أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نارت اسماعيل - غرسة الوطن














المزيد.....

غرسة الوطن


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3366 - 2011 / 5 / 15 - 07:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كثير من الناس الذين أعرفهم كانوا قبل الانتفاضة السورية، كلما ركّب أحدهم صحنآ لاقطآ فإن أول شيء كان يفعله هو حذف محطات موريتانيا وأريتيريا والسودان واليمن وسوريا لأنه لا يحتاج لتلك القنوات التي لايشاهدها أحد، وكانت أكثر القنوات مشاهدة هي الجزيرة والعربية وأبوظبي والإم بي سي، وكانوا إذا فتحوا صفحتهم على الفيس بوك، تجدهم يقضون وقتهم بمطالعة الأبراج وحظك هذا اليوم ويتبادلون صور هيفاء وهبي بدون مكياج ويتناولون مواضيع أخرى مثل أخبار جورج كلوني وبعضهم يذكرنا كل يوم بميزان حسناتنا وسيئاتنا، وتجدهم يجرون استفتاءات من حين لآخر مثل: هل تعتقد أن أسامة بن لادن قد قتل حقآ؟
بعد بدء الانتفاضة تحول هؤلاء بقدرة قادر إلى محللين استراتيجيين لا يشق لهم غبار، تحول معظمهم تدريجيآ من قنوات الجزيرة والعربية إلى قنوات النظام السوري ومن والاها، تدريجيآ خفت صوت المعارضين للنظام وانفرد المطبلون المزمرون للنظام بأصواتهم المرتفعة وأوداجهم المنتفخة ولهجتهم التي صارت تدريجيآ تبطن التهديد والتخوين، باختصار صاروا أبواقآ للنظام تمامآ مثل مهرجي مجلس الشعب السوري
تناوشت معهم كثيرآ، ولكني وجدت في النهاية أن الحوار معهم مثل الحوار مع الطرشان، تركتهم لأنني اقتنعت أنه لايمكن تغييرهم، فهم معطوبون، وهم لاشيء ولن يؤثروا على الأحداث، فمن يصنع التاريخ هم شباب آخرون في الوطن
لقد نجح حكم البعث على مدار خمسين سنة بتنشئة أناس مهزومين انهزاميين فارغين، لم يسألهم أحد يومآ عن رأيهم بأي أمر مهما كان صغيرآ، فالقائد الفذ الرمز يعرف كل شيء، لم يعرفوا معنى المشاركة ولا معنى المواطنة المسؤولة ولا معنى حرية الرأي والتعبير، معظمهم ولد في عهد حافظ الأسد وترعرع في ظل هذا النظام القمعي الجائر الذي روضهم وحولهم إلى قطيع من الحملان البائسة
شيء مؤسف حقآ، عند أول امتحان في حياتهم لمدى وطنيتهم، عند أول دعوة لهم للمشاركة الحقيقية والتعبير عن الرأي بمسألة مصيرية، عند أول نداء وأول استغاثة من وطنهم فإنهم لم يكتفوا بالصمت على أقل تقدير، ولكنهم هرعوا إلى قائدهم الرمز الملهم الذي لايأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه
تم تجويفهم وافراغ محتواهم حتى صاروا لاشيء، تم اختزالهم واختزال الوطن كله بالقائد المفدى، زرعوا فيهم أن الوطن هو القائد، وإذا رحل القائد ذهب الوطن
تحاورت معهم كثيرآ، حاولت أن أقنعهم أن الوطن يبقى والرئيس يذهب، وأن حب الوطن منفصل عن حب الرئيس، كلنا نحب وطننا، أما الرئيس فهو إنسان، نحبه إذا كان جيدآ، إذا كان يحب بلده وشعبه، ونكرهه إذا كان يكرهنا ويسرقنا ويدوس على قلوبنا، حاولت أن أقنعهم أن الرئيس إذا رحل لن يأخذ الوطن معه في حقيبته، وأن الوطن سيبقى وبالعكس سوف يكبر ويزدهر ويعمر، ولكن لا فائدة من الحوار معهم
عرضت عليهم صور ومشاهد القمع والتنكيل وقتل الأطفال والنساء، لا فائدة
أرسلت لهم الرابط الذي يكشف حسابآ للرئيس بمبلغ ملياري دولار في بنك سويسري، لا فائدة
أسألهم: ألا يعني لكم شيئآ أن النظام قد منع كل وسائل الإعلام العربية والأجنبية من الدخول إلى سوريا وتغطية الأحداث؟ ألا يعني لكم شيئآ أن تقبض السلطة على مراسلة الجزيرة إيرانية الأصل دوروثي بارفاز وتسلمها للسلطات الإيرانية إمعانآ في التنكيل بها؟ ألا يعني لكم شيئآ الضغوط الكبيرة التي تمارسها السلطة على الفنانين والإعلاميين وحتى العاملين منهم في محطات خارج سوريا والتهديد بإيذاء ذويهم في سوريا؟ لا فائدة
أسألهم: لماذا تحبون الرئيس؟ هل حرّر الجولان؟ هل حقق تنمية في سوريا؟ هل قضى على البطالة؟ هل قضى على الفساد؟ هل أفرغ السجون من معتقلي الرأي؟ يجيبون: لن يأتي أفضل منه، أقول لهم ولكنه يسرقكم هو وبطانته الفاسدة، يجيبون: أي واحد سيأتي بعده سيسرقنا هو الآخر، يكفي أنه طبيب، أجيبهم: لايهم إن كان طبيب عيون أم ماسح أحذية، المهم أن يحب وطنه وشعبه، لا فائدة
كثير منهم جامعيون وناجحون في حياتهم وبارزون في مجالاتهم، ولكنهم وعند أول صرخة للوطن هرعوا لقائدهم، فهم لايعرفون غيره
أعترف بأنني انهزمت أمامهم، ليس لأن حجتهم أقوى من حجتي، ولكن لأن الحوار معهم هو حوار مع الجدران، لا يجدي الحوار مع أناس انطفأت عندهم تلك الشعلة الصغيرة، شعلة المواطنة والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والرغبة بالمشاركة وتحمل المسؤولية، ولكني على يقين أن تلك الشعلة لم تنطفئ هناك عند كثير من أبناء الوطن رغم كل محاولات النظام إطفاءها، عندما أرى تلك الفتيات الصغيرات في قرية الحارة في حوران وهن خارجات بمظاهرة ترددن الشعارات الوطنية بحماس ملتهب وعلى مسافة غير بعيدة من رجال أمن لايعرفون الرحمة، عندما أرى شباب درعا وحمص وحماة وإدلب واللاذقية والقامشلي ودوما وحرستا وتلكلخ وغيرها من المدن والقرى يقدمون صدورهم للرصاص الحي، أدرك أن تلك الشعلة لم تنطفئ، تلك الشعلة التي اعتقد النظام أنه أطفأها إلى الأبد.
قد تخبو الثورة ثم تشتد، وتخبو ثم تشتد ولكنها لن تنطفئ بعد اليوم، لن تموت تلك الغرسة التي غرسها أبناء الوطن لأنها غرسة الوطن، وهل يموت الوطن؟



#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطيبات للطيبين في زمن الثورة السورية
- أضواء على خطاب الرئيس السوري
- دكتور أم دكتاتور؟
- فرقة البرلمان السوري للفنون الاستعراضية
- رد على مقال السيد نضال نعيسة
- نريد أن يعود اسم بلدنا سورية
- لن يشفي غليلي إلا سقوط شيوخ الجهل
- زينغا  زينغا
- رأي في الثورات العربية  الحالية
- صارت عندنا صفحات بيضاء
- أنا واقف فوق الأهرام وقدامي بساتين الشام
- نريد رئيسنا القادم سيدة
- من ذا يطالب حاكمآ بعبده?
- الوطن الذي يسأل أبناءه رأيهم
- نادر قريط ووفاء سلطان، مشروعان متكاملان
- دعوة لتغيير كلمات العزاء
- بين زمنين
- أي الحدود أهم؟ حدود الوطن أم حدود الله؟
- أخبار سارّة من بلدي
- الطائر الحر


المزيد.....




- حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر ...
- باريس تعلق على طرد بوركينا فاسو لـ3 دبلوماسيين فرنسيين
- أولمبياد باريس 2024: كيف غيرت مدينة الأضواء الأولمبياد بعد 1 ...
- لم يخلف خسائر بشرية.. زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب جزيرة شيكوكو ...
- -اليونيفيل-: نقل عائلاتنا تدبير احترازي ولا انسحاب من مراكزن ...
- الأسباب الرئيسية لطنين الأذن
- السلطات الألمانية تفضح كذب نظام كييف حول الأطفال الذين زعم - ...
- بن غفير في تصريح غامض: الهجوم الإيراني دمر قاعدتين عسكريتين ...
- الجيش الروسي يعلن تقدمه على محاور رئيسية وتكبيده القوات الأو ...
- السلطة وركب غزة


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نارت اسماعيل - غرسة الوطن