جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3363 - 2011 / 5 / 12 - 21:37
المحور:
حقوق الانسان
لم أشاهد في حياتي مسئولا أردنيا يخدم الشعب, بل على العكس الشعب هو من يخدم المسئول ويمسح له حذاءه.
أنا أعيش في مجتمع أردني متخلف جدا, قياسا بشعوب العالم الحر التي يخدمها المسئولون والمدراء والنواب والضباط العسكريين ورؤساء الجمهوريات والملوك, فنحن خلقنا ألله بعكس كل الناس, وبعكس كل الجماهير وخلافا لكل المواصفات والمقاييس, فكافة شعوب العالم نجد فيها النائب في البرلمان يخدم الشعب ما عدى نحن كوننا متخلفون وجهلة ونتآمرُ على أنفسنا, فنحن إذا رأينا نائبا يمشي في الشارع نركض إليه ونسأله (شو عاوز سعادتك؟ أأمرنا يا باشا) وإذا رأينا النائب في البرلمان يجلس في إحدى الجلسات العائلية نهرول إليه ونطلب منه أن يسامحنا ونعتذر له دون أن يكون هنالك سبب للاعتذار فها هم أمامي أسمعهم يقولون للمسئول( إحنا آسفين حقك علينا) وهو يرد عليهم واضعا رجله اليمنى على فخذه الأيسر بقوله (عادي ولا يهمكم اعتبروا الموضوع انتهى) علما أنه لا يوجد موضوع من أصله, وإذا رأينا رئيسا للبلدية يجلس بين الناس نركض لنسلم عليه قائلين له (أنت والله على راسنا من فوق) وهو يرد عليهم بقوله (بارك ألله فيكوا) وكذلك إذا رأينا رئيسا لإحدى الجمعيات نركض إليه ركضا ونقول له (اكبير,أنت اكبير) وهو يرد علينا بقوله(شكرا) وإذا ذهبتُ أنا شخصيا إلى محل للتصليح وبيدي جهاز كهربائي أريد إصلاحه يطلب مني صاحب المحل كثيرا من المال ثمنا للتصليح وإذا جاء من بعدي إليه رجلا غنيا فورا يطلب منه المُصلّح بأن يستريح ويحضر له فنجانا من القهوة ويصلح جهازه دون أن يأخذ منه فلسا واحدا, نحن شعب متخلف جدا نخدم بالمسئول الذي لا يخدمنا ونأخذ من الفقير المعدم كل ما بجيبه من نقود ونقدم خدماتنا للمليونير ونحن مبسوطين جدا وسعداء جدا, ولا تستغربوا إذا رأيتم مديرا أو رئيسا يدخل مجلسا أو محلا تجاريا ويأخذ منه ما يريد دون أن يدفع الثمن ولا تستغربوا أيضا إذا رأيتم فقيرا مثلي يدخل محلا تجاريا يقوم صاحب المحل باستغلاله وبأخذ كل ما بجيوبه وتنظيفها بالكامل حتى لا يتبقى معه دينارا أردنيا واحدا.
لذلك الكرسي والمسئولية في الوطن العربي عزيزة على أصحابها ورئيس البلدية الذي ينجح مرة واحدة في الانتخابات يكرر المحاولة مرة أخرى لأنه يلقى شعبا متخلفا يخدمه ويقدم له كل الامتيازات وبنفس الوقت رئيس البلدية لا يخدم أحدا, ولا تستغربوا ولا تستعجبوا إذا رأيتم نائبا في البرلمان يحاول مرة أخرى العودة إلى مجلس النواب ذلك أن ذاق حلاوة خدمة الناس له دون أن يخدمهم, فالناس يبحثون عن النائب ليقدموا له الاعتذار دون أن يكون هنالك سببا له, بل ويعطونه كثيرا من النقود دون أن يكون بحاجة لها, ورأيت أمام عيني نائبا في البرلمان يشتري له الشعب الذي انتخبه سيارة فاخرة علما أن النائب ليس بحاجة لتلك المساعدة وبنفس الوقت لا يقدم للناس أي خدمة, نحن شعب متخلف بكل المقاييس ونحن شعب جاهل بكل المقاييس ونحن شعب أحمق ونحن شعب أرعن ونحن شعب لا يستحق الاحترام في بعض الأحيان.
لذلك الكرسي والمنصب السياسي غالي جدا على أصحابه ولم أسمع عن رئيس بلدية استقال من منصبه بسبب كثر الأثقال وبسبب كثرة المسئوليات ولم أسمع عن نائب في البرلمان الأردني يشكو من كثرة مسؤولياته بل كلهم على الأغلب يشكون من كثرة الخدمات التي يقدمها له الشعب الأردني, وقال لي مرة نائبا في البرلمان (أقسم بالله إني قرفان حالي من كثرة العزائم ومن كثرة ما تأتيني من هدايا) فكيف مثلا سيستغني هذا النائب عن منصبه طالما أن منصبه يخدمه ويعلي من شأنه دون أن يقدم للمؤسسة التي أوجدته أي خدمات, فرئيس النادي الثقافي يستفيد من النادي والنادي واللاعبين لا يستفيدون منه شيئا, والنائب يستفيد شخصيا من مجلس النواب ومن الشعب دون أن يستفيد منه المجلس أو الشعب شيئا, ورئيس الجمهورية يستفيد من الجمهورية ومن الشعب أكثر مما تستفيد منه رئاسة الجمهورية والشعب شيئا, نحن شعب متخلف وشعب أهوج وشعب أعوج, وليس من الغريب أن يقتل رئيس الجمهورية نصف عدد سكان شعبه في سبيل الاحتفاظ بمنصبه, وليس من المستغرب أو المستعجب في شيء أن يعيد رئيس النادي ورئيس المنتدى الثقافي ترشيح نفسه مرة ثانية وثالثة نظرا لأنه يستفيد من المؤسسة والمؤسسة لا تستفيد منه في شيء, وليس من المستعجب أن يعيد رئيس رابطة الكتاب الأردنيين ترشيح نفسه للانتخابات مرة أخرى أو يعيد تياره ترشيح نفسه بالكامل مرة أخرى لرئاسة رابطة الكتاب الأردنيين نظرا لأن المرشحين يستفيدون من رابطة الكتاب الأردنيين والرابطة والأعضاء لا يستفيدون منها أي شيء أبدا.
نحن شعب خائن يخون نفسه في أقوى وأعتى وأشد القضايا المصيرية, نحن نخون أنفسنا في مجلس النواب ونخون أنفسنا في رابطة الكتاب الأردنيين ونخون أنفسنا في النقابات, فرئيس النقابة المهنية يستفيد من النقابة الكثير الكثير وبنفس الوقت النقابة لا تستفيد منه أي شيء, لذلك مؤسساتنا متخلفة وتتراجع للوراء, مؤسسة البرلمان تتراجع للوراء وتتراجع معها الحياة النيابية والديمقراطية, والمؤسسة العشائرية تتراجع للوراء نظرا لأن زعماء القبيلة يستفيدون من مؤسسة القبيلة ومؤسسة القبيلة لا تستفيد منهم أي شيء أبدا, نحن شعب نخون ضمائرنا ونخون القانون ونخون الحرية ونخون التنمية لذلك البلديات في الأردن كلها مديونة وعليها كثير من الديون بسبب استفادة الأعضاء والرؤساء منها دون أن تستفيد مؤسسة البلدية من الرئيس والأعضاء أي شيء, لذلك لا يمكن أن تتطور مؤسساتنا ولا يمكن أن تتطور حياتنا طالما أننا نخدم بالمسئول الذي لا يخدمنا ونعتذر منه في الشارع وفي البيت وفي الجلسات العامة دون أن نرتكب أي خطأ.
نحن شعب متخلف لا نعطي المحتاج بل نأخذ منه, ولا نأخذ من الغني بل نعطيه ونتمنى له الزيادة, ولا نخدم المحتاج للخدمة بل نخدم غير المحتاج, وفي عطاء تزفيت الشوارع في قريتي قامت البلدية بتزفيت كل الشوارع غير المحفرة وغير الداخلة بالتنظيم بينما بقيت الشوارع المحفرة بدون لا زفته باردة ولا حارة, نحن شعب بصراحة مثل ما قال المثل(ما بنشخش على إيد المجروح).
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟