أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - يا من يحميني من نفسي















المزيد.....

يا من يحميني من نفسي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3360 - 2011 / 5 / 9 - 09:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كلما نظرتُ في مرآة الحلاقة التي أحلقُ عليها وجهي وأمشطُ عليها شعري أرتعبُ جدا من منظري, فأقول: معقول هذا منظر إنسان عاقل!!إن هذا منظر إنسان خطر على نفسه قبل أن يكون خطرا على الآخرين ويجب أن يحبسني أهلي بعيدا عن نفسي ولو كان عندي ولد مثلي أنا لحبسته بعيدا عن نفسه والناس, لأن أمثالي خطر على أنفسهم قبل أن يكونوا خطرا على الآخرين, لأنني متهور جدا, وقارئ نَهِمٌ جدا, ومشحون بكثير من الطاقات التي تنفجر جدا وكثيرا ما أفكر بالبحث عن شخصٍ آخر أعقل مني ليحميني من نفسي على الأقل أن يكون ذلك الشخص لا يشبهني في شيء, أو عن إنسان آخر يعيشُ حياتي بدلاً عني, آهٍ..آهٍ..يا من يحميني من نفسي, ويا من يخبؤني بعيدا عن متناول يدي, أنا لستُ أميناً على نفسي من قلمي ومن لساني ومن قلبي ومن جراحي, أنا لستُ إلا رجلا متهورا جدا, أنا لستُ إلا جاهلا في هذه الدنيا, أنا آكل بجهلي, وأنام بجهلي, وأعيشُ بجهلي, أنا لستُ إلا عدوا لنفسي , ويا أيها الضوء المسافر في أعماقي اكشف لي كل النواح المعتمة في أعماقي, ويا أيتها اللؤلؤة اختبئي في أعماق صدري حتى لا يراك أمثالي من الغطاسين والأشباح والمتهورين, ويا أيها الحزن الدفينُ في أعماقي أما آن لك أن ترحل مع الفرح الذي رحل بعيدا عني, إني أخافُ على ممتلكاتي من يدي التي تحملُ عودَ الثقاب أنا يجب أن تُبعدوني بعيدا عن المواد المشتعلة التي تشعل رجلا مثلي, فيجب أن لا أكون قريبا من الحرية, ويجب أن لا أكون قريبا من الرومانسية, ويجب أن يعيش أمثالي بعيدا عن الكُتب وبعيدا عن المصطلحات النقدية والفكرية والأدبية, أنا فعلا خطر على نفسي ولستُ أمينا على قلبي من تصرفاتي, فتصرفاتي كلها غوغائية ولا يمكن أن يتصرف الناس ُكتصرفاتي, فلا أحد يتصرف مثلي إلا جاهلاً بأمور الدنيا أو مجنونا نخبولا , فلا أحد غيري يهمل نفسه لمجرد التفرغ للكتابة أو للتفكير إلا رجل معتوه أو ناقص عقل ودين ووطن وحرية وشخصية, فلو كانت لي شخصية كاملة في وطن متكامل لَما بحثتُ طوال النهار عن حقوقي الضائعة ,أنا عدو لنفسي لأنني جاهل جدا في كل شيء, أنا لا أستطيع أن أفعل لنفسي شيئا أستفيد منه أنا وأولادي غير كتابة المقالات التي لا تغني ولا تسمن من جوع, ونظري في كل يوم يرجع للوراء ولم أعد أبصرُ الطريق التي أسلكها جيدا, أنا بحاجة لمن يحميني, فيا أيتها الكومة المتكونة في أمعائي أنا لا أستطيع هضمك لقد آذيتُ طوال تلك السنين معدتي بما هضمته من أشياء لا تستطيع هضمها حتى الضباع البرية المستوحشة لا تستطيع أن تهضم ما هضمته من معاني ومن شروح, إن الحروف المضاءة من جبهتي قد انطفأت, وإن النهار لا يريد الخروج بضوئه المنشق على العتمة, ومعدتي لا تريدُ ابتلاعي, لم أعد كما كنت في السابق أهضم نفسي وأبتلعَ نفسي وأتنفسُ هوائي, أنا لم أعد الطفل المتفتح الوجنتين أنا رجلٌ آذيتُ الطفل الذي في داخلي, فبعد أن كان ذلك الطفلُ بريئا أصبح اليوم خبيثا بفضل ما تعلمه من ثقافة وبفضل ما حفظ من قوانين, لقد نجستني الكتب, ولقد نجستني الثقافة, فأبعدوا الكتبَ والثقافةَ بعيدا عني, لقد كنت قبل الثقافة محافظاً جدا, ولقد كنت قبل الثقافة والوعي أعيش في أقسى اليمين, وأنا اليوم آذيت الطفل الذي كان بريئا والذي كانت كل الناس تحبه بسبب براءته ولطافته, أما اليوم فأنا مكروه من الجميع لأنني تعلمت بفضل الكتب الكثير من الكذب, وعندي كما يقولون أفكار يعجز الشيطان عن خلق أفكارٍ مثلها, ولقد خسرتُ في هذا العمر ما خسرته, لم أكسب شيئاً, ولم أحمل معي مما أحب أن أحمله شيئا, وكل الأحمال على ظهري ثقيلة, يا نارا تأكلُ أمعائي إنها اليومَ تأكلني كلي من رأسي حتى قدمي, ويا بردا يقص بزمهريره أرجلي من الأسفل ارحل عني أو قصقصني كلي واجعلني مثل قُصاصات الورق, ويا محطة المسافرين أريحيني على مناضدك قليلا إني تعبتُ مني, ويا شبحا في داخلي يرعبني إني مرتعبٌ جدا من كلماتي, اسمع مني, لقد غلبني النعاسُ وأخذتني الغفوة على الأبواب الموصدة في وجهي, ويا كنزا مدفونا تحت الخاصرة, إن الناس يبحثون عنك في داخلي بمعاولهم وبأدواتهم الحربية ويبحثون عني, ويا من له قلبا كقلبي اعشق يوما بدلا عني واتعب يوما بدلا عني, ويا من له عيناً كعيني أبصر في هذه الساعة الشفقَ الأحمر بدلا عني, ويامن له سحرا كسحري, ويامن له جرحا كجرحي انزف في هذه اللحظة بدلا عني, احمل عني, وانهض عني, وأفق يوما في الليل بدلا عني, ويا أيتها المجار ير والمعاول اجرفيني وأبعديني بعيدا عني, ويا أيتها الصناديق المقفلة خبئيني من سيفي, احمليني أيتها الريح وبعثريني مثل أوراق الخريف التي تبعثرينها أو ذريني مثل الرماد ولا تعيدني,, واضربيني يا أيتها الغيوم بحبات البرد وبحبات المطر ولا تبقي مني أثرا يدل على طول السفر, وأسكنيني أيتها الراحة الأبدية واسكني دمي يا مدفئة شتوية واحميني مني أنا, وقلّمي أظافري يا أيتها الصبية الناعسة على نافذة البيت, وأمهليني يا أيتها الأقدار الحزينة ريثما أعود من السفر, وخذيني يا شمس خلفك لكي لا أرى ظلي, إن ظلي يزعجني قصره أحيانا وطوله أحياناً أخرى, وخذيني يا شمس خلف أشعتك الذهبية لكي لا أذوب تحتك كقطعة ثلج على جبل الشيخ إني مللتُ من ذوباني طوال فصل الصيف, وإن مللتُ من جرياني بين الأضلع وبين الشامات وبين الوجنات الملتهبة,, وامسكي بيدي يا أيتها الأغنية الجميلة إني سئمتُ من ألحاني ومن أشجاني ومن مواويلي على مقام الرست والبيات والعجم, واحضنيني يا أيتها الأم التي نسيت كيف تحضن الأطفال حين يأت المساء بثوبه الأسود فلقد نسيت كيف أعود ابنا أو ولدا, لقد مللتُ من شعوري بالإحساس الأبوي, أريد أن أعود ابنا ضالا أو ابنا تائها, ويا أيتها الأرض القابعة تحتي ألم يحن الوقت لألقي عليك بسلاحي الذي تعبتُ من حمله لقد مللتُ سلاحي الذي أجرح به نفسي, فأنا لا أجرح أحدا غيري, وأنا لا أقتلَ حياً غيري, وأنا لا يؤذي إنسانا غيري أنا, فأنا كل إيذاء آذيتُ نفسي طويلا وما زلتُ أؤذيها , لقد تعبت يا أرضُ من مشيي فوقك وركضي وهرولتي فوقك ومللتُ من السباق مع الزمن, ودعيني يا رائحة العطر على ثوب أمي المزركش بأشعاري وكلماتي, وسيري يا قافلة الحياة ولا تتوقف مهما اعترتك الظروف ومهما كابدت من الآلام , ويا أيها الصبح الندي برائحة الصباح الجميلة دعني أشتم ولو مرة رائحة قهوتك ورائحة سحرك لأكتشف ما بك من أسرار ومن ألغاز, فلقد كرهتُ رائحتي التي تطلعُ على أنفي كل مساء.

أنا على الباب أقف وحدي وكلهم قد رحلوا, فلماذا أعيشُ لوحدي؟ ولماذا أذوب تحت الشمس لوحدي, وأنا على الطريق أسير بمفردي, وأنا في غرفة نومي أتقلب بجسمي وبعيوني ولا نومٌ يأتيني ولا صحو يأتيني وأنا جدا مرهق من أفكاري وأحلامي وعتابي, فخذني أيها الخوفُ بعيدا عنك ولا تدع يدك في عنقي, وخذيني يا سماء وطهريني, وامسحيني يا أيتها الذكريات من الذاكرة اللعينة, أنا أصبحت اليوم أخجل من نفسي ومن الماضي وأخجل من تاريخي, وتخنقني الذكريات التي أتذكرها حين كنت أمسك بيدي القلم والورقة باحثا عن ملجأ ألجأ إليه كما يبحث العصفور ساعة الهاجرة عن ظلٍ يؤويه من حر الشمس وسحر النار وكراهية الموت, ويا أيتها الأقمار..ويا أيتها النجوم لا تجعليني أحسب أعدادك وحدي, ولا تدعيني على قارعة الطريق, لقد نفذ مني زيتَ شبابي وانطفأت كل المصابيح من حولي فلا نورٌ أستهدي به ولا ريح أمد لها ذراعي كشراع سفينة مهاجرة في البحر.






#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعطونا مزيدا من الوقت
- الذين تعلموا بي
- واحد أقوى من مليون
- مؤمن جدا فاسد جدا
- شيء في رأسي
- الشخصية النرجسية
- يا مسلم هذا يهودي يختبأ خلفي
- الجو بارد
- المرأة فاتحة وخاتمة أي موضوع
- سر الكلمات
- تعلّم الشيوعية في خمسة أيام بدون معلم
- ملوك مزيفون
- ذبحوا الشعب
- وأنا سكران
- إما حكمي وإما حكم الآلهة
- الملوك والمدراء والرؤساء العرب
- طريق المواطن الأردني
- الحاكم والشعب والإله
- فوائد الصُحف الأردنية
- الثرثار1


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - يا من يحميني من نفسي