جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3369 - 2011 / 5 / 18 - 16:55
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
في أثناء حملة (جون كيندي الانتخابية) سأله أحد الصحفيين: هل أنت ضد الإعدام؟ فأجاب:نعم, أنا ضد الإعدام, فقال له الصحفي مستغرباً!!: ولكنك كنت وأنت في وزارة العدل مع قانون الإعدام, فأجاب: لم أكن وقتها قد قرأت كتابات (ألبرت كامو) هذا يعني أن الرؤساء المتحضرون يستجيبون لسحر الكلمة وللكتابات الأدبية حتى عبثية ألبرت كامو التي نعرفها جميعاً برفضها من أن للحياة هدف نبيل, ولم يكن الرئيس كنيدي وحده الذي يستجيب لكتابات الفلاسفة بل سبقه في ذلك الرئيس الأمريكي (روزفلت).
إن كلمات الأديب الغامضة تبقى في قلب الكاتب مثل السيوف وهي في أغمادها ومثل الرصاصات وهي في بيت النار إن خرجت صادقة وغاضبة تقطع رؤوس قديمة وتزرع رؤوس جديدة وتقتل أرواح قديمة وتحيي أرواح جديدة, وهكذا هي الكلمة فهي تهدم أبنية قديمة وتقيم مكانها أبنية حديثة, وهذا هو الأدب الغاضب فالأدب الغاضب هو الأدب الذي يحارب الفساد والجشع والطمع والديكتاتورية ويدعو إلى حرية المرأة والمساواة بين الجنسين وإطلاق الحريات العامة وكشف المستور ونشر غسيلنا لنا وللغرباء لكي يعرف العالم ما نعانيه مع نشر الفضائح, وهذا حصل في التاريخ عدة مرات فقد حدث ذلك قبل ربع قرن من الروائي المصري (نبيل خالد) صاحب رواية (نساء العرب) وبعض قصصه التي تحولت إلى مسلسلات تلفزيونية, علما أنها بقيت كتابات نبيل خالد قيد الاستهجان والاستغراب والإشارة إليه إلى أنه كاتب جريء حيثُ لم تقلب روايته وقصصه الحياة الاقتصادية كثورة بيضاء بل قلبت المكان الذي تقفُ فيه عند حافة القارئ أو المتذوق للأدب فقط لا غير , ولم تفعل أي رواية عربية أو أي رواية عالمية ما فعلته رواية(الغاب)الأمريكية ففي عام 1906م أصدر الكاتب الأمريكي (ابتون سنكلير) روايته(الغاب) التي أثارت ضجة أمريكية داخل الوسط الأمريكي السياسي والاقتصادي, ومما زاد الوضع سوء أن وصلت نسخة منها مهداة إلى الرئيس الأمريكي آنذاك (تيودور روزفلت) مُذيّلة على الصفحة الأولى بتوقيع رسمي من الكاتب كإهداء للرئيس الأمريكي, والمصيبة أن الرئيس الأمريكي (روزفلت) قرأ الرواية وكان في كل مرةٍ يذهب بعد قراءة كل ورقة أو كل فصل منها إلى الحمام لكي يتقيأ ما بجوفه من لحوم أكلها طيلة حياته من مدينة شيكاغو التي تدور أحداث الرواية داخلها وكان يقول عقب عودته من المرحاض: معقول هذا الكاتب صادق؟ معقول هذا الذي يحدث؟, ومنذ ذلك اليوم حرّم الرئيس الأمريكي على نفسه أكل اللحوم وعاش طوال حياته -بعد أكله لرواية الغاب- نباتيا لا يأكل اللحم على الإطلاق حتى وفاته, طبعا كل ذلك بسبب ما جاء في الرواية عن الفساد المنتشر داخل مدينة شيكاغو وكيف يقوم أصحاب المصانع بتعليب الفئران والجراذين ويبيعونها للشعب الأمريكي على أنها لحم عجل, كل هذا جعل الرئيس الأمريكي يشكل لجنة تقصي حقائق, ومما زاد الطين بله أن اللجنة ذكرت في تقريرها كثيرا من أمور الفساد التي لم يجرأ قلم الكاتب على ذكرها, وهذه الرواية بالذات قلبت النظام الاجتماعي الأمريكي وأدت إلى تغيير طرائق الحياة في شيكاغو أولا وفي باقي الولايات الأمريكية, لقد أراد الكاتب أن يقول بأن مجتمع الرفاهية الأمريكي ليس كما يظنونه في أوروبا فهنالك النمو الكريه للرأسمالية الذي أفسد الحياة العامة مطلع القرن العشرين الماضي, والكاتب (ابتون سنكلير) لم يصدر هذه الرواية وحسب بل له أيضا كتاب ترجم إلى 40 لغة من لغات العالم ألا وهو (فساد دور النشر) وكتاب(مضاربو وول استريت) وكتاب( الأخلاق البرجوازية).
دارت أحداث رواية الغاب في (منشأة دورهام للتعليب) والتي كتبت عنها لجنة تقصي الحقائق التقرير التالي(طوال النهار بقينا نمشي في كنج تاون ولم نر غير الروائح الكريهة ورأينا بأعيننا أشياء فضيعة جدا لم يسمع بها كاتب الرواية سنكيلر) كل هذا أدى في النهاية إلى إصدار مراسيم وتعليمات جديدة عن تنظيم المصانع ورعاية العمال والمحافظة على البيئة بيئة صحية ونقية كذلك تم إصلاح النظام الشُرطي البوليسي الذي كان الضباط به يديرون بيوت للدعارة, عدى الإعلانات من قبل البرجوازيين عن حاجتهم لخادمة منزل أو مربية أولاد والتي تتفاجأ المربية حين يغلق عليها الباب ليلا لتكتشف نفسها أنها في بيت دعارة بقبضة تجار أللحم الرخيص.
هذه الرواية التي قرأتها أنا أيضا قبل عشرة أعوام كانت قد قلبت حياة الرئيس الأمريكي وقلبت معها النظام الاجتماعي والصناعي والبيئي وحقوق العمال خصوصا والبرد القارص في شيكاغو الذي كان يواجهه العمال في المنشأة, والسؤال الجاد الذي يطرح نفسه هنا: هل قرأ الملوك العرب ما يكتبه الكتاب العرب؟ كما يقرأ الرؤساء الأمريكان ؟فهل يقرأ الملك عبد الله ملكنا مقالاتنا وقصصنا وحكاياتنا؟ هل كان يقرأ زين العابدين عن مدينة تونس؟ وهل كان يقرأ مبارك روايات ومقالات الغاضبين؟ هل يقرأ جلالة ملكنا ؟...أم أنهم يقولون له بأننا شعب فسقان وفاسد ولا نستحق المساعدة وأن الكتاب شلة معاتيه ومجانين؟, تخيلوا معي رواية واحدة غيرت مجرى الحياة العامة والصناعية في الولايات الأمريكية كالرواية التي تحدثت عن فساد النظام الطبي في بريطانيا وبسببها أعيد بناء النظام الطبي, والسؤال الآخر: ماذا لو لم يصلح الرئيس روزفلت النظام العام في شيكاغوا وباقي الولايات؟ حتما كانت أمريكيا ستخرج مهزومة ولن تصبح دولة عظمى ولوجد الرئيس روزفلت نفسه بعد الحرب العالمية الأولى مخلوعا مثله مثل زين العابدين وحسني مبارك.
إن أي مواطن عربي يقرأ رواية (الغاب) سيعرف أنه في عمان أو القاهرة أو تونس أو الرباط أو طرابلس أو حتى مكة المكرمة أو السعودية بأكملها الذي يتزوج فيها السعودي من أردنية أو شامية لتكتشف نفسها بعد أقل من أسبوع على الزواج أنها مجبرة على ممارسة الجنس مع الأصحاب والأصدقاء والمعارف عدى حفلات التبادل السرية بين الأقارب والتي لا يستطيع أحد إثباتها نظرا لأنهم لا يسجلون أي شكوى بهذا الخصوص, وهذا يحدث في كل العواصم العربية عند كثير من الشرائح الاجتماعية, إن حياتنا اليوم لا تختلف عن حياة مجتمع شيكاغو سنة1906, وأنا واحد من الناس الذي يسمع دائما عن رجال أعمال وأصحاب مكاتب يعلنون في الصحف عن طلب سكرتيرة لإدارة أعمالهم سرعان ما تكتشف السكرتيرة أثناء الدوام وبعده أنها ليست سكرتيرة بل بطرونه تدير شبكة دعارة للانتهازيين ولتجار اللحوم الرخيصة.
وفي مثل كل تلك الحالات يصبح العمل جريمة والإعلانُ جريمة, والمصنع جريمة, والأمن والبوليس جريمة, والمستشفى جريمة, والقوانين كلها جريمة تحمي طبقة خالعة.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟