعليمية خلاف ذلك. ففي تعليق على النتائج طرحه البروفيسور غفرييل سولومون ، المحاضر بجامعة حيفا، والحائز على جائزة التربية، أن تقرير أولويات العملية التعليمية في هذه الأيام يجب أن تعطي "لتعليم الديمقراطية ، والتعليم من أجل التعاون بين اليهود والعرب. الأمر يتطلب وضع سياسة واضحة لتدريس القضايا المدنية والديمقراطية. إن تغييب هذه الموضوعات يثير الريب؛ ومن الصعب تخيل أن ذلك مجرد صدفة". فالقائمون على وزارة التربية يخططون لإدخال تعديلات على قانون التربية والتعليم من شانها تعزيز القيم اليهودية والصهيونية وتحسين منجزات التعليم ووضع المبادئ الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف "تعميق تعليم القيم الصثهيونية " وفق برنامج للمدرسة الوسطى يطلق عليه " ثقافة إسرائيل وتراثها "،
خلص بورغ إلى القول أن " مركزية الجيش في حياتنا ، ومكانة اللغة في تطهير الآثام والشرور، وتغلغل الخطاب اليميني إلى لب النقاش العام ، ولا مبالاة الأغلبية السلبية ، إن ذلك كله هو اللاعب الأساسي الذي يبيح لجراثيم التطرف العنصري اختراق نطاق المختبر ونقل العدوى إلى الجميع" .[بورغ:109]. جيش إسرائيل هو الأداة الرئيسة للاندماج القومي والانسجام الاجتماعي، إنه " سجادة الهوية القومية ". فلكي يتم الاحتفاظ بالوضع المركزي للجيش في المجتمع، وكذلك حشد الجمهور وحرف انتباهه عن الصراعات الداخلية فقد شحن قادة إسرائيل العقل الجماعي ب" ذهنية الحصار" (المسادا)، ونفخوا في الروح العسكرية، مفضلين الحروب على السلام.

انهيار مصداقية الملاذ الآمن
يدق بورغ جرس الإنذار محذرا من استمرار الصمت الآثم حيال تلويث الأذهان اليهودية بالعصاب العنصري؛ فالمشروع الصهيوني في فلسطين ينحرف عن درب الأمن والسلام. ويدخل مسرح التحذير أستاذ التاريخ بجامعة ويست تشيستر الأميركية، الدكتور دافيدسون. وهو يقارب القضية من ظاهرة الهجرة اليهودية خارج إسرائيل، وما تنطوي عليه من عواقب كارثية إذا ما تركت عواملها تفعل في المجتمع الإسرائيلي. ويصدر في تحذيره من استقراء سيناريوهات مضت. إنه يحث على مواجهة الخطر قبل استفحاله ، قبل أن يغدو عقدة لا تحل بغير عملية جراحية أليمة.
يشير دافيدسون إلى أن المنطوى الأهم لنتائج الإحصاء الإسرائيلية ( بصدد الهجرة للخارج) أن من بين الباقين في إسرائيل توجد قناعة بضرورة حمل جواز سفر ثان؛ في الوقت الحالي أصدرت الولايات المتحدة نصف مليون جواز سفر ليهود يعيشون في إسرائيل، وأصدرت ألمانيا، التي تأتي في المرتبة الثانية ، مائة ألف، وتصدر سبعة آلاف جواز سفر جديد كل عام. فلماذا جواز سفر أجنبي يحتاط به نسبة عالية ممن لا يزالون يقيمون في إسرائيل؟! بات جواز السفر الأجنبي " وثيقة ضمان من يوم ماطر. وهذا اليوم قد يأتي في نهاية المطاف كما يعتقد عدد متزايد من الإسرائيليين"، يقول دافيدسون.
إذن ، "الملاذ الآمن الذي وعدت به الصهيونية ليس آمنا. وهذه أيضا رؤية البروفيسور إيان لوستيك ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا، الذي يقول : "يكمن الخطر بالنسبة للدولة اليهودية في الاختيار بين إقناع شعوب الشرق الأوسط أنها يمكن أن تكون جارا طيبا ، وبين التخلي عن علاقة الجوار، ويفضل الخيار الثاني عدد متزايد من اليهود . ... والتعبير الأشد تطرفا من ناحية منطقية لهذا الخيار هو الهجرة. ويؤيد لوستيك البروفيسور ستيفن والت ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد (و مؤلف الكتاب الشهير عن اللوبي الإسرائيلي بالتعاون مع ميرشايمر ). يقول والت " إن المثال الصهيوني تضعف قبضته داخل إسرائيل نفسها"، لأن حكومة إسرائيل تعرقل التوصل إلى السلام. وترد صحيفة جيروزاليم بوست على استنتاجات الأكاديميين ، بناء على استطلاعات مراسليها في أميركا لمهاجرين يهود، فتستخلص أن سبب الهجرة عوامل اقتصادية وليس سياسية أو أمنية. يعلق دافيدسون أن استنتاج جيروزاليم بوست لا يفسر سبب الاحتفاظ بجواز سفر ثان؛ فالتخطيط للسفر بجواز سفر أجنبي ينطوي على وجود عدد من الإسرائيليين يتنبأون بتغير الوضع السياسي داخل إسرائيل. إنهم يتنبأون بيوم لا يعود لجو از السفر الإسرائيلي قيمة. فإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الهجرة تعتبر خطيئة آيديولوجية في نظر الصهيونية، فمن غير المستغرب أن المهاجرين يقولون لصحيفة جيروزاليم بوست أن سبب الهجرة اقتصادي.

إسرائيل الفاشية

السيناريو الذي دق جرس الإنذار منه البروفيسور دافيدسون مجرد تكهنات وهدفه تحريض على القيام بالواجب قبل أن تصل الأمور نقطة اللاعودة. السيناريو المحذور لا ينطبق على الحالة الإسرائيلية وحدها؛ إنما هو سيناريو لتطورات حدثت بالفعل كان اليهود ضحاياها. فهذا ما سيحدث حين تجيز مجموعة ما ، أيا كانت مبرراتها عنصرية او دينية او سياسية، لأن تدمر العناصر الإنسانية المشتركة بين البشر كافة؛ وهذا ما قطعت ممارسات حكومات إسرائيل والإيديولوجيا التي تستمد نسغها من تربته أكثر من نصف الشوط الواصل حتى رحابه. وإذا ما تواصلت مسيرة التاريخ ، حيث الصهيونية تطهر ذاتها ، وتتخلص من كل من يسائلها، او يرفض التوصل إلى حلول وسط معها فإنها لا بد آخذة أتباعها نحو إرهاب منفلت العقال. يحذر دافيسون "يجب علينا أن نخاف من مصير كهذا ، خوفا شديدا". ولذلك فهو يحث على الوقوف بوجه نهج حكومات إسرائيل والإدارات الأميركية المساندة للنهج.
خطوات السيناريو تمضي على النحو التالي:
الخطوة الأولى بالتأكيد سوف تتقلص نسبة اليهود إلى العرب داخل الدولة ؛ وهذا ما يجب أن تكون عليه الأمور. ولكن نتيجة تغير تناسب القوى سوف تترك عواقب سلبية . من المؤكد على وجه العموم أن العلاقات الفلسطينية ـ اليهودية سوف تتدهور لحد كبير.
والخطوة الثانية أن من يتبقى من اليهود في البلاد هم المتعصبون آيديولوجيا. المستوطنون وأنصارهم ـ عناصر عسكرية وامنية وأخرى ترتبط بالصناعات الحربية وبالتجمع الصناعي ـ العسكري فيس الولايات المتحدة والمتعصبون الدينيون وضحاياهم من تلامذة المدارس الدينية التي تتلقى الهبات من الولايات المتحدة . يشكل المتطرفون ما بين ستين وسبعين بالمائة بين يهود إسرائيل ، من شأنهم أن يعيدوا بناء المسادا ( قلعة حوصر داخلها يهود في الزمن القديم من اختراع وتلفيق الدعاية الصهيونية) وتتولاهم الرغبة في " الدفاع عن" أسلوب حياتهم في جميع أنحاء فلسطين ، ليس استجابة للدعاية الوطنية ، إنما بناء على قناعة عنصرية وتعصب ديني.

وثالثة الخطى أن الأقلية اليهودية المتبقية في إسرائيل والعاجزة عن الحصول على جواز سفر أجنبي ، ستجبر على الانصياع لأوامر صادرة من حكومات الأغلبية المتعصبة كي يحصلوا على فرص العمل ورواتب التقاعد.
والرابعة أن المتعصبين الأيديولوجيين، إذ يواجهون أسوأ كابوس يتمثل في "محرقة ديمغرافية " ، لن يكونوا الأنصار المخلصين للديمقراطية وحقوق الإنسان. سوف تتسع الاتجاهات الديكتاتورية للحكومة؛ ونحن نرى هذا التوجه في قرارات الكنيست الحالي، الذي تسيطر عليه الأحزاب الأيديولوجية، ويصدر تباعا القوانين المناهضة للديمقراطية . وليس هذا سوى البداية. في مجتمع، حيث تذوب الطبقة الوسطى، لن توجد معارضة سياسية وستمارس أحزاب اليمين نهجا عدوانيا تجاه من يعتبرونهم عناصر معادية للصهيونية، بين السكان اليهود. سوف يتم إغلاق منظمات من شاكلة بيتسيلم وغوش شالوم وحاخامون من أجل حقوق الإنسان ولجنة مناهضة هدم بيوت العرب. سوف يجبر أنصار هذه المنظمات على الصمت او ينفون أو يوضعون في السجون. وسينتهي إلى السجن أيضا الأكاديميون المعارضون للسياسات الرسمية.
هذه مجرد تكهنات ، ولكن تحققها غير مستبعد .
فإذا بحث المقتدرون عن مكان آخر يربون فيه أولادهم فسيختفي الحيز الذي تعمل فيع القوى الراغبة في العيش بسلام مع العرب .
وماذا سيكون رد فعل أولئك اليهود في الخارج ، خاصة ممن يسعون لتحقيق السلام العادل ؟ هل سيخيرون بين الصمت والسجن والنفي؟ وما العمل حيال مجتمع يفرض على كل فرد أن يدعم الظلم أو تلصق به تهم الخيانة أو الإجرام؟
ربما يصدر دافيدسون في موقفه عن محاولة التنصل من جرائم الأبارتهايد الإسرائيلية؛ غير أن الدعوات الصادرة عن أكاديميين أمثال دافيدسون ولوستيك ووالت وميرشايمر ، إلى جانب أكاديميين أخر يتضامنون صراحة مع عدالة الحقوق الفلسطينية ، والتي تضع نهج إسرائيل امام مفترق طرق حاد مفتوح على كوارث يدمج الموقف الفلسطيني الرافض للابتزاز مع مواقف حركات واتجاهات مناهضة للحروب يتعاظم نفوذها داخل أميركا وعلى مسرح الحياة الدولية. تخلص هذه الحركات إلى أن مكافحة الحروب لا يمر عبر الانتخابات الأميركية التي يمارس خلالها الكذب والتزوير على الجمهور الأميركي.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استنهاض الحركة الشعبية (3من3)
- استنهاض الحركة الشعبية(2من3)
- استنهاض الحركة الشعبية (1من3)
- الامبراطور أوباما عاريا
- رضاعة النازية مراجعة نقدية لمسيرة بائسة (2من2)
- رضاعة النازية .. مراجعة نقدية لمسيرة بائسة
- أمية الدين أداة هدم وتدمير بيد الثورة المضادة
- تحفات القاضي المصري والبحث التاريخي
- مع رواية - قمر في الظهيرة- لبشرى أبو شرار:بشرى تستشرف ثورة ا ...
- من سيقرر مصائر الثورات العربية
- مع كتاب إيلان بابه التطهير العرقي في فلسطين 2
- التطهير العرقي في فلسطين / إيلان بابه (الحلقة الأولى)
- لموطن الأصلي للتوراة 3
- ردة غولدستون
- الموطن الأصلي للتوراة(2من)3
- الموطن الأصلي للتوراة
- مع شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي
- يسفهون الرواية الصهيونية
- مع البروفيسور شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي حلقة ...
- كيث واينلام في كتابه اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ ال ...


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - خلف دخان التفاوض إسرائيل وحلفاؤها يجسدون الحلم الصهيوني