أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نارت اسماعيل - كيف يكره إنسان شعبه؟














المزيد.....

كيف يكره إنسان شعبه؟


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3393 - 2011 / 6 / 11 - 08:45
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


أثناء إحدى رحلاتنا أنا وزوجتي إلى منطقة مشتى الحلو وأثناء إجازة صيفية قديمة العهد، استأجرنا شقة صغيرة مفروشة هناك، في إحدى الأمسيات خرجنا نبحث عن دكان لنشتري بعض الخبز للعشاء، وجدنا دكانآ وسألنا البائعة عن الخبز فاعتذرت وقالت أنه لم يعد عندها خبز، لاحظت ضيقنا فأشارت إلينا أن ننتظر ثم خرجت من الدكان وطلبت من ابنتها التي كانت تقف في الشرفة فوق الدكان أن تحضر ربطة خبز من البيت، أخذت الخبز ولما رأتني البائعة أخرج حقيبتي لأعطيها الثمن امتقع وجهها وقالت بلهجة فيها شيء من الغضب والعتاب: ألم تر أنني أعطيتك الخبز من بيتي وليس من الدكان؟ موعيب؟ روح يا ابني الله معك
ذهبنا أنا وزوجتي ونحن نحاول بتلعثم واضح الاعتذارعن سوء تصرفنا.
في مناسبة أخرى وفي قرية الكفرون، كنا نهيم أنا وزوجتي وولدانا الصغيران بسيارتنا في الطرق الجبلية وبين المزارع فاشتد بنا العطش، رأيت بيتآ وإمرأة وأولادها جالسين في شرفة أمام البيت، أوقفت السيارة وذهبت أسألهم بعض الماء، هرعت الصبية وأحضرت إبريقآ من الماء البارد وكؤوسآ، وهرع شاب وأحضر بعض الكراسي لنجلس عليها، ثم أحضروا الشاي وبعدها المتّة ثم بعض الفواكه الطازجة من حقلهم، لن أنسى كم استمتعنا بالأحاديث التي تبادلناها معهم وتلك الطيبة والكرم الذي قابلونا به.
في مدينة النبك، قرعت باب أحد البيوت، فتح رجل الباب وقبل أن أفتح فمي قال : تفضل، قلت له: شكرآ، هل تعرف أين يقع بيت أبو غازي؟ رد: نعم، تفضل، قلت له: شكرآ ولكني مستعجل وأرجو أن تدلني على بيتهم، قال: على عيني ولكن لماذا لا تتفضل إلى البيت أولآ ثم أدلك على بيتهم؟ اعتذرت بلطف منه فخرج ودلني على بيت أبي غازي.
عائلة أبو غازي عائلة مسلمة، في رمضان لا يبدؤون إفطارهم حتى يأتي جارهم الأعزب المسيحي أبو عبدو ويشاركهم إفطارهم، وكانوا دائمآ يمازحونه: شو أبو عبدو؟ صايم اليوم؟ فيرد ضاحكآ: الحمد لله.
نعود إلى الجبال الساحلية، كنت وزوجتي نهيم في منطقة دريكيش فوجدت نبتة الزعتر البرّي، شكّكت زوجتي كعادتها بحقيقة وأهمية اكتشافي فقلت لها حسنآ لنسأل هذه الفلاحة القادمة وكانت هناك إمرأة قادمة باتجاهنا تركب حمارآ، استوقفتها وسألتها عن النبتة، نزلت عن الحمار وقالت: هذا يسمونه زعتر برّي، وصارت تشرح لنا عن خصائصه واستعمالاته والحّت علينا أن نذهب إلى بيتها لتناول الشاي وقالت إنه قريب، اعتذرنا بلطف وتركناها تكمل طريقها.
في فصل الربيع وبعد أن تملأ الخراف بطونها من كلأ الأرض، يمتلئ ضرعها بالحليب وتصنع النساء في حوران الجبن البلدي الرائع بنكهة أرض حوران المميزة. كنا في طريق عودتنا من الجولان إلى دمشق فمررنا على قرية تابعة لحوران لنشتري بعض الجبن، استقبلتنا الفلاحة الحورانية في بيتها بوجهها البشوش، سارع أولادها لإحضار بعض الأشياء الخشبية لنجلس عليها ريثما تحضر السيدة طلبنا، كنا نحاول إطالة زمن بقائنا عندهم بأسئلة عن الموسم والجبن والأحوال، فهي لم تكن صفقة بيع وشراء، بل كانت رحلة ممتعة إلى عالم آخر، عالم من أناس بسطاء مبتسمين، ألوان أخرى ووجوه أخرى تجدها هنا، غير تلك التي تجدها في المدينة المزدحمة المغبرّة. عندما سألتها عن ثمن الجبنة، شعرنا بترددها وحرجها لكونها تأخذ ثمنآ لجبن تبيعه في بيتها مع أنها تبذل جهودآ جبارة كل يوم لتحلب الغنم وتجمع الحليب وتحضّر الجبن، ولكنها طيبة وبساطة أهل الريف.
عندما كنت شابآ صغيرآ، سافر والدي وطالت مدة غيابه أكثر من المعتاد ونفذ المال في بيتنا، اتصلنا بوالدي فطلب مني أن أذهب لشريكه وأقترض منه بعض المال إلى حين عودته. ذهبت إلى الرجل وكان رجلآ متدينآ له لحية صغيرة بيضاء، لم يدعني الرجل أكمل حديثي حتى أخرج من جيبه رزمة كبيرة من المال وأعطاني الجزء الأكبر من الرزمة وبدون أن يعدّ المبلغ، حاولت أن أعدّ المبلغ أمامه حتى يعرف كم أعطاني ولكنه منعني وشدّ على يدي بقوة قائلآ: إذهب يا ولدي، الله معك وإذا احتجتم أي شيء فأنا مثل والدكم.
أثناء إحدى المظاهرات الأخيرة في سوريا، أصيب شاب مسيحي إصابة بالغة، أحاط به بعض الشباب لمساعدته، اعتقدوا أنه سوف يموت لا محالة فقال له أحدهم: شهّد بالله يا أخي، شهّد بالله. فرد الشاب بصوت ضعيف: أنا مسيحي، انقض عليه أحدهم يعانقه ونادى على زملائه: يا شباب، هذا بطل من إخواننا المسيحيين، فصاروا يقولون له: بارك الله فيك يا أخي، بارك الله فيك.

من يكره هذا الشعب الطيب إلا لئيم متعجرف؟
كيف يدّعي كاتب أنه يحمل رسالة تنويرية وهو لا يتوقف عن وصف هذا الشعب بأنه مجموعة من المرضى النفسيين المنكوبين بعقولهم؟
ألا يحتاج مثل هذا الكاتب إلى إعادة تأهيل نفسي؟
كيف يكره إنسان شعبه ويحتقره إلى هذا الحد؟ أنا أفهم أن يكره أحدهم حاكمآ أو أي إنسان فاسد، ولكن لا أفهم كيف يكره هذا الإنسان شعبه كله؟
هل تصدقون أن من يكره شعبه يمكن أن يكون صاحب مشروع تنويري حقيقي؟
أنا لا أصدق إلا أن يكون صاحب تجارة تدرّ عليه الأرباح، ولكنها للأسف تجارة بلا ضمير، تجارة فاسدة مثل فساد الحكّام.
هذا هو شعبنا، بحلوه، بمرّه، سينهض يومآ ما ويتطور وسنساعده وننصحه ولكن لن نسمح لأي أحد بعد اليوم، حاكمآ كان، أم كاتبآ متسولآ على أعتاب الأبواب الخلفية أن يهين هذا الشعب الطيب.



#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكرآ لكم أيها الحكام المجرمون
- مغالطات الدكتورة وفاء سلطان
- غرسة الوطن
- الطيبات للطيبين في زمن الثورة السورية
- أضواء على خطاب الرئيس السوري
- دكتور أم دكتاتور؟
- فرقة البرلمان السوري للفنون الاستعراضية
- رد على مقال السيد نضال نعيسة
- نريد أن يعود اسم بلدنا سورية
- لن يشفي غليلي إلا سقوط شيوخ الجهل
- زينغا  زينغا
- رأي في الثورات العربية  الحالية
- صارت عندنا صفحات بيضاء
- أنا واقف فوق الأهرام وقدامي بساتين الشام
- نريد رئيسنا القادم سيدة
- من ذا يطالب حاكمآ بعبده?
- الوطن الذي يسأل أبناءه رأيهم
- نادر قريط ووفاء سلطان، مشروعان متكاملان
- دعوة لتغيير كلمات العزاء
- بين زمنين


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نارت اسماعيل - كيف يكره إنسان شعبه؟