|
لميعة عباس عمارة ..مندائية القصيدة وثياب يحيا المعمدان......!
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 3405 - 2011 / 6 / 23 - 11:55
المحور:
الادب والفن
لميعة عباس عمارة ..مندائية القصيدة وثياب يحيا المعمدان......!
نعيم عبد مهلهل
(( لو أنبأني العراف أني سألاقيك بهذا التيه لم أبك لشيء في الدنيا وجمعت دموعي .. كل الدمع ليوم تهجرني فيه.....!))
لميعة عباس عمارة / قصيدة لو أنبأني العراف
لم أشأ اسأل صديقتي المطربة اللبنانية الصوفية ( جاهدة وهبة ) وأنا في تواصل دائم معها عن سر إغواء الحرف في قصيدة بيروت للشاعرة لميعة عباس عمارة وهي تشدو بها في صوتها لتظهر لنا حلم أنثى مدثرة بأثير المدن وحنانها وامتزاج عاطفة التعميد الأول الذي عمد فيها نبي الشاعرة لميعة ( يحيا ) المعمدان ليسوع ( ع ) . ولأتذكر أنا مع صوت جاهدة وهي تطربني بجمال عروس المتوسط يوم منحت الدولة اللبنانية الشاعرة لميعة عباس عمارة وسام الأرز الرفيع لكنها أجلت استلام الوسام تلاحما مع محنة لبنان وحزنه من حربه الأهلية وقالت : (على أي صدر أحط الوسام ولبنان جرح بقلبي ينام...) وهي التي كرمها شاعر لبنان المهجري الشهير إيليا أبو ماضي وهو يقرا قصيدة كتبتها في الرابعة عشر من عمرها في مجلة السمير عندما قال : (إن في العراق مثل هؤلاء الأطفال فعلى أية نهضة شعرية مقبل العراق..!) نزلت لميعة عباس عمارة من الأمكنة القصية العالية إلى مدن الشعر كما تنزل النيازك في ظاهرة نادرة لترتطم بالأرض وجعاً ولمعاناً وصوتاً ... مندائية من جنوب يخضبُ جسدهُ بعطر الطين وشهوة القصب وإيماءات السمك المحتفي وهو يداعب بذيله الفضي الهواجس الخفية لسكان المدن المبتلاة بالفقر وغرام الآلهة اللائي سُحرن من أغواءات هذه الموحدة الآتية من أساطير ملاك النور في طائفتها ( زيوا ) لتنشد بهجتها منذ ليل الطفولة في سماوات مدينتها العمارة الغافية على أديم دجلة وعطر الأهوار وأناشيد ديوك سطوح الإيقاظ المدهش لعطر الشمس . منتشية من موهبتها في الانتباه إلى إيقاع قلبها وهو ينبض بالسحر المجهول ولتجعل آلهة أزمنة المكان من لحظة شبعاد حتى معطف السياب يشد فتنة السماع لهذا الإيقاع الأنثوي المسكون بألف سيمفونية وألف نافذة وألف دمعة تشد خاصرة الغرام الشهي لحرف مضيء وقداس ترتلهُ الأناشيد المندائية الأولى حتى أن شيوخ الطائفة مسكهمُ الصمت لموهبةٍ من إناثهم تقول : (( لماذا جعلت طريقي انتهاء وألغيت قدسية الذاكرة.. ؟ أكان اكتمالا لمجدك أن سيقال وهامت به الشاعرة ...! )) يمتلك شعر لميعة عباس عمارة موسيقى طافحة بالشجن ويصبغها هوس من لمعان أنوثة تسجل لوجدان الشاعرة مساحة متسعة من بهاء خيال الشعر وأداءه المؤسطر بإيقاع انسيابي مؤثر وبتناسق مع إحساس مرهف يشعله مؤثر بسيط ولكنه كوني المشاعر وملتصق بهاجس المكان وبيئته وانتمائه لأساطير ما يتلبسه وما يؤمن فيه من سحر المذهب والثقافة والذكريات. ظلت هذه الغنائية المسكونة بأجراس نبض القلوب والحروف المنتقاة بعناية لتسجل عاطفة المرأة التي أذهلت ببراءة أنوثتها الأدبية وملكتها الشجاعة هواجس السياب الكبير وليخلد فيها شبابيك إعجابه بالأداء المشع لزميلته وهي تواسيه بابتسامة ومودة المكان الدراسي ليأخذ السياب الأمر على محمل جد ويفتح نوافذ قلبه لهيام عاطفته الرقيقة أمام أي نسمة تبتسم أمامه وينتابه حماس نسج الأساطير في اعتقاد منه أنها حقيقية ، وفي النهاية يقتنع الشاعر بمصيبته ليكتب لسان حال وقيعة ما يحدث له مع النساء في حقيقته : يا ليتني كنت بديواني لأفر من صدر إلى ثاني قد بت من حسدٍ أقولُ له ياليت من تهواك تهواني. لك الكؤوس ولي ثمالتها ولك الخلود وأنني فاني. واعتقد إن السياب ربما لم يكن موفقاً في قصد الفناء لجسده لأنه أبقى لنا خلودا يقترن بذلك الجسد النحيف وكما يقول اراغون :الشاعر الحقيقي بسبب قصائده العظيمة لن يفنى لا روحا ولا جسدا ...! تمتلك القصيدة عند لميعة عباس عمارة مؤثرا خياليا خصبا يتجانس بحكم نفسية الشاعرة وشفافيتها وطيبة الطباع المسكون في بنائها الديني والاجتماعي والميثولوجي وهذا المؤثر سكنها في كل محطات وأمكنة عمرها الطويل .ولم يسجل المنفى لديها ذلك الأثر المهيمن بخسارة المكان الأول بل أنها استطاعت برومانسيتها الخصيبة أن تبقي على تلك الطاقة الهائلة في خلق أجراس الحنين وصداها والأناشيد الشعرية الفخمة . غنائية مدهشة تذكرنا بآيات سريانية تبحث عن أشواقها التوراتية أو آيات الكنز ربا الكتاب الديني لطائفتها المندائية فنشاهدَ ونسمع صوتاً فتياً لم تؤثر فيه أي فاصلة زمنية ونأي منفى سوى بذلك المقدار الهائل من الاشتياق والحنين إلى كل تلك المسافات التي كانت بغداد تصفق فيها وقوفاً لهذه الشاعرة التي انحدرت من عائلة عمارتلية هاجرت إلى العاصمة لتعلم أبناءها فتنة الحضارة الجديدة ولتدخل لميعة دار المعلمين العالية وهي محملة بإرث شهي من عبق العناوين المسكونة بالغناء والشعر النبيل الذي كان الكهنة المندائيين الأوائل يجعلونه مقدمات نغمية لقداسات طقوس التعميد على ضفاف دجلة والفرات ، ولهذا بقيت لميعة تمثل بعضا من فرادة التجربة الأنثوية في الشعر العراقي الحديث وبقيت غنائيتها تحملنا مزيدا من طاقة المتعة في السماع والأخيلة واكتشاف قدرة الشعر على منحنا السعادة المضافة وكأننا نعيد معها هاجس أرسطو في محاولته لجعل الناس تلوذ بالشعر عندما تريد الاقتراب من عرائش الآلهة. أنها عراقية المكان بشمول خارطته .فهي مندائية ــ مسلمة ــ ومسيحية . حملت رذاذ ماء التعميد من نهر الأردن ومزجته في ماء الرافدين لتشكل لنا بتجربتها صورة الانسجام الحقيقي لمشاعر الشاعر عندما يُراد له أن يكون صورة لآدم وحواء المتوحدين في المكان دون الالتفات إلى مسميات التفريق والمفاضلة .وربما هذا الهاجس الجميل من لميعة عباس عمارة والذي تضعه بهاجس شعري حديث ولكنه ينبض أنوثة وواقعية وشبابا وثقافة ووعيا لو يدركه الساسة اليوم سيعرفون معنى أن يتفوق الشاعر بقصيدة واحدة على كل ناطحات سحاب الوهم التي يرسموها للناس البسطاء في تصريحاتهم التلفازية وهذه الومضة الساحرة تقول فيها لميعة عباس عمارة وكما دونتها هي على صفحتها الخاصة في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك: (( جئتك أيام الحج أحمل شوق سنين لا ينفد حلمي لمس يديك وإغفاء في عينيك.. لمستك.. كنت الحجر الأسود !!)) هذه المندائية الجميلة ( وستبقى ) تمثل عطرا ناصع البياض ومشبعاً في نسائم قدرة الشعر ليسكن في أبدية الرئتين ، وستبقى ما شاء لها محملة بدهشة الاكتشاف ومدركة لرؤى الفهم الحقيقي لصناعة المديح النذري لكل كؤوس آمال قلوبنا الباحثة عن ضوء قناديل الحلم في ليل القصيدة وحروفها المعبرة . لميعة عباس عمارة رائية من طراز يحتاج لنا أن نستعيد منه البهجة ونستفيد من لمعان حروفه لصناعة مرايا السعادة في مواجهة أي دمعة حزن تداهمنا ببيانات حربها المعلنة والخفية . تلك المرأة العراقية الشاعرة ترينا الفهم الحقيقي لشجاعة الهاجس الذي يسكن المبدع ويبيحه لنا دون أي قلق وتورية وخوف لتجسده صورة في جمالية المشاعر وثقافة العبارة وسلطتها المهيمنة على حواسنا ونحن ننصت كما خشوع الأجفان لتراتيل العصافير التي تنطق بأجنحتها نيابة عن هذه الشاعرة شيئاً من قصيدتها الجميلة هذه : ( أختارُهُ وأناجيهِ على ملأٍ ويجهلونَ الذي أهوى ، ويجهلُهُ ، وقد يطولُ بنا شوقٌ لرؤيَتِهِ وقد يُقَصِّرُ أحياناً فنُبْـدِلهُ ، تلك السويعاتُ ، عمرُ الحُبِّ نأسِرُها جداً على ورقٍ والجسمُ نقتلُهُ ..)
*فصل من كتاب ( محطات شعراء المنفى البعيد ) وهو مقدمات لانطولوجيا شعرية ل20 شاعرا من شعراء المنفى العراقي .نُشر منها لحد اللحظة مقدمات عن الشعراء على التوالي نصيف الناصري وصلاح حسن وبرهان الشاوي وحسن النواب .والكتاب سيطبع في مطابع بيروت ...!
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حسن النواب ...ثمالة أجادت فهم الحلم والقصيدة
-
برهان الشاوي ....القصيدة من الكوت إلى البولشوي والملكوت...!
-
يحيا نبي المندائيين.....!
-
الروح والجسد ما قبل الموت وبعده ...!
-
صلاح حسن الجنائن الشعرية ونخل الحلة .....!
-
نصيف الناصري ... القصيدة نثر من نهر الغراف
-
الترجمة وإيقاع القصة والعقل المعرفي العراقي .!
-
صدام حسين ورومي شنايدر ....!
-
المعدان* ورومي شنايدر ....!
-
الصابئة المندائيون وأعيادهم ..!
-
أور أول المدن المقدسة على الأرض....!
-
مسيحيو ويهود مدينة العمارة العراقية ...!
-
المعدان وبابا نوئيل ......!
-
الأسكندر ومعدان سمرقند ...!
-
الناصرية ...مدينةٌ يليقُ الغرام لها..
-
المعدان ...عطش ودشاديش مقلمة .........!
-
حياتي التي أتخيلها ...
-
مدينة البصرة وزفاف الأمير وليام وكيتي...!
-
سورية حسين ...ياسمينة تذبح ذبح........!
-
المحظور في ممارسة الغرام.......!
المزيد.....
-
التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
-
يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات
...
-
المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً
...
-
فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
-
المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي
...
-
فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي
...
-
التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار
...
-
ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
-
تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا
...
-
-أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|