أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - كاظم حبيب - قراءة ومناقشة -خارطة طريق اقتصادية- للسيد الدكتور محمد علي زيني -الحلقة الأولى-















المزيد.....


قراءة ومناقشة -خارطة طريق اقتصادية- للسيد الدكتور محمد علي زيني -الحلقة الأولى-


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 3370 - 2011 / 5 / 19 - 13:40
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


المدخل
نشر السيد الدكتور محمد علي زيني دراسة قيمة بعنوان "خارطة طريق اقتصادية" للعراق توزعت على سبع حلقات على موقع الحوار المتمدن, نشرت الحلقة الأولى منها في 9/2/2011 والحلقة السابعة والأخيرة في 15/5/2011. وبسبب أهمية الكاتب وكتاباته ودوره البارز في البحث والنشر حول الاقتصاد العراقي, وبسبب أهمية الموضوع والأفكار والمقترحات التي تضمنتها هذه الحلقات السبع بشأن إعادة بناء وتطوير الاقتصاد العراقي وتحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية وجدت مفيداً المشاركة في نقاش موضوعي هادف مع أفكار واستنتاجات الصديق الفاضل من جهة, وتحريك جو الحوار والنقاش الفكري والاقتصادي في أوساط العاملات والعاملين في المجال الاقتصادي العراقي في الداخل والخارج بما يسهم في بلورة ما أطلق عليه الزميل الفاضل "خارطة طريق اقتصادية" للعراق من جهة ثانية. ولا بد من الإشارة إلى أن الأستاذ الكاتب قد نشر أول كتاب اقتصادي مهم له, حسب علمي, في سنة 1995 تحت عنوان "الاقتصاد العراقي في ظل نظام صدام حسين – تطور أم تقهقر" صدر عن دار الرافد بلندن, ثم صدرت الطبعة الجديدة المنقحة والمزيدة لهذا الكتاب في العام 2003 ومن الدار نفسها تحت عنوان "الاقتصاد العراقي بين الماضي والحاضر وخيارات المستقبل". كما نشر دراسة أخرى عن الفساد في العراق.
ومن المفيد الإشارة أيضاً إلى إن الاقتصادي العراقي المعروف السيد الدكتور صبري زاير السعدي نشر هو الآخر مجموعة من الدراسات المهمة والأبحاث القيمة في هذا الصدد, منها على سبيل المثال لا الحصر, دراسة قيمة بعنوان "السياسة والاقتصاد في نظام الحكم الديمقراطي (الجديد) في العراق: التي نشرت في العدد 126 من "الملف العراقي" الصادر في حزيران/يونيو 2002, كما صدر عن دار المدى ببغداد في عام 2009 كتابه المهم "التجربة الاقتصادية في العراق الحديث - النفط والديمقراطية والسوق في المشروع الاقتصادي الوطني (1951-2006)" وهو كتاب قيم. إضافة إلى ما نشر للدكتور السعدي من دراسات في مجلات مثل المستقبل العربي ودراسات عربية والثقافة الجديدة وفي مجلات أخرى باللغة الإنجليزية. وقبل ذاك صدر للطيب الذكر الأستاذ الدكتور عباس النصراوي (ت 2008) كتاب تحت عنوان "الاقتصاد العراقي" في عام 1995 عن دار الكنوز الأدبية ببيروت. وهي, إلى جانب غيرها من الكتب الاقتصادية, تعتبر من الكتب والدراسات المهمة التي تستحق وتستوجب القراءة من جانب العاملين في الشأن الاقتصادي العراقي.
يطرح الدكتور زيني في دراسته "خارطة طريق اقتصادية" للعراق مجموعة من الأفكار والاستنتاجات السديدة التي تستحق كل التأييد, سواء أكانت في الجانب النظري أم في الجانب التطبيقي وما يخص العراق بشكل مباشر. وحين اكتمل نشر الحلقات وجدت لزاماً عليَّ أن أحاور الدكتور زيني مباشرة وأن أناقش الأفكار التي طرحها على الجميع للمناقشة. وقد أخذ السيد الدكتور كامل العضاض المبادرة فناقش الحلقة الأولى مشخصاً بعض النقاط المهمة ومنتظراً الانتهاء من الحلقات لكي يناقشها. وأملي أن يواصل طرح ملاحظاته لصواب ما ورد في ما طرحه حتى الآن في رسالته الوجهة إلى الدكتور زيني. وأتمنى عليه أن يستكمل المناقشة بعد أن انتهى نشر الحلقات السبع.
وفي مناقشتي المكثفة هذه سأتطرق إلى تلك الأفكار والاستنتاجات التي توصل إليها الدكتور زيني في الجانبين النظري والتطبيقي أو ما يمس مسيرة العراق الاقتصادية المنصرمة والواقع الراهن وتصوراته لآفاق المستقبل. ومنذ البدء أشير إلى وجود اتفاق مع الزميل الدكتور زيني حول عدد مهم من القضايا النظرية والتطبيقية, ولكن توجد لدي ملاحظات ووجهات نظر أخرى تختلف عما ورد في دراسة الدكتور زيني والتي سأضعها أمام الزميل وأمام بقية القارئات والقراء ممن لهم اهتمام بالشأن الاقتصادي العام وبالشأن الاقتصادي العراقي لغرض المناقشة والتدقيق.
ابتداءً أود الإشارة الواضحة إلى ثلاث مسائل جوهرية حول ما أسعى إليه من هذه المناقشة:
1. لا أدعي الصواب في ما أطرحه من ملاحظات نقدية, إذ إن مهمتها تنشيط النقاش وتدقيق الاستنتاجات النظرية والعملية, وهي تعبر عن اجتهاد شخصي وعن رؤيتي الناتجة عن قراءاتي وتجربتي الذاتية. وأنا مقتنع بما أنشره حتى الآن.
2. أن نتواصل في الحوارات والنقاشات الفكرية بهدف تعميق الرؤية الاقتصادية لنا وللمجتمع من جهة, والسعي لبلورة رؤية مشتركة للعاملات والعاملين في الشأن العراقي من جهة ثانية, بحيث تسهم في الدفع باتجاه:
3. عقد ندوة فكرية وتطبيقية حول الاقتصاد العراقي وسبل تطويره, أي العمل المشترك وعبر مؤتمر أو ندوة لعدة أيام للوصول إلى وضع "خارطة طريق اقتصادية- بشرية أو اجتماعية" أمام المسؤولين عن رسم إستراتيجية التنمية الاقتصادية والبشرية في العراق.

مناقشة مضامين دراسة "خارطة طريق اقتصادية" للعراق
وعلى هذا الأساس سأقسم مناقشتي إلى قسمين: القسم الأول سيتضمن عدة حلقات أناقش فيها الجوانب النظرية من أطروحات الزميل الدكتور محمد علي زيني, في حين سيتضمن القسم الثاني عدة حلقات أيضاً أناقش فيها جوانب السياسات الاقتصادية و البشرية التي يقترحها الزميل محمد علي زيني على العراق للأخذ بها.

أولاً: الجوانب النظرية
سأناقش في هذه الحلقة عدداً من الموضوعات التي وردت في "خارطة طريق اقتصادية" للعراق بشكل مكثف, وهي موزعة على مساحة الدراسة بحلقاتها السبع.
1 . العلاقة بين السياسة والاقتصاد
استعرض الدكتور محمد علي زيني بصواب وموضوعية العلاقة الجدلية القائمة بين السياسة والاقتصاد والفعل والتأثير المتبادل بينهما, إذ أنهما, كما هو معروف, وجهان لعملة واحدة. ويؤكد ذلك حين يورد وقائع فعلية ملموسة عن الفترات السابقة وما يجري اليوم في البلاد. إلا إن العلاقة الجدلية بين السياسة والاقتصاد من الناحيتين النظرية ليست هي المشكلة, فالكل تقريباً يعترف بذلك, بل المشكلة تكمن في رفض حكام غالبية الدول النامية الاعتراف بالعلاقة الجدلية بين الفئات الحاكمة والقوى الطبقية أو الفئات الاجتماعية المالكة لوسائل الإنتاج من جهة وسعي الحكام إلى تبني إيديولوجيا تلك الفئات الاجتماع والدفاع عن مصالحها وإرادتها بالضد, في الغالب الأعم, من إرادة ومصالح الغالبية العظمى من فئات المجتمع. وهذه الحقيقة التي تُنكر كثيراً تؤكد حقيقة ان النخب الحاكمة ليست مستقلة عن الفئات المالكية لوسائل الإنتاج, بل معبرة عنها وعن مصالحها.
وتتجلى هذه العلاقة القائمة فعلاً في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يمارسها النظام السياسي القائم وينعكس في الموقف من عملية التنمية الاقتصادية والبشرية أو في إعادة البناء في العراق, وبشكل أكثر ملموسية في الموقف من بنية ووجهة التصنيع وتحديث الزراعة ومن بنية قطاع التجارة الخارجية والسياسات المالية بكافة جوانبها, التي تعتبر الأداة التنفيذية للسياسات الاقتصادية. كما تتجلى في مجمل العملية الاقتصادية بمراحلها الأربعة: الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك. ويمكن للمتتبع أن نتيقن من ذلك حين يجري تدقيق بنية الدخل القومي من حيث سبل تكوينه وتوزيعه وإعادة توزيعه, ومن ثم في العلاقة بين الأجور وفائض القيمة (الأرباح والفوائد وأشكال الريع) أو توزيعه بين التراكم والاستهلاك وسبل استخدامه.
من يسعى إلى معرفة مدققة لطبيعة تكوين وتوزيع الدخل القومي في العراق في الفترات المختلفة السابقة من تاريخ العراق الحديث, يمكنه أن يعود بشكل ملموس إلى فترات العهد الملكي قبل وبعد الحرب العالمية الثانية ومن ثم في عهد عبد الكريم قاسم وفي عهد التحالف البعثي القومي بعد انقلاب شباط 1963 ومن ثم في فترات الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن محمد عارف وفي فترة حكم البعث الثانية وصدام حسين الاستبدادية, وكذلك في أعقاب سقوط النظام الدكتاتوري وسيادة حكم المحاصصة الطائفية حتى الوقت الحاضر. ويمكن أن يرجع في ذلك على الميزانيات الاعتيادية وميزانيات التنمية الوطنية ليتحقق من ذلك من خلال أسس توزيع الدخل القومي وسبل استخدامه والقوى المستفيدة منه والمجالات التي صرفت فيه, إذ إنه سيدرك حقاً طبيعة تلك النظم الاجتماعية والسياسية ومدى ابتعادها عن مصالح الشعب الأساسية, في ما عدا فترة قصيرة من حكم قاسم.
فالسياسة الاقتصادية والاجتماعية في أي بلد كان, وكذا العراق, تجسد لنا بلا مواربة وبشفافية عالية طبيعة الفئة التي تحكم المجتمع العراقي حالياً. فنظرة متفحصة للواقع العراقي الراهن تساعدنا على تشخيص حقيقة أن النخبة الحاكمة في أغلبيتها تنحدر من فئات برجوازية صغيرة ومن فئات اجتماعية رثة اقتصادياً واجتماعياً وكانت مهمشة وتعيش على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, جماعات منحدرة من فئات اجتماعية إقطاعية وعشائرية ما تزال تحن للماضي وترتبط به بوشائج كثيرة وتتمنى عود قانون العشائر الذي ساد قبل ثورة تموز 1958, وهو في الواقع العملي ممارس فعلاً. وهي ليست من تلك الفئات البرجوازية المتوسطة التي تعمل من أجل تصنيع البلاد وتحديث الزراعة وتأمين زيادة التراكم الرأسمالي لصالح تنمية الثروة الوطنية والدخل القومي, بل إنها من الفئات التي تركض وراء الربح السريع في القطاع التجاري وفي المضاربات المالية التي شكلت اليوم فئة برجوازية تجارية كومبرادورية ترتبط مصالحها بمصالح الشركات الأجنبية المنتجة والمصدرة للسلع المصنعة وتشارك معها في تحقيق أقصى الأرباح بغض النظر عن الأساليب المعوجة التي تمارس في هذه العمليات. وهي ليست ضد التعامل مع الرأسمال الأجنبي, ولكنها ضد مشاركته في تصنيع البلاد الذي يسهم في تغيير البنية الاقتصادية والبنية الاجتماعية وتحقيق التقدم وتطوير الوعي لدى الإنسان, بل تحصره في مجالات التجارة والبنوك والتامين وإعادة التأمين لتحقق لنفسها أقصى الأرباح على حساب التطور التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
وتتجلى طبيعة النخب الحاكمة وتلك التي يُعبر عن مصالحها عبر الفئات الحاكمة ما يمر به المجتمع العراقي من فساد مريع تمارسه تلك الفئات بشكل واسع النطاق يقود إلى إفقار الثروة الاجتماعية والمجتمع ويشوه وجهة تطور البلاد ويعرقل تغيير بنية اقتصادها ويساهم في التفريط في قدرات البلاد على تحقيق التنمية والخروج من نفق التخلف المتعدد الجوانب الذي يعاني منه المجتمع. إن العواقب المباشرة من الحكم الذي يقاد من فئات اجتماعية ذات خلفية فلاحية وبرجوازية صغيرة لا تعمل في مجالات الإنتاج ورثة تستخدم العمامة والدين لأغراضها الذاتية وطفيلية النشاط, تظهر فيه جملة من الظاهر السلبية الحادة على سطح الأحداث اليومية ولكنها تجسد الخراب الجاري في عمق المجتمع, ومنها ممارسات المحسوبية والمنسوبية والعشائرية والطائفية السياسية باسم الدين والقومية الضيقة والشوفينية والفساد المالي والإداري, الذي احتل العراق مع الصومال المراكز الأولى في العالم, والخراب الاقتصادي وضد المرأة وحقوقها وممارسة التمييز بكل أشكاله وغياب مفهوم المواطنة الحرة والمتساوية من قاموس النخب الحاكمة. إن كل ذلك يصعب إصلاحه ما لم يجر تغيير لتلك القوى التي تمسك بزمام الأمور من خلال الانتخابات وتغيير طبيعة السياسات التي تمارس في البلاد من خلال رفض المحاصصة الطائفية..الخ. وهي مهمة كبيرة تستوجب نضالاً سلمياً وديمقراطياً شاقاً ومعقداً وطويل الأمد.
إن عرض هذه اللوحة الاجتماعية للنخب الحاكمة في البلاد يشير لنا بأن السياسات الاقتصادية التي تمارس في العراق تعتبر من هذا الخليط الاجتماعي المركب وتتجلى فيها العلاقة الجدلية لا بين السياسة والاقتصادية بشكلها العام والظاهر حسب, بل بمضامينها الاجتماعية أو الطبقية التي تحرص على مكافحة الطبقة الوسطى أو البرجوازية الصناعية المتوسطة والطبقة العاملة وفئة المثقفين وتحديث وتنويع القطاع الصناعي وحل المسألة الزراعية وتحديث الزراعية وتنويع بنية الإنتاج الزراعي وتنظيم التجارة الخارجية وتغيير بنيتها لصالح عملية التنمية الوطنية والتصنيع ...الخ.
حين يستطيع المجتمع أن يخلق ميزان قوى جديد لصالح الفئات المنتجة للثروة الاجتماعية, للسلع المادية والروحية, يمكنه أن يشكل عند ذاك ضغطاً على الفئة الحاكمة لتمارس سياسة اقتصادية فيها شيء من الاستقلالية عن مصالح الفئات المالكة لوسائل الإنتاج, أو ما يحقق شكلاً من أشكال التوازن في المصالح بما يسهم في دفع عجلة التطور والتقدم إلى الأمام. ومثل هذه الحالة تستوجب نضالاً شاقاً من جانب القوى المعبرة عن مصالح تلك الفئات لتنعكس في مجلس النواب وفي تشكيلات مجلس الوزراء وفي القوانين والقرارات التي تصدر عن الحكومة ومجلس النواب. وإلى ذلك الحين سيبقى العرق يئن من وطأة المشكلات الراهنة.

2 . العلاقة بين إستراتيجية التنمية والخطط الاقتصادية والاجتماعية
حين يكون الحكم على مستوى البلاد والمحافظات بيد هذه الفئات الاجتماعية التي تحدثنا عنها, فلا شك في أن المتتبع سيجد تعبير ذلك في غياب الرؤية العقلانية أو الرشيدة لعملية التنمية الآفاقية وعلى المدى البعيد أو ما نطلق عليه بإستراتيجية التنمية الوطنية التي تمتد لعقدين أو أكثر. وهذا ما نراه اليوم في العراق, إذ في ضوء غياب سياسة اقتصادية ومالية واجتماعية فعالة واقعية يختفي أيضاً التوزيع الرشيد للمهمات والأهداف والتقديرات للاستثمارات على خطط خمسية وسنوية وعلى مستوى الحكومة الاتحادية والمحافظات مثلاً. وفي غياب إستراتيجية التنمية الوطنية الشاملة وتقدير حاجات البلاد ذات المدى البعيد للموارد المالية بصورة علمية تقريبية, تغيب أيضاً إستراتيجية السياسية النفطية في البلاد وتتحول إلى تصريحات فارغة وتقديرات متباينة ومزاجية يدلي بها هذا الوزير أو ذاك حول كمية النفط التي يراد استخراجها وتلك التي يمكن تصديرها أو التي يمكن استخدامها في عمليات التكرير أو التصنيع الأخرى. وينطبق هذا على القطاعات الأخرى كالكهرباء مثلاً.
إن هذه الفئات الاجتماعية غالباً ما تكون انتقائية وعفوية وذات رؤية ضبابية لما يفترض أن ينمو ويتطور في العراق حالياً وفي المستقبل. هذا ما عاشت فيه البلاد في فترة حكم القوى القومية والبعثية منذ 1963 حتى سقوط نظام البعث وصدام حسين. لقد امتلكت سلطة حزب البعث جهازاً للتخطيط وكفاءات كبيرة وقيمة وإمكانيات مالية كبيرة ووضعت للعراق خطة بعيدة المدى عمل عليها الكثير من الباحثين الممتازين من أمثال الدكتور عبد الرحمن قاسملو والدكتور صبري زاير السعدي والدكتور جعفر عبد الغني والدكتور كامل العضاض والدكتور فرهناك جلال وعشرات من الخبراء والمختصين غيرهم, إضافة إلى بعض الأجانب, كما وضعت خطط خمسية مهمة, ولكن العفوية والانتقائية والرغباتية كانت سيدة الموقف وهي التي تحدد ما يفترض أن يقام في العراق من مشاريع, وهي التي أبعدت كل الخطط عملياً وتركت صدام حسين وطه ياسين رمضان وعزت الدوري هم الذين يحددون وجهة تطور الاقتصاد باتجاه التصنيع العسكري على وفق الذهنية العسكرية الراغبة في القمع والحرب والتوسع.
ومن يطلع على الخطة الخمسية التي طرحها السيد الدكتور علي بابان سيجد إنها لا تمتلك رؤية مستقبلية ولا تقوم على رؤية إستراتيجية بعيدة المدى ووضعت على عجل. ولهذا فقد افتقدت للكثير من المسائل المهمة التي أشرت إليها في مقال لي حول الخطة الخمسية نشر في موقع الحوار المتمدن وموقعي الخاص. ومع ذلك فقد كانت مبادرة مهمة. ولكن لم يأخذ الحكم الحالي بها لأنه لا يؤمن بالتخطيط ولا يرى ضرورة له ولا منفعة له فيه.
حين تضع إستراتيجية للتنمية الوطنية ستكون بحاجة ماسة إلى معلومات تفصيلية عن واقع العراق الاقتصادي والاجتماعي وإلى رؤية واقعية وصحيحة إلى رؤية ديناميكية للإمكانيات المتوفرة في البلاد من النواحي المالية والفنية والكوادر العلمية والفنية والإدارية والعلاقات العربية والإقليمية والدولية..الخ في حالة حركتها والتغيرات التي يمكن أن تطرأ عليها وان تضع أكثر من احتمال ثم تحاول استخدام عملية التقريب المتتابع للوصول إلى النموذج الأكثر قرباً للواقع القائم والمتغير. ويدخل في التأثير على هذا الأمر الموقف من قضايا مهمة منها مثلاً النموذج الاقتصادي الذي تسعى إليه النخب الحاكمة والموقف من التصنيع والزراعة وبقية القطاعات, وكذلك الموقف من التنمية البشرية ومن البحث العلمي ومن القطاعين الخاص والعام والقطاع الأجنبي ...الخ. وأسمح لنفسي أن أجزم بأن الحكومات الثلاث المنصرمة (علاوي والجعفري والمالكي) لم تكن لديها, كما إن حكومة المالكي الحالية ليست لديها رؤية علمية وواقعية لما يفترض أن تكون عليه إستراتيجية التنمية الاقتصادية والبشرية, ولكن لدى الكثير من الحكام والعاملين في الحكومة وأجهزة الدولة قدرة فعلية خارقة على أساليب وأدوات الاغتناء على حساب المال العام. وهي مشكلة أخرى ترتبط بدورها بالفقرة السابقة, بالطبيعة الاجتماعية للفئات الحاكمة والذهنية التي يتعاملون بها مع الشعب العراقي ومع ثروة البلاد.
وحين توضع إستراتيجية للتنمية الوطنية يفترض أن يؤخذ بنظر الاعتبار الثروة الخامية المتوفرة في البلاد, أي النفط الخام والغاز المصاحب بشكل خاص, إضافة إلى موارد أولية أخرى والموارد البشرية والقدرات العلمية والفنية المتوفرة. وعليه يفترض أن يعتمد المخطط للاقتصاد العراقي على النفط الخام, كمادة أولية, وعلى موارده المالية في التنمية الاقتصادية وتغيير بنية الاقتصاد خلال 25 سنة القادمة. ويمكن العودة في هذا الصدد إلى مجموعة من مقالات الدكتور صبري زاير السعدي ودراسات مهمة لأخوة آخرين.
ولا بد لنا وبالرغم من الأوضاع المرتبكة الراهنة في العلاقات بين العراق والدول المجاورة والعراق والدول العربية, فأن أي إستراتيجية تنموية في العراق يفترض فيها أن تأخذ بالاعتبار التعاون والتنسيق العربي والإقليمي, لأسباب ترتبط بمجموعة من العوامل, سواء أكانت من حيث مستوى التقنيات وحجم رؤوس الأموال وحجم الإنتاج ومستوى الإنتاجية والتكاليف والقدرة على التسويق, خاصة وان العراق يعيش في عصر يزداد عولمة من سنة إلى أخرى ويفترض أن لا ينسى ذلك بغض النظر عن الملاحظات التي يفترض أن توضع على واقع سياسات العولمة الجارية من جانب الدول الرأسمالية المتقدمة التي لا تصب في صالح الدول النامية ومنها العراق, وبشكل خاص من خلال سياسات المؤسسات المالية الدولية ونموذجها للتنمية, تلك المؤسسات التي يتصدرها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية الحرة.
هناك الكثير من المسائل التي يفترض أن نتطرق إليها في مجال إستراتيجية التنمية, ولكني أكتفي بالإشارة السريعة إلى مسألة تعتبر أساسية بالنسبة للعراق في ضوء عواقب الحروب التي خاضها العراق والتي استخدم فيها السلاح الكيماوي من جانب النظام العراقي وعتاد مشع من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والتي أدت إلى تلوث شديد للمياه والأرض والإنسان. وقد ظهرت أمراض خبيثة عديدة في العراق, وخاصة في جنوبه. ولهذا لا بد للعراق وهو يضع إستراتيجية تنموية أن يفكر بالتنمية الاقتصادية, وباقتصاد النفط الإستخراجي والتصنيعي, التي تقترن بحماية فعلية للبيئة من التلوث بمختلف احتمالاته, وأخص بالذكر هنا موضوع التنمية الصناعية والزراعية بما يحقق التوافق المناسب والمطلوب بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة والطبيعة. إذ بدون ذلك سيتعرض العراق لمشكلات بيئية كثيرة تعرض حياة البشر إلى أخطار كبيرة, كما سيصرف أضعاف ما يصرفه من أموال على التنمية من أجل إعادة تنظيف البيئة التي يصعب عندها تنظيفها من التلوث. إنها عملية ضرورية ما دام الإنسان يريد أن يعيش على الأرض العراقية وينعم بثرواتها الخامية ويبعد عن أجياله الحالية والقادمة أعباء الأمراض الخطيرة والموت المبكر والخسائر المالية الكبيرة بسبب تلوث البيئة.
انتهت الحلقة الأولى وستليها الحلقة الثانية.
19/5/2011 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين حقوق الأرامل والمطلقات والأطفال يا حكام العراق؟ عاملات ا ...
- الفساد وحكام الدول العربية والعراق
- كريم مروة : المفكر اليساري المجدد والمتجدد
- ساعة الحقيقة: مستقبل النهوض الشعبي ضد النظم الاستبدادية
- مصر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير 4-4 الاستنتاج ...
- مصر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير 3-4 مستوى ومد ...
- مصر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير 2-4 من هم الش ...
- مصر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير (1-4) التحرك ...
- انتفاضة الشعوب العربية ومواقف الحكام المخزية!
- تخلصت الشعوب من أبرز منظري ومؤججي صراع الأديان والمذاهب في ا ...
- الجريمة والعقاب الذي يستحقه النظام السوري
- النهج الاستبدادي للحكومة العراقية في موقفها من الاتحاد العام ...
- عصابات النظام السوري تمعن في قتل المنتفضين
- الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وبناء المجتمع المدني الديمقراطي
- مصير شاكر الدجيلي في ذمة النظام السوري الشمولي!!
- هل بأمر القائد العام للقوات المسلحة في العراق يقتل الناس في ...
- حكم البعث الشمولي وأجهزة أمنه السياسي في سوريا توأم لبغي واح ...
- فحوى ووجهة الحراك السياسي في العراق
- ليست لي حسابات مع الدكتور عبد الخالق حسين لكي أصفيها.. ولكن!
- حفل تأبيني في ذكرى الشهيد الكردي الفيلي باستوكهلم


المزيد.....




- هتكسب أضعاف الفلوس اللي معاك في شهر واحدة بس .. مع أفضل 6 شه ...
- حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة
- -قضية الذهب الكبرى-.. قرار جديد من هيئة مصرية بحق رجل الأعما ...
- ستاندرد أند بورز? ?تخفض تصنيف إسرائيل طويل الأجل 
- اعملي ألذ صوص شوكولاته للحلويات والتورتات بسيط جدا واقتصادي ...
- تباين أداء بورصات الخليج مع اتجاه الأنظار للفائدة الأميركية ...
- صندوق النقد: حرب غزة تواصل كبح النمو بالشرق الأوسط في 2024
- لماذا تعزز البنوك المركزية حيازاتها من الذهب؟
- كيف حافظت روسيا على نمو اقتصادها رغم العقوبات الغربية؟
- شركات تأمين تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد عمليات الاحتيال


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - كاظم حبيب - قراءة ومناقشة -خارطة طريق اقتصادية- للسيد الدكتور محمد علي زيني -الحلقة الأولى-