أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - كاظم حبيب - قراءة ومناقشة -خارطة طريق اقتصادية- للسيد الدكتور محمد علي زيني -الحلقة الرابعة-















المزيد.....


قراءة ومناقشة -خارطة طريق اقتصادية- للسيد الدكتور محمد علي زيني -الحلقة الرابعة-


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 3375 - 2011 / 5 / 24 - 14:48
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


قراءة ومناقشة "خارطة طريق اقتصادية" للسيد الدكتور محمد علي زيني
الحلقة الرابعة

4 . حول العلاقة بين القطاعين العام والخاص في الاقتصاد العراقي
الدكتور محمد علي زيني يتبنى في دراسته المحمودة " خارطة طريق اقتصادية " للعراق من الناحيتين النظرية والعملية تلك الفكرة التي تدعو إلى ابتعاد الدولة كلية عن أي نشاط اقتصادي إنتاجي وترك هذا المجال كلية للقطاع الخاص المحلي. وخص الدولة بدور "الرقابة" و "التحكيم", إذ كتب:
"إن أهم درس خرجت به تجارب التطور الاقتصادي في مختلف دول العالم النامية هو تحديد العلاقة بين الدولة والسوق، أو بعبارة أخرى بين الحكومة والقطاع الخاص. وهذا الدرس يشير إلى أن عملية التطور الاقتصادي ستحقق النجاح عندما يكون دور الحكومة مكملاً لدور السوق وليس متضارباً معه". ويحدد دور الحكومة المكمل لدور السوق على النحو التالي:
"ويكون دور الحكومة مكملاً لدور السوق (القطاع الخاص) عندما تتبنى الحكومة سياسة ودية نحو السوق (Market-friendly Approach) فتدع السوق تعمل بحرية حينما تنجح وتتدخل حينما تفشل. ولقد دلت التجارب على أن السوق إذ تنجح نجاحاً باهراً في الأنشطة الإنتاجية فإنها تفشل فشلاً ذريعاً في بناء البنية التحتية )المادية والبشرية( وحماية البيئة وتوفير الصحة العامة وفي كل مجال لا تحقق به أرباحاً مباشرة." وبناء على ذلك يستنتج الدكتور زيني الموقف التالي الذي يفترض أن تمارسه الحكومة:
"إن هذا الدرس المهم يدعو الحكومة إلى أن تتخذ دور السند والداعم للقطاع الخاص بأن تركز جهودها في توفير البيانات والإحصاءات والمعلومات وبناء البنية التحتية والعناية بالصحة العامة وحماية البيئة ونشر التعليم وتشجيع البحوث وتمويلها، وكذلك التدخل في شتى المجالات الحيوية الأخرى التي ينحسر فيها نشاط القطاع الخاص، أو أن يكون فيها نشاطه معارضاً لما يتطلبه الصالح العام، إذ يتعين على الحكومة هنا أن تتبنى دوراً رقابياً فاعلاً على أنشطة القطاع الخاص منعاً للاحتكار والانحراف والاستغلال المضر بمصالح المواطنين والدولة." ولا يكتفي بهذا بل يصر على توضيح أدق لموقفه فيؤكد:
"ويدعو هذا الدرس، من جهة أخرى، الحكومة أن تبتعد عن الأنشطة الإنتاجية التي هي من صميم اختصاص القطاع الخاص، كإنتاج السلع الالكترونية والأنسجة والاسمنت والأحذية والحديد والصلب وإدارة الفنادق والإنتاج الزراعي، وغير ذلك من الأنشطة التي يحسنها القطاع الخاص ويتفوق بها عندما يتوفر له المناخ الملائم." (راجع: جميع هذه المقتطفات مأخوذة من نص الحلقة الثالث من "خارة طريق اقتصادية").
اخترت هذا المقاطع الطويلة نسبياً لأحدد بوضوح رؤية الزميل زيني من جهة, وابتعد عن تكرار إيراد مقاطع أخرى في الدراسة تشير إلى ذات الفكرة الرئيسة التي يرى إنها المعبرة عن جوهر اقتصاد السوق من جهة أخرى.
بعد أن انتهيت من القراءة الثانية للمادة التي نالت إعجابي بشكل عام , ولكنها أثارت عندي الإحساس بأن الراديكالية التي كانت تدعو إلى هيمنة كاملة لقطاع الدولة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي, قوبلت حينذاك, وأصبحت اليوم تقابل براديكالية أشد تدعو إلى هيمنة كاملة للقطاع الخاص على العملية الاقتصادية, ولكن وبشكل خاص على القطاع الإنتاجي, في العراق, رغم إن الزميل زيني لا يتميز بالتطرف في أطروحاته السياسية والاقتصادية , بل يتسم بالموضوعية والاعتدال.
إن الدراسة الغنية للدكتور محمد علي زيني قد أوحت لي أيضاً ودون أدنى ريب بأن العراق بحاجة تامة إلى نشاط واسع واستثمار كل الإمكانيات والطاقات المتاحة, سواء المتوفرة منها في الداخل أم التي يمكن استيرادها من الخارج, لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة والخلاص من التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي المريع الذي يعيش فيه المجتمع العراقي. وإذا كان هذا الإيحاء صحيحاً وفي ظل اقتصاد السوق, فليس هناك من الناحيتين النظرية والعملية أي مانع, وبخلاف ما يطالبنا به الدكتور زيني, من استخدام كل القطاعات الاقتصادية من حيث الملكية في العملية التنموية الاقتصادية والاجتماعية, أي مشاركة القطاع الخاص والقطاع الحكومي والقطاعين المختلط والتعاوني, إضافة إلى القطاع الخاص الأجنبي, بل هي ضرورة حتمية وملحة. والدكتور زيني لا يستثني قطاع الدولة من النشاط الاقتصادي, ولكن يحصره في البنية التحتية والخدمات العامة ليوفر كل ما هو ضروري للقطاع الخاص المحلي والأجنبي لأداء دورهما في العملية الاقتصادية. وفي هذا يبرز الاختلاف في الموقفين. علماً بأن هناك بعض الاقتصاديين الذي يتبنى بشكل مطلق فكر ونهج اللبرالية الجديدة في الحياة الاقتصادية ويرى بأن من يخالف اللبرالية الجديدة لم يطلع عليها وليست له معرفة بمضامينها! في مثل هذه الحالة لا يشعر الإنسان بجدية من يناقش بهذه الطريقة غير العقلانية التي يعتبر فيها وكأن الآخر يكتب بأمر لا علم له بها, وأنه وحده العليم بهذه الأمور !!
حين نستعيد مراحل تطور الرأسمالية على الصعيد العالمي, وفي فترات الحروب وفي أعقابها بشكل خاص, سنجد أن اقتصاد السوق الحر قد اعتمد في تطوره الاقتصادي على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج وفي صناعات تحويلية مهمة, بل وأن هناك دولاً رأسمالية متقدمة ما تزال تمارس هذا النهج إلى جانب الدور الرئيسي للقطاع الخاص في مجمل العملية الاقتصادية, ومنها فرنسا. كما إن الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة التي ما تزال عواقبها مستمرة بفعلها السلبي على الصعد المحلية والإقليمية والدولية, دفعت بالكثير من الاقتصاديين والسياسيين والباحثين في الشأن الاقتصادي والاجتماعي في أوروبا وفي الولايات المتحدة إلى الدعوة لاستعادة قطاع الدولة بعض دوره في العملية الاقتصادية في مجالات الصناعة والمالية والبنوك, أي الدعوة إلى تأميم مشاريع اقتصادية إنتاجية ومالية وخدمية. إذ إن العواقب الوخيمة التي تسببت بها الاحتكارات الرأسمالية الخاصة والبنوك كانت كبيرة وحملت خزائن الدول خسائر مالية فادحة تحملها دافعو الضرائب في تلك الدول, وهم في الغالب الأعم الفئات المنتجة للسلع المادية والروحية والكادحة, غذ غالباً ما يتهرب أصحاب رؤوس الأموال والاحتكارات الكبيرة من دفع الضرائب ويعفون تحت ذرائع كثيرة.
من هنا أجد أن الملاحظة التي يطرحها الدكتور محمد علي زيني بشأن إبعاد الدولة عن المشاركة في قطاع الإنتاج وترك المهمة للقطاع الخاص متشددة وغير مبررة في ظروف العراق الملموسة. إذ أرى إن بلداً مثل العراق يفترض فيها أن يستفيد من القطاعين الخاص والعام أولاً, ومن القطاع المختلط والتعاوني ثانياً, وأن لا يستغني عن الاستفادة من القطاع الخاص الأجنبي ومن المعونات الخارجية غير المشروطة بأي حال. وأستند في هذا الرأي إلى ملاحظتين مهمتين:
1. إن صيغ تطبيق الرأسمالية ليست واحدة بل توجد صيغ كثيرة لا تعتمد على طبيعة المرحلة فحسب, بل على وفق الإمكانيات والقدرات الفعلية والوعي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع وحاجات البلاد وإمكانياته.
2. وإن الدول الرأسمالية في مراحل مختلف من تطورها اعتمدت على قطاع الدولة في تنمية اقتصادياتها وكانت ناجحة في استخدام مشاريع القطاع الحكومي الإنتاجية.
يحضرني في هذا الصدد موقف الاقتصادي الإنجليزي جون مينارد كينز ( John Maynard Keynes) (1883 - 1946) حين تحدث عن دور قطاع الدولة في فترات معينة من تطور الرأسمالية وأكد ضرورة تفعيل هذا الدور في أعقاب الحرب العالمية الثانية للخروج من عواقب الحرب المدمرة والنهوض بالاقتصاد الوطني للدول الأوروبية. كما إن ذلك قد تجلى في موقفه حين شارك في المؤتمر الاقتصادي الدولي في أعقاب الحرب العالمية الأولى وكذلك في موضوعاته المهمة في أعقاب الكساد العالمي 1929-1932.
إن الدعوة إلى مشاركة قطاع الدولة في التنمية الاقتصادية وفي القطاعات الإنتاجية التي أتبناها لا تميل أو تدعو إلى مقاربة ما حصل في الدول الاشتراكية التي كانت تمارس كل النشاط الاقتصادي وأبعدت كلية تقريباً القطاع الخاص وقدراته وكفاءاته العلمية والفنية أو دخلت في إنتاج كل شيء واحتلت كل الخدمات تقريباً من جهة, ولا إلى ما حصل في العراق في فترة حكم البعث في الفترة 1968-2003 الذي حاول النظام السياسي من خلال هذا القطاع فرض هيمنته لا على الاقتصاد الوطني فحسب, بل وعلى كل العاملين في النشاط الاقتصادي وعلى جهاز الدولة باعتباره صاحب العمل الذي يسيطر عليهم ويريد منهم خدمة الفئة الحاكمة وحزبها وقائدها من جهة أخرى, إذ أن النموذجين, وأن اختلفا في الجوهر, ليسا صالحين للعراق. فالدولة العراقية المالكة للموارد الأولية, وخاصة النفط والغاز الطبيعي, يمكنها توفير الموارد المالية على الأمد المتوسط والطويل لصالح التنمية الاقتصادية, سواء بتأمين إقامة مشاريع البنية التحتية, ومنها مشاريع الخدمات الاجتماعية الأساسية بما يسهم في تقديم الخدمات للقطاع الخاص المحلي والأجنبي, أم في إقامة مشاريع إنتاجية ذات أهمية فائقة وذات طبيعة إستراتيجية للتنمية الاقتصادية المستدامة. والقطاع الخاص المحلي عاجز حالياً وإلى عقدين قادمين أو أكثر عن توفير مستلزمات النهوض بمهمات التنمية دون دعم واسع ومتواصل من جانب الدولة وقطاعها الاقتصادي. كما إن القطاع الخاص الأجنبي الذي نحتاجه في التنمية الاقتصادية سوف يتلكأ كثيراً بسبب المنافسة الشديدة الخارجية على الاستثمارات الرأسمالية الأجنبية من جهة, وبسبب الأوضاع الداخلية التي لن تنتهي في فترة وجيزة في ضوء النظام القائم على المحاصصة الطائفية واستمرار الإرهاب المحلي والإقليمي وتدخل دول الجوار الفظ في الشأن العراقي من جهة ثانية, وطبيعة القوى الحاكمة التي لم تعِ, وربما لا تريد أن تعي مفهوم التنمية المستدامة الضرورية والملحة للنهوض بالاقتصاد العراقي من جهة ثالثة. يضاف إلى ذلك واقع الفساد المالي المستشري في العراق لا كظواهر متفرقة, بل كنظام سائد ومعمول به ومقبول من الدولة بسلطاتها الثلاث ومن فئات الشعب التي تمارسه يومياً مجبرة لأنها لا تستطيع بدون ذلك تمشية معاملتها وشؤونها اليومية.
لا أنطلق في هذا الموقف من قطاع الدولة ودوره ودور بقية القطاعات الاقتصادية من حيث الملكية من مواقع أو رؤية إيديولوجية, بل استند في ذلك إلى منظور اقتصادي اجتماعي للمجتمع العراقي وبنيته الطبقية ومن رؤية موضوعية لواقع العراق الملموس وحاجاته الكبيرة للتنمية وضرورة تعبئة كل الإمكانيات لهذا الغرض. ولهذا لا أرى صواب أن يشارك القطاع العام في إنتاج كل شيء بما في ذلك إبر الخياطة والخيوط والدبابيس ...الخ , ولا أن يعمل بالضرورة في صناعة الفندقة والسياحة مثلاً, ولكن من الممكن أن يشارك في صناعة الصلب والحديد أو في إنتاج الخبز الجيد والرخيص للمجتمع على وفق المثل الشعبي البغدادي القائل "الناس تفتش عن خبز باب الأغا حار ومگسب ورخيص). ولم ينشأ هذا المثل الشعبي عن فراغ, بل كان وما يزال يعبر عن حاجة الناس لذلك. ومثل هذه المواصفات الثلاث لا يوفرها القطاع الخاص وغير مستعد لتوفيرها على هذا الأساس. لا شك في أن من واجب الدولة أن توفر البنية التحتية لمشاريع الفندقة والسياحة, وربما يمكنها في مرحلة لاحقة أن تطالب بتعويضات معينة من أصحاب مشاريع الفندقة والسياحة عن استخدامهم لتلك المرافق أو مشاريع البنية التحتية التي تقيمها وتساهم في تنشيط مختلف أنواع السياحة في العراق.

العراق ورؤوس الأموال الأجنبية
ويبدو لي إن من المفيد ونحن نتحدث عن الاستثمار الأجنبي في العراق أن نفكر بخمس مسائل جوهرية:
1 . إمكانية وضرورة وأهمية مشاركة رؤوس الأموال القادمة من الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط في مشاريع اقتصادية مشتركة, سواء بمشاركة الدولة أم القطاع الخاص المحلي, أي مشاريع مختلطة لاكتساب الخبرة والمعرفة والمشاركة في الأرباح. وينطلق هذا الموقف من أهمية تحقيق التعاون والتنسيق الاقتصادي على صعيد الدول العربية والمنطقة لما في ذلك من أهمية في حجم رؤوس الأموال التي يمكن توظيفها وحجم الإنتاج والتقنيات الأكثر حداثة التي يمكن استخدامها في الإنتاج ورفع مستوى الإنتاج ونوعية الإنتاج وتقليص التكاليف وتوسيع السوق الذي يمكن تصريف السلع المنتجة فيه وتكون سلعه قادرة على المنافسة في السوق الدولية. أي الإنتاج الموجه للتصدير, ولكن في الوقت نفسه لأسواق المنطقة والداخل.
2 . أن تساهم رؤوس الأموال الأجنبية في تنمية تلك القطاعات أو المشاريع الاقتصادية التي يحتاجها العراق لتنمية المناطق التي ما تزال متخلفة وبحاجة إلى تنمية معجلة يصعب على القطاعين العام والخاص المحليين النهوض بها . وفي هذه المشاريع يمكن التفكير بدور مشارك للقطاع الخاص المحلي أو الحكومي للوصول إلى ذات الأهداف.
3 . أن نبتعد قدر الإمكان عن استثمارات الحافظة التي حذر منها بصواب الدكتور زيني, وأن ننشط استثمار رؤوس الأموال بشكل مباشر. ومن المفيد هنا أيضاً أن نشجع على الاستثمار المشترك, أي بين الأجنبي والعراقي, سواء أكان حكومياً أم خاصاً, في مجالات التنمية الاقتصادية والبشرية وفي إقامة وتنشيط مراكز البحث العلمي النظري والتطبيقي لصالح عملية التنمية.
4 . أن يلتزم القطاع الخاص الأجنبي بقوانين العمل والعمال والضمانات الصحية والاجتماعية والحماية الصناعية .. الخ في العراق وأن لا يتجاوزها بما يلحق الضرر بالعاملين ومصالحهم.
5 . أن تقدم الدولة تسهيلات مهمة ومناسبة, سواء أكانت في مجال الضريبة على الأرباح أو تخفيض التعريفة الجمركية على المواد الأولية والسلع نصف المصنعة المستوردة, من أجل تشجيع وتنشيط الاستثمار الأجنبي في الاقتصاد العراقي والسماح له بتحويل جزء مهم ومعقول من أرباحه إلى الخارج وإعادة توظيف جزء أخرى منها في الداخل لتنمية لتحقيق تراكم رأسمالي وتحسين التقنيات المستخدمة وطرق الإنتاج بما يتناسب وحماية البيئة في العراق.

هل نحن بحاجة إلى خصخصة
وأخيراً دعا الدكتور زيني في "خارطة طريق اقتصادية" للعراق إلى تحقيق خصخصة كاملة للمنشآت والمشاريع الحكومية المتبقية في قطاع الصناعة التحويلية, باستثناء قطاع النفط الخام. ومع تأييدي الكامل لحصر اقتصاد النفط الخام بالدولة العراقية, أرى خطأ اللجوء للخصخصة التامة لما تبقى من قطاع الدولة الصناعي, إذ إن العيب ليس في ملكية الدولة لوسائل الإنتاج بل في طبيعة النظام السياسي وفي وأساليب وأدوات العمل والإدارة والأهداف المحددة لمشاريع هذا القطاع. الدكتور زيني يقول بهذا الصدد ما يلي:
"ولقد استمرت هذه الحالة حتى الثورة في 1958 (ويقصد هنا الاعتماد على اقتصاد السوق, ك. حبيب)، حيث بدأت بعدها الحكومات العراقية المتعاقبة تستثمر في القطاع الصناعي. وعندما زاد الميل تدريجياً نحو الاقتصاد الاشتراكي، نفّذت الحكومة عمليات التأميم في سنة 1964. ومنذ ذلك الحين هيمن القطاع العام على الاقتصاد العراقي. وغني عن القول أن الاقتصاد الاشتراكي، بخصوص عمليات الإنتاج، فشل في جميع أنحاء العالم، ناهيك عن العراق، وأصبح الآن ضرورياً تفكيك معظم القطاع العام الفاشل، وفسح المجال أمام القطاع الخاص للقيام بمهمة الإنتاج." (راجع: الحلقة الثالثة من "خارطة طريق اقتصادية").
في هذا المقطع ثلا ث مسائل تستوجب المناقشة:
1 . إن الميل صوب التأميم في العام 1964 لم ينطلق من رؤية وفلسفة اشتراكية ثانياً, ولا من جماعات كانت تؤمن بالاشتراكية ثانياً, فعبد السلام محمد عارف الذي وقع على إجراءات التأميم هذه لم يكن اشتراكياً بل كان الرجل قومياً شوفينياً وطائفياً مقيتاً, كما إن الجماعة التي حركته للتأميم لم تكن هي الأخرى اشتراكية. لقد تمت عملية التأميم البائسة التي لم يبلغ حجم رؤوس الأموال المؤممة كلها وفي جميع القطاعات عن 28 مليون دينار عراقي حينذاك, وقد اضرت بالاقتصاد العراقي ولم تنفعه بشيء. لقد صدرت إجراءات التأميم تلك تحت فعل ثلاثة عوامل:
أ . وجود الجماعة الناصرية في الحكم في عهد عبد السلام عارف التي حاولت التماثل مع سياسة عبد الناصر في مجال إجراءات التأميم التي وقعت بين 1961-1964 في مصر, والتي جاءت في مصر في حينها عقاباً للبرجوازية المصرية على موقفها من الوحدة مع سوريا, ولم تستند إلى فلسفة اشتراكية, وكان استغلال ونهب قطاع الدولة في مصر يتم من الباطن ولم يتوقف. وبالمناسبة أشير هنا إلى إن رسالتي للدكتوراه التي دافعت عنها في شهر شباط/فبراير 1968 حملت العنوان التالي " طبيعة إجراءات التأميم في جمهورية العربية المتحدة ". ونشرت بشأن الإجراءات مقالين في جريدة الطليعة المصرية في أوائل 1968.
ب . معاقبة البرجوازية الوطنية العراقية التي رفضت الانقلابات البعثية والقومية وسياساتها الفاشية وتوقفت عن توظيف استثماراتها في الاقتصاد العراقي بهدف إقناع الحكومة العراقية بضرورة تغيير سياساتها مواقفها الطائفية المتشددة التي تميزت بها مواقف عبد السلام محمد عارف حينذاك. وعلينا أن نتذكر هنا مذكرة الشيخ محمد رضا الشبيبي إلى رئيس الوزراء الدكتور عبد الرحمن البزاز حول تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية في العراق حينذاك.
ج . محاولة السيطرة على الاقتصاد الوطني لإخضاع كل العاملين في النشاط الاقتصادي وكذلك المجتمع للسلطة السياسية حينذاك والتحكم في وجهة التطور بأمل تحقيق الوحدة مع مصر.
ولهذا فإن القول بأن الدولة كانت تتجه صوب الاشتراكية ليس صحيحاً وقد كتبت عن إجراءات التأميم في العام 1964 ثلاث دراسات نشرت في مجلة دراسات عربية (1969) ومجلة الطريق (1970) ببيروت وفي أكثر من مقال في الثقافة الجديدة وفي مجلة الجامعة المستنصرية ببغداد باعتبارها إجراءات سيئة أعاقت عملية التنمية ودور القطاع الاقتصادي وبثت الخشية فيه طويلاً. وبذلك ساهمت في تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج والابتعاد عن توظيفها في الداخل.
2 . بصدد الفترة 1968-2003
في الوقت الذي ساندتُ إجراءات التأميم في قطاع النفط الخام في العام 1972 ووقفت إلى جانب تطوير قطاع الدولة الاقتصادي, ولكني رفضت تورط الدولة المفرط في التوسع العفوي والفوضوي لقطاع الدولة والمعرقل عملياً لنمو القطاع الخاص وتطوره ودوره في التنمية والعجز عن إدارة وتنظيم قطاع الدولة ومجمل الاقتصاد الوطني. ودعوت إلى تشجيع ودعم نشاط القطاعات الأربعة من حيث الملكية التي أشرت إليها في هذه الدراسة أيضاً والابتعاد عن عقد المشاريع تحت عنوان المشروع الجاهز أو تسليم المفتاح لما في ذلك من عواقب سلبية على الاقتصاد من حيث الكلفة وصعوبة إدارتها فنياً وعدم تدريب الكوادر الفنية العراقية عليها. كما كنت صارماً في الموقف من التنمية الانفجارية التي كتبت عنها الكثير وتسببت تلك الكتابات, وخاصة المقال الذي نشر في طريق الشعب في يوم الجمعة المصادف 7 من شهر تموز/يوليو 1978 حيث تم اعتقالي في نفس يوم نشر المقال وخلال اعتقالي وتعذيبي تمت أحالتي على التقاعد بدرجتين أقل وبدون راتب تقاعدي. ثم قدمت أوراقي إلى محكمة الثورة بتهمة إهانة مجلس قيادة الثورة, ودولة البعث ولكن كنت قبلها بقليل قد غادرت العراق إلى الجزائر.
لقد كانت الجمهورية الرابعة, البعثية, استبدادية وبوليسية قمعية ومهووسة بأموال النفط الخام المصدر التي تساقطت على رأس النظام كزخات مطر أعمت بصر وبصيرة نظام البعث, كما نلاحظ هذه الظاهرة في يومنا هذا أيضاً وبصيغ متنوعة. ولهذا لم يهتم النظام بقطاع الدولة بقدر ما اهتم في التوسع به وهيمنته على كل العاملين في أجهزة الدولة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ودفعت به إلى تحميل خزينة الدولة خسائر مالية كبيرة من خلال تقديم الدعم المستمر لهذه المشاريع مع سبق الإصرار, إذ لم يعمل القطاع الحكومي على أسس اقتصادية ومحاسبية ومنافسة جدية, بل كان يراد منه إعطاء صورة كاذبة وكأن الدولة تسير بـ "الاتجاه الاشتراكي" ولهذا أطلقت عليه اسم القطاع الاشتراكي زيفاً وبهتانا.
العيب الفعلي لم يكن في قطاع الدولة, بل بالنظام السياسي الذي أخضع هذا القطاع له وتوسعه بصورة عفوية وعبثية. كما كان العيب في الأساليب والأدوات والكوادر البعثية التي وضُعت على رأس هذا القطاع الحكومي ليخدم هيمنتها على الاقتصاد والمجتمع في العراق وليتحكم بأجهزة الدولة ومجالاته من جهة أخرى, وليكون أداة للنهب والسرقة والتحايل على المال العام, سواء من حيث التعاقد على إقامة تلك المشاريع, أم في فترة إقامتها أم في فترة إنتاجها.
وبكلمة مختصرة فإن خسارة مشاريع قطاع الدولة كانت مبرمجة ابتداءً, إذ لم يكن هدفها اقتصادي, بل سياسي بحت. ولا يمكن أن يتصور الإنسان نجاح مشاريع قطاع الدولة كلها حين يكون الهدف منها سياسي لا غير.
3 . وعليه فأن الحديث عن التوجه الاشتراكي في سياسة الدول وهي تقيم هذه المشاريع خاطئ حقاً ولا يتناغم مع الواقع الذي ساد العراق خلال الفترة 1968-2003. فالاشتراكية لا تعني ملكية الدولة لوسائل الإنتاج, إذ إن الرأسمالية كانت فيها أيضاً ملكية دولة لوسائل الإنتاج دون أن يطلق عليها اشتراكية بل رأسمالية دولة. والاشتراكية لا تعني فقط وجود حزب يدعي الاشتراكية, كما في اسم حزب البعث العربي الاشتراكي, أو يدعي تمثيله للطبقة العاملة والفلاحين ولكن يسير بالاتجاه المعاكس كما عشنا التجربة في الدول الاشتراكية التي عبرت في الخط العام عن رأسمالية دولة, كما هو الحال في الصين حالياً. ولست هنا معنياً بتبيان ما تعنيه الاشتراكية, إذ ربما يحتاج هذا الموضوع إلى بحث مستقل.
لقد كان نظام البعث شمولياً واستبدادياً دموياً, لقد كان فاشياً من الناحيتين الفكرية والسياسية والسياسات العسكرية والقمعية والقسوة, ولم تكن لكلمة الاشتراكية في تسمية حزبه إلا ذراً للرماد في عيون البسطاء من الناس.
كما إن من غير الصائب الدعوة إلى الخصخصة إذا كان بالإمكان, وهذا ممكن فعلاً, إيلاء اهتمام أكبر بتلك المشاريع وإعادة تأهيلها ووضع كوادر إدارية ومحاسبية وفنية أمينة ونظيفة ومخلصة للعملية التنموية في العراق ولثروة الوطنية.
انتهت الحلقة الرابعة وتليها الحلقة الخامسة.
24/5/2011 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة ومناقشة -خارطة طريق اقتصادية- للسيد الدكتور محمد علي ز ...
- قراءة ومناقشة -خارطة طريق اقتصادية- للسيد الدكتور محمد علي ز ...
- لتنتصر إرادة شعب سوريا على الاستبداد والقمع والقسوة, لنتضامن ...
- قراءة ومناقشة -خارطة طريق اقتصادية- للسيد الدكتور محمد علي ز ...
- أين حقوق الأرامل والمطلقات والأطفال يا حكام العراق؟ عاملات ا ...
- الفساد وحكام الدول العربية والعراق
- كريم مروة : المفكر اليساري المجدد والمتجدد
- ساعة الحقيقة: مستقبل النهوض الشعبي ضد النظم الاستبدادية
- مصر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير 4-4 الاستنتاج ...
- مصر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير 3-4 مستوى ومد ...
- مصر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير 2-4 من هم الش ...
- مصر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير (1-4) التحرك ...
- انتفاضة الشعوب العربية ومواقف الحكام المخزية!
- تخلصت الشعوب من أبرز منظري ومؤججي صراع الأديان والمذاهب في ا ...
- الجريمة والعقاب الذي يستحقه النظام السوري
- النهج الاستبدادي للحكومة العراقية في موقفها من الاتحاد العام ...
- عصابات النظام السوري تمعن في قتل المنتفضين
- الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وبناء المجتمع المدني الديمقراطي
- مصير شاكر الدجيلي في ذمة النظام السوري الشمولي!!
- هل بأمر القائد العام للقوات المسلحة في العراق يقتل الناس في ...


المزيد.....




- مصر.. انخفاض كبير في أسعار السلع لأول مرة
- مصر تبني منطقة جديدة لتصنيع القوارب وتصديرها
- ستاندرد آند بورز تخفض تصنيف إسرائيل
- هل فشلت خطة بوتين لإزاحة الدولار من عرش التجارة الدولية؟
- -ستاندرد آند بورز- تخفض تصنيف إسرائيل الائتماني
- البنك المركزي المصري يعلن القضاء على السوق السوداء للدولار
- أسعار النفط تقفز وسط تقارير عن ضربات إسرائيلية على إيران
- أسواق آسيا تلونت بالأحمر والذهب ارتفع.. كيف تفاعلت الأسواق م ...
- حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة
- مفاجأة جديدة اليوم|.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 أبريل 2024 ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - كاظم حبيب - قراءة ومناقشة -خارطة طريق اقتصادية- للسيد الدكتور محمد علي زيني -الحلقة الرابعة-